54 مليون طن من الأنقاض خلفها الاحتلال في غزة.. فكم سيكف إعادة إعمار القطاع المدمر؟ 

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/16 الساعة 12:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/16 الساعة 12:22 بتوقيت غرينتش
قصف الاحتلال الإسرائيلي على مدينة رفح في غزة/ الأناضول

بينما شكّل التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في غزة بعد عامين من القصف الإسرائيلي المتواصل تحدياً كبيراً، تبرز عملية إعادة إعمار غزة بوصفها أحد أبرز التحديات المقبلة التي سيتعين على كافة الأطراف الإقليمية والدولية مواجهتها لتحويل القطاع الفلسطيني إلى مكان صالح للعيش من جديد.

وقد خلفت حرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 مستويات غير مسبوقة من الدمار على صعيد البنى التحتية، إلى جانب ملايين الأطنان من الأنقاض التي تحتوي على ذخائر متفجرة، مواد ملوثة، وجثث لقتلى مفقودين من السكان.

وعلى سبيل المثال، أظهرت أحدث بيانات الأمم المتحدة، المأخوذة من صور الأقمار الصناعية بين 22 و23 سبتمبر/أيلول الماضي، أن حوالي 83% من إجمالي المباني في مدينة غزة قد تضررت، بما في ذلك حوالي 17,734 مبنى دُمِّر بالكامل.

ودعت أطراف دولية، من بينها مصر وفرنسا، إلى عقد قمة بشأن إعادة إعمار غزة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. 

في هذا التقرير، نستعرض المزيد من التفاصيل المتعلقة بحجم الدمار الذي خلفته الحرب الإسرائيلية على غزة، والتكلفة المتوقعة لعملية إعادة الإعمار، والمدة المتوقعة لإنجاز هذه المهمة.

كم تبلغ تكلفة إعادة إعمار غزة؟

في الوقت الذي قدرت فيه تقارير أن تكلفة إعادة إعمار غزة قد تصل إلى حوالي 50 مليار دولار، كما نشرت صحيفة التايمز البريطانية، أظهرت تقديرات أممية أن تكلفة إعادة إعمار القطاع تقدر بنحو 70 مليار دولار.

وأشار ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الخاص في فلسطين، جاكو سيليرز، في مؤتمر صحفي الثلاثاء 14 أكتوبر/تشرين الأول، إلى وجود دمار مروع في غزة. 

وأضاف: "تشير تقديرات التقييم السريع المؤقت للأضرار والاحتياجات الذي أجرته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي بشكل مشترك إلى أن هناك حاجة لنحو 70 مليار دولار من أجل إعادة إعمار غزة". 

وأردف: "هذا يعني أن هناك حاجة إلى حوالي 20 مليار دولار في السنوات الثلاث المقبلة".

ما هي المدة المتوقعة لإنجاز إعادة الإعمار؟

بحسب تقارير، قد تستغرق عملية إعادة الإعمار في غزة ما بين 10 إلى 15 عاماً.

وقال تقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي العام الماضي إن الأمر قد يستغرق حتى عام 2040 على الأقل.

وحمل تقرير صحيفة التايمز بشأن إعادة إعمار غزة عنوان: "إعادة إعمار غزة: عشر سنوات، 50 مليار دولار، و54 مليون طن من الأنقاض".

رد حماس على خطة ترامب
قوات من جيش الاحتلال الإسرائيلي/shutterstock

ما هو حجم الدمار في غزة؟

أولاً: الأنقاض

قدرت الأمم المتحدة أن هناك حوالي 54 مليون طن من الأنقاض في غزة. وبالمقارنة، فإن تدمير مدينة الموصل العراقية أثناء الغزو الأمريكي أسفر عن 8 ملايين طن من الأنقاض.

وبحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن كمية الأنقاض في غزة يمكن أن تصل إلى ارتفاع 12 متراً، بما يعادل حجم حديقة "سنترال بارك" في نيويورك بالكامل، أو أنها كافية لبناء 13 هرماً عملاقاً مماثلاً لأهرامات الجيزة في مصر.

وأوضح سيليرز من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنه تم إزالة حوالي 81 ألف طن من الأنقاض، وهو ما يعادل حوالي 3100 شاحنة محملة بالأنقاض.

