انطلقت الانتخابات الباكستانية العامة اليوم، الخميس 8 فبراير/شباط في وقت شديد الحساسية في تاريخ البلاد، حيث تخيّم عليها المشكلات الاقتصادية والاشتباكات السياسية العنيفة والمخاوف الأمنية المتزايدة.
وتعهد المرشح الأوفر حظاً في الانتخابات الباكستانية، الذي تولى رئاسة الوزراء 3 مرات سابقاً، نواز شريف، باستعادة الاستقرار ورسم طريق نحو الرخاء. لكن حتى لو تمكن شريف من تشكيل حكومة، فسوف يظل لزاماً عليه أن يتعامل مع المؤسسة العسكرية الجريئة، التي لعبت منذ فترة طويلة دوراً كبيراً في السياسة الباكستانية.
وتحكم البلاد حكومة مؤقتة بقيادة أنوار الحق كاكر، تشكلت بالأساس للإشراف على الانتخابات الباكستانية العامة، وذلك بعد حل البرلمان الوطني والحكومة الفيدرالية في الصيف الماضي.
عمران خان الغائب الحاضر في الانتخابات الباكستانية
وتخيّم على التصويت في الانتخابات الباكستانية ظلشخصية عمران خان، زعيم المعارضة الشعبوي الذي أُدِين مؤخراً في 3 قضايا، وهو في السجن منذ اعتقاله في أغسطس/آب. ويعتبر حزب خان هذه القضايا القانونية جزءاً من حملة لتحييده هو وحلفائه، وأدانت أعلى هيئة لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة يوم الثلاثاء، 6 فبراير/شباط، "نمط المضايقات" ضد أعضاء حزبه وأنصاره.
ورفضت الحكومة المؤقتة في باكستان الاتهامات بشن حملة قمع حكومية، وصورت الاعتقالات والمداهمات على مكاتب حزب خان على أنها ضرورية للحفاظ على الاستقرار.
وقبل أشهر، وصف عمران خان اعتقاله على منصة تويتر بأنه "خطة لندنية"، في إشارة واضحة إلى التأثير المزعوم لنواز شريف على باكستان، كما اتهم خان قائد الجيش الباكستاني بإصدار الأمر باعتقاله بتهم فساد.
خان يتهم الجيش بإسقاطه ومحاولة اعتقاله أثبتت أنها عملية صعبة
كان العامان الماضيان مضطربين بالنسبة لباكستان، وتأمل المؤسسة الحاكمة في البلاد أن تؤدي الانتخابات الباكستانية إلى استعادة القدرة على توقع الأحداث والهدوء.
وأدت إطاحة خان من رئاسة الوزراء في أبريل/نيسان 2022، إلى أشهر من التوترات المتزايدة مع الجيش، الذي لامه خان على سقوطه السياسي. وتمتلك باكستان تاريخاً من اعتقال وسجن القادة السابقين الذين يختلفون مع الجيش، لكن الجهود المبذولة لاعتقال خان بتهم الفساد في أوائل العام الماضي أثبتت أنها معقدة للغاية، وأدت إلى اشتباكات بين قوات الأمن وأنصاره.
وقارنت الحكومة الباكستانية أعمال الشغب التي تلت ذلك، والتي تقول السلطات إنها استهدفت أيضاً منشآت عسكرية، بالهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي في 6 يناير/كانون الثاني 2021، الذي شنه أنصار دونالد ترامب.
وكادت السلطات الباكستانية أن تفكك حزب خان، إذ سجنت العديد من قادته واعتقلت الآلاف من مثيري الشغب. لكن خان لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة ويشعر أنصاره بالغضب. ولا يعتقد أيٌ منهم تقريباً أنَّ حزبه لديه فرصة واقعية ليكون جزءاً من الحكومة المقبلة. لكن أحد الأسئلة الرئيسية هو كيف سيكون رد فعلهم وقيادتهم الحزبية على النتائج.
التهم الموجَّهة إلى نواز شريف اختفت فجأة من أروقة المحاكم
وبينما واجه خان سيلاً من القضايا أمام المحاكم، اختفت مشكلات شريف القانونية الواحدة تلو الأخرى، ويبدو أنه استفاد من تحول موقف الجيش من عمران خان من التحالف إلى العداء.
وانتهت فترات شريف الثلاث في رئاسة الوزراء قبل الأوان وسط توترات مع الجيش، بما في ذلك ولايته الأخيرة، عندما أُطِيح في عام 2017 وحُكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات بتهم الفساد. وسمحت السلطات لاحقاً لشريف بالمغادرة إلى لندن، وبقي هناك في المنفى حتى الخريف الماضي.
