يمر ما يقرب من 30% من حركة حاويات الشحن العالمية عبر البحر الأحمر، وهو المسطح المائي الذي أصبح الآن موقع التدخل العسكري الأخير للولايات المتحدة وحلفائها، بعملية "حارس الازدهار". وتقود إدارة بايدن تحالفاً من الدول ضد جماعة "أنصار الله" الحوثيين في اليمن، التي تهاجم السفن المتجهة لإسرائيل وتمر عبر البحر الأحمر. ومن الناحية الجيوسياسية، تمثل العملية امتداداً للحرب المستمرة في قطاع غزة، أما من الناحية الاقتصادية فيهدف هذا المشروع إلى استعادة ممرات الشحن، بعدما أوقفت العديد من الشركات مرورها من تلك المنطقة وصولاً إلى قناة السويس.
ما التداعيات الاقتصادية الناجمة عن التصعيد في البحر الأحمر؟
يقول آدم توز، الكاتب الاقتصادي في مجلة Foreign Policy الأمريكية، إن العديد من البضائع تُنقَل عبر البحر الأحمر، كالسلع المصنعة أساساً من آسيا وتتجه إلى أوروبا إلى البحر الأبيض المتوسط، وشحنات النفط وغيرها، وكل هذا يمر عبر هذا الممر في طريقه إلى قناة السويس.
هذا هو المكان الذي تتجه إليه 30% من حركة حاويات الشحن العالمية؛ لذا عليك أن تمر عبر مضيق البحر الأحمر، ثم تصعد إلى قناة السويس، ثم تدخل إلى البحر الأبيض المتوسط.
وتعطينا قناة السويس فكرة جيدة جداً عن حجم حركة المرور التي نتحدث عنها هنا، وهي في حدود 50 إلى 60 سفينة يومياً، أي أكثر من 20 ألفاً سنوياً، لذا إذا كنت تسمح بالمرور على مدار 12 ساعة يومياً تقريباً فهذا يعادل سفينة كل 20 دقيقة.
هذا شريان حياة رئيسي للتجارة العالمية، ويُنقَل ما يزيد عن 120 مليون طن من البضائع عبر هذه القناة كل شهر، هذه هي السلع المصنعة إلى حد كبير. هذا هو المكان الذي يعتقد أنه الأكثر أهمية حقاً، قد تكون الكثير من هذه البضائع محدودة بالوقت، إذ يجب أن تصل في الوقت المناسب، وغالباً ما تكون جزءاً من سلاسل التوريد المعقدة.
أشياء مثل النفط مهمة، ولكنها أكثر قابلية للاستبدال، وهناك ناقلات نفط تتجول في جميع أنحاء العالم، ويمكنك تحريكها في اتجاهٍ بدلاً من الآخر.
ويعتقد آدم توز أن نوع النقل الأكثر حساسية من نقطة إلى نقطة هو المهم حقاً، وهو هنا السلع المصنعة. وفي المقام الأول فإن التجارة في آسيا، وبعبارة أخرى بين الصين وأوروبا، هي التي على المحك الآن، وهذا تدفق كبير جداً لكلا الجانبين، لكل من الأوروبيين والصينيين.
لماذا لا يشارك الصينيون والأوروبيون بشكل أكبر في إجراءاتٍ ضد هذه الاضطرابات في البحر الأحمر؟
من وجهة نظر أمريكية فإن كلاً من الصينيين والأوروبيين ضعفاء، بالمقارنة مع الولايات المتحدة، من حيث قدرتهم على نشر قوات بحرية في المنطقة، كما يقول آدم توز. يمكن لقوة تجارية مثل ألمانيا، إذا كانت طموحة، أن ترسل فرقاطة. ولدى الفرنسيين منصةٌ أكثر استقراراً للعمليات العسكرية، والصينيون أيضاً لديهم انتشار طويل الأمد بشكل عام في المنطقة.
لكن توز يقول إن "الإجابة الأكثر أهمية عن هذا السؤال هي أن هذا ليس إجراءً عادياً من وجهة نظرهم، هذه هي السياسة، أعني أن الحوثيين يطلقون النار على هذه السفن لأسباب سياسية، ولا ينبغي الخلط بين هذا وبين القراصنة الصوماليين، الذين كان لهم بلا شك أسبابهم الخاصة".
وهذا نوع من اقتصاد البقاء الذي يجري هناك في جميع أنحاء القرن الإفريقي، في حين أن الحوثيين حركة سياسية كاملة تشارك في جهد متعمد لمساعدة الفلسطينيين في نضالهم ضد الهجوم الإسرائيلي على غزة، أو على الأقل لتركيز انتباه العالم على تداعياته ووقف الحرب.
