تصدّر خبر مقتل تشارلي كيرك، الناشط اليميني الأميركي البارز، منصات التواصل والإعلام حول العالم، مسجلاً أكثر من 22 مليون تدوينة في ساعات قليلة، وفق موقع "ترند 24". كيرك، البالغ من العمر 31 عاماً، كان يقود منظمة Turning Point USA، واشتهر بخطابه الاستفزازي ومواقفه الصدامية داخل المشهد السياسي الأميركي.
وبأمر من دونالد ترامب، نُكّست الأعلام الأميركية حداداً على "العظيم والأسطوري" تشارلي كيرك، كما وصفه الرئيس. وسرعان ما انطلقت بيانات النعي من ترامب وقادة اليمين المتطرف في الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي، وحتى من يُحسبون على اليسار خرجوا يستنكرون قتله. فقد قُتل كيرك على الملأ في قلب حرم جامعي بولاية يوتا، وهو جالس تحت خيمة كُتب عليها "أثبت أنني مخطئ"، فكانت الرصاصة في عنقه أسرع من أي حجة.
وبعد ما أعلن الرئيس دونالد ترامب وعدد من السياسيين وفاته، بعد أن أعلنوا حزنهم وتأثرهم الشديد، انطلقت الاتهامات من معسكر اليمين ضد اليسار، متهمة إياه بالتحريض وتهيئة المناخ لهذا الاغتيال.
فلماذا أثار مقتله كل هذه الضجة؟ وكيف يُتهم كيرك بمعاداة السامية وهو من أبرز المدافعين عن إسرائيل؟
من هو تشارلي كيرك؟
بحسب مجلة ذا أتلانتيك الأميركية، كان كيرك صديقاً مقرّباً من نائب الرئيس ج. د. فانس، ومن الابن الأكبر للرئيس، دونالد ترامب جونيور؛ وكان يتبادل معهما الرسائل النصية بانتظام عبر مجموعات صغيرة تضم عدداً من المساعدين الشباب والحلفاء.
لم يكن تشارلي كيرك مجرد ناشط شاب، بل ضيفاً دائماً في البيت الأبيض ونادي مارالاغو الخاص بترامب. أما منظمته Turning Point USA، فهي ذراع شبابية يمينية مؤثرة لعبت دوراً بارزاً في تأمين فوز ترامب في انتخابات 2024.

وقصة هذه المنظمة تعود إلى صيف 2012، حين كان كيرك لم يتجاوز بعد الثامنة عشرة. فبعد أيام قليلة من تخرجه في الثانوية، قرر أن يسلك طريقاً غير مألوف: بدل مقاعد الجامعة، أسّس حركة تحمل مشروعه السياسي.
واختار اسم المنظمة Turning Point USA مع والده، فيما تكفّل الناشط الجمهوري المتقاعد بيل مونتغومري بتأمين المكتب الأول وعرّف كيرك على كبار المتبرعين المحافظين، ولم يكتفِ كيرك بهم، فكان يطارد مانحين آخرين بنفسه، حتى باغت في أحد ممرات المؤتمر الوطني الجمهوري المستثمر الشهير فوستر فريس ليعرض عليه فكرته، بحسب مجلة ذا أتلانتيك الأميركية.
لكن بدايات لمعان كيرك كانت على منصة جامعة بنديكتين في إلينوي، عندما ظهر بخطاب واثق وأنيق، محذراً من ديون الحكومة التي ستخنق جيله، وداعياً إلى حركة شبابية مضادة لـ "احتلوا وول ستريت". هناك، لفت أنظار مونتغومري، فأقنعه بتأجيل الجامعة والانخراط كلياً في العمل السياسي. وروى كيرك نفسه لاحقاً في مذكراته: "بدت الفكرة أغرب ما يمكن أن يخطر ببال أحد، لذلك قلت ما يمكن لأي شخص أن يقوله بوضوح: حسنًا. لنفعلها."
وُلد كيرك في ضواحي شيكاغو لأسرة متوسطة؛ والده مهندس معماري ساهم مكتبه في تصميم برج ترامب بمانهاتن، ووالدته مستشارة في مجال الصحة النفسية. ومن هذه الخلفية، انطلق كيرك ليبني واحدة من أبرز المنصات اليمينية الجاذبة للشباب في الولايات المتحدة.
