تواجه خطة ترامب معيقات أمام الانتقال إلى المرحلة الثانية، وسط تباين أمريكي وإسرائيلي ومصري بشأنها، وفي الوقت الذي تدفع فيه الإدارة الأمريكية لاستكمال المراحل، فإن تقديرات تشير إلى أنها قد تواجه الفشل.
المرحلة الأولى من خطة ترامب ركزت على تفاصيل صفقة تبادل الأسرى، بالإضافة إلى الانسحاب الجزئي للجيش الإسرائيلي من غزة، وإدخال المساعدات وفتح المعابر.
لكنها واجهت العديد من الانتهاكات الإسرائيلية، وسط مخاوف من مناورات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي قد تُفشل مسار خطة ترامب والانتقال إلى المرحلة الثانية، كما فعل في اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه الأطراف في يناير/كانون الثاني 2025، وانتهكته الحكومة الإسرائيلية في مارس/آذار 2025، مع رفضها الانتقال إلى المرحلة الثانية في ذلك الوقت.
وشملت الانتهاكات الإسرائيلية للمرحلة الأولى حتى اللحظة:
- عدم فتح معبر رفح البري في اتجاهين للفلسطينيين.
- عدم الالتزام بإدخال المساعدات بالكميات المحددة وفق الاتفاق، وبحسب الإعلام الحكومي في غزة، فقد دخلت 986 شاحنة فقط من أصل 6600 شاحنة كان يفترض دخولها حتى مساء الإثنين 20 أكتوبر/تشرين الأول 2025.
- انتهاكات الجيش الإسرائيلي على طول "الخط الأصفر"، ما أسفر عن استشهاد وإصابة العشرات من المواطنين.
- عدم إدخال الاحتلال مستلزمات إعادة تأهيل البنية التحتية (الماء والكهرباء والصرف الصحي)، وكذلك المتعلقة بإعادة تأهيل المستشفيات والمخابز، ودخول المعدات اللازمة لإزالة الركام وفتح الطرق.
ماذا تتضمن المرحلة الثانية من خطة ترامب؟
تشكّل المرحلة الثانية، بحسب خطة ترامب، المحطة الحاسمة والنهائية بشأن تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، والتوصل إلى تسوية طويلة الأمد، ووفقاً لخطة ترامب فإنها تشمل خطوات:
- تشكيل إدارة مؤقتة من لجنة من فلسطينيين تكنوقراط غير سياسيين للقيام بالإدارة اليومية للخدمات العامة والبلدية لسكان قطاع غزة.
- تشكيل هيئة دولية بالتشاور بين الولايات المتحدة ودول عربية وأوروبية.
- نزع سلاح غزة بإشراف مراقبين مستقلين.
- إنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة داخل قطاع غزة.
- انسحاب الجيش الإسرائيلي تدريجياً وبشكل كامل من قطاع غزة.
هل هناك ضغط أمريكي للانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب؟
وتشهد تل أبيب خلال الأيام الماضية حراكاً مكوكياً من مسؤولي البيت الأبيض ومسؤولين مصريين من أجل الدفع باتجاه الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب.
والإثنين 20 أكتوبر/تشرين الأول 2025، وصل مبعوثا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، إلى تل أبيب وبحثا مع مسؤولين إسرائيليين سبل الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وتنفيذ المرحلة الثانية منه.
وفي إشارة إلى الضغط الأمريكي تجاه الدفع نحو الانتقال إلى المرحلة الثانية، وصل نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس إلى تل أبيب من أجل الدفع باتجاه الانتقال إلى المرحلة الثانية.
وبحسب صحيفة "جيروزاليم بوست"، فإن الزيارة تؤكد على مدى إلحاح الولايات المتحدة على الحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة، ومنع تجدد الصراع مع حركة حماس.

وأضافت أن الفاصل الزمني بين زيارة ترامب ونائبه إلى إسرائيل يُعتبر غير مسبوق في تاريخ الدبلوماسية الأمريكية، فمن النادر أن يزور رئيس ونائبه نفس الدولة الأجنبية في مثل هذا التعاقب السريع.
وتشير زيارة فانس إلى إدراك واشنطن أن الاتفاق، رغم كونه رائداً، لا يزال هشاً، وأن الحرب قد تشتعل مجدداً بسهولة، كما تشير إلى حرص الإدارة الأمريكية على منع ذلك وترسيخ وقف إطلاق النار، الذي تعتبره حجر الزاوية في إعادة تنظيم إقليمي أوسع واتفاق سلام، بحسب الصحيفة.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين في إدارة ترامب قولهم إن هناك قلقاً من أن نتنياهو قد "يتخلى" عن الاتفاق، وأن المسؤولين الأمريكيين الثلاثة الكبار موجودون في إسرائيل لمنعه من استئناف حرب شاملة على حماس.
فيما ذكرت القناة 12 العبرية، أن المؤسسة الأمنية حذّرت من أن النهج الأمريكي تجاه هذه الخطوة الدبلوماسية قد يتعارض مع المصالح الأمنية الإسرائيلية.
ومن وجهة نظر إسرائيل، فإن هناك العديد من المصالح الحيوية، مثل الخطوط التي وضعت القوات الإسرائيلية نفسها على طولها، وأوامر فتح النار، والطريقة التي يتم بها إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، والتي ربما لا تحددها الآن إسرائيل نفسها، بحسب القناة العبرية.
