تخطط فرنسا لإلغاء جنسية أبناء جزيرة مايوت، إذ أعلنت إجراء تعديل دستوري يلغي حق مواليد الجزيرة الفرنسية المسلمة في الحصول على الجنسية بدعوى أن التعديل سيساعد في وقف أزمة الهجرة غير الشرعية.
وقبل أن نتحدث عن الجزيرة التي احتلتها فرنسا قبل نحو قرنين من الزمان وتاريخ الجزيرة ذات الأغلبية المسلمة والتي كانت جزءاً من أرخبيل جزر القمر، دعونا نتحدث عن القرار الذي أعلنه وزير الداخلية خلال زيارته الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي.
فرنسا تدرس منع تجنيس أبناء جزيرة مايوت
أعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانين عزم السلطات إنهاء "حق الأرض" المتعامل به، الذي يمنح الجنسية الفرنسية لكل شخص يولد على أرض الجزيرة، مؤكداً أنه إجراء قوي للغاية وواضح، كما أكد دارمانان أن إدارته "ستتخذ قراراً راديكالياً" وسيطرح للمناقشة قبل أن يقرر بشأنه رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون.
"لن يكون باستطاعة أي شخص الحصول على الجنسية الفرنسية ما لم يكن ابناً لأبوين فرنسيين" – وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين
دارمانان اعتبر أن هذا المشروع سيضع حداً لجاذبية الجزيرة لعدد كبير من الناس، لا سيما من جزر القمر المجاورة والمهاجرين المحتملين، فيما أكد أن القرار سيقتصر على أرخبيل مايوت.
هذا المشروع أدانه اليسار باعتباره "هجوماً آخر على القيم الفرنسية"، لكنه لاقى إعجاب أحزاب اليمين واليمين المتطرف. فقد أكد رئيس حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية (وسط اليمين) فرنسوا بايرو، أنه سبق واقترح هذا المشروع عام 2007، فيما وصفه حزبا الجمهوريون والتجمع الوطني (يمين متطرف) بـ"الجريء"، وجاء بعد أسابيع من مظاهرات نظمتها الأحزاب اليمينية للتنديد بـ "انعدام الأمن وثقل الهجرة غير الشرعية على هذه الجزيرة"، حسب موقع "فرانس 24" المملوك للحكومة الفرنسية.
قوانين تجنيس صارمة لأجل الجزيرة الفرنسية المسلمة
عامةً يمنح الدستور الفرنسي الجنسية للمواليد لأب أو لأم فرنسية، أو للطفل المولود على الأراضي الفرنسية بشروط تتعلق بجنسية الوالدين أو مكان ولادتهم، كما تمنح الجنسية للأطفال شريطة قضاء عدد معين من السنوات في فرنسا قبل بلوغ سن الرشد.
ينطبق ذلك على كل الأراضي الفرنسية باستثناء جزيرة مايوت رغم أنها تعتبر أرضاً فرنسية، إذ يشترط شروطاً إضافية تتعلق بضرورة أن يكون والدا الطفل المولود على الجزيرة مقيمين بشكل قانوني في فرنسا حين ولادته، قبل إعلان الحكومة نية تشديد هذه القواعد الخاصة بـ الجزيرة الفرنسية المسلمة، ومناقشة البرلمان الفرنسي قوانين صارمة للهجرة بدأها منذ ديسمبر/كانون الأول 2023، تحت ضغط اليمين.
شمل قانون الهجرة الخاص بالجزيرة الفرنسية المسلمة بنوداً تتعلق بتقليص الإعانات الاجتماعية ولمّ الشمل، إضافة إلى فرض نظام حصص خاصة بالهجرة يحددها البرلمان، لكن رفضت أعلى سلطة دستورية في فرنسا، وهي المجلس الدستوري أكثر من ثلث البنود الواردة بالمشروع في يناير/كانون الثاني 2024. بالإضافة لرفض المحكمة 32 تعديلاً من أصل 86 على أساس أنها لا تتعلق بموضوع القانون.
تاريخ الجزيرة الفرنسية المسلمة: قصة اسمها العربي واحتلال فرنسا
عدد سكان الجزيرة: 310 آلاف نسمة
الدين: 97% من السكان مسلمين
اللغات: الفرنسية، ماوري، بوشي
لمن يسمع عن الجزيرة لأول مرة، يلاحظ ذكر مجاورتها لجزر القمر، وفي الحقيقة كان يُمكن أن تكون هذه الجزيرة جزءاً رسمياً من جزر القمر، وبشكلٍ عام فإن جزر الأرخبيل ذات أغلبية مسلمة، وبشكل يخص جزيرة مايوت فهي أيضاً ذات أصل عربي، واشتق اسمها من كلمة عربية.
