بعد 22 شهراً من الحرب المدمرة على قطاع غزة، أقرت حكومة الاحتلال الإسرائيلي خطة جديدة تفضي إلى احتلال غزة، لتحقيق خمسة مبادئ لم تتمكن من تحقيقها منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وسط تساؤلات حول مدى نجاح "المهمة المستحيلة" في مدينة غزة مجدداً.
وبعد اجتماع استمر 10 ساعات، أفاد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن "الجيش يستعد للسيطرة على مدينة غزة"، مشيراً إلى أن "الكابينت" اعتمد بأغلبية الأصوات ما وصفها بـ"المبادئ الخمسة لإنهاء الحرب"، وهي:
- نزع سلاح حركة حماس.
- إعادة جميع الأسرى، أحياءً وأمواتاً.
- نزع سلاح قطاع غزة.
- سيطرة أمنية إسرائيلية على قطاع غزة.
- إقامة حكومة مدنية بديلة عن "حماس" أو "السلطة الفلسطينية".
وقالت وسائل إعلام عبرية إن الخطة التي يعدها الجيش الإسرائيلي حالياً تقتصر فقط على مدينة غزة، وتنص على:
- إخلاء سكان المدينة إلى مخيمات الوسط والمناطق الأخرى بحلول 7 أكتوبر/تشرين الأول 2025.
- فرض حصار على مدينة غزة وتطويقها.
- قيام جيش الاحتلال بعمليات توغل في مراكز التجمعات السكنية.
واللافت أن قرار حكومة الاحتلال لم يستخدم كلمة "احتلال"، بل استبدلت بكلمة "السيطرة" لأسباب قانونية تتعلق بالمسؤولية عن السكان المدنيين.
ووفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أكد مسؤول إسرائيلي أن هذا التعريف رسمي فقط، بينما النية الحقيقية هي احتلال غزة.
وأضاف أنّه سيتم تنفيذ العملية بشكل تدريجي، حيث سيبدأ الجيش باحتلال غزة ثم ينتقل إلى مخيمات الوسط.

لكن مهمة نتنياهو الجديدة في غزة، ومبادئها الخمسة، تصطدم بجملة من المعيقات والتحديات التي تسببت بفشل مخططات سابقة، بدءاً من العمليات البرية التي اجتاحت مناطق القطاع، وصولاً إلى "خطة الجنرالات" وعملية "عربات جدعون".
ما هي أبرز المعيقات والتحديات التي تواجه خطة نتنياهو باحتلال غزة؟
ويلخص رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير أبرز المعيقات والتحديات التي قد تواجه خطة نتنياهو باجتياح مدينة غزة، حيث حذر من عواقب تهجير نحو مليون من سكان غزة، والمساس بحياة الأسرى الإسرائيليين.
وتتلخص أبرز المعيقات والتحديات أمام خطة نتنياهو، بالتالي:
أولاً: إخلاء الفلسطينيين من مدينة غزة
- خلال مشادة بين وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ورئيس الأركان زامير، أكد الأخير أنه "لا يوجد حل إنساني للمليون شخص الذين سيتم نقلهم"، مشدداً على أن "كل شيء سيكون معقداً".
- وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن إجلاء حوالي مليون شخص خلال شهرين مهمة شبه مستحيلة من الناحيتين اللوجستية والإنسانية.
- كان أول أمر إخلاء للفلسطينيين من مدينة غزة في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، واكبه بعد ذلك بدء العملية البرية في الـ27 من الشهر ذاته، تقدم فيها جيش الاحتلال بمناطق مختلفة من مدينة غزة وشمالها، وقام بفصل جنوب القطاع عن شماله عبر "محور نتساريم".

