بدا الوسطاء الغربيون والشرق أوسطيين متفائلين في الأيام الأخيرة بأنهم يقتربون من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة بعد اجتماعات باريس، وإطلاق سراح أكثر من 130 أسيراً إسرائيلياً تحتجزهم حماس مقابل آلاف الأسرى الفلسطينيين.
لكن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفض، الثلاثاء 30 يناير/كانون الثاني 2024، المطلبين الرئيسيين لحماس -سحب إسرائيل قواتها من غزة والإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين- ما يشير إلى أن الفجوة بين الجانبين لا تزال واسعة. وفيما يلي نظرة على موقف كل طرف من إنهاء الصراع، بحسب ما نشرت وكالة Associated Press الأمريكية.
نتنياهو يسعى لتحقيق "نصر شامل" ما زال بعيداً
تعهد نتنياهو مراراً بمواصلة الحرب حتى تقوم إسرائيل بتدمير حكم حماس وقدرتها العسكرية، إضافةً إلى استعادة جميع المحتجزين لديها، وهما هدفان بعيدا المنال على نحو متزايد ويخشى العديد من الإسرائيليين أن يكونا متعارضين بالأساس.
وفي حديثه في أكاديمية دينية ما قبل الخدمة العسكرية في الضفة الغربية المحتلة يوم الثلاثاء، قال نتنياهو: "لن نسحب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، ولن نطلق سراح آلاف الإرهابيين (الأسرى الفلسطينيين)". ويبدو أن هذا يستبعد أي اتفاق مع حماس حالياً، بحسب أسوشيتد برس.
ويتعرض نتنياهو لضغوط متزايدة من المعارضة وعائلات المحتجزين والجمهور الأوسع للتوصل إلى اتفاق مع حماس لإعادة الأسرى ووقف إطلاق النار. ويخشى الكثير من الإسرائيليين أن الوقت ينفد.
وفي الوقت نفسه، فإن ائتلافه الحاكم -الذي يهيمن عليه متشددون قوميون متطرفون يعارضون التوصل إلى اتفاق- يمكن أن ينهار إذا نُظر إليه على أنه "متساهل مع حماس".
ولم ينجح الجيش الإسرائيلي في إنقاذ سوى أسير واحد كما يزعم، وتقول حماس إن العديد من الأسرى الإسرائيليين قُتِلوا في غارات جوية إسرائيلية. وفي ديسمبر/كانون الأول، قتلت القوات الإسرائيلية عن طريق الخطأ 3 أسرى فروا وكانوا يلوحون بعلم أبيض، في فضيحة مدوية للجيش الذي اعترف بالحادث وقدم اعتذاراً.
حماس تريد أن تنتهي الحرب بشروطها
ترفض حماس إطلاق سراح المزيد من الأسرى حتى تنهي إسرائيل هجومها وتنسحب من غزة بالكامل. وهي تريد اتفاقاً أوسع يشمل هدنة طويلة الأمد وإعادة الإعمار للقطاع المدمر وتسهيل سفر وحركة أبناء القطاع وفتح المعابر.
وقال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الثلاثاء، إن أولوية حماس هي "السحب الكامل" للقوات الإسرائيلية من غزة. وقال إن أي اتفاق يجب أن يؤدي أيضاً إلى إعادة الإعمار، ورفع الحصار الإسرائيلي عن القطاع، والإفراج عن "جميع أسرانا الأبطال".
ويُعتَقَد أن حماس تحتجز الأسرى الإسرائيليين في أنفاق تحت الأرض تخضع لحراسة مشددة، وتستخدمهم كأوراق مساومة لإطلاق سراح الآلاف من الأسرى الفلسطينيين. ومن بين هؤلاء نشطاء بارزون نفذوا هجمات استشهادية خلال الانتفاضة أدت إلى مقتل عشرات وربما مئات الإسرائيليين.
وإذا أطلقت حماس سراح الأسرى من دون إنهاء الحرب، فإنها بذلك تترك نفسها عرضة لهجوم إسرائيلي أكبر بمجرد انتهاء مدة وقف إطلاق النار. ومن شأن الفشل في تأمين عملية تبادل كبيرة للأسرى أن يعرضها لانتقادات من الفلسطينيين بعد الموت والدمار غير المسبوقين الناجمين عن حرب الإبادة الإسرائيلية.
ومن ناحية أخرى، إذا تمكنت حماس من التوصل إلى وقف طويل الأمد لإطلاق النار، وسحب القوات الإسرائيلية، وإطلاق سراح الآلاف من الأسرى الفلسطينيين، فسوف يُنظَر إليها باعتبارها الطرف المنتصر في الحرب، كما تقول الوكالة الأمريكية.
الوسطاء ما زالوا يبحثون عن حل وسط
تدعم الولايات المتحدة، التي قدمت مساعدات عسكرية حاسمة للهجوم الإسرائيلي، إلى حد كبير أهداف إسرائيل في الحرب. وهي تريد إطلاق سراح جميع المحتجزين والحصول على ضمانات بأن حماس لن تتمكن أبداً من تنفيذ هجوم مثل ذلك الذي حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
لكن إدارة بايدن لديها أيضاً مصلحة قوية في إنهاء الحرب التي تسببت في زعزعة الاستقرار الإقليمي وتقسيم الناخبين الديمقراطيين وربما خسارة بايدن القادمة أمام ترامب.
ومن جانبها، دعت الدول العربية، بما في ذلك الوسيطان الرئيسيان مصر وقطر، إلى وقف إطلاق النار منذ الأيام الأولى للحرب، خوفاً من زعزعة الاستقرار على نطاق أوسع. ويبدو أن الوسطاء الأمريكيين والعرب يسعون إلى إيجاد حل وسط يُطلَق من خلال سراح الأسرى الإسرائيليين على مراحل على مدى شهرين مقابل إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين، والسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها إلى غزة، وانسحاب القوات الإسرائيلية جزئياً وربما كلياً.
في الوقت نفسه، إن هدنةً لمدة شهرين يمكن أن توفر الوقت للتفاوض على اتفاق أكبر لمعالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود.
وتحدث دبلوماسيون أمريكيون وعرب عن صفقة كبرى محتملة تعترف فيها السعودية بإسرائيل وتنضم إلى دول عربية أخرى والسلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب في المساعدة على إعادة بناء قطاع غزة وإدارته، مقابل مسار ذي مصداقية لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. لكن نتنياهو، الذي تعارض حكومته إقامة دولة فلسطينية، وحماس، التي ترفض الاعتراف بإسرائيل، استبعدا ذلك أيضاً.