ومع وجود أكثر من 100 شاحنة تعمل بدوام كامل، تشير تقديرات موقع صوت أمريكا إلى أن إزالة الأنقاض قد يستغرق أكثر من 15 عاماً.

ثانياً: شبكات المياه والصرف الصحي

أشارت بيانات حكومية في غزة إلى أن إسرائيل دمرت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أكثر من 90% من بنية قطاع المياه والصرف الصحي ومنعت وصول الطواقم لإصلاح الأعطال واستهدفت العاملين أثناء أداء مهامهم.

ووفقاً لبيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، دمر جيش الاحتلال الإسرائيلي 719 بئراً للمياه منذ بدء الحرب. 

وفي 10 آذار/مارس الماضي، قطعت إسرائيل إمدادات الكهرباء المتبقية عن غزة، مما أجبر أكبر محطة لتحلية المياه في القطاع على تقليص عملياتها.

أهل غزة
بعض من سكان قطاع غزة يصلون على أنقاض مسجد مدمر بفعل القصف الإسرائيلي/ الأناضول

ورصدت مجلة 972 الإسرائيلية في تقرير نشرته تحت عنوان: "قصف محطات وقطع الأنابيب: إسرائيل تدفع أزمة المياه في غزة إلى حافة الهاوية" معاناة سكان غزة في الحصول على المياه الصالحة للشرب بفعل القصف الإسرائيلي المتواصل للبنى التحتية في القطاع.

ويوجد في غزة ست محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي. وقال ماهر نجار، نائب مدير مصلحة مياه بلديات الساحل، التي تشرف على إصلاح البنية التحتية للمياه في غزة وتديرها، لموقع بي بي سي: "جميعها متضررة".

وأضاف: "نحن نتحدث عن آبار مياه متضررة، وشبكات مياه، وخزانات، وخطوط نقل مياه متضررة. من الصعب جداً معرفة من أين نبدأ. في البداية، نحتاج إلى 50 مليون دولار على الأقل لإعادة حوالي 20% من الخدمات إلى السكان. الخسارة الإجمالية تبلغ حوالي مليار دولار، وربما أكثر."

ثالثاً: المنازل

تشير تقديرات مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية "يونوسات" إلى أن 282,904 منازل وشقق في مختلف أنحاء غزة تعرضت لأضرار أو تم تدميرها.

ومن المرجح أن تكون هذه الأرقام أقل من الواقع، لأنها لا تشمل العمليات العسكرية الأخيرة في مدينة غزة، وفقاً لبي بي سي.

وقالت شيلي كولبيرتسون، الباحثة البارزة في السياسات في مؤسسة راند البحثية في واشنطن، لبي بي سي إن إعادة بناء المساكن في غزة "قد يستغرق عقوداً من الزمن".

وأضافت: "بعد القصف الإسرائيلي لقطاع غزة في عامي 2014 و2021، كانت عملية إعادة إعمار المساكن بطيئة لأن إسرائيل لم تسمح بدخول كميات كبيرة من مواد البناء لأنها ذات استخدام مزدوج".

ونقل موقع إن بي آر أيضاً عن كولبيرتسون قولها: "لن يكون لدى مليون شخص على الأقل منازل يعودون إليها".

رابعاً: الطاقة

قدر تقييم مشترك أجراه البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في وقت سابق من هذا العام أن أكثر من 80% من أصول توليد وتوزيع الطاقة إما دمرت أو أصبحت غير قابلة للتشغيل منذ بداية الحرب، بتكلفة تقدّر الأضرار بحوالي 494 مليون دولار.

وقالت شركة توزيع كهرباء غزة (جيدكو)، الشركة المسؤولة عن إدارة إمدادات الكهرباء في جميع أنحاء قطاع غزة، إن 70% من مبانيها ومرافقها دمرت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

المدارس في غزة
المدارس في غزة تعرضت للتدمير الممنهج والاستهداف رغم لجوء النازحين إليها/ عربي بوست

خامساً: مؤسسات التعليم

وفق بيانات سابقة للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، دمرت إسرائيل 137 مدرسة وجامعة بشكل كامل، بينما تعرض نحو 357 مدرسة وجامعة لأضرار جزئية.

