أثار تبني مجلس الأمن الدولي لمشروع القرار الأمريكي بشأن غزة، ردود أفعال واسعة ومتباينة على المستويات الفلسطينية والإسرائيلية والدولية، وسط تساؤلات حول إمكانية نجاحها على أرض الواقع.
فبينما وُصفت الخطوة فلسطينياً بأنها محاولة لـ "فرض وصاية" دولية على القطاع، اعتبرها إسرائيليون بأنها تحولاً تاريخياً يتمثل في 'تدويل' القضية الفلسطينية، وهو السيناريو الذي ما دام قاومته حكومات الاحتلال لعقود طويلة، خوفاً من سحب زمام السيطرة منها، إلا أنه يحدث الآن فعلياً في ظل حكومة يمينية متطرفة.
ونطرح في هذا التقرير تساؤلات حول تباين المواقف الفلسطينية والإسرائيلية والدولية بشأن القرار الأمريكي، والمعيقات التي قد تواجه تطبيقه.
ماذا يتضمن مشروع القرار الأمريكي المعتمد بمجلس الأمن؟
تسمح الخطة التي صادق عليها مجلس الأمن، بنشر قوة دولية في غزة، مع "مجلس سلام" انتقالي، ويتصور مساراً مستقبلياً محتملاً نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وفيما يلي أبرز بنود القرار الذي صوّت عليه مجلس الأمن:
- إنشاء مجلس سلام باعتباره هيئة انتقالية تتولى وضع إطار العمل وتنسيق التمويل لإعادة تنمية غزة وفقاً لخطة ترامب، حتى استكمال برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية.
- ستعمل الولايات المتحدة على إقامة حوار بين إسرائيل والفلسطينيين للاتفاق على آفاق العمل السياسي بغية التعايش في سلام وازدهار.
- استئناف إدخال المساعدات الإنسانية بشكل كامل إلى قطاع غزة بالتعاون مع مجلس السلام، ما يتسق مع مبادئ القانون الدولي ذات الصلة ومن خلال المنظمات المتعاونة، ما في ذلك الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، وضمان استخدام هذه المساعدات في الأغراض السلمية فقط وعدم تحويل وجهتها من قبل الجماعات المسلحة.
- السماح بإنشاء كيانات تشغيلية لـ"مجلس السلام"، لإدارة الحكم الانتقالي والإعمار والخدمات والمساعدات وتنظيم حركة الدخول والخروج من القطاع.
- دعوة البنك الدولي وسائر المؤسسات المالية إلى تيسير وتوفير الموارد المالية لدعم إعادة إعمار غزة وتنميتها، بوسائل مثل إنشاء صندوق استئماني مخصص لهذا الغرض تديره الجهات المانحة.
- إنشاء قوة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار في غزة تُنشر تحت قيادة موحدة يقبلها "مجلس السلام"، وتتألف من قوات تساهم بها الدول المشاركة، بالتشاور والتعاون الوثيقين مع مصر وإسرائيل، ولها الحق باستخدام جميع التدابير اللازمة لتنفيذ مهامها ما يتفق مع القانون الدولي.
- تعمل القوة الدولية مع إسرائيل ومصر، دون المساس بالاتفاقيات القائمة بينهما، إلى جانب قوة الشرطة الفلسطينية التي سبق تدريب أفرادها، والمساعدة في تأمين المناطق الحدودية.
- ضمان عملية إخلاء قطاع غزة من السلاح، ما في ذلك تدمير ومنع إعادة بناء البنية التحتية العسكرية والهجومية في القطاع، وسحب أسلحة الجماعات المسلحة غير الحكومية من الخدمة بشكل دائم.
- انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة استناداً إلى معايير ومعالم محددة وأطر زمنية مرتبطة بنزع السلاح يتم الاتفاق عليها مع القوة الدولية والجهات الضامنة والولايات المتحدة،
- سيبقى الجيش الإسرائيلي في طوق أمني إلى أن تصبح غزة في مأمن تام من عودة ظهور أي تهديد.
- يحدد القرار انتهاء ولاية مجلس السلام والوجود الدولي المدني والأمني في 31 ديسمبر/كانون الأول 2027 ما لم يقرر المجلس خلاف ذلك.
- يدعو الدول الأعضاء والمنظمات الدولية إلى العمل مع مجلس السلام لتحديد الفرص المتاحة للمساهمة في كياناته التشغيلية وللقوة الدولية.
- يطلب إلى مجلس السلام أن يقدم تقريراً خطياً إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كل ستة أشهر.
من هي الدول التي صوتت لصالح القرار الأمريكي؟
صوت 13 عضواً في مجلس الأمن لصالح مشروع القرار، في حين امتنع المندوبان الروسي والصيني عن التصويت.