- استخدم جيش الاحتلال كافة أدواته لإجبار مئات الفلسطينيين في مدينة غزة وشمالها على مغادرتها تجاه وسط وجنوب قطاع غزة، وفرض عليهم حصاراً خانقاً اضطروا فيه لطحن أعلاف الحيوانات لتناولها بعد نفاد الطحين والسلع الغذائية.
- لكنه، بحسب التقديرات التي أُعلنت من مكتب الإعلام الحكومي وبيانات أممية، فإن من تبقى في قطاع غزة ما يقارب 700 ألف من أصل 1.2 مليون نسمة.
- وتكرر فشل الاحتلال في تهجير الفلسطينيين من غزة وشمالها، بعدما أعلن عن "خطة الجنرالات"، والتي تضمنت حصاراً كاملاً على شمال غزة، بهدف الانتصار على حركة حماس، كما أعلن مهندسها الجنرال احتياط غيورا آيلاند.
- في نهاية المطاف، لم تنجح إسرائيل في إجبار جميع السكان المدنيين في شمال غزة على النزوح، كما أن تنفيذ وقف إطلاق النار في يناير/كانون الثاني 2025 سمح للنازحين في غزة بالعودة إلى تلك المنطقة.
ثانياً: تحرير الأسرى الإسرائيليين
- حذّر زامير من أن الخطة الجديدة ستعرض حياة الأسرى الإسرائيليين للخطر، مقترحاً بشكل ساخر استبعاد عودة الأسرى من أهداف الحرب، في إشارة إلى أن العملية ستتسبب في تعريض حياتهم للخطر.
- في أبريل/نيسان 2025، قالت عائلات الأسرى إن 41 من الأسرى الذين كانوا على قيد الحياة قُتلوا بسبب العمليات التي شنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة منذ بدء الحرب.
- وخلال أيام الحرب الممتدة منذ 22 شهراً، لم يتمكن الاحتلال الإسرائيلي من تحرير أسراه عبر استخدام القوة العسكرية، إلا في عمليتين، إحداهما في رفح في فبراير/شباط 2024، أسفرت عن استعادة أسيرين أحياء واستشهاد أكثر من 60 فلسطينياً، والأخرى في مخيم النصيرات في يونيو/حزيران 2024، أسفرت عن استعادة أربعة أسرى واستشهاد نحو 276 فلسطينياً.
- في بيانات سابقة، أكدت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، مقتل عدد من الأسرى الإسرائيليين جراء القصف الإسرائيلي المكثف على القطاع.
- في ديسمبر/كانون الأول 2023، أقرّ الجيش الإسرائيلي بأنه قام بقتل ثلاثة أسرى إسرائيليين خلال عملياته في منطقة الشجاعية بمدينة غزة.
- وفي يناير/كانون الثاني 2024، اعترف الجيش الإسرائيلي بمقتل الأسير ساهار باروخ في عملية فاشلة لإنقاذه وسط قطاع غزة.
- في نهاية أغسطس/آب 2024، أعلن الجيش استعادة جثث 6 أسرى، فيما كشف تحقيق إسرائيلي أن العمليات ساهمت بمقتلهم.
- أكدت عائلات الأسرى الإسرائيليين أن قرار احتلال غزة سيتسبب بكارثة للأسرى الإسرائيليين، وحكماً بإعدامهم.
- حذّر أسرى سابقون أن حركة حماس تمتلك وسائل تكنولوجية متنوعة، كالكاميرات المزودة بأجهزة استشعار أو القنابل التي يُفترض تفعيلها في حال اقتراب قوات الجيش من مكان وجود الأسرى الإسرائيليين.
ثالثاً: تآكل الجيش الإسرائيلي ومخاوف من استنزافه
- رئيس الأركان الإسرائيلي حذّر من أن خطة احتلال غزة ستؤدي إلى استنزاف كبير للقوات.
- نقلت قناة "كان" التابعة لهيئة البث الرسمية، عن مصادر مطلعة لم تسمّها، أن زامير قال خلال اجتماع الكابينيت إن تنفيذ الخطة من الناحية العسكرية والبنية التحتية يحتاج إلى نحو 200 ألف جندي احتياط "كثير منهم خدموا أياماً طويلة في الاحتياط" خلال الحرب.
- حذّرت مصادر أمنية لموقع "وللا" أن السيطرة على مدينة غزة دون معالجة شاملة قد تصبح خطرة، وقد تشكل منطقة مليئة بالأنفاق والفتحات بمختلف أنواعها فخاً تكتيكياً وعملياتياً لعدد كبير من القوات اللازمة للمهمة.
- كما يحذر الجيش من استنزاف القوات النظامية والاحتياطية، ومن ثغرات في كفاءة المعدات الهندسية الثقيلة، وناقلات الجند المدرعة، والدبابات التي تحتاج إلى تطوير.

