الاقتصاد العالمي مهدد.. هل تتطور الحرب التجارية بين أمريكا والصين؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/20 الساعة 12:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/20 الساعة 12:58 بتوقيت غرينتش
الحرب التجارية بين أمريكا والصين - تعبيرية

انتهت الهدنة التجارية الهشة بين الولايات المتحدة والصين. في 10 أكتوبر/كانون الأول 2025 عندما أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أنه ابتداءً من الأول من نوفمبر، سيفرض رسومًا جمركية إضافية بنسبة 100% على الصين؛ وسيقيد صادرات الولايات المتحدة من البرمجيات الحيوية إلى الصين؛ وسينظر في إلغاء اجتماع محتمل مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (APEC) في أوائل نوفمبر. 

جاء إعلان ترامب ردًا على سلسلة الإجراءات الصينية الأخيرة التي استهدفت الولايات المتحدة. وشملت هذه الإجراءات توسعًا كبيرًا في ضوابط تصدير المعادن النادرة؛ وإدراج العديد من شركات الدفاع الأمريكية ضمن قائمة "كيانات غير موثوقة"؛ وفتح تحقيقات في مجال مكافحة الاحتكار بشأن صفقة استحواذ شملت شركة كوالكوم الأمريكية لتصنيع الرقائق؛ وفحوصات جمركية على رسوم السفن الأمريكية الراسية في الموانئ الصينية. 

وعلى وقع تصاعد الجولة الثالثة من الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وتصاعد توتر العلاقات والتحذيرات من اضطراب الاقتصاد العالمي وسلاسل التوريد٬ اتهمت بكين الولايات المتحدة بشن هجوم سيبراني على المركز الوطني للتوقيت بالبلاد وسرقة بيانات، قائلة إن من شأن أي اختراق على نطاق واسع أن يؤدي إلى تعطيل شبكات الاتصالات والأنظمة المالية وإمدادات الطاقة والكهرباء والتوقيت الدولي.

وقالت وزارة الأمن القومي الصينية في بيان على حسابها على تطبيق "وي تشات" يوم الأحد 19 أكتوبر 2025 إن وكالة الأمن القومي الأمريكية شنت هجومًا إلكترونيًا على المركز الوطني للتوقيت على مدى فترة طويلة. مشيرة إلى أن وكالة المخابرات الأمريكية "استغلت ثغرة أمنية" في خدمة الرسائل الخاصة بعلامة تجارية أجنبية للهواتف الذكية للوصول إلى أجهزة الموظفين في عام 2022، دون ذكر اسم العلامة التجارية.

في الوقت نفسه٬ حثت رئيسة منظمة التجارة العالمية السبت 18 أكتوبر 2025 الولايات المتحدة والصين على تهدئة التوترات التجارية، محذرة من أن الانفصال بين أكبر اقتصادين في العالم قد يقلل الناتج الاقتصادي العالمي بنسبة 7% على المدى الطويل٬ وهو ما سيكون له تداعيات ليس فقط على أكبر اقتصادين في العالم، ولكن أيضا على بقية العالم. فإلى أين تتجه الحرب الاقتصادية بين بكين وواشنطن وهل تتطور إلى ما هو أبعد؟

