يحاول الاحتلال الإسرائيلي فرض التهجير القسري لسكان مدينة غزة وشمالها، في إطار عمليته التي تهدف للسيطرة على عاصمة القطاع، لكنه يواجه صعوبات في تحقيق ذلك مع رفض مئات آلاف الفلسطينيين بالانتقال إلى مناطق جنوب غزة التي أصبح لا يوجد فيها مكان خال يتسع لاستقبال النازحين، بعكس مزاعم الجيش الإسرائيلي.
وبجمع أوامر التهجير التي صدرت منذ 18 مارس/آذار من هذا العام، تتشكل صورة توضح مدى سيطرة إسرائيل فعلياً على قطاع غزة، ومدى ضآلة المساحة المتاحة للوجود لدى سكان غزة.
ما مساحة المناطق الخطرة في قطاع غزة؟
فمنذ 18 مارس/ آذار 2025، أصدر الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء طالت مناطق شاسعة من قطاع غزة، حيث حوّل 86.5 % من مساحة القطاع إلى مناطق خطرة.
وإذا تم إضافة مدينة غزة، فإن نسبة المناطق الخطرة بحسب خرائطه قد تصل إلى 93% من مساحة القطاع.
وتشير تطورات الخريطة حتى 28 أغسطس/ أب 2025، إلى أن المناطق التي لا يشملها الإخلاء، وغير مصنفة بـ"مناطق خطرة"، هي وسط وغرب مدينة غزة، وأجزاء من مخيمات الوسط، ومنطقة المواصي في خان يونس.
وتالياً تسلسل زمني لأبرز عمليات الإخلاء التي ضيقّت الخناق على الفلسطينيين:
- خلال وقف إطلاق النار الذي امتد للأول من مارس/ أذار 2025، أبقى الاحتلال الإسرائيلي سيطرته على محور فيلادلفيا، وبعض النقاط في المناطق الشرقية والشمالية من قطاع غزة.
- بحلول منتصف شهر مارس/آذار، عادت الطائرات الحربية الإسرائيلية إلى السماء، واكبها في 18 مارس/ أذار أوامر إخلاء جديدة طالت مناطق شرقية في خان يونس، ومناطق شمالية في شمال قطاع غزة.
- وسّع الجيش الإسرائيلي أوامر الإخلاء حتى 31 مارس/ أذار بإضافة مناطق أخرى شملت معظم منطقة رفح جنوبي القطاع.
- وبحسب تحليل البيانات، فإن أوامر الإخلاء حتى نهاية مارس/ أذار 2025، استقطعت 34% من قطاع غزة بمساحة تقدر بـ123.4 كيلومتراً.
- وفي الفترة الممتدة ما بين 1 و25 أبريل/ نيسان 2025، أصدر الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء متفرقة في القطاع، تستقطع 16% من قطاع غزة.
- في الفترة ما بين 14 إلى 31 مايو/ أيار 2025، صدرت أوامر إخلاء لمساحات شاسعة من قطاع غزة، وتزامن ذلك إطلاق الاحتلال ما أسماها عملية "عربات جدعون".
- كانت عملية الإخلاء الكبيرة قد صدرت في 26 مايو/ أيار 2025، والتي قام الاحتلال باقتطاع 46% من القطاع، بمساحة تقدر بـ154.3 كيلومتراً، شملت كافة رفح ومعظم منطقة خان يونس جنوبي القطاع.
- وبعد أن أصبح معظم جنوب غزة منطقة محظورة على سكانها، صدر أمر آخر بعد أربعة أيام، ليصبح أكثر من ثلاثة أرباع قطاع غزة مناطق شملها الإخلاء القسري.
- على مدار شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2025، تقلصت الفجوات بشكل أكبر، حيث ضيقت الخناق على السكان مع تقييد وصول الغذاء والمساعدات وتفشي الجوع.
- وبحلول 20 تموز/ يوليو 2025، فإن إنذارات الإخلاء بلغت نحو 297.6 كيلومتر مربع، ما يمثل 83% من مساحة قطاع غزة، ليصل إلى 86.5% مع إنذارات الإخلاء التي طالت مناطق في مدينة غزة حتى 26 أغسطس/ أب 2025.
وبناء على المعطيات السابقة، فإن ما يقارب 2 مليون فلسطيني يعيشون حتى 28 أغسطس/ أب 2025، في مساحة تصل إلى 13.5% من إجمالي قطاع غزة.
هل يتسع جنوب غزة لكل أهالي القطاع؟
يروّج الاحتلال الإسرائيلي لوجود "مساحة شاسعة فارغة" في جنوب غزة، إلا أن ذلك يتناقض مع الحقائق الميدانية على الأرض.
ونشر المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي خريطة أشار فيها إلى مناطق باللون الأزرق ادّعى أنها مناطق فارغة تصلح لإقامة الخيام في الجنوب.
لكن بعض المناطق التي أعلن أدرعي عنها، تقع أصلاً في أماكن حدّدها الجيش نفسه كمناطق خطرة لا تصلح لوجود المدنيين، بل إنّ الخريطة التي نشرها الجيش تُظهر أيضاً هذه المناطق باللون الأحمر.