- أشارت عدة تقارير إسرائيلية إلى أن الجيش الإسرائيلي يعاني من نقص في القوى البشرية، وسط تهرب من جنود الاحتياط الذين تم استنزافهم على مدار عامين.
رابعاً: إقامة بديل عن حماس والقضاء على قدرتها
- يقول معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في تقرير سابق، إنه رغم أن معارك الجيش ألحقت أضراراً بالهياكل العسكرية لحركة حماس، فإن إسرائيل لن تتمكن من تحييد قدرة حماس على مواصلة عملها و"حرب العصابات" التي تتبعها.
- وقبل وقف إطلاق النار في يناير/كانون الثاني 2025، بدأت حماس بتعزيز صفوفها بعناصر جديدة، كما استغلت هدوء القتال للتحضير لتجديد صفوفها، بحسب المعهد الإسرائيلي.
- وتشير صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن حماس في الآونة الأخيرة اعتادت وأدركت فوائد العودة إلى "حرب العصابات"، التي حققت لها إنجازات في الأشهر الماضية، والتي كادت أن تنتهي مؤخراً باختطاف جنود إسرائيليين.
- التقرير ذاته، والذي نُشر في أبريل/نيسان 2025، أوضح أنه من المنظور المدني، ورغم الأضرار التي لحقت بالهيكلية الحكومية لحماس، إلا أنه في ظل غياب بديل لحكمها، فهي لا تزال صاحبة السيادة الفعلية.

- وحاولت إسرائيل طوال فترة الحرب تقديم العديد من البدائل لتحل محل حركة حماس في قطاع غزة، منها عبر العشائر أو العصابات المسلحة مثل حالة ياسر أبو شباب في رفح، لكنها جميعها باءت بالفشل.
- ورغم استعداد حركة حماس لتسليم إدارة قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية، تشدد الحكومة الإسرائيلية على أنه لا عودة لها إلى قطاع غزة.
- وزعم نتنياهو في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" أن هدفه من الخطة الجديدة "ليس حكم القطاع بشكل دائم، بل القضاء على حماس، والسماح بإدارة محلية مختلفة، بدعم من شركاء عرب إقليميين"، في تناقض مع مطالب الدول العربية المتكررة بتولي السلطة الفلسطينية مسؤوليات الحكم في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي واستقلال الأراضي الفلسطينية.
- وفي تصريحات متجددة، قال القيادي في حركة حماس أسامة حمدان إن الحركة ستتعامل مع أي قوة سيتم تشكيلها وفقاً لتصريحات نتنياهو على أنها قوة احتلال ترتبط بإسرائيل.
خامساً: الرفض الدولي والعربي للخطة
- من العقبات التي تواجه خطة الحكومة الإسرائيلية باحتلال غزة، بدءاً من مدينة غزة، رفض دولي في ظل عزلة متزايدة يعاني منها الإسرائيليون، ومخاوف من أن ذلك قد يتسبب في إحداث شرخ مع الولايات المتحدة ودول الغرب.
- أعلنت ألمانيا، الدولة الحليفة لإسرائيل في القارة الأوروبية، أنها سوف توقف نقل الأسلحة إلى إسرائيل التي يمكن استخدامها في الحرب على غزة.
- بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن الخطة ستشجع على المقاطعة والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتثير احتجاجات شعبية على جميع المستويات في العالم، وقد تؤدي إلى قطع العلاقات الدبلوماسية.
- وبينما يحاول نتنياهو إظهار جبهة موحدة مع واشنطن، فإن معارضة الحلفاء الغربيين، مثل بريطانيا، التي وصف سفيرها لدى إسرائيل الخطة بأنها "خطأ فادح"، تشير إلى خطر العزلة الدبلوماسية، بحسب الصحيفة.

- كما حذّرت الصحيفة من أن إسرائيل قد تخسر أيضاً ترامب، الذي يُعتبر الآن هو داعمها الوحيد.
- فيما سارعت مصر والأردن إلى رفض خطة نتنياهو، في حين شددت السعودية على أن "الأفكار والقرارات اللاإنسانية التي تتبناها سلطات الاحتلال الإسرائيلية دون رادع، تؤكد مجدداً أنها لا تستوعب الارتباط الوجداني والتاريخي والقانوني للشعب الفلسطيني بهذه الأرض، وأنه صاحب حقٍّ فيها".