وبمجرد أن تتخذ إجراءً بشأن ذلك، فإنك تقع بالأساس في الموقف المؤيد لإسرائيل في هذا الشأن، وتتبنى وجهة النظر بأن "الحوثيين يشكلون خطراً على المجتمع العالمي، وأنهم خارجون عن القانون وما إلى ذلك". هذا بينما يرى كل من الأوروبيين والصينيين السياسة في هذا الوضع، على الأقل إلى النقطة التي يدركون فيها أنهم لا يستطيعون اتخاذ هذا الموقف.
ومن ثم يبدو أن السفن الصينية في المنطقة بدأت تبث بصوتٍ عالٍ قدر الإمكان في أثناء الإبحار: "هذه سفينة صينية، طاقمها صيني بالكامل، لا تطلقوا النار علينا، نحن لسنا أعداءكم". من الناحية العملية يحاول الحوثيون استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل في المنطقة. هذه هي عملية الاختطاف الشهيرة التي قاموا بها، حين طاروا بالمروحية وهبطوا على سطح السفينة وقاموا بتصوير الأمر برمته.
الأوروبيون منقسمون للغاية، والفرنسيون على وجه الخصوص، الذين ربما يمتلكون أكبر القدرات العسكرية ويدعمون النشاط الأوروبي لمكافحة القراصنة في المنطقة، يشعرون بحذر شديد من السماح لأنفسهم بالتورط في مجموعة من العمليات التي ترقى في النهاية إلى تمديد الصراع السياسي، من شرق البحر المتوسط وقطاع غزة إلى منطقة أوسع كثيراً، وحتى لو اختاروا التصرف فلن يكون لديهم سوى القليل من المواد الثمينة للقيام بذلك.
لكن يرى آدم توز أن القضية الحقيقية هنا هي السياسة والبناء، وكيف تُفهَم ماهية المشكلة. إذا فُهِمَ الأمر على أنه امتداد للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين إلى الممرات البحرية العالمية، فإن الاصطفاف على جانب واحد، كما فعل البريطانيون، على سبيل المثال، عندما انضموا إلى الأمريكيين في ضرباتهم على الحوثيين، يعد بمثابة اختيار سياسي. ومن وجهة نظر العديد من الأوروبيين، وخاصة الدول الأقدر، وبالتأكيد من وجهة نظر الصين، فإن هذا ليس له أي معنى.
كيف تتأثر دول المنطقة الأخرى بهذه الأزمة في الوقت الحالي؟ مصر على سبيل المثال
يقول توز إن أحد العناصر التي تم الاستخفاف بها في هذه القصة هو أننا نميل إلى الذهاب إلى المستوى العالمي، في حين أنه ربما ينبغي لنا أن نفكر على المستوى الإقليمي. بالنسبة لمصر، فهذه أخبار سيئة حقاً، تجني مصر ما بين 9 إلى 10 مليارات دولار سنوياً من رسوم هذه السفن الـ50 أو الـ60 الكبرى التي تعبر قناة السويس كل يوم. وحتى الآن هذا العام انخفضت حركة المرور بنسبة 30%.
يمثل هذا المبلغ (من 9 إلى 10 مليارات سنوياً)، حوالي 10% من الميزانية العامة المصرية. والميزانية العامة المصرية في وضع رهيب، إنها تتنقَّل من برنامج صندوق النقد الدولي إلى برنامج صندوق البنك الدولي، لقد انخفضت قيمة العملة المصرية بشدة.
ولدى مصر معدل تضخم سيئ يزيد عن 30%، وتسعى الحكومة جاهدةً لتوزيع الإعانات. وبالتالي فإن الانخفاض بنسبة 30% في حركة المرور يعني 3 مليارات دولار، وهذا هو قدر الأموال التي تتحدث عنها الحكومة المصرية بشدة مع صندوق النقد الدولي.
لكن مرة أخرى، أعتقد أننا يجب أن نكون واعين لسياسة الطوارئ هنا، لأنه إذا كنا نقول إن أكبر مشكلة تواجهها مصر الآن من هذه الأزمة هي هجوم الحوثيين على سفن تجارية معينة، فإننا حقاً نقلب المسألة رأساً على عقب. مشكلة مصر هي الأزمة في قطاع غزة، إنه أمرٌ فظيع بالنسبة للاقتصاد المصري، ويهدد مصر باحتمال اندلاع أزمة لاجئين ضخمة إذا عملت إسرائيل على تهجير السكان الفلسطينيين، وهو أمر سام سياسياً من وجهة نظر النظام في القاهرة. هذا هو عدم اليقين الحقيقي، لذلك فإن ما تحتاجه مصر حقاً هو تحقيق استقرار الأزمة الأوسع نطاقاً.