وقَّع الرئيس الأمريكي جو بايدن، على الأمر التنفيذي الذي يفرض عقوبات مالية وعقوبات سفر على المستوطنين الذين يهاجمون الفلسطينيين بعنف، قبل وقت قصير من تجمع انتخابي في ولاية ميشيغان المتأرجحة، حيث هاجم عدد كبير من السكان العرب الأمريكيين في الولايات المتجدة بايدن بسبب دعمه الشامل إلى حد كبير للهجوم الإسرائيلي على غزة.
فهل كان إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، فرض عقوبات غير مسبوقة على المستوطنين الإسرائيليين في الضفة علامة على الضعف السياسي في الداخل ومحاولة إرضاء الناخبين العرب٬ أم على استعداد جديد لتأكيد النفوذ الأمريكي على إسرائيل؟
ما الأسباب المحتملة للعقوبات الأمريكية ضد المستوطنين الإسرائيليين؟
تقول صحيفة The Guardian البريطانية٬ إن البعض يرى أن هذه الخطوة بمثابة محاولة صارخة لاستعادة الدعم بين الناخبين الأمريكيين العرب، والذي انخفض في ولاية فاز بها دونالد ترامب في عام 2016 وفاز بها بايدن بفارقٍ أقل من 3% من الأصوات بعد أربع سنوات. ويمكن لترامب أن يفوز بولاية ميشيغان مرة أخرى إذا لم يصوت عدد كبير من الناخبين الذين دعموا بايدن في عام 2020، ما يمنح الرئيس السابق جزءاً رئيسياً من أصوات المجمع الانتخابي.
من جهته٬ شكَّك يوسف منير، المدير السابق للحملة الأمريكية من أجل الحقوق الفلسطينية، في أن الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس سيهدئ الأمريكي العربي بسبب دعمه للحرب الإسرائيلية على غزة، والتي أودت بحياة أكثر من 27 ألف فلسطيني من المدنيين. لكنه قال إن هذه الخطوة مهمة، لأنها تمثل جهداً أمريكياً غير عادي لفرض عقوبات على الإسرائيليين بسبب انتهاكاتهم لحقوق الفلسطينيين.
ومع ذلك، فإن مدى فاعلية الأمر يعتمد كثيراً على الإرادة السياسية لتصنيف المستوطنين الإسرائيليين العنيفين. إذا قامت الإدارة بذلك بأمانة، فقد يكون لذلك تأثير كبير ليس فقط على المستوطنين العنيفين أنفسهم، بل على شبكة التمويل العابرة للحدود الوطنية بأكملها.
قال منير: "هذا هو الاختبار الذي سيخبرنا ما إذا كان هذا جهداً جاداً لمعالجة مشكلة حقيقية على الأرض أم جهداً غير جاد لمحاولة حفظ ماء الوجه لبايدن في عام انتخابي يغضب فيه الناخبون من تعامله مع فلسطين".
علام نص أمر بايدن حول المستوطنين؟
جاء في أمر بايدن أن هناك مستويات لا تُحتمل "من عنف المستوطنين المتطرفين، والتهجير القسري للناس والقرى، وتدمير الممتلكات". وتصاعدت الهجمات في ظل حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأخيرة، حيث يسعى الوزراء اليمينيون المتطرفون إلى ضم الضفة الغربية بأكملها. وهناك مخاوف في واشنطن من أن يؤدي العنف الصهيوني إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة واسعة النطاق.
ويفرض أمر بايدن قيوداً مالية وأخرى على السفر على أربعة إسرائيليين حدَّد أسماءهم بدقة. ويتضمن الأمر أيضاً أحكاماً لمعاقبة قادة المستوطنين والسياسيين والمسؤولين الحكوميين الذين يشجعون على العنف.
وإذا نُفِّذَ الأمر بإحكام، فمن الممكن أيضاً أن يمنع الجماعات الأمريكية من تمويل المستوطنات الأكثر تطرفاً، والتي يُموَّل بعضها من خلال تبرعات من الولايات المتحدة.
"ليست جهداً فعالاً للضغط على حكومة نتنياهو"
لكن آرون ديفيد ميلر، الذي خدم كمستشار لمحادثات السلام العربية الإسرائيلية في عهد ستة وزراء خارجية أمريكيين، شكَّك في أن العقوبات ضد المستوطنين هي جهد جاد لممارسة ضغوط أوسع على نتنياهو للموافقة على إقامة دولة فلسطينية. وقال ميلر إنه إذا أرادت إدارة بايدن القيام بذلك، فإن لديها طرقاً أكثر فاعلية.
وأضاف: "لديهم كل أنواع الأدوات التي يمكنهم استخدامها لإظهار أنهم ليسوا محبطين ومنزعجين فحسب، بل وصلوا إلى النقطة التي يصعب عليهم فيها اعتبار نتنياهو أو حكومته شركاءً".
وقال: "كان من الممكن أن تبطئ الإدارة الأمريكية تقديم المساعدات، خاصةً الذخائر العسكرية. وكان بإمكانها الامتناع عن التصويت على قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أو كان من الممكن أن تقول بشكل أساسي إننا بحاجة إلى وقف الأعمال العدائية، وينضمون إلى المجتمع الدولي في الضغط على الإسرائيليين لحملهم على التوقف. لديهم أدوات يمكنهم استخدامها، لكنهم لم يفعلوا ذلك".
وقال ميلر إن بايدن قضى فترة ولايته كرئيس، في تجنب الصراع مع إسرائيل، وإنه مهما كانت مخاوفه بشأن المعارضة داخل حزبه، فإنه لن يرغب في تسليم ترامب سلاحاً سياسياً.