انهيار الهدنة.. إلى أين وصلت الحرب التجارية بين أمريكا والصين؟

  • خلال السنوات الأخيرة٬ ولّدت العلاقات بين الصين وأمريكا مزيجاً من التنافس التجاري والتكنولوجي والأمني، حيث تحول الأمر إلى حرب متبادلة في الرسوم الجمركية واضطراب العلاقات التجارية وشن هجمات سيبرانية متبادلة، وصراع كبير للسيطرة على تقنيات المستقبل مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي. 
  • وتنظر الولايات المتحدة إلى الصين بوصفها التحدي الأكبر لمكانتها العالمية، إذ ترى فيها منافسًا استراتيجيًّا يسعى لتقويض هيمنتها الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية. وتشير تقارير الأمن القومي الأميركي إلى أن الصين أصبحت قوة صاعدة تمتلك أدوات كفيلة بإعادة صياغة النظام الدولي، ما يجعلها "الخصم الرئيس" و"التهديد الأكبر لاستقرار النظام العالمي والاقتصاد المفتوح".
  • وشهدت إدارة الرئيس دونالد ترامب الأولى (2016–2020) بداية التصعيد المباشر مع الصين، إذ سعت واشنطن إلى إضعاف الشركات الصينية المنافسة، وفي مقدمتها "هواوي"، من خلال العقوبات والقيود التكنولوجية. أما إدارة جو بايدن (2020–2024) فقد تبنت مقاربة أكثر تنظيمًا واستراتيجية، تمثلت في محاصرة النفوذ الصيني عبر بناء تحالفات أمنية٬ مثل تفعيل تحالف "الرباعية" (QUAD) الذي يضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، كما أطلق تحالف "أوكوس" (AUKUS) مع بريطانيا وأستراليا، وكلاهما يهدف إلى موازنة القوة الصينية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
  • ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2024، استؤنف الضغط الاقتصادي بشكل على الصين بصورة أكثر حدة، إذ أعلن ترامب حربًا تجارية شاملة، وفرض رسومًا جمركية جديدة لم تقتصر على الصين وحدها، بل شملت أيضًا حلفاء واشنطن التقليديين مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وبريطانيا والهند. وبذلك تراجع مستوى التنسيق مع الحلفاء الذي كان بايدن قد سعى إلى بنائه خلال ولايته، ما أضعف الجبهة الأميركية في مواجهة بكين.
  • آخر فصول الحرب التجارية بين الطرفين٬ هو رد ترامب على قيود التصدير الجديدة التي فرضتها بكين على المعادن الأرضية النادرة بإعادة فرض رسوم جمركية بنسبة 100 بالمئة على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة٬ بالإضافة إلى الحد الأدنى البالغ 30% المعمول به حاليًا.
  • وجاءت خطوة ترامب جزئيا بسبب القيود الجديدة التي فرضتها الصين على صادرات المعادن النادرة، والتي ادعى ترامب أنها تمثل انتهاكا لاتفاقية التجارة التي توسطت فيها إدارته. وأضاف ترامب، في إشارة إلى الرسوم الجمركية: "لقد أجبروني على ذلك"٬ على حد تعبيره. 
  • وتزامنت الإجراءات الصينية مع بدء تطبيق رسوم أميركية جديدة على مجموعة من الواردات الصينية، من الأخشاب إلى الزيوت الطهي والخزائن المنزلية وغيرها. وأفاد موقع "بلومبيرغ" بأن بكين "أصابت الأسواق بالذهول" حين أعلنت فرض قيود صارمة على صادرات المعادن النادرة بحيث تشمل حتى الشحنات التي تُرسلها شركات أجنبية إذا احتوت على مكونات صينية. 
  • هذه الخطوة، وفقًا للتقرير، تماثل الإجراءات الأميركية التي فرضتها واشنطن منذ سنوات على صادرات الرقائق المتقدمة، والتي كانت الصين تصفها سابقًا بأنها "تجسيد للهيمنة الأميركية". غير أن بكين الآن -كما تقول بلومبيرغ- تتبنى الأسلوب ذاته ضمن ما يبدو أنه "مفاوضة على الطريقة الترامبية".
  • الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو تحول الصين نحو تكتيكات أكثر جرأة. ففي صراعاتها الاقتصادية السابقة مع الولايات المتحدة، اقتصرت الصين على الرد على تحركات الولايات المتحدة، وكانت إجراءاتها المضادة تضاهي إلى حد كبير الإجراءات الأمريكية من حيث الحجم. وتشير المناورات الأخيرة إلى نهج أكثر استباقية. فعلى سبيل المثال، تُشبه لوائحها الجديدة لمراقبة الصادرات قانون المنتجات الأجنبية المباشرة الأمريكي؛ إذ تُلزم الشركات الأجنبية بالحصول على موافقة صينية قبل تصدير أي سلع تحتوي على مواد أرضية نادرة مصدرها الصين أو مُنتجة باستخدام تقنيات صينية. ومن شأن هذه القواعد أن تُسبب توقفًا مفاجئًا لمجموعة واسعة من الصناعات العالمية – تشمل أشباه الموصلات والسيارات والأسلحة المتقدمة – وفقًا لرغبة الحكومة الصينية.

