قوبل تقرير حقوق الإنسان الأمريكي لعام 2024، والذي صدر مؤخراً، بانتقادات واسعة من مراقبين ومسؤولين سابقين، ووصف متابعون النسخة التي صدرت بأنها ذات دوافع سياسية، وخاصةً بعدما كشفت تقارير أن إدارة الرئيس دونالد ترامب خففت الانتقادات الموجهة لإسرائيل وروسيا والسلفادور بشأن حقوق الإنسان.
ورصدت تقارير غربية عدة أوجه القصور التي شابت التقرير، والذي أغفل جوانب حقوقية هامة، وجاء تقرير موقع ريسبونسبل ستات كرافت الأمريكي البارز بشأن التقرير تحت عنوان: "تقرير حقوق الإنسان السنوي يرقى إلى مستويات جديدة من السخرية".
وبالإضافة إلى التأخير الكبير في إصداره، حيث يصدر عادةً في مارس/آذار وأبريل/نيسان من كل عام، فإن تقرير عام 2024 جاء مقتضباً مقارنة بنسخ سابقة، وغطي نطاقاً أضيق بكثير من انتهاكات حقوق الإنسان. ولم يعد يشمل ظروف السجون ومراكز الاحتجاز، أو انتهاكات الحريات المدنية، أو الفساد المستشري.

ما أهمية تقرير حقوق الإنسان الأمريكي؟
- تسمى هذه الوثائق السنوية رسمياً "تقارير الدول حول ممارسات حقوق الإنسان"، ويشترط القانون أن تكون "تقريراً كاملاً وشاملاً بشأن حالة حقوق الإنسان المعترف بها دولياً".
- ويستند الكونغرس الأمريكي إلى هذه التقارير أيضاً لإصدار توصيات تتعلق بتخصيصات المساعدات الخارجية والمساعدة الأمنية.
- ويُنتظر التقرير السنوي على نطاق واسع ويُقرأ في عواصم العالم، ويعتمد عليه بشدة منظمات المناصرة والمحامون وغيرهم ممن يعتبرونه وثيقة موثوقة وقائمة على الحقائق.
- كما يستخدمه مسؤولو اللجوء لتقييم ما إذا كان لدى طالب الحماية خوفٌ حقيقي من الاضطهاد في حال إجباره على العودة إلى بلده.
ما هي التعديلات التي أجرتها أمريكا على تقرير عام 2024؟
- وفقاً لمذكرة تحريرية ووثائق أخرى حصلت عليها وسائل إعلام أمريكية، فإن تقارير حقوق الإنسان لن تُدين الحكومات بعد الآن لأسباب مثل حرمانها من حرية التنقل والتجمع السلمي.
- كما أنها لن تُدين احتجاز السجناء السياسيين دون مراعاة للإجراءات القانونية الواجبة أو فرض قيود على "انتخابات حرة ونزيهة".
- ولن يتم بعد الآن تسليط الضوء على الإعادة القسرية للاجئ أو طالب اللجوء إلى بلده الأصلي، حيث قد يواجه التعذيب أو الاضطهاد، كما لن يتم تسليط الضوء على المضايقات الخطيرة لمنظمات حقوق الإنسان.
- ووفقاً للمذكرة التحريرية، تم توجيه موظفي وزارة الخارجية لتبسيط التقارير بحيث يتم تقليصها إلى ما هو مطلوب قانوناً فقط.
- وتشير المذكرة إلى أن هذه التغييرات تهدف إلى مواءمة التقارير مع السياسة الأمريكية الحالية و"الأوامر التنفيذية الصادرة مؤخراً". ولا تستهدف التعديلات التي أمرت بها إدارة ترامب دولاً محددة، بل إنها تستبعد فئات كاملة من الانتهاكات من جميع التقارير.
- وعلاوة على ذلك، أسقطت وزارة الخارجية الأمريكية، التي تشرف على إصدار التقرير، أقساماً عن انتهاكات حقوق المرأة ولم تعد توثق جرائم مثل الاغتصاب، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث، والاستغلال الجنسي للأطفال، وقتل الأطفال، ولا الانتهاكات ضد الفئات الضعيفة مثل المعاقين.
- ومن بين المواضيع الأخرى التي أُمر بحذفها من التقارير:
- الممارسات الطبية أو النفسية غير الطوعية أو القسرية.
- التدخل التعسفي أو غير القانوني في الخصوصية.
- قيود خطيرة على حرية الإنترنت.
- العنف القائم على النوع الاجتماعي على نطاق واسع.
وبجانب التعديلات التي أدخلتها الخارجية الأمريكية على التقارير السنوية لحقوق الإنسان، فإن التقارير المتعلقة بـ 20 دولة على وجه الخصوص، من بينها مصر، لن يتم إصدارها إلا بعد عرضها على مستشار لإجراء مراجعة خاصة بها، حسب تقرير لموقع إن بي آر.

