يبدو أن طموحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للسيطرة على أراضي ومقدرات الدول الأخرى لم تتوقف بعد، حيث أعلن، الخميس 18 سبتمبر/أيلول، أن الولايات المتحدة تحاول استعادة السيطرة على قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان، في خطوة قوبلت برفض أفغاني وبتشكيك حتى من مسؤولين أمريكيين في جدوى هذه الخطوة.
وأفادت مصادر لشبكة سي إن إن أن محادثات ترامب بشأن إعادة القاعدة إلى السيطرة الأمريكية مع مسؤولي الأمن القومي تعود إلى شهر مارس/آذار على الأقل.
وكان المطار التاريخي، الذي بناه الاتحاد السوفيتي، هو القاعدة الرئيسية للقوات الأمريكية في أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 وحتى انسحابها في عام 2021 وسيطرة حركة طالبان عليها بعد ذلك.
🚨🇦🇫 NEW: President Trump announces that he is trying to get back Bagram Air Base in Afghanistan
— Politics US (@PolitlcsUS) September 18, 2025
"We're trying to get it back, by the way… It's an hour away from where China makes its nuclear weapons" pic.twitter.com/lX2Q4w5ZTN
وقال ترامب: "نحاول استعادتها"، في إشارة إلى قاعدة باغرام التي وصف موقعها بالقرب من الصين بأنه استراتيجي. وتابع: "نريد استعادة تلك القاعدة".
ويأتي إعلان ترامب الأخير حلقة أخيرة ضمن سلسلة من مطالباته منذ بدء ولايته الثانية في يناير/كانون الثاني الماضي باستعادة السيطرة على أماكن أخرى تحظى بثروات، من بينها قناة بنما وجزيرة غرينلاند الدنماركية.
كيف ردت أفغانستان؟
قالت كابول إنها لا ترحب بأي اتفاق من هذا القبيل.
وقال المسؤول في وزارة الخارجية الأفغانية، ذاكر جلالي، في منشور على منصة إكس: "أفغانستان والولايات المتحدة بحاجة إلى التعاون مع بعضهما البعض… دون أن تحتفظ الولايات المتحدة بأي وجود عسكري في أي جزء من أفغانستان".
وأضاف أن البلدين يمكنهما إقامة علاقات اقتصادية وسياسية على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
لماذا يسعى ترامب لاستعادة السيطرة على قاعدة باغرام الجوية؟
ترتبط مساعي الرئيس الأمريكي باستعادة السيطرة على قاعدة باغرام الجوية بعدة أسباب، في مقدمتها مواجهة النفوذ الصيني، والوصول إلى العناصر الأرضية النادرة والتعدين في أفغانستان، وإنشاء مركز لمكافحة الإرهاب، بحسب ما نقلت شبكة سي إن إن عن مصادر.
أولاً: مواجهة النفوذ الصيني
- لطالما أعربت الولايات المتحدة عن قلقها إزاء توغل الصين في أفغانستان بعد انسحابها من البلاد.
- وصرح ترامب أن باغرام قريبة من مكان تصنيع الصواريخ الصينية، وهو ادعاء سبق أن أدلى به في مارس/آذار، قائلاً: "كنا سننسحب، لكننا سنحتفظ بباغرام، ليس بسبب أفغانستان، بل بسبب الصين، لأنها تبعد ساعة واحدة بالضبط عن مكان تصنيع صواريخها النووية".
- وتوقعت تقارير أن تثير تعليقات ترامب بشأن الصين خلال حديثه عن قاعدة باغرام قلق حلفائه الغربيين، الذين يراقبون العلاقة بين القوتين العظميين عن كثب، وسط مخاوف من أن التوترات المتزايدة قد تؤدي إلى المزيد من الاضطرابات الاقتصادية، وحتى المناوشات العسكرية، وفق ما ذكرت صحيفة الغارديان.
ثانياً: الوصول إلى المعادن النادرة في أفغانستان
- تتربع أفغانستان على أرض تحوي عشرات المعادن النادرة، والتي تدخل في صناعة كافة الأجهزة الكهربائية والبطاريات.
- ومن أبرز المعادن التي تحويها أفغانستان، بحسب دراسة أجراها الكونغرس الأمريكي عام 2007، الحديد والنحاس والذهب، والألمنيوم، والليثيوم، والكوبالت، والنيوديميوم، والباريت، والكبريت، والرصاص، والفضة، والزنك، والنيوبيوم.
- وتستخدم غالبية هذه المعادن في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، والذي يزداد الطلب عليها يوماً بعد آخر، في وقت توفر الصين وأستراليا والكونغو الديمقراطية 75% من هذه المعادن للعالم أجمع.
- وبحسب ما ورد من بيانات أمريكية، فقد قُدرت رواسب الليثيوم في أفغانستان بأنها كمية يمكن أن تنافس تلك الموجودة في بوليفيا، موطن أكبر احتياطيات معروفة في العالم.
- وتشير التقديرات الأمريكية إلى أن إجمالي الاحتياطات المؤكدة وغير المؤكدة في أفغانستان من المعادن النادرة، تتراوح بين تريليون إلى ثلاثة تريليونات دولار، بحسب وكالة الأناضول.
