"دقة القصف الإسرائيلي للأهداف الفلسطينية تطورت"، هكذا علق مدير وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) على الغارات الإسرائيلية عام 2021، في نموذج فج لمحاولة الوكالة استرضاء الاحتلال، ورغم ذلك فإن التوتر بين إسرائيل والأونروا أو بالأحرى التحرش الإسرائيلي بالوكالة يتزايد منذ سنوات ليبلغ ذروة غير مسبوقة في هذه الحرب.
ومؤخراً اتَّهمت إسرائيل 12 موظفاً في وكالة "غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا) التابعة للأمم المتحدة بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، ما أدى إلى تعليق نحو 11 دولة غربية مساعدتها للأونروا التي قالت إنها لن تكون قادرة على مواصلة تقديم خدماتها إلى ما بعد شهر فبراير/شباط إذا استمر وقف التبرعات.
ومزاعم إسرائيل بحق الوكالة والعاملين فيها ليست الأولى من نوعها، بل أحدث فصل من فصول التوترات المستمرة منذ عقود بين إسرائيل والأونروا، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
تاريخ الأونروا وأهمية دورها
والأونروا إحدى أقدم الوكالات التابعة للأمم المتحدة، فقد تأسست عام 1949 لرعاية اللاجئين الفلسطينيين الذين فروا من أراضيهم أو أجبرتهم إسرائيل على تركها خلال الحروب المرتبطة بالإعلان عن إنشاء دولة إسرائيل أواخر الأربعينيات، ولمَّا أنشأت الأمم المتحدة وكالة أخرى بعد ذلك لرعاية اللاجئين المتضررين من مختلف الصراعات، ظلت الأونروا وكالة منفصلة للاجئين الفلسطينيين.
ووفق التعريف العملياتي لـ"الأونروا"، فإن لاجئي فلسطين هم أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين يونيو/حزيران 1946، ومايو/أيار 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة حرب عام 1948.
وعندما بدأت الوكالة عملها في عام 1950، كانت تستجيب لاحتياجات ما يقرب من 750 ألف لاجئ فلسطيني. واليوم، فإن حوالي 5 ملايين و900 ألف لاجئ من فلسطين من نسل هؤلاء يحق لهم الحصول على خدمات الأونروا من المسجّلين لديها، ويمكنهم الاستفادة من خدماتها، التي تشمل التعليم، والرعاية الصحية، والخدمات الاجتماعية، والبنى التحتية للمخيّمات، والقروض الصغيرة، والإغاثة والمساعدات الطارئة، بما في ذلك خلال الفترات التي تشهد نزاعاً مسلّحاً.
شريان حياة لأكثر الناس استضعافاً بالشرق الأوسط
ويصف الفلسطينيون ومؤيدوهم الأونروا بأنها شريان حياة أساسي لملايين من أحفاد اللاجئين الفلسطينيين، الذين لم تسفر المفاوضات التي جرت بين مختلف القادة الإسرائيليين والفلسطينيين عن أي حل لأزمة وضعهم الراهن، ولا أبانت عن معالم واضحة للحل في المستقبل. والوكالة إحدى أكبر جهات التوظيف في غزة، إذ يعمل بها 13 ألف شخص، معظمهم من الفلسطينيين.
ويعيش كثير من اللاجئين وأحفادهم الذين ترعاهم الوكالة في أحياء حضرية فقيرة الحال والخدمات، لا تزال تُعرف باسم "مخيمات اللاجئين"، في مدن مختلفة بجميع أنحاء الشرق الأوسط. ويمثل هؤلاء غالبية السكان في قطاع غزة، لذا تضطلع الأونروا بإسهام محوري في تزويدهم بالتعليم والخدمات الاجتماعية، وفي توفير المساعدة والمأوى في الحرب الحالية.
وقال كريس غانيس، المتحدث السابق باسم الأونروا: "لما كانت محنة كونهم لاجئين لم تنقشع قط، فإنهم ما زالوا لاجئين"، و"هم من أكثر الناس عرضة للاستضعاف والتهميش في الشرق الأوسط"، ومن ثم "فهم في حاجة ماسة إلى وكالة تابعة للأمم المتحدة توفر لهم خدمات الطوارئ والخدمات الإنسانية".
أسباب التوتر بين إسرائيل والأونروا.. أولها أنها ترسخ فكرة عودة اللاجئين وتمنع ذوبانهم
أما إسرائيل، فإنها تزعم أن الوكالة والمدافعين عن وجودها عقبة أمام حلِّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فكثير من اللاجئين الفلسطينيين يريدون العودة إلى ديارهم السابقة في أراضيهم التي باتت تقع فيما يعرف الآن بدولة إسرائيل. وتخشى إسرائيل أي عودة من هذا القبيل، لأنها ستقوض الطابع اليهودي للدولة، وتجعل للفلسطينيين الأغلبية البارزة فيها.
ومن ثم، يزعم الإسرائيليون أن وجود الأونروا في صيغة الوكالة المنفصلة عن منظومة الأمم المتحدة الأوسع نطاقاً لحماية اللاجئين يحول دون ترسيخ اللاجئين الفلسطينيين جذورهم في أماكن أخرى في الشرق الأوسط.