ماذا تعني هذه التعديلات؟
- بتقليصها للتقارير، بالإضافة إلى إلغاء المكتب المسؤول عن إعدادها، أشارت إدارة ترامب إلى العالم بأنها لا تهتم بحقوق الإنسان. ومن المرجح أن تفسر دول العالم هذا الإجراء، سواءً كانت شريكة للولايات المتحدة كإسرائيل ومصر، أو خصوماً لها كالصين وروسيا، على أنه إشارة إلى قدرتها على انتهاك حقوق شعوبها دون عقاب، بحسب تقرير ريسبونسبل ستات كرافت.
- وقال تقرير لمجلة بوليتيكو الأمريكية:" تُبرز هذه الخطوة رفض الرئيس ترامب التركيز على حقوق الإنسان، سواءً على الصعيد المحلي أو في السياسة الخارجية. ويرى هو والعديد من مساعديه أن هذه القضية تُعيق قدرة أمريكا على التفاعل مع الحكومات الأخرى في قضايا أخرى، مثل التجارة".
ما أبرز النقاط التي شملها التقرير بشأن الحرب على غزة واحتلال الضفة الغربية؟
- عمدت إدارة ترامب إلى إخفاء انتهاكات حقوق الإنسان المروعة التي ارتكبتها إسرائيل.
- وبالمقارنة، اشتمل تقرير عام 2023 بشأن إسرائيل وفلسطين على 103 صفحة، بينما جاء تقرير عام 2024 في تسع صفحات فقط، وأكد على الجرائم المزعومة لحماس في هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بينما تجاهل إلى حد كبير الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل، وأشار إلى المجازر الإسرائيلية في غزة على أنها "حوادث فردية".
- وأشار التقرير إلى أن 90% من سكان قطاع غزة، وفقاً للأمم المتحدة، تعرضوا للنزوح نتيجة أوامر الإخلاء التي أصدرها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
- وذكر القسم المخصص لقطاع غزة أن "العديد من العاملين في المجال الإنساني إما قُتلوا أو أُصيبوا".
- وأشار إلى أن معظم الفلسطينيين الذين اعتُقلوا في مداهمات بغزة نُقلوا إلى إسرائيل، وأن هناك تقارير تفيد باختفاء العديد منهم.
- وكشف التقرير أن العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وصل إلى أعلى مستوياته منذ عام 2005.
- ولم يرد في التقرير مزاعم تعذيب المعتقلين الفلسطينيين على يد مسؤولين حكوميين إسرائيليين، والتي وردت في تقرير العام السابق، إلا أن التقرير يقول إن جهاز الأمن العام الإسرائيلي والشرطة "استخدما أساليب استجواب عنيفة".

ما هي الانتقادات التي وُجهت إلى تقرير عام 2024؟
- انتقد حقوقيون ومشرعون ومسؤولون سابقون التقرير السنوي لحقوق الإنسان لعام 2024، واصفين توجهات الإدارة الأمريكية بأنها كانت انتقائية ودعائية، وبأنها تكشف عن إدارة عازمة على تبييض سجلات بعض أسوأ منتهكي حقوق الإنسان في العالم.
- ورفعت مجموعة "مجلس المساواة العالمية" المعنية بحقوق الإنسان دعوى قضائية ضد وزارة الخارجية الأمريكية لإصدار وثائق التقرير، زاعمة أن الوزارة ربما تلاعبت بتقريرها الأخير حول حقوق الإنسان.
- وقال النائب الديمقراطي غريغوري ميكس، العضو البارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب: "لقد حولت وزارة الخارجية تحت إدارة الوزير روبيو بشكل مخزٍ أداة كانت ذات مصداقية في السياسة الخارجية الأمريكية التي فرضها الكونغرس إلى أداة أخرى لتعزيز المظالم السياسية لحركة ماغا (اجعلوا أمريكا عظيمة مجدداً) وهواجس الحرب الثقافية".
- من جانبه، قال جوش بول، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأمريكية: "يوضح التقرير ما يحدث عندما تحظى الأجندات السياسية بالأولوية على الحقائق"، مضيفاً أن "النتيجة هي منتج مختصر إلى حد كبير يعكس بشكل أكبر الدعاية السوفييتية"، وفق صحيفة الغارديان البريطانية.
- وقال تقرير لموقع ذا إنترسبت إن تقارير حقوق الإنسان، والتي تُستخدم لتوجيه القرارات الأمريكية بشأن الدبلوماسية والمساعدات، تحولت إلى وثائق سياسية بحتة تستهدف البلدان التي دخلت معها إدارة ترامب في صدامات، وتُخفف من حدة الانتهاكات التي يرتكبها حلفاء الإدارة، ومن بينهم إسرائيل. أما جنوب أفريقيا، التي قادت قضية جرائم الحرب ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي، فقد حظيت بتقرير أكثر دقة.
- واعتبر تقرير موقع ريسبونسبل ستات كرافت أن التقرير السنوي لحقوق الإنسان الذي قدمه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بلغ مستوىً جديداً من السخرية، بعد أن تجاهل انتهاكات إسرائيل ومَحا الجرائم بالجملة، مما جعل التقرير برمته مجرد أضحوكة.
- وقالت أماندا كلاسينغ، المديرة الوطنية للعلاقات الحكومية والمناصرة في منظمة العفو الدولية بالولايات المتحدة الأمريكية، لموقع ذا إنترسبت: "مع صدور تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان، يتضح أن إدارة ترامب قد وثقت انتهاكات حقوق الإنسان في بعض الدول بشكل انتقائي للغاية".
- وأضافت: "إن عدم الإبلاغ بشكل كافٍ عن انتهاكات حقوق الإنسان يُضعف مصداقية الولايات المتحدة في قضايا حقوق الإنسان. من المُخزي أن تُقدم إدارة ترامب ووزير الخارجية روبيو السياسة على حياة البشر".