وبحسب تحليل نشرته صحيفة "هآرتس" أجراه خبيرا الخرائط "عدي بن نون" من الجامعة العبرية، والبروفيسور "يعكوف غارب" من جامعة بن غوريون، تبيّن أن الأمر لا يقتصر على حالة أو حالتين، فمن بين 19 كتلة وضعت في الخريطة، تقع 6 منها كلها أو جزء منها خارج المناطق المسموح بها.
#عاجل ‼️بيان مهم إلى سكان قطاع غزة وتحديدًا في مدينة غزة وشمال القطاع بخصوص ما ينشر من إشاعات كاذبة بأنه لا يوجد مكان فارغ في جنوب القطاع لانتقال السكان
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) August 27, 2025
⭕️قبيل التحول إلى المرحلة التالية في الحرب أود أن أؤكد بأن هنالك مناطق شاسعة فارغة في جنوب القطاع كما هو الحال في مخيمات… pic.twitter.com/SfApZFZKYb
ويكشف الفحص عن وجود مشاكل إضافية، فعلى سبيل المثال، مناطق الإخلاء صغيرة جداً مقارنةً باحتياجات السكان، ووفقاً للتحليل، تبلغ مساحة هذه المنطقة حوالي سبعة كيلومترات مربعة فقط.
كما يظهر التحليل أن المناطق التي وضعها الجيش الإسرائيلي في الخريطة ليست خالية تماماً، وفيها خيام، وبعضها يقع في مناطق لا يمكن فيها نصب الخيام، لأنها إما مناطق كثبان رملية أو طرق أو أراضٍ قد تغمرها مياه الأمطار.
وهذا ما أكده مكتب الإعلام الحكومي في غزة، حيث أوضح أن محافظات الجنوب والوسطى في القطاع، مكتظة بالكامل بأكثر من مليون وربع المليون من المهجّرين قسراً.
وأوضح في بيان أن المساحات التي أشار إليها الاحتلال، سواء في "المواصي" أو "مخيمات الوسطى"، هي أراضٍ محدودة، غير مجهزة لاستيعاب الكم الهائل من البشر، ومعظمها مزارع أو أراضٍ خاصة، وبعضها يُستخدم كمناطق عازلة أو مهددة بالقصف، والاحتلال بذلك يسعى لافتعال أزمة إنسانية جديدة.

وزعم أدرعي أن الجيش "بدأ بالعمل على إدخال الخيام، وتمهيد مناطق لإنشاء مجمعات توزيع المساعدات الإنسانية، ومدّ خط مياه وغيرها".
لكن مصادر محلية أشارت إلى أن الاحتلال أدخل فقط ما يقارب 10 آلاف خيمة، في الوقت الذي يحتاج فيه قطاع غزة إلى نحو 250 ألف خيمة، في ظل اهتراء الخيم التي أصبح بعضها غير صالح.
هل جنوب غزة مؤهّل لاستقبال المزيد من النازحين؟
يقول مكتب الإعلام الحكومي بغزة إن خريطة الاحتلال مضللة، وتتجاهل الواقع الكارثي من الاكتظاظ الشديد وانعدام البنية التحتية، وتخفي حقيقة أن أي انتقال جديد للسكان يعني المزيد من المعاناة، وانتشار الأمراض، وتفاقم الجوع، في ظل استمرار الحصار، ومنع دخول الإمدادات الكافية، وعدم توفّر المياه مطلقاً.
فيما أكّد رئيس بلدية دير البلح أن المدينة لم تعد قادرة على استيعاب أي وجبات نزوح إضافية، في ظل الاكتظاظ الكبير، واستهداف البنية التحتية، وتدهور الأوضاع الصحية والبيئية.
كما أصبحت المنطقة الساحلية للمحافظة الوسطى وخان يونس مكتظة بشكل كامل، مع افتقارها لأدنى مقوّمات الحياة، وسط مخاوف من المواطنين مع قدوم فصل الشتاء من غرق خيامهم، بحسب مصادر ميدانية لـ"عربي بوست".
خيام النازحين المكدسة في منطقة المواصي غرب خان يونس..
— Khaled Safi 🇵🇸 خالد صافي (@KhaledSafi) June 30, 2025
نحو مليون محاصر في هذه البقعة منذ ما يزيد عن 10 أشهر
هذا هو ضمير العالم والشاهد على إنسانيته! pic.twitter.com/UESoWlZ3Xu
كما لا يلبي الوضع المائي الحد الأدنى للاحتياجات الأساسية في مناطق تجمّعات الفلسطينيين في المناطق الجنوبية، وخاصة المواصي.
في هذا الإطار، يوضح مدير إمداد المياه في بلدية خان يونس، في تصريحات صحفية، أن البلدية لا تمتلك سوى 4 آبار مياه، تعمل بكفاءة لا تتجاوز 50%، وتنتج يومياً ما بين 8 إلى 10 آلاف كوب، بينما تبلغ الحاجة الفعلية للمدينة نحو 15 ألف كوب يومياً، ما يترك فجوة مائية كبيرة.
وأضاف أن السكان بالكاد يحصلون على 3 إلى 4 أكواب من المياه يومياً لكل فرد، وهو ما لا يفي بالحد الأدنى من المعايير الإنسانية، مشيراً إلى أن منطقة الرمال الصفراء في المواصي تخلو تقريباً من أي مصادر مائية حكومية أو خاصة، باستثناء بعض الرقع الزراعية المحيطة بخيام النازحين.