أصبحت إسرائيل بعد نحو 3 أشهر من الحرب على غزة في حالة تيه لا تعرف بالضبط ما تسير نحوه في القطاع٬ ويبدو أن الحرب بلا نهاية واضحة أو تحقيق نتائج ملموسة هو ما يريدها بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء اليائس الذي يسعى لإطالة أمد الحرب أكبر قدر ممكن هرباً من المحاسبة والسجن الذي سيكون في اليوم التالي لوقف الحرب.
كيف فقد نتنياهو الرؤية لليوم التالي في القطاع؟
بعد 3 أشهر من المعارك٬ لا توجد خيارات جيدة أو واضحة بالنسبة لمستقبل الحرب الإسرائيلية على غزة، التي رفعت أهدافاً كبيرة السقف منذ السابع من أكتوبر، مثل تدمير حركة حماس بالكامل، وتحرير الأسرى بالقوة العسكرية.
لكن لا شيء من ذلك تحقق٬ فحماس كقوة عسكرية لم تُهزَم، والآلاف من مقاتليها لا يزالون يخوضون حرب استنزاف ضد القوات الإسرائيلية٬ ويشنون عمليات مباغتة من الأنفاق.
ولا تزال حكومة نتنياهو مترددة فيما ستفعل بالنسبة لمستقبل حربها على القطاع؛ لأنها عاجزة عن التقدم بأهدافها التي أعلنتها في ظل خسائرها الباهظة٬ ولا تزال تتحدث عن سيناريوهات غير واضحة٬ مثل إعادة احتلال غزة٬ وهو ما ترفضه واشنطن٬ أو تسليم القطاع للسلطة الفلسطينية٬ أو إدارة القطاع من قِبَل قوة دولية٬ أو تشكيل قوة قَبَلية من داخل القطاع تكون تحت سيطرة قوة الاحتلال.
وعلى الرغم من أن أياً من تلك الخيارات لم يُطرح حتى الآن بشكل رسمي، فإن الفلسطينيين يتعاملون معها برفض قاطع، خاصة مع التحذيرات العربية من احتمالية تهجير الفلسطينيين وفرض مشروع "إسرائيل الكبرى" على الأرض.
خلال الأسبوع الماضي، نشر مستشار نتنياهو للأمن القومي، تساحي هنغبي، مقال رأي في موقع "إيلاف" العربي ومقره لندن، يقول فيه إنَّه ستكون هنالك حاجة لهيئة فلسطينية معتدلة حاكمة تتمتع بدعم وشعبية واسعين. وأضاف: "في شكلها الحالي، تجد السلطة (الفلسطينية) صعوبة في القيام بذلك، وسيتطلب الأمر جهداً ومساعدة كبيرين من المجتمع الدولي وكذلك من دول المنطقة، ونحن مستعدون لهذا الجهد". وما كان هنغبي ليكتب هذا دون موافقة رئيسه.
ويبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي عالقاً: فأحزاب اليمين المتطرف التي تُبقيه في السلطة تهدد بإسقاط الحكومة إذا ما تقلَّص نطاق الحرب وسُمِحَ للسلطة الفلسطينية بالعودة إلى غزة. وقال نتنياهو، في منتصف ديسمبر الماضي إنه "لن يسمح لحركة فتح أو حماس بحكم قطاع غزة". وقال في حسابه على موقع "X": "لن أسمح باستبدال حماسستان بـ فتحستان"٬ على حد تعبيره.
وأضاف نتنياهو في حديثه حول "حكم قطاع غزة بعد انتهاء الحرب": "لن نعيد خطأ أوسلو، ولن نسمح مرة أخرى ببيئة يربى فيها أبناء الفلسطينيين على ثقافة القضاء على إسرائيل، ولن نعيد إلى غزة الجهات المتطرفة، الجدال بين فتح وحماس هو حول كيفية القضاء على إسرائيل"٬ على حد وصفه.
سيناريوهات مستقبل غزة "ما بعد الحرب" من وجهة النظر الإسرائيلية
الأسبوع الماضي٬ قالت القناة 12 العبرية إن "هناك عدة سيناريوهات إسرائيلية مقترحة لحكم غزة ما بعد الحرب٬ وجميعها دون وجود حماس. وتتلخص السيناريوهات التي قالت القناة إنها وضعت على طاولة صانع القرار الإسرائيلي٬ ولا يزال يدور الكثير من النقاشات والجدالات حولها مع الإدارة الأمريكية٬ هو وضع غزة في عهدة السلطة الفلسطينية، أو إيجاد حكومة مختلفة عن طرفي السلطة في رام الله أو غزة.