والقلق الإسرائيلي يكمن، وفقاً للقناة العبرية، في أن تتمكن الولايات المتحدة من تقييد تل أبيب في كل ما يتصل بهذه القضايا، وهو ما سيأتي على حساب قدرة الجيش على إطلاق النار، وقدرة المستوى السياسي على فرض عقوبات على منظمة حماس.
ما مشكلة الانتقال إلى المرحلة الثانية؟
تبرز العديد من الإشكاليات التي تواجه الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب، وسط تباين في المواقف بين الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة ومصر، وحركة حماس.
وتتمثل هذه الإشكاليات بالتالي:
رفض إسرائيلي للانتقال إلى المرحلة الثانية
بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن إسرائيل ترهن البدء بتنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب بعودة جميع جثامين الأسرى الإسرائيليين، واستعداد حركة حماس لنزع سلاحها.
وتقول حركة حماس إنها تسعى "لإغلاق ملف" جثث الأسرى الإسرائيليين، وتحتاج وقتاً ومعدات متطورة وآليات ثقيلة لإخراج بقية الجثامين.

ويشترط الإسرائيليون، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إبداء حركة حماس استعدادها لنزع سلاحها في قطاع غزة، وفقاً لخطة ترامب، قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية.
وبالنسبة لحركة حماس، فقد أكدت في تصريحات عدة لمسؤوليها، بأنها ترفض فكرة نزع السلاح، مشيرة إلى أنها قضية وطنية تُناقش فلسطينياً.
في هذا الإطار، هدّد فانس بأنه "إذا لم تنزع حماس سلاحها، فستحدث أمور سيئة".
تباين المواقف بشأن قوة الاستقرار الدولية في غزة
بحسب صحيفة "هآرتس"، فإن العديد من الفرق الأجنبية المسؤولة عن تنفيذ التفاهمات والإشراف على بنود المرحلة الثانية من خطة ترامب في إسرائيل بالفعل، إلا أن هذه الفرق لم تنجح في بناء نموذج عملي، ولم يتم التوصل إلى اتفاقيات بشأن القضايا الأكثر حساسية، مثل:
- سياسات إطلاق النار المفتوح.
- هوية القوة متعددة الجنسية.
- موقع وصلاحيات القوة الدولية.
وأضافت أنه بما أن هذه المسائل لم تُوضَّح بعد، فإن تقسيم الصلاحيات بين الجيش الإسرائيلي والقوات الأجنبية لا يزال دون حل. ولذلك، لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من إعداد خط دفاعي يعتقد أنه سليم من الناحية العملياتية.
ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية، أنها لا ترى أحداً في غزة قادراً على تولي زمام الحكم من حركة حماس، وتخشى أن يُسهم دخول تركيا إلى القطاع بدور إشرافي في تعزيز قوة حماس وتسهيل مساعيها للسيطرة.
وفي تقرير آخر، أشارت الصحيفة إلى أن هيكل القوة متعددة الجنسيات وتكوينها ودورها لا يزال في مراحله الأولى، مما يُدلل على عدم وجود أي عمل جاد على مستوى الأطر استعداداً لما بعد انتهاء الحرب.
وتابعت بأنه بالنسبة لإدارة ترامب، كان الهدف الوحيد حتى الآن هو إنهاء القتال، وإعادة الأسرى الإسرائيليين، وتأجيل مناقشة إعادة الإعمار والحوكمة في غزة إلى مرحلة لاحقة.
ونوّهت إلى أنه، رغم أن المحادثات الجارية حالياً تسير بوتيرة متسارعة، فإنها لا تزال بعيدة كل البعد عن خطة عمل واضحة.
وبحسب هيئة البث الإسرائيلية، فإن رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد وصل إلى إسرائيل، مشيرة إلى أن أحد الموضوعات الرئيسية التي بحثها هو إدخال قوة عسكرية عربية دولية إلى غزة في أقرب وقت ممكن.
وأوضحت الهيئة أن الأمريكيين معنيون ببدء المرحلة الثانية، وتريد مصر، في إطار المرحلة ذاتها، إدخال قوات أجنبية إلى غزة خلال الأيام المقبلة.
لكن إسرائيل تعارض هذه الخطوة، متحججة بأن حماس قادرة على إعادة المزيد من الجثامين دون مساعدة خارجية.
ويلخّص تقرير في صحيفة "هآرتس" أننا أمام واقع تُماطل فيه الولايات المتحدة، فيما تصر إسرائيل على حق النقض، أما عام 2025 فعلى وشك الانتهاء، وفي غزة لا يوجد "يوم بعد"، ولا حتى تخطيط له.
وأضافت: من يتوقّعون التغيير في 2026 سيُصابون بخيبة أمل، ففي إسرائيل، سيقولون إنّ هذا عام انتخابات لا قرارات فيه. وهكذا سيستمرّ الانتظار والمماطلة، وستتدفق المزيد من المساعدات، وسيتم إجلاء آلاف الجرحى، وسيتضاءل عدد السكان، وسيُرسى روتين جديد: قطاع يُحافظ على إنسانيته، بلا أفق سياسي، ولا أي شك في السيادة.
وهكذا، في حين تتحدث واشنطن عن "غزة الجديدة"، فإن الواقع يواصل إنتاج "غزة القديمة"، ولكن مع قدر أقل من الأمل ومزيد من التعب، بحسب وصف الصحيفة.