وقالت عينات ويلف، السياسية الإسرائيلية والكاتبة المشاركة في كتاب عن الأونروا: "صارت الأونروا وسيلة أساسية في التشكيك بوجود الدولة اليهودية"، لأن الوكالة -بحسب زعمها- تُسهم في تقوية "نوازع قومية ينحصر تركيزها على فكرة العودة والانتقام"، حسب تعبيرها.
المناهج الدراسية والعلاقة المزعومة مع حماس
ويتجسد أحد أوجه النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين بشأن الوكالة في الاشتباكات المتكررة بشأن ما تعلِّمه مدارس الأونروا للطلاب في المدارس التابعة لها، والعلاقة المزعومة للأونروا بحركة حماس.
وتزعم إسرائيل أن المناهج المدرسية للأونروا تعزز المقاومة الفلسطينية لوجود إسرائيل، وتتهم الوكالة بالوقوع تحت تأثير حماس، إلا أن الأونروا أنكرت هذه الادعاءات.
إسرائيل تريد إنهاء عمل الأونروا بغزة رغم أنها دخلت في مشادات مع حماس
وعقب إعلان إسرائيل عن مزاعمها بأن موظفين في الأونروا شاركوا في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، قال وزير الخارجية الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، يوم السبت 27 يناير/كانون الثاني، إن على الأونروا إيقاف عملها في غزة بعد انتهاء الحملة العسكرية الإسرائيلية هناك. وأوضح أنه سيسعى إلى حشد التأييد لهذا الهدف من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى.
في المقابل، لطالما شددت الأونروا على حيادها، وانتقدت حماس في بعض الأحيان، وزعم مسؤولون فيها أن مسلحين فلسطينيين استخدموا منشآت تابعة للوكالة في تخزين أسلحة. وذكرت الوكالة في موقعها على الإنترنت أنها أصدرت قرارات تأديب لموظفين كانوا يعملون لديها، وأنهت تعاقدها مع بعضهم لمشاركتهم في أنشطة سياسية تراها لا تتوافق مع عملهم في الوكالة. كما أن الأونروا تُطلع حكومات المنطقة، ومنها حكومة إسرائيل، على بيانات موظفيها.
مددت مهمة مدير أشاد بالتطور الهائل لدقة الضربات الإسرائيلية في حرب 2021
وفي عام 2021، مدَّدت الأونروا تعيين مدير عملياتها في غزة، ماتياس شمالي، على الرغم من الانتقادات الحادة التي تعرض لها من الفلسطينيين لأنه أثنى على ما وصفه بـ"التطور الهائل" لدقة الضربات الإسرائيلية على غزة خلال الحرب التي شنتها على القطاع في هذا العام.
وزعمت الوكالة أواخر العام الماضي أن حركة حماس "نقلت شحنات وقود ومعدات طبية من مجمع الوكالة في مدينة غزة"، إلا أنها أزالت المنشورات التي احتوت هذه المزاعم بعد انتقادات عنيفة لها وتشكيك في مزاعمها.
مسؤول بالوكالة يعترف بوجود مؤيدين لحماس بين موظفيها لأن شعبيتها كبيرة في غزة
في عام 2005، قال بيتر هانسن، مدير عمليات الأونروا في غزة آنذاك، إن الأوكالة قد يكون بين صفوف موظفيها أعضاء في حماس أو مؤيدون لها، لأن الحركة تحظى بشعبية كبيرة في قطاع غزة عموماً، لكنه قال إن جميع موظفي الوكالة يلتزمون معايير الأمم المتحدة وقيمها في عملهم بالقطاع.
وفيما يبدو أنه تساوق ودعم مع المزاعم الإسرائيلية، ادعى تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، نقلاً عن تقارير استخباراتية، بأن حوالي 10% من حوالي 12 ألف عامل إغاثة تابع للأونروا يعملون في قطاع غزة لديهم صلات بحماس أو الجهاد الإسلامي.
وتلقف المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية إيلون ليفي هذا الادعاء، حيث قال على منصة التواصل الاجتماعي إكس، تويتر سابقاً: "لقد انتقلنا من القول بأنهم 12 عنصراً فاسداً فقط إلى: عفواً لقد نسينا صفرين، إنهم 1200 عنصر فاسد… صدقوني، هناك المزيد".
المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون يقرون سراً أن الأونروا مفيدة لهم لأنها تحمل عبء اللاجئين
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه التوترات بين إسرائيل والأونروا، فإن بعض المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين يُقرُّون في السر بما يرون أنه فوائد تعود على إسرائيل من وجود الأونروا.
وقالت آن عرفان، وهي مؤلفة كتاب عن الأونروا واللاجئين الفلسطينيين، إن "وجهة نظر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية منذ زمن طويل هي أن الأونروا أفضل من البدائل التي تُقدم للاستعاضة عنها"، لأنها "تقدم [للفلسطينيين] خدمات كان سيتعيَّن على إسرائيل -بمقتضى القانون الدولي- أن توفرها بوصفها قوة الاحتلال" المسؤولة عن شؤون الواقعين تحت احتلالها.