لماذا أحدث مقتله ضجة؟
بحسب العديد من الصحف الأميركية، لعبت منظمة Turning Point USA دوراً محورياً في إعادة تشكيل حركة "ماغا" لجيل أصغر، وكسر الصورة الجامدة للحزب الجمهوري، والسيطرة على الفضاء الإلكتروني الذي كان في يد الديمقراطيين.

عُرف تشارلي كيرك كأحد أكثر المؤيدين حماسةً لدونالد ترامب، ولعب دوراً محورياً داخل حركة "ماغا"، حيث يُنسب إليه الفضل في استقطاب شريحة واسعة من الناخبين الشباب، لا سيما الذكور البيض، إلى صفوف اليمين، فهو يدير أحد أشهر البودكاستات الإخبارية في أميركا، وقناته على يوتيوب ماكينة لجذب المتابعين.
وبفضل حضوره اللافت ونشاطه السياسي المتصاعد، برز كيرك كأحد أبرز الوجوه الصاعدة في التيار المحافظ، حتى إن صحيفة ذا أتلانتيك وصفته، في تقرير نُشر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بأنه "صانع الملوك الجديد في اليمين الأميركي".
إذ ترى جيوري كريغ، الزميلة البارزة في ISD Global التي بحثت في نشاط تشارلي كيرك ومنظمته، أن كيرك "يملك شيئاً عن الإنترنت والشباب لا يعرفه السياسيون." والأمر لا يتوقف عند شعبيته وسط الشباب فحسب؛ فبحسب كريغ، إغضاب كيرك قد يعني للساسة خسارة قناة تواصل مع قادة الكنائس والجمهور الأوسع الذي جمعه حوله. وهو ما يجعل الساسة يذهبون إليه حتى لو كان يهاجمهم.
وبحسب المجلة، فخلافاً لكثير من وسائل الإعلام اليمينية التي تكتفي بالترويج، يحاول كيرك أن يفرض رؤيته الخاصة على المسؤولين المنتخبين. وقد هاجم علناً رئيس مجلس النواب مايك جونسون أكثر من مرة؛ ففي يناير/كانون الثاني 2024، لم يتردد في نشر حلقة من بودكاسته بعنوان: "أنتم تستحقون أفضل مما يقدمه لكم الحزب الجمهوري". وفيها وصف جونسون بأنه "مخيّب للآمال"، قبل أن يضيف بحدّة: "رئيس المجلس جونسون يحاول التلاعب بكم. أجرؤ على القول إنه يكذب ببساطة."
وقد اضطر جونسون في مارس/آذار للظهور ضيفاً في برنامج كيرك، في ما بدا وكأنه مبايعة غير مباشرة، بحسب ذا أتلانتيك. ورغم أن كيرك عامله بلطف أمام الكاميرا، فإنه لم يتوانَ عن الضغط عليه في مسائل جوهرية، مثل تبرير عدم إغلاق الحكومة. وعندما حاول جونسون الدفاع بأن الإغلاق كان سيضر سياسياً، قاطعه كيرك قائلاً: "لقد سمعنا هذه الحجة منذ 11 عاماً."
هذا النفوذ يصفه ماثيو بودي، أستاذ الخطاب بجامعة شمال جورجيا ومؤلف كتاب قيد الإعداد عن كيرك وTurning Point، بعبارات قاطعة: "شبكات كيرك ومنظماته أصبحت قوية وواسعة لدرجة أن، باستثناء ترامب، لا يوجد شخص أكثر أهمية منه في الحركة المحافظة."
لذلك لم يكن مفاجئًا أن يتابع ترامب بقدرٍ من الحزن نادر الظهور عليه تطورات حالة كيرك، بعدما أصيب بطلق ناري في عنقه أمام حشد من الآلاف. فقد قال في اتصال هاتفي مع مراسل نيويورك بوست: "هو ليس بخير… الوضع سيئ للغاية." وعندما سُئل عن شعوره الشخصي، أجاب: "أنا نفسي لست بخير… لقد كان صديقًا عزيزًا جدًّا، وكان إنسانًا رائعًا."