ثم وسط علامات التقارب بينه وبين المؤسسة العسكرية، نظم شريف في أكتوبر/تشرين الأول عودة مخططة إلى لاهور، مسقط رأسه.
وقال مايكل كوغلمان، محلل شؤون جنوب آسيا في مركز ويلسون في باكستان: "من الواضح أنه عاد إلى حظوة الجيش، وهو أمر مفيد للغاية إذا كنت قائداً مدنياً وتريد أن تصير رئيساً للوزراء. لم يكن بإمكانه العودة إلى باكستان ورؤية الكثير من التهم القانونية تتلاشى لو لم يتوصل إلى نوع من الترتيبات مع الجيش".
ما المفاجآت التي قد تحملها الانتخابات الباكستانية؟
وحذّر كوغلمان قائلاً: "عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ بالسياسة الباكستانية، لا يمكنك أبداً استبعاد حدوث مفاجأة".
ويبدو أنَّ حزب شريف، الرابطة الإسلامية الباكستانية التي تنتمي إلى يمين الوسط، لديه الطريق الآمن نحو الفوز بأغلب المقاعد في البرلمان وتشكيل الحكومة بعد الانتخابات الباكستانية. ومن الممكن أن يشكل حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية (جناح نواز) ائتلافاً مع حزب الشعب الباكستاني الذي ينتمي إلى يسار الوسط، بقيادة بيلاوال بوتو زرداري، الذي يمثل عائلة سياسية كبرى أخرى، أو مع عدد من الأحزاب الأصغر حجماً.
وفي المجمل، يتنافس في الانتخابات الباكستانية أكثر من 5000 مرشح من نحو 170 حزباً على مقاعد في البرلمان.
في حين جُرِّد المرشحون الذين يتنافسون على بطاقة حزب خان من رمز حزبهم في الأسابيع التي سبقت الانتخابات، لذلك يتعين عليهم التنافس باعتبارهم مرشحين مستقلين. ويفتح هذا احتمال أن يحاول حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح نواز أو أحزاب أخرى إقناع حلفاء خان بالانضمام إليهم بعد يوم الانتخابات.
نواز شريف ركز على مشروعات البنية وقد يكون عليه الاختيار بين رغبات الناس وصندوق النقد
بالنسبة لشريف (74 عاماً)، فإنَّ الفوز بولاية رابعة في منصبه سيكون فرصة لتعزيز هيمنة عائلته على السياسة الباكستانية وتغيير حظوظ حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح نواز الذي بدا وكأنه يتضاءل في السنوات الأخيرة.
وركز شريف في الماضي على مشروعات البنية التحتية والنمو الاقتصادي التي هيمنت على حملته خلال الأسابيع الماضية.
لكن الخبير الاقتصادي الباكستاني عابد قيوم سوليري، قال إنَّ من يقود الحكومة الباكستانية المقبلة سيواجه خيارات اقتصادية صعبة. وأوضح سوليري أنَّ شريف قد يجد نفسه مجبراً على دعم "قرارات اقتصادية غير حكيمة، لكنها شعبية، لتوفير الإغاثة الفورية للباكستانيين".
وأضاف أنه في حين تعتمد باكستان على الأموال الدولية للحفاظ على استمرار اقتصادها ولا تستطيع تحمل زيادة الإنفاق الحكومي، فإنَّ الحكومة المقبلة قد تنجذب إلى توسيع نطاق دعم الغذاء والغاز للحفاظ على السلام الاجتماعي. ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى تعقيد المفاوضات المستقبلية مع المؤسسات الدولية بشأن تخفيف عبء الديون.
وقد تكون هناك أيضاً توترات بين الحكومة المقبلة والجيش بشأن علاقات باكستان المضطربة مع جيرانها. وفي حين يدعو شريف إلى إقامة علاقات أوثق مع خصمه اللدود الهند، على سبيل المثال، فإنَّ الجيش الباكستاني يتمسك بموقفه التقليدي الأكثر صرامة منع العلاقات مع الهند.
ويتفق المحللون الباكستانيون على أنَّ الزعيم القادم للبلاد من المرجح أن يتمتع بفترة شهر عسل أولية بعد الانتخابات الباكستانية. لكن الاحتمالات هي أنَّ الأمور سوف تصير أصعب إلى حد ما بعد وقت قصير.