حول السيناريو الأول، الذي تم تداوله مؤخراً في وسائل إعلام عدة، وهو أن يؤول حكم القطاع إلى السلطة الفلسطينية، قالت القناة إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استبعد عودة السلطة، وأكد أنه لن يسمح بأن تعود إسرائيل إلى ما وصفه بـ "خطأ أوسلو"، قائلاً إن "غزة لن تصبح حماستان أو فتحستان".
وتضيف الصحيفة أنه خلافاً للمواقف في إسرائيل، هناك من يريد للسلطة الفلسطينية أن تحل محل حماس في قطاع غزة، وقال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، نهاية الأسبوع، إن "السلطة الفلسطينية لديها القدرة على إدارة غزة. والجميع يعرف قدرتها وقوتها في إدارة الضفة الغربية. لقد قامت بعمل رائع – رغم التحديات".
وصرح جو بايدن بأن السلطة الفلسطينية "المتجددة" يجب أن تسيطر في نهاية المطاف على قطاع غزة والضفة. وقال مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان: "السلطة الفلسطينية بحاجة إلى التجديد. وهذا سيتطلب قدراً كبيراً من العمل الذي سيبدأ مع أبو مازن – ويعتمد على الشعب الفلسطيني".
ونقلت القناة 12 عن رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية بمركز ديان التابع لجامعة تل أبيب، ميخائيل مِيلشتاين، قوله إنه "لم يلحظ رغبة لدى السلطة في حكم غزة، ما يعني شعورها بأنها غير مهيأة وتخشى دخول مغامرة صعبة".
السيناريو الثاني يبتعد عن طرفي الحكم سواء السلطة الفلسطينية أو حماس، وتقول القناة، إنه يتضمن "إقامة سلطة فلسطينية بديلة لحكم غزة، تعتمد على مصادر محلية قبلية لا تنتمي لحماس، وتكون مثلاً من الشخصيات العامة أو رجال الأعمال أو شيوخ العشائر ورؤساء البلديات".
وقدَّرت أن تلك المنظومة ستصبح مسؤولة عن تقديم الخدمات، بينما تبقى السيطرة العسكرية في عهدة إسرائيل. ويعتقد مِيلشتاين أن بالإمكان أن يكون نظام الحكم المحلي هذا خاضعاً للسلطة الفلسطينية أيضاً، أو مرتبطاً بها، وعوامل خارجية ستدعم هذه الخطوة، بما في ذلك مصر.
كذلك طرحت القناة سيناريو ثالث بديل٬ هو إقامة نظام إقليمي مؤقت بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة دول المنطقة: مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية٬ حتى تسليمها إلى السلطة الفلسطينية بعد سنوات قليلة.
وبالنظر إلى مثل هذا السيناريو٬ فمن المتوقع أن تسيطر مصر على المنطقة بغطاء من الدول الأخرى٬ حيث ستقدم الإمارات العربية المتحدة المساعدة سياسياً، وسيقوم الأردن بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، ومن الممكن أن تحل المملكة العربية السعودية محل قطر وتساعد في "عملية السلام".
وتضيف القناة العبرية أنه من المتوقع أن يواجه مثل هذا الاحتمال عوائق كثيرة وصعوبة في تنسيق الحركة دون خلق ثغرات. وتصر إسرائيل حتى على أن السيطرة الأمنية للجيش الإسرائيلي على غزة ستستمر بعد الحرب. وأشارت القناة إلى أن السيناريوهات المقترحة ما زالت بعيدة عن الحسم، إذ نقلت عن مِيلشتاين أنه "لا حلول سحرية لتسوية سريعة، وأن هناك حاجة لاستراتيجية واضحة".
وحسب مِيلشتاين فإن غزة "تشبه العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين وتفكيك حزب البعث وبنيته من جانب أمريكا"، وأن إسرائيل "تدرك صعوبة تفكيك بنية حركة حماس".
وأضاف ميلشتاين: "سيستغرق هذا أيضاً وقتاً طويلاً، وسيكون مرهقاً وطويل الأمد، ويجب أيضاً أن يؤخذ في الاعتبار أنه حتى لو عادت السلطة الفلسطينية إلى غزة، فإن حماس لن تختفي".
في النهاية٬ وبينما تضيع إسرائيل في متاهات "اليوم التالي لغزة" وتناقشها مع الأمريكيين أو شركائها العرب في المنطقة، هناك فهم معين وإقرار لديها بأن حماس لا تزال تدير المعركة وتقاتل الجيش الإسرائيلي بشراسة وتكبده خسائر باهظة٬ كما أن فكرة حماس المتجذرة بعمق في الوعي الفلسطيني، لا يمكن إبادتها وتدميرها.