هل تتطور الحرب التجارية بين أمريكا والصين إلى ما هو أبعد؟

  • بعد أيام فقط من تهديده بالرد على القيود الصينية الجديدة على تصدير البطاريات والمعادن النادرة٬ كتب ترامب منشوراً: "لا تقلقوا بشأن الصين، فكل شيء سيكون على ما يرام". بهذه الكلمات حاول ترامب طمأنة الأمريكيين. وفي اليوم السابق تقريباً، كانت وزارة التجارة الصينية قد وجهت رسالة مشابهة للعالم في مؤتمر صحفي، مؤكدة أن تأثير قواعدها الجديدة على سلاسل الإمداد سيكون "محدوداً".
  • لكن تقول مجلة الإيكونومست البريطانية يبدو أن كثيرين صدّقوا هذه التطمينات. فقد تراجعت الأسواق بعد رد فعل ترامب الغاضب في البداية، لكنها تعافت لاحقاً. ويرجّح المراقبون أن يحاول ترامب التفاهم مع نظيره الصيني شي جينبينغ إذا التقيا كما هو مخطط في 29 أكتوبر قبل القمة المقررة في كوريا الجنوبية. لكن حتى لو جرى التوصل إلى هدنة جديدة، فإن الخلاف الأخير مثير للقلق.
  • يُظهر هذا الصراع المستمر أن ترامب لا يمانع في فرض تعريفات جمركية ضخمة (قد تصل إلى ثلاثة أضعاف المعدلات المعتادة) على أحد أكبر الشركاء التجاريين لأميركا. ومع ذلك، فإن كثيراً من المستثمرين، بل وبعض المسؤولين الصينيين، لا يصدقون تهديداته. صحيح أن ترامب يتأثر بحركة الأسواق المالية، وأنه تراجع عن مواقفه سابقاً هذا العام، لكنه يكره أن يبدو ضعيفاً أو خاضعاً للضغوط، وقد يقرر في لحظة ما أن "كفى يعني كفى".
  • وكما حدث في ولايته الأولى، قد يتحول ترامب من "صانع صفقات" إلى مهاجم شرس للصين، مع عواقب أكثر خطورة. فقد هدّد الرئيس الأميركي بشلّ صناعة أشباه الموصلات الصينية عبر منع تزويدها بالبرمجيات الحيوية. أما الصقور في فريقه فيتحدثون عن عقوبات محتملة ضد شركات التكنولوجيا والقطاع المالي الصيني٬ وهو ما يعني الذهاب بالحرب التجارية لحدودها القصوى.
  • في المقابل، تملك الصين أوراق ضغطها الخاصة، وقد بدأت باستخدامها عبر التحقيق الجديد ضد شركة "كوالكوم" الأميركية لصناعة الرقائق الإلكترونية. ويكشف هذا الخلاف الأخير أيضاً أن أميركا والصين لا تزالان تسيئان فهم بعضهما بعضاً. فقد صرّح سكوت بيسنت، وزير الخزانة الأميركي، أن الاقتصاد الصيني في حالة ركود. وهذا يدل على سوء تقدير٬ صحيح أن نمو الاقتصاد الصيني بطيء، لكن ليس بسبب الرسوم الجمركية. ففي الاثني عشر شهراً حتى سبتمبر، زادت صادرات الصين السلعية بنسبة 8%، إذ عوّضت الأسواق الأخرى تراجع المبيعات لأميركا.

