تتعدد جبهات القتال في غزة، بين فصائل المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي في مناطق عدة شمال ووسط وجنوب القطاع، مرتبطة بالخطط العسكرية للجانبين، الدفاعية والهجومية، يرصدها "عربي بوست" في هذا التقرير.
منذ دخول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يومه الثمانين، ركز هجماته العسكرية الميدانية في محافظتي خان يونس والوسطى، بعد تمهيدها بأحزمة نارية، كما فعل في شمال غزة، إلا أن الاشتباكات لا تزال مستمرة أيضاً في حيي التفاح والدرج في محافظة غزة.
بحسب فيديوهات وبيانات حركة حماس وما يعلنه الجيش الإسرائيلي من مناطق اشتباكات في الفترة 20 – 30 ديسمبر/كانون الأول 2023، فإن جبهات القتال في غزة الأكثر سخونة في الوقت الحالي، هي:
- مخيم البريج
- مخيم المغازي
- القرارة ووسط خان يونس
- خزاعة
- حي التفاح وحي الدرج
في متابعة لإعلان الجانبين، فإن هذه المناطق التي يكثر فيها الاشتباك المسلح، وحرب الشوارع، وتحاول فيها قوات الاحتلال إحراز سيطرة ميدانية عليها، ضمن أهداف عسكرية، وأخرى متعلقة بتهجير الأهالي.
تتميز هذه المناطق بتضاريسها الحضرية، التي انعكست على الأرض بحرب الشوارع، بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما أكده الخبير العسكري العقيد حاتم الفلاحي.
فيما يخص تضاريس هذه المناطق، قال الفلاحي في حديثه مع "عربي بوست"، إن "الأرض تقاتل مع أهلها"، وأن الموقف الدفاعي فيها لفصائل المقاومة أقوى من الهجومي لقوات الاحتلال.
وأكد أن الجيش الإسرائيلي يحاول الدخول للمنطقة الوسطى والجنوبية، وأن ما يجري فيها يتلخص في أن الاحتلال يحاول الهجوم على جبهة واسعة، ما يتطلب منه أن يكون الهجوم بجبهات متعددة، لذلك بدأ بالضغط على منطقة خان يونس، ومنها دفع برتل إلى محافظة رفح، يضاف إلى ذلك الهجوم على المنطقة الوسطى.
بالنسبة لفصائل المقاومة الفلسطينية، فإن هذه المدن والمخيمات تحولت أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى "متاهة مميتة"، وفق الوصف الذي أطلقته وكالة "رويترز" في تقرير نشرته مؤخراً.
وبلغ عدد قتلى جنود الاحتلال داخل قطاع غزة المعلن عنه من الجيش الإسرائيلي منذ بدء توغله عسكرياً داخل غزة، وحتى الآن 502 عسكري إسرائيلي، فيما وصل عدد الآليات المدمرة بين دبابة وآلية منذ 20 ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى 153 آلية في المناطق السابق ذكرها في الوسطى وخان يونس ومدينة غزة.
مخيم البريج (الوسطى)
منذ بداية دخول جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى المنطقة الوسطى، بدأت حرب الشوارع بينه وبين فصائل المقاومة، لا سيما في المناطق الشرقية والشمالية للمحافظة، خاصة مخيم البريج.
دفع جيش الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً بالفرقة 36 إلى مخيم البريج، لكن فصائل المقاومة تصدت لقواته التي حاولت التقدم باتجاه شارع صلاح الدين 26 ديسمبر/كانون الأول 2023.
وتهدد السيطرة على هذا المخيم بعزل دير البلح بالكامل، التي ما تزال تشهد تواجداً سكانياً كبيراً فيها، وهو ما يتعارض مع مخططات الاحتلال بتهجير الأهالي.
ويقع بالقرب من مخيم البريج، منطقة بني سهلا، التي تنشط فيها كذلك المقاومة، التي تمكن السيطرة عليها من اختراق مدينة خان يونس وتطويقها لعزلها عن بقية القطاع، وهو الهدف الذي أخفق جيش الاحتلال بتحقيقه بعد نحو 3 أسابيع من بدء في المنطقة الوسطى.
