تحدث موقع Middle East Eye البريطاني إلى شباب أمريكيين يهود يرفضون الربط بين اليهودية والصهيونية بل يعادي بعضهم الصهيونية٬ وغالباً ما يعني ذلك أن يُهمَّش هؤلاء داخل مجتمعاتهم. وبعد حرب غزة٬ ارتفعت أصوات هؤلاء وباتوا جزءاً لا يتجزأ من الحراك العالمي التضامني مع فلسطين وغزة. فلماذا يناهض كثير من يهود أمريكا الصهيونية؟
يهود أمريكا ومناهضة الصهيونية.. كيف بدأت الصحوة؟
هناك صورة واحدة محفورة إلى الأبد في ذهن الأمريكية اليهودية هانا ستولزر. وهي صورة نُشِرَت على وسائل التواصل الاجتماعي بتاريخ 10 أكتوبر/تشرين الأول. كانت تلك صورةً لعمليةٍ جراحية في أحد مستشفيات غزة.
كانت الصورة تحتوي على رسالة بسيطة، مكتوبة بأحرف كبيرة وبالحبر الأزرق: "من يبقى حتى النهاية، سوف يروي القصة. لقد فعلنا ما بوسعنا. تذكرونا". هذه الكلمات القوية جعلت ستولزر تقف مع نفسها وتتساءل: "كيف يمكنك أن تنظر إلى ذلك ولا تتحرك؟".
في 10 يناير/كانون الثاني، استُخدِمَت الصورة كدليل في محكمة العدل الدولية، حيث اتهمت جنوب أفريقيا إسرائيل بانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية في قصفها المتواصل وحصارها لغزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول عندما اندلعت الحرب.
ستولزر هي مواطنة أمريكية يهودية، تبلغ من العمر 24 عاماً، وتدعم فلسطين بفخر كما تقول لموقع MEE البريطاني. وهي واحدة من آلاف اليهود الذين يرون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني. لكن بالنسبة لكثيرين مثلها، لم يكن الأمر هكذا دائماً.
نشأت ستولزر ولم تدرس قط تاريخ إسرائيل وفلسطين. التحقت بالمدرسة العبرية وتعلمت منذ صغرها أن "إسرائيل هي الأرض المقدسة للشعب اليهودي فقط".
وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، ذهبت في رحلة نظمتها منظمة Birthright إلى إسرائيل. تقدِّم هذه المنظمة رحلةً مجانية لمدة عشرة أيام إلى إسرائيل، مع توقف في القدس ومرتفعات الجولان المحتلة، من بين أماكن أخرى. والشباب من ذوي التراث اليهودي، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و26 عاماً، مؤهلون للرحلة التي تمولها دولة الاحتلال الإسرائيلي والجهات المانحة.
قالت ستولزر إنها كانت محرجة من الاعتراف بذلك، لكنها ذهبت في الرحلة جزئياً، لأنها كانت مجانية ولأنها كانت لمنطقةٍ تاريخية.
صدمة تبعها نبذ من المجتمع اليهودي
أخذت ستولزر وقتها للتعرف على تاريخ فلسطين والاحتلال القائم هناك، وعلمت أن مئات الآلاف من الفلسطينيين هُجِّروا قسراً خلال نكبة 1948. وعلمت بشأن الأطفال الذين قُتِلَ آباؤهم، والآباء الذين قُتِلَ أبناؤهم. وأخذت تقرأ بكثافة حول هذا التاريخ.
مثل كثيرين آخرين، قوبِلَت ستولزر بكثير من الرفض من مجتمعها. وفي بعض الأحيان، كانت تبذل جهداً مضنياً لتثقيفهم بالتاريخ. لكن في أحيان أخرى، تشعر بأنه لا فائدة من ذلك.
أوضحت ستولزر أنها على علم بما يتعلمه الطلاب اليهود عن غزة داخل إسرائيل وخارجها. وتقول إنها تدرك ما قيل لهم طوال حياتهم. وقد أخبرها أفراد من مجتمعها اليهودي بأنها "تتجاهل" دينها، وهو الأمر الذي لا توافق عليه تماماً. لذا تقول إنها ترفض التزام الصمت، وباعتبارها يهودية في الولايات المتحدة فإنها تشعر بأنه من المهم أن تتكلم.
تقول ستولزر إن أكثر ما يزعجها هو أن الناس في المجتمع اليهودي يثيرون الخوف من الإبادة الجماعية للشعب اليهودي. تقول إنهم يذكرون معاداة السامية وكيف أن هناك أشخاصاً يريدون قتل اليهود، وبينما تعلم أن هناك حقيقة في ذلك، قالت إنها ليست الحقيقة بأكملها.
البداية من تعلُّم تاريخ فلسطين
كارلي شوستر امرأة يهودية تبلغ من العمر 28 عاماً، من فلوريدا. وهي تحضر بانتظامٍ الاحتجاجات في غينزفيل بولاية فلوريدا، والتي يقودها زميلها الفلسطيني، أيام الأحد عند زاوية التقاطع الرئيسي في مدينتها الجامعية٬ كما تقول لموقع MEE البريطاني.
