تشهد إندونيسيا، ثالث أكبر ديمقراطية في العالم، انتخابات رئاسية وتشريعية ساخنة يوم 14 فبراير/شباط 2024، وسط 3 تحالفات رئيسية. فمن سيخلف الرئيس جوكو ويدودو؟
تقام الانتخابات في يوم واحد لاختيار الرئيس ونائبه، والآلاف من أعضاء المجالس التشريعية المركزية والإقليمية، ويشارك فيها نحو 206 مليون ناخب يحق لهم التصويت.
صحيفة The Guardian البريطانية نشرت تقريراً يرصد انتخابات إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان؛ حيث يبلغ تعدادها أكثر من 275 مليون نسمة وهو ما يجعلها ثالث أكبر دولة مكتظة بالسكان، بعد الهند والصين.
من هم المرشحون للرئاسة في إندونيسيا؟
وسيتوجه الناخبون، يوم 14 فبراير/شباط، إلى صناديق الاقتراع لاختيار الرئيس المقبل لثالث أكبر ديمقراطية في العالم، والممثلين التنفيذيين والتشريعيين على جميع المستويات الإدارية. وتتراوح أعمار أكثر من نصف المؤهلين للتصويت بين 17 و40 عاماً، ونحو ثلثهم تحت سن الثلاثين؛ ما يعني أن فئة الشباب عامل أساسي في تحديد النتيجة.
ويمنع الدستور الرئيس الحالي جوكو ويدودو، المعروف باسم جوكوي، من الترشح لولاية ثالثة. والمرشح الأول هو برابوو سوبيانتو (72 عاماً)، وهو قائد عسكري سابق ووزير الدفاع الحالي، يتصدر استطلاعات الرأي الآن. ويعتبره أنصاره زعيماً حازماً قادراً على تحقيق الاستقرار، وقد تعهد بالاستمرار في مشاريع جوكوي التنموية.
هذه هي المرة الثالثة التي يترشح فيها برابوو لمنصب الرئيس. وخسر أمام جوكوي مرتين، خلال انتخابات 2014 و2019، لكن الأمور هذه المرة مختلفة تماماً بالنسبة له.
فهذه المرة يشارك برابوو في الانتخابات برفقة المرشح لمنصب نائب الرئيس جبران راكابومينغ راكا، وهو الابن الأكبر لجوكوي. وقد يسمح له ذلك بالاستفادة من النفوذ السياسي للرئيس المنتهية ولايته، لكنه قد يثير أيضاً خشية بعض الناخبين من فكرة توريث الحكم.
وكان لافتاً أن يحمل خطاب سوبيانتو دفاعاً عن أداء الرئيس جوكو ويدودو، رغم التنافس السابق بينهما؛ إذ امتدح سوبيانتو الرئيس ويدودو خلال المناظرات الرئاسية، ونفى عنه انتقادات المعارضة ووصفه بالدكتاتورية أو السلوك التسلطي
كما أكد سوبيانتو على محاور رئيسية هي ترسيخ دولة القانون والعدل، وتحسين خدمات الدولة للمواطن، ومع إقراره بوجود جوانب قصور، إلا أنه ذكّر الناخبين بأن إندونيسيا أفضل من دول كثيرة تشهد حروباً. ووعد سوبيانتو بفرض القانون وحماية المواطنين ممن وصفهم بالإرهابيين وتحقيق مزيد من التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
كما أن منتقدي برابوو يزعمون تورطه في اختطاف وتعذيب نشطاء مؤيدين للديمقراطية في أواخر التسعينيات، وفي انتهاكات حقوقية في بابوا وتيمور الشرقية. وينفي برابوو ارتكاب أي مخالفات ولم توجه إليه أي اتهامات أمام محكمة جنائية.
ويحاول برابوو، الذي يشتهر بحدته، إظهار جانب أكثر ليونة، باللجوء إلى الفكاهة والرقص على خشبة المسرح في المؤتمرات الانتخابية.
وينافس برابوو على الرئاسة أنيس باسويدان (54 عاماً)، وهو أكاديمي سابق وحاكم جاكرتا سابقاً. يُنظر إلى أنيس على أنه الطرف النقيض من جوكوي. وهو المرشح الوحيد الذي لم يتعهد بمواصلة مشروع جوكوي لنقل العاصمة من جاكرتا المزدحمة إلى بورنيو، قائلاً إنه يرى أن قضايا أخرى أكثر إلحاحاً تتطلب اهتمام الحكومة، وإنه من الضروري توزيع الاستثمار بالتساوي بين المناطق.
شغل أنيس سابقاً منصب حاكم جاكرتا، وفاز بهذا المنصب عام 2017، وهو يترشح الآن برفقة مهيمن إسكندر، زعيم أكبر حزب إسلامي، الذي يتمتع بعلاقات قوية مع أكبر منظمة إسلامية معتدلة في إندونيسيا، نهضة العلماء.