والدول، هي فرنسا بريطانيا، الجزائر، الدنمارك، اليونان، غيانا، كوريا الجنوبية، باكستان، بنما، سيراليون، سلوفينيا، الصومال، إلى جانب الولايات المتحدة.
وانتقدت روسيا والصين القرار الأمريكي في مجلس الأمن، مشيرتين إلى أنه لا يتحدث صراحة عن حل الدولتين.
وقال المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا، إن القرار يسمح لمجلس السلام وقوة الاستقرار الدولية بالتصرف باستقلالية مطلقة "دون أي اعتبار لموقف أو رأي" السلطة الفلسطينية، ما يرسخ فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية.
وأضاف أن ذلك "يذكرنا بالممارسات الاستعمارية والانتداب البريطاني في عصبة الأمم على فلسطين عندما لم يُؤخذ رأي الفلسطينيين أنفسهم في الاعتبار".
وحذر من أن تتحول القوة الدولية إلى طرف في النزاع، لأن التفويض الممنوح لها يتجاوز حدود حفظ السلام.
أما مندوب الصين الدائم، فو تسونغ، أوضح أن القرار الأمريكي يحدد ترتيبات حوكمة غزة بعد الحرب، "لكن السيادة الفلسطينية وملكية الفلسطينيين لا تنعكسان بشكل كامل".
وشدد على ضرورة احترام أي ترتيبات لما بعد الحرب إرادة الشعب الفلسطيني، وأن تفسح المجال كاملاً للدور الحيوي للسلطة الفلسطينية.
ما موقف الفلسطينيين من القرار الأمريكي المعتمد بمجلس الأمن؟
في الوقت الذي رحبت فيه السلطة الفلسطينية بقرار مجلس الأمن الدولي بشأن القرار الأمريكي حول غزة، أكدت الفصائل الفلسطينية أنه "يفرض وصاية دولية" على القطاع"، ويكرس الفصل بين مناطق الأراضي الفلسطينية.
وأبدت السلطة الفلسطينية استعدادها الكامل للتعاون مع الإدارة الأمريكية وأعضاء مجلس الأمن والدول العربية والإسلامية والاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء والأمم المتحدة وجميع أطراف التحالف الدولي والشركاء في إعلان نيويورك، من أجل تنفيذ القرار الأمريكي.
وجددت التأكيد "على جاهزيتها لتحمل كامل مسؤولياتها في قطاع غزة، في إطار وحدة الأرض والشعب والمؤسسات، باعتبار القطاع جزءاً لا يتجزأ من دولة فلسطين".
أما الفصائل الفلسطينية، ما فيها حركة حماس انتقدت القرار الأمريكي، تلخصت ما يلي:
- القرار الأمريكي في مجلس الأمن يفرض وصاية دولية على القطاع.
- القرار الأمريكي في مجلس الأمن يفصل قطاع غزة عن باقي الأراضي الفلسطينية.
- رفض فكرة نزع السلاح، مؤكدة أن سلاح المقاومة هو ملك للشعب الفلسطيني، وأن "تكليف القوة الدولية بمهام وأدوار داخل قطاع غزة، ما نزع سلاح المقاومة، ينزع عنها صفة الحيادية ويحوّلها إلى طرف في الصراع لصالح الاحتلال".
- رفض تحويل ملف المساعدات الإنسانية والإعمار إلى أداة ضغط ابتزاز سياسي.
ما موقف الاحتلال الإسرائيلي من مشروع القرار الأمريكي؟
تكشف المواقف الإسرائيلية تجاه القرار الأمريكي المعتمد في مجلس الأمن، عن انقسام داخلي وقلق من بعض البنود التي تقيد نفوذ إسرائيل المستقبلي في القطاع.
واكتفى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالتغريدة باللغة الإنجليزية فقط على منصته في (إكس)، تجنب فيها التعليق على قرار مجلس الأمن، مكتفياً بالإشادة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأضاف نتنياهو: "يؤيد مجلس الأمن بالكامل خطة الرئيس ترامب المكونة من عشرين نقطة، والتي ستؤدي إلى السلام والازدهار، لأنها تُصر على نزع السلاح بشكل كامل في غزة".
ومواصلاً كيل المديح للرئيس الأمريكي تجنباً للتطرق إلى القرار، قال المكتب إن "القيادة الرائدة للرئيس ترامب ستوصل المنطقة إلى السلام والازدهار، وإلى تحالف دائم مع الولايات المتحدة".