غالباً ما تنطلق السيارات التي تسير بالقرب من الدعم أو يرفع السائقون قبضاتهم وأعلامهم. ومع ذلك، فقد تعرضت شوستر للمضايقات؛ لكونها يهودية. صرخ أحدهم فيها من قبل، قائلاً إنها ومن معها يريدون قتل جميع اليهود. لكن مع ذلك، كل يوم أحد، تشق شوستر طريقها إلى تلك الزاوية وتهتف من أجل تحرير فلسطين.
ومثل ستولزر، التحقت شوستر بالمدرسة العبرية وقامت برحلة إلى إسرائيل عندما كانت في الكلية. تمحورت غالبية تعليمها حول "تراث الهولوكوست".
بدأت رحلتها إلى ما تسميه "الحقائق الباردة والقاسية للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين" منذ سنوات عديدة مع كتاب "صباحات في جنين" للكاتبة سوزان أبو الهوى، والذي يرسم صورة مروعة للواقع الفلسطيني. وانتهت شوستر مؤخراً من قراءة كتاب المؤرخ اليهودي إيلان بابي "التطهير العرقي في فلسطين"، وتوصي الجميع بقراءته.
منذ عام 2014، اتهمها العديد من اليهود في مجتمعها، ومن ضمنهم أفراد عائلتها، بأنها يهودية تكره نفسها. قيل لها إنها لا تعلم شيئاً، وإن إسرائيل تقوم بتزويد غزة بالكهرباء والمياه، وإن "هناك دولاً عربية كثيرة، لماذا لا يذهب الفلسطينيون إلى أيٍّ منها؟".
كلما تعمقت شوستر في قراءة تاريخ الشرق الأوسط، زاد اقتناعها بأن الصهيونية وإسرائيل هما استراتيجيتان عسكريتان لضمان معقل غربي في هذه المنطقة. أوضحت قائلةً: "العنف الذي ارتُكِبَ ضد السكان الأصليين للأرض أمر لا يغتفر ويجب إدانته".
بالنسبة لشوستر، كونك يهودياً أمريكياً اليوم يعني أن تكون مناهضاً للصهيونية، ويعني التحرك من أجل سحب الاستثمارات من إسرائيل بأي طريقة ممكنة، ولا يتنافى مع ممارسة الشعائر اليهودية مع الأصدقاء والعائلة. قالت إن ذلك يعني أن تحب عائلتها رغم أنه لا يمكنهم تجاوز صهيونيتهم.
إسرائيل والهوية اليهودية الأمريكية.. البون يتسع
وفقاً لمنظمة الصوت اليهودي من أجل السلام -التي تصف نفسها بأنها أكبر منظمة يهودية تقدمية مناهضة للصهيونية في العالم- فإن عدداً أكبر من اليهود الأمريكيين، صغاراً وكباراً، "مناهضون للصهيونية أكثر من أي وقت مضى".
قالت سونيا ميرسون نوكس، مديرة الاتصالات في منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام: "إن المنظمة مناهضة للصهيونية ونحن نعلن ذلك صراحةً". أوضحت نوكس أنه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، تضاعفت عضوية المنظمة، وتزايد المؤيدون المتابعون.
وفي استطلاع للرأي أُجرِيَ عام 2022 لليهود الأمريكيين، عندما عُرِّفَت الصهيونية بأنها "الاعتقاد بتفضيل الحقوق اليهودية على الحقوق غير اليهودية في إسرائيل"، قال 69% من اليهود الأمريكيين إنهم ربما كانوا صهيونيين أو بالتأكيد لا.
وفقاً لمعهد بروكينغز، حتى قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، كانت هناك اختلافات واضحة بين الأجيال في مواقف الأمريكيين تجاه إسرائيل، وهو ما انعكس في الاختلافات بين الأمريكيين اليهود الأكبر سناً والأصغر سناً.
وفي مارس/آذار 2023، وجدت مؤسسة غالوب أن التعاطف الديمقراطي في الشرق الأوسط يكمن الآن مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، بموجب 49% مقابل 38%.
جيل يهودي جديد ينقلب على ما نشأ عليه
لدى الأمريكيين الأكبر سناً مواقف أكثر إيجابية تجاه إسرائيل من الشباب. وفي استطلاعات معهد بروكينغز، كان لدى 61% ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً نظرة إيجابية تجاه الشعب الفلسطيني. وعندما سئلوا عما إذا كانوا مؤيدين للشعب الإسرائيلي، أجاب 56% بـ"نعم".
أما بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و49 عاماً، فعندما سئلوا عما إذا كانوا يشعرون بالتعاطف تجاه الشعب الإسرائيلي، أجاب 65% بـ"نعم"، وعندما سئلوا عما إذا كانوا يشعرون بالتعاطف تجاه الفلسطينيين، أجاب 55% بـ"نعم".