المغازي (الوسطى)
يقع مخيم المغازي جنوبي مخيم البريج، ويتسم بضيق أزقته وارتفاع كثافته السكانية، حيث يسكن فيه ما يزيد على 33,255 لاجئاً في مساحة لا تزيد على 0.6 كيلومتر مربع.
وتدور فيه منذ نحو أسبوع اشتباكات وحرب شوارع بين فصائل المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يعلن عن أي تقدم ميداني فيها.
وشهد هذا المخيم العديد من المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين، بسبب القصف المدفعي الإسرائيلي الكثيف، كان آخرها في 25 ديسمبر/كانون الأول 2023، حين استشهد 70 فلسطينياً وأصيب العشرات في واحدة من أعنف الضربات لقوات الاحتلال في قطاع غزة.
وزادت الكثافة السكانية للمدنيين في مخيم المغازي، على إثر نزوح الآلاف إليها من شمال غزة، إذ يسجل الناشطون هناك أن بعض المنازل قد يجتمع فيها نحو 100 شخص في عديد من الأحيان.
وسبق أن قال الناطق باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، إن "ما يحدث في مخيم المغازي إبادة جماعية لمربع سكني مكتظ".
وقال المدير العام لمنظمة الصحة تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في بيان رسمي، إن "فريق منظمة الصحة العالمية سمع من الطواقم الطبية والضحايا قصصاً مروّعة عن المعاناة التي خلّفتها الانفجارات في مخيم المغازي".
خزاعة والقرارة في خان يونس
أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجمعة 29 ديسمبر/كانون الأول 2023، عزمه "السيطرة" على منطقة خربة خزاعة في محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، في الوقت الذي تشتبك فيه قواته في القرارة في المحافظة ذاتها.
وقال الجيش في بيان: "لأول مرة منذ نشوب الحرب، بدأت قوات فرقة غزة إلى جانب قوات المدرعات والهندسة، نشاطها في منطقة خربة خزاعة جنوب قطاع غزة".
أطلق جيش الاحتلال مسمى "عوز ونير" على عمليته في خربة خزاعة، بالتزامن مع استمرار عملياته العسكرية التي تتركز شرق وشمال مدينة خان يونس، في محاولة لخنقها.
ويزعم جيش الاحتلال أن خربة خزاعة هي المنطقة التي انطلقت منها فصائل المقاومة في الهجوم على "كيبوتس (مستوطنة) نير عوز" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، معلنة معركة طوفان الأقصى"، مبيناً أنه لهذا السبب أطلق على عمليته اسم "عوز ونير".
واصطدم الاحتلال في خزاعة والقرارة ووسط خان يونس، بحرب شوارع وتفجير لآلياته ودباباته، وأجبر مراراً على الاعتراف بقتلى بين صفوفه في هذه المناطق.
حي التفاح وحي الدرج
يقع هذان الحيان في مدينة غزة شمالاً، وما يميزهما أنهما لم يسقطا رغم تركيز جيش الاحتلال الإسرائيلي على المناطق الشمالية منذ بداية عدوانه على قطاع غزة.
ولا تزال تدور في هذين الحيين حرب شوارع ومعارك شرسة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال، واستطاعت فيهما قتل جنود إسرائيليين وتدمير آليات إسرائيلية متغولة، لم تستطع حتى الآن تحقيق سيطرة ميدانية فيهما.
الأهمية العسكرية لتلك المناطق
أوضح العقيد الركن السابق حاتم الفلاحي، في معرض حديثه لـ"عربي بوست"، أن تلك المناطق هي مناطق دفاعية لفصائل المقاومة، التي قال إن ما يميزها أنها "لا تحتل فيها موضعاً دفاعياً ثابتاً، بل موضعاً سياراً ومتحركاً بحسب طبيعة الموقف وتطور محور العمليات والتقدم الإسرائيلي ما يصعّب من القضاء عليها".