وأضاف: "من المؤكد أنه لا يريد أن يعطي الحزب الجمهوري، والمرشح الجمهوري المفترض، مطرقة لضربه كشخص معادٍ أو حتى غاضب من إسرائيل".
وكان ميلر حذراً أيضاً بشأن قيام وزارة الخارجية بطرح إمكانية اعتراف الولايات المتحدة بالدولة الفلسطينية كوسيلة لتحريك عملية السلام إلى الأمام. واقترح وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، خطوة مماثلة بالاشتراك مع الحلفاء كوسيلة لجعل عملية التفاوض على حل الدولتين "لا رجعة فيها". لكن ميلر قال إنه يعتقد أن اعتراف واشنطن بالدولة الفلسطينية "يكاد يكون مستحيلاً على هذه الإدارة أن تفعله".
من هم المستوطنون الذين فرضت العقوبات عليهم بشكل مباشر؟
في السياق٬ فنِّد موقع Middle East Eye البريطاني الإسرائيليين الأربعة الذين حدد أمر بايدن أسماءهم على النحو التالي:
ديفيد تشاسداي
اعتُقِلَ ديفيد تشاسداي، وهو مستوطن يبلغ من العمر 29 عاماً، اشتهر بالتحريض على أعمال الشغب القاتلة في بلدة حوارة الفلسطينية في فبراير/شباط من العام الماضي، في إسرائيل بسبب تورطه فيما وصفه قائد في الجيش الإسرائيلي بأنه "مذبحة ارتكبها خارجون عن القانون".
وأدى هجوم حوارة إلى استشهاد الشاب سامح أقطش (37 عاماً) وإصابة 98 فلسطينياً آخرين، إلى جانب تدمير واسع النطاق للممتلكات وحرق السيارات والمنازل.
احتُجِزَ تشاسداي، الذي كان يخضع لمراقبة أجهزة الأمن منذ فترة طويلة، لمدة ثلاثة أشهر رهن الاعتقال الإداري، وهي خطوةٌ نادراً ما تُستخدَم ضد الإسرائيليين الذين يرتكبون جرائم ضد الفلسطينيين.
ورغم إدانة السياسيين الإسرائيليين والمجتمع الدولي أعمال الشغب، انتقد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، اعتقال تشاسداي ووصفه بأنه "غير ديمقراطي"، ووصفه وزملاءه المستوطنين بأنهم "أبطال".
وبحسب صحيفة Haaretz الإسرائيلية، فقد اعتُقِلَ تشاسداي سابقاً بتهمة تهديد ضابط شرطة، وصنع مواد خطيرة في عامي 2015 و2017، وأُدينَ بالاعتداء على سائق سيارة أجرة فلسطيني بالغاز المسيل للدموع.
عينان تنجيل
بحسب وزارة الخارجية الأمريكية، كان تنجيل (21 عاماً)، متورِّطاً في مهاجمة مزارعين فلسطينيين ونشطاء يساريين إسرائيليين بالحجارة والهراوات، ما أدى إلى "إصابات تطلبت علاجاً طبياً".
وفي عام 2021، اتُّهم تنجيل بمهاجمة الناشطة الإسرائيلية نيتا بن بورات البالغة من العمر 19 عاماً، بهراوة، وضربها على رأسها وساقيها بينما كانت تحاول مساعدة الفلسطينيين في قطف الزيتون بالقرب من بلدة صوريف بالضفة الغربية. وجاء في لائحة الاتهام أيضاً أنه كان بحوزته سكين وغاز مسيل للدموع.
شالوم زيكرمان
في شهر يونيو/حزيران، برز شالوم زيترمان البالغ من العمر 32 عاماً، عندما نُشِرَ مقطع فيديو له على الإنترنت وهو يعتدي على نشطاء إسرائيليين ومركباتهم في الضفة الغربية.
وشوهد زيترمان، من مستوطنة متسبيه يائير غير القانونية، وهو يعرقلهم في الشارع ويحاول تحطيم نوافذ المركبات المارة مع النشطاء بداخلها. وبحسب وزارة الخارجية فإن زيترمان "حاصر اثنين على الأقل، من النشطاء وأصابهما". ووُجِّهَت إليه اتهامات عام 2022 بشأن الهجمات ولا تزال محاكمته مستمرة.
وقال الناشط الإسرائيلي إيتاي فيتلسون، الذي نشر في الأصل لقطات للهجوم، إن هذه كانت الحالة الوحيدة التي يعرفها شخصياً والتي حوكِمَ فيها مستوطنٌ بتهمة العنف، لكنه قال: "في النهاية، شالوم في الغالب كبش فداء".
ينون ليفي
وصفت وزارة الخارجية الأمريكية ينون ليفي (31 عاماً)، بأنه قاد مجموعةً من المستوطنين "شاركوا في أعمال خلقت أجواءً من الخوف في الضفة الغربية".
وقالت الوزارة إن ليفي كان يقود بانتظامٍ مجموعات من المستوطنين من موقع مزرعة ميتريم غير القانوني للاعتداء على المدنيين الفلسطينيين والبدو، فضلاً عن تهديدهم بمزيد من العنف وحرق حقولهم وتدمير ممتلكاتهم إذا لم يغادروا منازلهم.
وكان رد ليفي على العقوبات هو الإشارة إلى أنه "من الغريب أنهم يتعاملون مع هذا الهراء الآن"، مضيفاً أنه لم يقم بزيارة الولايات المتحدة مطلقاً أو كانت لديه ممتلكات هناك.