بعد ذلك، نشر ترامب سلسلة رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي دعا فيها الأمة إلى الصلاة من أجل كيرك، قبل أن يعلن بنفسه خبر وفاته في تدوينة على منصته "تروث سوشيال": "لقد رحل العظيم، بل الأسطوري، تشارلي كيرك."
وبعد موته، اتهم ترامب خطاب "اليسار الراديكالي" بالمساهمة في اغتيال حليفه الوثيق، معتبراً إياه "شهيد الحقيقة والحرية."
وانضم الرئيس الأميركي السابق جو بايدن إلى عشرات السياسيين في إدانة عملية الاغتيال، مؤكداً أن "هذا النوع من العنف يجب أن ينتهي حالاً."
هل يشعل اغتيال تشارلي العنف السياسي في أمريكا؟
ومع أن مقتل كيرك بدا حدثاً جللاً في نظر كثير من الأميركيين، فإن مجلة ذا نيشَن الأميركية اعتبرت أن وقوع اغتيال كهذا لم يكن مفاجئاً بالكامل، مشيرة إلى أن "أميركا غارقة في دوامة عنف – سياسي أو غيره – على مدار العام."
وأشارت المجلة إلى ما تطرق له عالم السياسة بجامعة شيكاغو، روبرت بايب، في مقال نشرته نيويورك تايمز في يونيو/حزيران الماضي، بأن "منذ بداية الولاية الثانية للرئيس ترامب في يناير/كانون الثاني، أخذت أعمال العنف السياسي في الولايات المتحدة في التزايد بمعدل مثير للقلق."
إذ يوضح بايب أن العنف السياسي لم يعد حكراً على طرف واحد، بل أصبح حاضراً لدى اليمين واليسار معاً، فيما يتزايد الدعم الشعبي له.
فمنذ 2021، يقيس مشروع شيكاغو للأمن والتهديدات – الذي يديره بايب – هذا الاتجاه عبر استطلاعات فصلية. وأظهر استطلاع مايو/أيار الأخير نتائج مثيرة: نحو 40% من الديمقراطيين أيّدوا استخدام القوة لعزل ترامب من الرئاسة، وحوالي 25% من الجمهوريين أيّدوا استخدام الجيش لوقف الاحتجاجات ضد أجندة ترامب.
وبحسب بايب، فإن هذه الاستطلاعات مهمة لأنها، كما أظهرت أبحاث أخرى، كلما ارتفع الدعم الشعبي للعنف السياسي، أصبح أكثر شيوعاً.
وبعد مقتل كيرك، قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية إن مقتله هو أحدث دليل على أن العنف السياسي أصبح الآن حقيقة متكررة ومرعبة في الحياة السياسية الأميركية.
إذ كتب الصحفي آرون زيتنر أن العنف لم يعد يستثني أحداً: "من الرئيس دونالد ترامب – الذي استُهدف في محاولتي اغتيال العام الماضي – إلى المشرعين والقضاة ومسؤولي الانتخابات المحليين، لقد أصبح العنف الآن تهديداً مستمراً للشخصيات العامة في جميع أنحاء البلاد."
وأشار التقرير أيضاً إلى أن التهديدات ضد المسؤولين الأميركيين في تصاعد ملحوظ؛ إذ سجلت شرطة الكابيتول نحو 9500 تهديد العام الماضي، مقارنةً بـ 8 آلاف فقط في العام الذي سبقه.
كما شهدت البلاد حوادث دامية مثل اغتيال النائبة الديمقراطية ميليسا هورتمان وزوجها في يونيو/حزيران الماضي، وإطلاق النار على النائب الجمهوري ستيف سكاليس عام 2017، الذي كاد أن يودي بحياته، إلى جانب استهداف قضاة ومدعين عامين.
وبحسب الأرقام، تضاعفت التهديدات ضد القضاة الفدراليين لتصل إلى 457 حالة خلال السنة المالية المنتهية في سبتمبر/أيلول 2023. وترى الصحيفة أن حادثة إطلاق النار الأخيرة قد تدفع الشخصيات العامة إلى إعادة النظر في طريقة تواصلها مع الجمهور.