بسطت فرنسا سيادتها على جزيرة مايوت منذ عام 1841، وحينها اشترت باريس الجزيرة التي كانت تتعرض باستمرار لهجمات القراصنة. ثم في عام 1912، احتلت فرنسا جزر القمر بشكل كامل.
اسم الجزيرة الفرنسية المسلمة كان اسماً عربياً، إذ كان اسمها العربي القديم "جزيرة الموت" وذلك لأنها كانت محاطة بشُعب مرجانية تحطم السفن القادمة إليها، وقد غيّرت باريس اسم الجزيرة بالاشتقاق من الاسم العربي وحولته من "موت" إلى "مايوت"، حسب تقرير لوكالة "الأناضول".
فرنسا منحت الجزر المستعمرة حرية التصرف في المسائل الداخلية، في عام 1961، لكن بعد 3 أعوام بدأت الجزر تطالب بالاستقلال، وبعد كفاح طويل ضد الاستعمار، قررت السلطات الفرنسية إجراء استفتاء حول الاستقلال في جزر القمر عام 1974.
صوّت 95% من سكان جزر القمر الكبرى، وأنجوان، وموهيلي، ومايوت، لصالح استقلال بلادهم، وبالفعل اعترفت الأمم المتحدة باستقلال جزر القمر بعد 5 أشهر من الاستقلال، لكن فرنسا أعادت الاستفتاء بعد عامين، وقررت التعامل مع استفتاء كل جزيرة على حدة.
حينها صوّتت جزيرة "مايوت" لصالح البقاء تحت الإدارة الفرنسية بنسبة 65%، في وقتٍ أعلنت فيه الجزر المجاورة الأخرى بالأرخبيل استقلالها مشكّلةً جمهورية جزر القمر بنسبة تصويت بلغت 95%. رغم أن نصف سكان الجزيرة لا يحملون الجنسية الفرنسية كما أشار فيلم وثائقي لـ "الجزيرة".
أعلنت فرنسا قبولها استقلال جزر القمر ما عدا جزيرة مايوت (في الأول من يناير/ كانون الثاني 1976)، لكن الأمم المتحدة لم تعترف بسيطرة فرنسا على الجزيرة، وكذلك جامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي. يذكر أن جزر القمر تعتبر دولة عربية رسمياً بانضمامها الرسمي لجامعة الدول العربية في عام 1993.
لكن الجزيرة حصلت على اعتراف الاتحاد الأوروبي لتصبح العضو الأبعد في منطقة الشنغن عام 2014، لتصبح أول أرض مسلمة تنضم للاتحاد الأوروبي، وذلك بعد 3 أعوام من قسم الجزيرة القسم الفرنسي رقم 101 بعد استفتاء آخر أجري عام 2011، ووقتها كان نحو نصف سكان الجزيرة لا يحملون الجنسية الفرنسية.
ورغم اعتبارها أراضيَ فرنسية، إلا أن تصاريح الإقامة الصادرة للوافدين الأجانب إلى مايوت صالحة للجزيرة فقط، ولا يمكن استخدامها للسفر إلى البر الرئيس لفرنسا علاوةً على الاتحاد الأوروبي.
لماذا جزيرة مايوت ثروة مميزة؟
هناك أسباب اقتصادية وجيوسياسية تجعل فرنسا تتمسك بجزيرة مايوت، وواحد من أسباب ذلك هو الثروة النفطية للجزيرة، وتمتلك احتياطات من الغاز الطبيعي، كما أشار مركز البحوث الإنسانية والاجتماعية في تركيا. وتوجد شركات فرنسية مثل "سيجما" و"لافارج" و"توتال" في الجزيرة لاستخراج الثروات الطبيعية الموجودة بها.
كما تعتبر الجزيرة الفرنسية المسلمة واحدة من أهم مصادر مصادر زهرة "الأيلنغ"، التي تستخدم في صناعة العطور ومستحضرات التجميل، وهي الزهرة التي تدخل في تركيبات بعض أهم العطور الفرنسية الشهيرة.
فضلاً عن أنها جزيرة تغوص في حوض أسماك ضخم متنوع بيولوجياً، إذ تحيط بها واحدة من أكبر البحريات المغلقة في العالم، كما تعتبر الجزيرة وجهة سياحية لمحبي الغوص لاكتشاف هذا العالم المميز بالسلاحف والحيتان أيضاً.
بسيطرة فرنسا على جزيرة مايوت مع جزر أخرى في المحيطين الهادئ والهندي، تمتلك فرنسا حضوراً بحرياً عالمياً بينها، كما تمتلك مناطق اقتصادية خالصة تُقدَّر بـ11.7 مليون كيلومتر مربع، وهي ثاني أكبر منطقة اقتصادية خالصة في العالم تتمتَّع بها دولة ما. فضلاً عن توقع امتلاك بحار الجزر القمرية ثروات نفطية وغاز ضخمة لم تكتشف بعد.