ثالثاً: إنشاء مركز لمكافحة الإرهاب
- وفيما يتعلق بهدف إنشاء مركز لمكافحة الإرهاب في القاعدة الجوية، قال خبراء لرويترز إنه سيكون من الصعب تأمين القاعدة الجوية بشكل أساسي، وستتطلب قوة بشرية ضخمة لتشغيلها وحمايتها.
- وحتى لو قبلت حركة طالبان بإعادة احتلال الولايات المتحدة لباغرام بعد مفاوضات، سيتعين الدفاع عنها أمام مجموعة تهديدات، بما في ذلك تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ومقاتلو تنظيم القاعدة داخل أفغانستان.

ما هي أبرز ردود الفعل على إعلان ترامب؟
وفي الوقت الذي شكك خبراء في جدوى استعادة قاعدة باغرام الجوية من قبل الولايات المتحدة، حذر مسؤولون حاليون وسابقون من أن مخاطر استعادة القاعدة الأفغانية تفوق فوائدها، وفق وكالة رويترز.
وقال مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون لرويترز إن هدف ترامب بإعادة احتلال قاعدة باغرام الجوية قد يبدو في نهاية المطاف وكأنه إعادة غزو للبلاد، إذ قد يتطلب أكثر من 10 آلاف جندي، بالإضافة إلى نشر دفاعات جوية متطورة.
وقال مسؤول أمريكي، طلب عدم الكشف عن هويته، إنه لا يوجد تخطيط نشط للاستيلاء عسكرياً على قاعدة باغرام الجوية. وأضاف أن أي جهد لإعادة السيطرة على القاعدة سيكون مهمة كبيرة.
وأوضح أن الأمر سيتطلب إرسال عشرات الآلاف من الجنود للاستيلاء على القاعدة والاحتفاظ بها، وجهداً مكلفاً لإصلاحها، فضلاً عن عملية لوجستية معقدة لإعادة إمداد القاعدة، التي ستكون جيباً أمريكياً معزولاً في بلد غير ساحلي.
وحتى بعد سيطرة الجيش الأمريكي على القاعدة، سيتعين بذل جهود هائلة لتطهير المحيط الشاسع حولها وحمايته، لمنع استخدام المنطقة لشن هجمات صاروخية ضد القوات الأمريكية داخلها.

وقال المسؤول: "لا أرى كيف يمكن أن يحدث ذلك بشكل واقعي".
وقلل مسؤول دفاعي أمريكي كبير سابق من فوائد استعادة السيطرة على القاعدة، بما في ذلك كونها قريبة من الصين، الميزة التي يروّج لها ترامب.
وقال المسؤول السابق: "أعتقد أنه لا ميزة عسكرية محددة لنكون هناك… المخاطر تفوق المزايا نوعاً ما".
ماذا نعرف عن قاعدة باغرام؟
- مطار باغرام هو أكبر قاعدة جوية في أفغانستان، ويقع على بُعد حوالي 60 كم شمال كابول في ولاية باروان. وقد وصف الخبراء هذه الولاية سابقاً بأنها استراتيجية للغاية، مشيرين إلى أن مفاتيح السيطرة على جزء كبير من أفغانستان تكمن في باروان.
- أنشأ الاتحاد السوفيتي هذه القاعدة الجوية عام 1950، وكان يسيطر عليها خلال الأيام الأولى للحرب الباردة. وخلال الحرب السوفيتية الأفغانية بين عامي 1979 و1989، كانت باغرام قاعدة سوفيتية حيوية. ثم تم تحصين القاعدة، وبدأت في إيواء عسكريين من الاتحاد السوفيتي.
- وضعت الولايات المتحدة أنظارها على هذا المطار لأول مرة في عام 1959، عندما قام الرئيس الأمريكي آنذاك، دوايت أيزنهاور، بزيارة تاريخية إلى أفغانستان وهبط في باغرام.
- بعد الانسحاب السوفيتي من أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي، هُجرت قاعدة باغرام الجوية وأصبحت خط المواجهة بين طالبان، التي كانت تسيطر على كابول جنوباً، ومقاتلي التحالف الشمالي المتمركزين في الوديان الجبلية شمالها. وقد تضررت القاعدة بشدة خلال الصراع.
- بعد هجوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001، سيطرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون على المطار الأفغاني، وعلى مدى العقدين التاليين، سيطروا على القاعدة الجوية.
- وتحت السيطرة الأمريكية، توسعت القاعدة لتتجاوز مساحتها 77 كم، وتضمنت مدرجاً جديداً، ومرافق طبية، ومطاعم للوجبات السريعة للموظفين الأمريكيين.
- ووردت تقارير عديدة تفيد بأن جنوداً أمريكيين استخدموا أيضاً مرافق القاعدة الجوية لارتكاب انتهاكات وتعذيب بحق المعارضين في البلاد.
- في عام 2020، وقّعت إدارة ترامب اتفاقاً مع طالبان، ضمنت بموجبه انسحاب جميع قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) من الأراضي الأفغانية. وبموجب هذا الاتفاق، استغلت طالبان العام التالي للسيطرة على أفغانستان، مع انسحاب الولايات المتحدة منها.
- أقلعت آخر طائرة أمريكية من مطار كابول في 30 أغسطس/آب 2021. وفي 2 يوليو/تموز، غادرت القوات الأمريكية قاعدة باغرام، وسقطت القاعدة رسمياً في أيدي طالبان في 15 أغسطس/آب.