وأشارت الصحيفة كذلك إلى عمق الاستقطاب الحزبي؛ إذ أظهر استطلاع أُجري في يوليو/تموز الماضي أن أكثر من 80% من الجمهوريين والديمقراطيين لا يكتفون برؤية الحزب المنافس بصورة سلبية، بل ينظرون إليه باعتباره عدواً بصورة "سلبية للغاية".
بينما أشارت مجلة ذا نيشَن إلى أن تخفيف حدة التوتر السياسي في الولايات المتحدة بعد مقتل كيرك يتطلب توافقاً بين القادة وإصدار بيانات أو مواقف مشتركة، غير أنها استبعدت ذلك، معتبرة أن ترامب ليس رجل تهدئة، بل "أشبه بمُشعل حرائق لا رجل إطفاء". فقد سخر من الاعتداء على بول بيلوسي، ولوّح باستهداف هيلاري كلينتون عبر "أنصار التعديل الثاني"، وامتدح مثيري شغب 6 يناير/كانون الثاني بوصفهم "أبطالاً".

كما اتهمته المجلة بالمساهمة في تأجيج العنف عالمياً، خصوصاً في الشرق الأوسط، وبقيادة حكومة اعتادت الخطاب العنيف ضد الخصوم، محذّرة من أنه قد يستغل مقتل كيرك لتبرير حملة قمع سلطوية، كما فعل سابقاً في نشر الحرس الوطني في لوس أنجلوس وواشنطن.
وبعد مقتل كيرك، ظهر ترامب في مقطع مصوَّر بثّه عبر منصته "تروث سوشال"، قال فيه: "منذ سنوات، واليسار الراديكالي يشبّه أميركيين رائعين من أمثال تشارلي بالنازيين وبأسوأ المجرمين والقتلة الجماعيين في العالم."
واعتبر أن هذا الخطاب التحريضي "مسؤول بشكل مباشر عن الإرهاب الذي نشهده اليوم في بلدنا، وهذا الأمر يجب أن يتوقف فوراً."
وأضاف ملوّحاً بإجراءات صارمة: "ستتعقّب إدارتي كل من ساهم في هذه الجريمة الشنيعة وفي أيّ عنف سياسي آخر، بما في ذلك المنظمات التي تموّلهم وتدعمهم."
لماذا اتُهم كيرك بمعاداة السامية رغم دعمه لإسرائيل؟
وبالرغم من أن كيرك لم يكن يشغل أي صفة رسمية، فقد نعاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب دولياً لارتكابه جرائم حرب في غزة، قائلاً إن كيرك "قُتل لأنه قال الحقيقة ودافع عن الحرية"، واصفاً إياه بأنه "صديق لإسرائيل، صادق القلب، حارب الأكاذيب دائماً".
بينما كتب وزير الأمن القومي الإسرائيلي، اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، عبر حسابه على منصة "إكس": "شكراً لك، تشارلي، على دعمك لإسرائيل وعلى نضالك من أجل عالم أفضل"، مضيفاً: "إن التواطؤ بين اليسار العالمي والإسلام المتطرف هو الخطر الأعظم الذي يهدد الإنسانية اليوم.. رأى تشارلي كيرك هذا الخطر وحذّر منه، لكن رصاصات القاتل الحقير أصابته."
وكان كيرك قد وافق مؤخراً على دعوة لإلقاء كلمة في الحفل الوطني السنوي لـ "المنظمة الصهيونية الأميركية"، بحسب ما أكّد رئيسها التنفيذي مورتون كلاين.
وقال كلاين في بيان: "تشارلي كيرك كان رجلاً عظيماً، صديقاً شخصياً وحليفاً أحب إسرائيل والشعب اليهودي. سعدت بالتجول معه في أرجاء القدس، وجلست معه في مقابلة مطوّلة في برنامجه الإذاعي، حيث وجّه أكثر من ساعة من الأسئلة العميقة لفهم الحرب العربية-الإسلامية ضد إسرائيل والشعب اليهودي والغرب."