وقال: "لذلك يجري في كثير من المرات سحب القوات المدافعة عن تلك المناطق دون أن تكون هناك مواجهات، وعندما تبدأ القطاعات الإسرائيلية المتقدمة بالاستقرار، تبدأ عمليات المقاومة الهجومية عليها".
حول صمود المقاومة في مناطق الوسطى وخان يونس والقطاعات الدفاعية الأخرى، قال الفلاحي إن "فصائل المقاومة استطاعت أن تدير عمليات ناجحة في تلك القطاعات، والدليل أنها تشهد اشتباكات ساخنة جداً رغم التدمير والقوى النارية التي استخدمها الاحتلال خلال الفترة الماضية".
وأشار إلى أن "كارل فون كلاوزفيتز" أكد في كتابه "عن الحرب"، أن "أقوى أشكال الحرب هو الدفاع"، ففي حين أنك تواجه عدواً قوياً يحاول التغلب عليك، ولا تستطيع مجاراته من خلال التقييم العسكري والاختلال في موازين القوى، فتلجأ إلى الدفاع لغرض التغلب على القوى الكبيرة التي يأتي بها المهاجم، لذلك تبرز أهمية المناطق الدفاعية وعدم سقوطها.
وأكد أن "التضاريس لعبت دوراً مهما جداً في الوسطى وخان يونس، في مواجهة قوات الاحتلال لفصائل المقاومة، وخصوصاً الأنفاق التي تم استخدامها بشكل كبير جداً، وبطريقة صحيحة وجيدة، استطاعت من خلالها توظيف القدرات العسكرية والموارد في جميع هذه القواطع، واستطاعت أن تنفذ الكثير من العمليات التي اتصفت بالدقة والشجاعة والجرأة، وأن يظهر مقاتلوها خلف خطوط العدو، لذلك رأينا خروج لواء النخبة الإسرائيلي غولاني من القطاع، بعد تكبده الكثير من الخسائر".
وقال إن "المقاومة لديها معرفة جيدة بالأرض، والاحتلال يرى أن هذه البيئة معادية له، لذلك يخاف من أي شيء خلال تقدمه، من عبوة متفجرة أو قنص أو كمين ثابت أو متحرك، أو صدامات مباشرة، أو قصف بالهاون، أو أن يواجه مصائد مغفلين، بالتفخيخ وغير ذلك".
كل هذا ساهم بحسب الفلاحي، في ارتفاع فاتورة الخسائر بالنسبة للجيش الإسرائيلي، الذي تمكن من التغول إلى مناطق خان يونس والوسطى، وحاول إنجاز تقدم تكتيكي فيها، لكن ما قام به لم يرق إلى إنجاز عملياتي أو إنجاز استراتيجي على مستوى العملية العسكرية وأهدافها، وفشل في الوصول إلى أي من أهدافه الرئيسية.
وشدد على أنه "لولا الدعم الأمريكي المفتوح لإسرائيل لما استطاعت الصمود في تلك المناطق، خصوصاً أن عقيدتها العسكرية تعتمد على الحرب الخاطفة".
ونقلت وكالة رويترز، عن مصدر من "حماس" من داخل غزة رفض الكشف عن هويته، قوله إن المقاتلين يقتربون قدر الإمكان لنصب كمائن "مستفيدين من خبرتهم بالميدان والأرض التي يعرفونها كما لا يعرفها أحد غيرهم".
وأضاف أن "تضاريس غزة تعوّض الفجوة بين ما نملكه من وسائل قوة وبين ترسانة الجيش الإسرائيلي".
وسبق أن أقر رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي، بصعوبة تضاريس غزة بالنسبة للجيش وأنها معقدة بالنسبة له، وبسببها فإن أهداف الحرب "ليس من السهل تحقيقها".
يشار إلى أنه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي عدواناً مدمراً على غزة، خلّف حتى الجمعة، 21 ألفاً و507 شهداء و55 ألفاً و915 إصابة معظمهم من الأطفال والنساء، وفقاً لوزارة الصحة في غزة والأمم المتحدة.