وركز باسويدان، مرشح تحالف التغيير، على مساعيه للإصلاح القانوني، مشدداً على جعل إندونيسيا دولة عدل لا دولة تتحكم فيها السلطة وتلوي عنق القانون. وخلال المناظرات الرئاسية، أكد باسويدان على عدم إهمال قضايا العنف وتحقيق العدل في حوادث مختلفة وإنفاذ حكم القانون، وقال إن العنف في أقاليم بابوا لن ينتهي بمحاولات إيقافه دون تحقيق العدالة لسكانها.
كما أكد المرشح نفسه على أهمية الشفافية، مع عدم الإفلات من العقاب، وضرورة التواصل مع كل فئات المجتمع وحفظ حرية التعبير للجميع، مشدداً على ضرورة إشراك المجتمع في مكافحة الفساد، ومنتقداً تراجع الحياة الديمقراطية بسبب تراجع الثقة بالمؤسسات القائمة.
أما المرشح الثالث فهو غانجار برانوو (55 عاماً)، ويتمتع بمسيرة طويلة في الخدمة العامة وهو الحاكم السابق لجاوة الوسطى، وعضو في حزب النضال الديمقراطي الإندونيسي (PDI-P)، نفس الحزب الذي ينتمي إليه جوكوي. وفي البداية، بدا أن جوكوي سيؤيد ترشيح غانجار لمنصب رئيس الوزراء، إلا أنه تم الإعلان لاحقاً أن نجل جوكوي، جبران، سيترشح لمنصب نائب الرئيس إلى جانب برابوو.
يسعى غنجار، خلال جولاته الانتخابية، إلى تصوير نفسه على أنه رجل متواضع من الشعب. وقد واجه هو الآخر جدلاً أثناء توليه منصب حاكم جاوة الوسطى، على خلفية تطوير منجم هناك، أثار انتقادات من سكان القرى والناشطين. وسيترشح غنجار، إلى جانب وزير تنسيق الشؤون الأمنية محفوظ إم دي، على منصب نائب الرئيس.
كيف يحدَّد الفائز؟
المرشح الرئاسي الذي يفوز بأكثر من 50% من الأصوات خلال انتخابات 14 فبراير/شباط، يفوز تلقائياً بالرئاسة، لكن إذا لم يحصل أي من المرشحين على هذه النسبة، فستُجرى انتخابات الإعادة بين المرشحين اللذين حصدا أكبر عدد من الأصوات في يونيو/تموز المقبل.
ما أبرز نقاط الجدل حول الانتخابات؟
يسود شعور بالقلق بين منظمات المجتمع المدني من أن الرئيس المنتهية ولايته الثانية يحاول الاحتفاظ بنفوذه حتى بعد أن يترك منصبه؛ إذ لم يتمكن ابنه جبران (36 عاماً) من الترشح لمنصب نائب الرئيس إلا بعد أن حكمت محكمة، برئاسة صهر جوكوي، بتعديل معايير الأهلية للترشح، وهو قرار أثار الجدل في البلاد.
كانت المحكمة الدستورية قد أصدرت، قبيل موعد انتهاء تسجيل المرشحين، قراراً بفتح المجال لمن هم دون سن الـ40 من المسؤولين المنتخبين للترشح لأعلى منصبين في البلاد. وكان يرأس المحكمة الدستورية عند صدور هذا الحكم القاضي أنور عثمان، صهر جوكو ويدودو، الذي تمت تنحيته من منصبه بقرار هيئة قضائية بعد موافقته على ذلك الحكم القضائي.
هذا ويشكل الناخبون الشباب أكثر من نصف الناخبين هذا العام، ويبذل المرشحون جهوداً حثيثة لمخاطبتهم عبر الشبكات الاجتماعية. قالت عائشة بوتري بودياتري، الباحثة السياسية في الوكالة الوطنية للبحث والابتكار، للغارديان: "جميع المرشحين ينشطون على منصات الشبكات الاجتماعية، ولا سيما تيك توك وإنستغرام، اللذين يجتذبان في الغالب الناخبين الشباب. وهذا على النقيض من الانتخابات السابقة، التي كانت فيها استراتيجيات الحملات الانتخابية أكثر تقليدية عادة".
وقالت إن الشباب يشعرون بالقلق إزاء الرعاية الاجتماعية والتوظيف، ورغم أن البرامج السياسية للمرشحين تتطرق جميعها إلى هذه المشكلات، "فهناك غياب ملحوظ لنقاش البرامج الموجهة خصيصاً لفئة الشباب، لأن المرشحين يلجأون غالباً إلى الحيل السياسية في محاولاتهم إشراك هذه الفئة من السكان".