كان كيرك من أبرز الأصوات المؤيدة لإسرائيل داخل اليمين الأميركي، وقد زارها عدة مرات، مؤكّداً دعمه العلني لها. وأبدى تأييداً راسخاً لإسرائيل في حرب الإبادة على غزة، رغم المعارضة المتنامية من الجناح الانعزالي داخل الحزب الجمهوري. وبحسب وكالة التلغراف اليهودية (JTA)، حرص كيرك، على مدى أكثر من عقد من نشاطه في الحياة العامة، على إظهار دعم إسرائيل، إذ شارك في مايو/أيار 2018 في مراسم افتتاح السفارة الأميركية بالقدس، ثم عاد عام 2019، واصفاً تلك الزيارات بأنها كانت "مفتوحة للعقل والبصيرة". وقال لجمهور في أحد حانات القدس خلال رحلته الثانية: "أنا مؤيد قوي لإسرائيل، إنجيلي مسيحي، محافظ، مؤيد لترامب، جمهوري، وطوال حياتي دافعت عن إسرائيل."
No, Israel is not starving Gazans.
— Charlie Kirk (@charliekirk11) July 28, 2025
Watch. pic.twitter.com/fLA8Y7r8q0
يُعدّ تشارلي كيرك من أبرز الداعمين لأيديولوجيا المسيحية الصهيونية؛ وهي أيديولوجيا استعمارية تجمع بين اللاهوت والسياسة، تقوم على الاعتقاد بأن اليهود جزء أساسي في مخطط إلهي، وأن دعم الاحتلال الإسرائيلي واجب ديني مقدس.
وفقاً لهذه العقيدة، فإن الرب وهب أرض فلسطين للشعب اليهودي التزاماً بعهده مع النبي إبراهيم، وأن اليهود هم العِرق المختار، مما يجعل دعمهم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً أمراً إلهياً لا يقبل النقاش.
لكن كل ذلك لم يمنع كيرك من تلقي اتهامات بمعاداة السامية في المناسبات القليلة التي انتقد فيها اليهود؛ فبحسب الوكالة، كثيراً ما قدّم كيرك نفسه باعتباره مدافعاً عن اليهود وإسرائيل، حتى وهو يواجه انتقادات واسعة بسبب تعليقاته عن اليهود، ومن رابطة مكافحة التشهير وغيرها، بسبب دوره في ما أصبح يُمثّل طليعة القومية المسيحية في الولايات المتحدة.
إذ رأى كيرك في برنامجه: "الجماعات اليهودية دفعت تحديداً بنوع الكراهية ضد البيض الذي يزعمون أنهم يريدون من الناس التوقف عن استخدامه ضدهم"، مضيفاً لاحقاً أن "الأساس الفلسفي لمعاداة البيض تم تمويله بدرجة كبيرة من متبرعين يهود داخل البلاد."
إذ سخر من التبرعات اليهودية للجامعات الأميركية، معتبراً أنها بمثابة "تمويل لانقراضكم الذاتي عبر دعم مؤسسات تُنتج معادين للسامية."
وفي أبريل/نيسان 2024، ومع اتساع رقعة الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في الجامعات الأميركية، دعم كيرك حملة الجمهوريين لقمعها، وحثّهم أيضاً على مواجهة ما سمّاه "الكراهية المؤسسية ضد البيض."
وبعد أسابيع، قال في برنامجه إن اليهود يسيطرون على "ليس فقط الجامعات؛ بل أيضاً المؤسسات غير الربحية، والأفلام، وهوليوود، وكل شيء."
وفي تقرير تعريفي عن Turning Point USA، اتهمت رابطة مكافحة التشهير (ADL) كيرك بإنشاء "منصة واسعة للمتطرفين ونظريات المؤامرة اليمينية المتطرفة" والترويج لـ "القومية المسيحية".
لكن كيرك رفض هذه الانتقادات، مقدّماً نفسه دائماً كمدافع عن اليهود. فقد كتب على منصة X في أبريل/نيسان: "لا يوجد شخص غير يهودي في عمري لديه سجل أطول أو أوضح في دعم إسرائيل، والتعاطف مع الشعب اليهودي، أو معارضة معاداة السامية أكثر مني."