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية إن جيش الاحتلال دمر أكثر من 77 مدرسة حكومية بشكل كامل في الفترة بين بين 7 أكتوبر 2023 و21 يناير/كانون الثاني 2025، بينما طالت الأضرار 241 مدرسة أخرى، وتعرضت 85 مدرسة للقصف والتخريب.

وفيما يتعلق بالجامعات، قال التقرير إن حرب الإبادة الجماعية دمرت أكثر من 51 مبنى تابعاً للجامعات بشكل كامل و57 مبنى آخر بشكل جزئي.

بينما تعرضت نحو 20 مؤسسة تعليم عالٍ لأضرار بالغة جراء الهجمات الإسرائيلية.

وعن المدارس التابعة لوكالة "أونروا"، قالت الوكالة الأممية في بيان في يناير/كانون الثاني الماضي إن أكثر من 140 مدرسة تتبع لها تعرضت للهجوم منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى 4 أكتوبر 2024.

وأوضحت أن أكثر من 70% من مدارسها تعرضت للتدمير أو طالتها الأضرار من أصل 183 مدرسة كانت تقدم خدماتها لأكثر من 300 ألف طالب قبل الهجمات.

ما هي أكبر التحديات التي تواجه إعادة الإعمار؟

أشارت تقارير عدة إلى أن عملية إزالة الأنقاض ستكون مهمةً جسيمة ضمن عملية إعادة الإعمار في غزة.

فالأمر لا يقتصر فقط على وجود كميات هائلة من الأنقاض التي يجب التعامل معها، بل يتطلب كذلك التعامل معها بحذر، خاصةً مع وجود ذخائر غير منفجرة، كما يقول مارك جارزومبيك، أستاذ تاريخ العمارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، لموقع إن بي آر.

وقد درس جارزومبيك كيف تمكنت مدن مثل دريسدن في ألمانيا، التي دمرها القصف الذي شنته قوات الحلفاء في عام 1945، من التعافي بعد الحرب العالمية الثانية. وقال إن مباني حقبة الحرب كانت في الغالب مصنوعة من الطوب والخشب.

جامعة كولومبيا توقف 4 طلاب
دمار هائل وجثث بالشوارع بعد انسحاب الاحتلال من مجمع الشفاء/ سوشل

وأوضح جارزومبيك قائلاً: "عندما قُصفت تلك المباني، خلّفت أكوامًا كبيرة من تلك المواد. ونتيجةً لذلك، شهدت دريسدن بعد الحرب فرقًا من النساء يحملن عربات يدوية ويذهبن إلى أكوام الطوب ثم يُلقينها في أماكن محددة".

لكن الوضع في غزة مختلف، حيث تُبنى المباني من الفولاذ والخرسانة. وأضاف جارزومبيك: "بعبارة أخرى، لا يُمكن تكليف المدنيين المحليين فقط بتفكيك الأشياء. بل يتطلب الأمر معدات خاصة مثل الجرافات والرافعات".

وقالت ديما طوقان، الباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط، إن عملية إزالة الأنقاض "ستكون مسعىً ضخمًا ومكلفًا" وستكون معقدة بسبب وقوعها "في منطقة لا يستطيع السكان التحرك فيها بحرية".

ولفت جارزومبيك النظر أيضًا إلى أن القنابل الإسرائيلية الخارقة للتحصينات ربما تكون قد زعزعت استقرار الأرض تحت المباني.

وقال أندرياس كريج، الأستاذ المشارك في كلية الدراسات الأمنية في كينجز كوليدج لندن وزميل معهد دراسات الشرق الأوسط، إن إعادة البناء لن تكون مثل أي عملية إعادة بناء أخرى في التاريخ الحديث.

ومستشهداً بسراييفو، التي حاصرتها الحروب اليوغوسلافية وغروزني التي دمرها الروس في الشيشان، قال كريج: "هناك سوابق، لكن هذه المرة مختلفة تماماً. كانت هناك مدينة واحدة – وهنا أربعة أضعاف ذلك – شريطاً شاسعاً من الأرض".

تحميل المزيد