    وغضب البيت الأبيض لأن الصين أعلنت قواعدها الجديدة قبل أسابيع فقط من اللقاء المرتقب بين الزعيمين، بينما ترد بكين بأن واشنطن هي من خرقت الهدنة عندما عدّلت قيودها على الصادرات بطريقة قد تُدرج آلاف الشركات الصينية في القوائم السوداء حتى وإن كانت الخطوة الصينية ردّاً جزئياً على السياسات الأميركية، فإنها صعّدت الموقف بشدة.
  • فشركات البطاريات الصينية، وهي الأفضل عالمياً، باتت بحاجة إلى إذن حكومي لتصدير أو مشاركة منتجاتها ومكوناتها أو معداتها مع الخارج.
    أما الشركات الأجنبية خارج الصين، فستحتاج إلى ترخيص لتصدير أي منتج يحتوي على كميات ضئيلة من المعادن النادرة الصينية.|
  • تقول الإيكونومست٬ إن ترامب يأمل أن يقنع شي جينبينغ بالتراجع عن هذه القيود، لكنه سيُصاب بخيبة أمل، فهي جزء من محاولة الصين بناء إطار تنظيمي يحكم أهم أسلحتها الاقتصادية. وقد مدّت بكين غصن زيتون بالإشارة إلى أنها ستطبق القواعد الجديدة بمرونة، لكن هذه وعود جوفاء. فالمسؤولون في وزارة التجارة الصينية، الذين يملكون صلاحية منح التراخيص، سيخشون الظهور بمظهر المتساهل، مما يمنح الصين أداة ضغط مرنة ترفعها أو تخففها حسب الحاجة.
  • الصين وأمريكا٬ أكبر اقتصادين في العالم يعتمدان على بعضهما، لكن ذلك يعني أيضاً أن كلاً منهما قادر على إلحاق أذى كبير بالآخر وقد بدآ بذلك بالفعل. لقد فرضت أميركا قيوداً منذ زمن على تصدير أشباه الموصلات، والآن أصبحت الصين تتحكم أكثر في صادرات المعادن النادرة. في النهاية٬ فإن التهديد بالتعطيل المتبادل سيلحق ضرراً كبيراً بهاتين القوتين٬ فكلا الطرفين يمسك بخناق الآخر، ويحاول الإفلات منه، ومع كل محاولة، يزداد تشديد القبضة٬ وتتجدد دورة تصعيد لا يعلم إلى أين ستقود الطرفين.

استمرار الصراع يعني أن الاقتصاد العالمي سيتغير 

  • وعلى وقع هذه "اللعبة القاسية" بين بكين وواشنطن٬ تقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إن التداعيات العالمية المتسارعة للحرب التجارية مع الصين ستكون كارثية٬ وأشارت الكاتبة في الصحيفة باتريشيا كوهين إلى أن الرسوم الجمركية المتبادلة، والقيود على الصادرات بين الولايات المتحدة والصين، والضغوط على الدول لاختيار جانب، تُغرق الاقتصاد العالمي في حالة من الاضطراب وعدم اليقين المتزايد.
  • وقالت الكاتبة إن هذه الخطوة تمثل مجرد حلقة في سلسلة من التداعيات التي أطلقها تعهّد ترامب بتحطيم النظام الاقتصادي العالمي القائم، مشيرة إلى أن المزيد من الإجراءات التصعيدية في الطريق. فإلى جانب القيود الصينية على المعادن النادرة٬ من المقرر أيضا أن تَدخل قيود جديدة على معدات إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية حيّز التنفيذ الشهر المقبل.
  • تقول الكاتبة إن التوتر المتصاعد بين القوتين الاقتصاديتين العالميتين يجرّ معظم دول العالم، إلى دائرة النزاع. فقيود الصين على المعادن والمغناطيسات، على سبيل المثال، تؤثر على شركات السيارات الأوروبية التي تعتمد على تلك المواد وتنقلها عبر الحدود داخل أوروبا. كما أن الرسوم المفروضة على السفن المصنّعة في الصين تشمل حتى الشركات غير الصينية التي ترسو في الموانئ الأميركية.
  • وأصبح الصدام التجاري بين أكبر اقتصادين ينتشر في جميع أنحاء العالم ويهدد بتغيير الاقتصاد العالمي، حيث تواجه السفن المصنوعة في الصين رسومًا جمركية أميركية عند رسوها في الموانئ الأميركية. وأصبحت النزعة الحمائية آخذة في الانتشار في العالم، ولا يعرف إلى أين سيصل حدود هذا الصراع المستمر.
تحميل المزيد