ورغم هذه الثروات الكبيرة، إلا أن أكثر من 40% من سكان الجزيرة الفرنسية المسلمة يعيشون على أقل من 160 يورو شهرياً، حسب المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية "إنسا".
مواطنو جزر القمر ممنوعون من دخول جزيرة مايوت بقرار فرنسي
فرضت فرنسا تأشيرة دخول لمايوت على مواطني جزر القمر في عام 1995، أعقبها نشاط الهجرة غير المقننة بعبور مواطني الجزر الأخرى بقوارب صغيرة تقطع مسافة 70 كيلومتراً تفصلهم عن الجزيرة الفرنسية المسلمة.
نشاط هذه الهجرة للنساء الحوامل اللاتي يضعن أطفالهن هناك ليحصلوا على الجنسية الفرنسية، لكنه أيضاً كان سبباً في خسارة ما بين 7 إلى 10 آلاف شخص أرواحهم، إذ قضى هذا العدد بين عام 1995 إلى عام 2012، حسب تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي، وسط حديث عن أرقام أعلى بكثير.
يرى تقرير مركز الأبحاث السالف ذكره أن فرنسا تخرّب وحدة أراضي جزر القمر بفصلها جزيرة مايوت عن باقي جزر الأرخبيل وتعاملها معها باعتبارها مستعمرةً لها.
جزر القمر وجزيرة مايوت
ذكر سفير جزر القمر السابق في الرياض والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية حامد كرهيلا في مقال نشره بجريدة "الشرق" القطرية، أن "فرنسا تسعى لتكريس وجودها في جزيرة مايوت القمرية دون اعتبار لقرارات الأمم المتحدة بينها قرار رقم 3385 الصادر في الدورة (30) المنعقدة في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1975 والخاص بالموافقة على استقلال جزر القمر بجزرها الأربع عن فرنسا، وبسيادتها الكاملة وسلامة أراضيها ووحدتها، وقبول عضويتها في المنظمة الدولية".
انتقد سفير جزر القمر السابق النهج الفرنسي في الترحيل القسري لآلاف القمرين المقيمين في جزيرة مايوت إلى جارتها جزيرة أنجوان التي تبعد نحو 27 كيلومتراً عنها وذلك لعدم امتلاكهم أوراقاً ثبوتية فرنسية. يذكر أن 48% من سكان الجزيرة الفرنسية المسلمة هم من سكان جزر القمر وفق ما نقلته "فرانس برس" نقلاً عن غرفة الحسابات الإقليمية.
كما لفت إلى ما سمّاه: "ترحيل عدد هائل من جنسيات أخرى إلى وطننا وفرضهم علينا"، وعبر عن مخاوفه من أزمات طائفية قد تنتج عن ذلك. وكان المتحدث باسم حكومة موروني حميد مسعيدي قال في أبريل/نيسان 2023 إن "جزر القمر لا تنوي استقبال المطرودين بالعملية التي خططت لها الحكومة الفرنسية في مايوت"، وهو ما أكده وزير الداخلية القمري فكر الدين محمود بأن "الحكومة لن تقبل بعمليات الطرد"، حسب التصريحات التي نقلتها "فرانس 24".
بدأت فرنسا ترحيل ما متوسطه 25 ألف مواطن قمري سنوياً من جزيرة مايوت منذ عام 2018، فيما منحت حكومة جزر القمر نحو 150 مليون يورو لمكافحة ما وصفته بالهجرة "غير الشرعية" للقمريين بين 2019-2022.
النفوذ الفرنسي يقوض التطور العربي حتى في جزر القمر
"ترسيخ وجود نفسها بشكل دائم كقوة عظمى في غرب المحيط الهندي على حساب عشرات الآلاف من القمريين والأفارقة الآخرين"
كان هذا هو الهدف الذي رآه مرشح الرئاسة السابق لجزر القمر من هذه الإجراءات الفرنسية بجزيرة مايوت، كما أشار إلى التدخلات الأوروبية بنفوذ فرنسي في شؤون جزر القمر، واعتبر أن ذلك "من أجل التحكم بهذا الموقع الاستراتيجي ووضع قبضتها الحديدية على ثروتنا البترولية". أشار السفير القمري كرهيلا أيضاً إلى تدمير متعمد للأحياء الفقيرة التي يسكن فيها آلاف القمريين من الجزر الثلاث المستقلة.
كما أشار إلى عرقلة التطور داخل جزر القمر نفسها، مشيراً إلى مثال تعطيل الشركة العربية لصيد الأسماك في جزر القمر وإغلاق أبوابها وإيقاف عملها بعد توظيف آلافاً من القمريين"، مشيراً إلى "تدخل دول عظمى من الاتحاد الأوروبي بنفوذ فرنسي"، واتهمها بالاستفادة من ثروة جزر القمر السمكية.