فيما هاجم زعيم المعارضة يائير لابيد، حكومة نتنياهو، قائلاً إنها الحكومة الأكثر تطرفاً لكنها قبلت بقرار مجلس الأمن بشأن قطاع غزة.
وقال لابيد: "تحت ضغط الأمريكيين، أعلن نتنياهو صباح اليوم قبوله قرار مجلس الأمن الذي يتضمن مبدأ توحيد الساحات".
وكتب رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان على منصة (إكس)، أن "ما حدث الليلة في الأمم المتحدة هو نتيجة سوء إدارة الحكومة الإسرائيلية، لقد جلب قرار الأمم المتحدة دولة فلسطينية، وسلاحاً نووياً سعودياً، وطائرات إف-35 إلى تركيا والسعودية، هذا بيعٌ لأمن إسرائيل. الشرق الأوسط يتغير، وهذا ليس في مصلحتنا".
واعتبر أن "وجود قوات دولية على أرض إسرائيل وتقييد الجيش يمثل عودة لعهد الانتداب".
الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد، وصف القرار الأمريكي المعتمد في مجلس الأمن بـ"التاريخي"، لأنه لأول مرة سيتم نشر قوة دولية في قطاع غزة، كجزء من محاولة حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وأضاف في تقرير على القناة 12 العبرية، أنه منذ 58 عاماً (احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة)، تحاول إسرائيل بكل الطرق الممكنة ضد "تدويل" الصراع، نصف تلك الفترة شغل فيها نتنياهو مناصب محورية، من مبعوث في واشنطن وسفير لدى الأمم المتحدة، ووزير للخارجية، ورئيس الوزراء.
لكن "تدويل الصراع" بدأ يحدث في عهد نتنياهو، كما يذكر الصحفي الإسرائيلي الذي أشار إلى أنه لن يعود الصراع كما كان سابقاً.
وأشار إلى أن قرار مجلس الأمن يحول "مجلس السلام"، و"القوة الدولية" لإدارة قطاع غزة مؤقتاً، وستعمل هاتان الهيئتان بـ"التنسيق" مع إسرائيل، لكنها لن تتلقى أوامر منها.
ونوّه إلى أن إسرائيل لم ترغب في صدور القرار من مجلس الأمن، مشيراً إلى أنه ما دام كانت قرارات مجلس الأمن تسبب صعوبات لنتنياهو الذي تحدث سابقاً عن عدم إمكانية إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار لأن حماس ستطالب بتصديق مجلس الأمن عليه.
وفي تصريحاته السابقة، زعم نتنياهو أن قرار مجلس الأمن سيقيد إسرائيل، التي لن تتمكن من اتخاذ إجراءات ضد حماس، ولكن أمس وتحت عجلات جرافة ترامب، اضطر نتنياهو إلى قبول مثل القرار، بحسب الصحفي الإسرائيلي.
ورأى الصحفي الإسرائيلي، أن ما حدث هو "سابقة سياسية" من الصعب جداً على إسرائيل التراجع عنها، وقد تشكل هذه السابقة نموذجاً لتحركات مماثلة في الضفة الغربية مستقبلاً.
فيما أبدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في تقرير عن مخاوف من النفوذ التركي والقطري في قطاع غزة في المرحلة المقبلة، مضيفة أن القرار الأمريكي المعتمد في مجلس الأمن يمهد لعودة السلطة الفلسطينية إلى دورها في غزة، وسيكون هناك اتفاق عالمي على مسار محتمل – ربما – نحو دولة فلسطينية.
وأضافت أنه هناك قرار ملزم قانوناً بشأن غزة، وهو بعيد كل البعد عن أي شيء تحدثت عنه الحكومة اليمينية الأكثر تطرفاً. والتطور الدراماتيكي هو "تدويل الصراع"، لأول مرة يأمر مجلس الأمن بإدخال قوات دولية إلى الأراضي المحتلة عام 1967، لتكون بمثابة حاجز بين إسرائيل والفلسطينيين، معتبرة أن ما حدث هو "ضربة لليمين الإسرائيلي".
ما الصعوبات التي قد يواجهه تطبيق القرار الأمريكي المعتمد؟
ورغم أن القرار الأمريكي اعتمد في مجلس الأمن، إلا أنه يواجه من ناحية عملية عقبات في تطبيقه، وتتمثل بـ:
- رفض الفصائل الفلسطينية، فكرة نزع السلاح من قطاع غزة، كما أعلنت في بياناتها.
- رفض إسرائيلي لأي مسار نحو عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، أو دولة فلسطينية، كما برز ذلك في تصريحات نتنياهو ووزرائه.
- رفض عربي وإسلامي لفكرة التصادم مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة بشأن، عملية نزع السلاح.