وبحسب وكالة التلغراف اليهودية، كانت مخاوف كيرك بشأن تآكل مكانة الأميركيين البيض محورية في خطابه السياسي، كما هاجم ما أسماه "الماركسية"، والجهود الرامية إلى تقييد حقوق حيازة السلاح، والمتحولين جنسياً.
إذ لم يعد خطاب تشارلي كيرك محصوراً في كونه دفاعاً عن القيم المسيحية فحسب، بل تحوّل إلى مشروع أوسع يربط بين المسيحية والسياسة بشكل عضوي. فهو يرى أن الولايات المتحدة مهددة بالانهيار ما لم تنهض الكنيسة لتستعيد دورها التاريخي في المجتمع. ومن هنا برزت صورته كأحد أبرز رموز "القومية المسيحية"، التي تجعل من مواجهة الحزب الديمقراطي معركة وجودية، باعتباره – في نظره – حاملاً لأفكار تناقض تعاليم الرب.
فتشارلي كيرك يتجاوز القومية المسيحية نحو فضاء أوسع، حيث يلتقي مع مفاهيم حركة "الإصلاح الرسولي الجديد" (NAR). ورغم أنه ليس جزءاً رسمياً من هذه الحركة، إلا أن خطابته وممارساته توضح تقاطعاً واضحاً معها.
ففي أحد مؤتمرات المحافظين، صرّح بأن الولايات المتحدة تملك أخيراً رئيساً يفهم "الجبال السبعة" للتأثير الثقافي، وهو تعبير محوري في معتقدات الحركة.
ما هي حركة "الإصلاح الرسولي الجديد"؟
وبحسب تقرير لمجلة ذا أتلانتيك، تُعد "حركة الإصلاح الرسولي الجديد" حركة إنجيلية سريعة النمو تقوم على مبدأ "السيادة المسيحية"، أي سيطرة المؤمنين الإنجيليين على مفاصل المجتمع كافة، تحت ما يُعرف بـ "الجبال السبعة" للمجتمع الأميركي: الأعمال التجارية، والتعليم، والترفيه، والأسرة، والحكومة، والإعلام، والدين.
إذ يؤمن أتباعها بأن عليهم خوض "حرب روحية" ضد قوى الشر، بهدف إقامة "مملكة الله" على الأرض، تمهيداً لعودة المسيح. وإحدى السمات الفارقة لتلك الحركة هي إيمانهم بإعادة دور "الرسل" و"الأنبياء" المعاصرين في قيادة الكنيسة؛ لذا يدّعي قادة الحركة ألقاباً رسولية ونبوية، مدّعين أن الله يرسل لهم إعلانات جديدة مباشرة (وحي خاص) بجانب النصوص المقدسة.
في نظر أتباع هذه الحركة، ترامب ليس مجرد رئيس أو زعيم سياسي، بل هو أداة إلهية مختارة، شبيه بالملك الفارسي كورش، الذي يزعم الإنجيليون أن الله استخدمه لتحرير اليهود وإعادتهم إلى وطنهم. الفرق أن الصهيونية المسيحية ترى أن كورش التاريخي حرر شعباً، بينما ترامب، في عيون "حركة الإصلاح الرسولي الجديدة"، جاء لتحرير أميركا نفسها من ما يصفونه بـ "أسر الثقافة العلمانية".
ويمكن القول إن "حركة الإصلاح الرسولي الجديدة" تشكّل جناحاً متحوّلاً من الصهيونية المسيحية؛ إذ تؤمن أيضاً بأن دعم الاحتلال الإسرائيلي واجب ديني مرتبط بنهاية الزمان، لكنها تختلف عن الصهيونية المسيحية في أنها لا تكتفي بالدعم المطلق للاحتلال، بل تسعى إلى تبشير اليهود وتحويلهم إلى المسيحية، بزعم أن ذلك يعجّل بعودة المسيح. وهو ما أثار اتهامات للحركة بمعاداة السامية في أمريكا.