أكبر صفقة غاز في تاريخ إسرائيل.. حل لأزمة الطاقة في مصر أم فخ استراتيجي طويل الأمد؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/08 الساعة 16:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/08 الساعة 16:55 بتوقيت غرينتش
صورة أرشيفية - رويترز

في خضمّ مشهد إقليمي يزداد احتقاناً، أبرمت شركة "نيو ميد" – الشريك في حقل ليفياثان الإسرائيلي – اتفاقاً طويل الأمد مع القاهرة لتوريد الغاز الطبيعي بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار، في صفقة وصفها وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين بأنها الأكبر في تاريخ إسرائيل.

تأتي هذه الخطوة في وقت تواصل فيه آلة الحرب الإسرائيلية سحق غزة، ما يثير تساؤلات حادة حول جدوى ومخاطر تعميق الاعتماد الطاقوي على دولة احتلال تنفّذ حرب إبادة بحق الشعب الفلسطيني على مرمى البصر من الحدود المصرية، وما قد يخلّفه ذلك من تداعيات على أمن الطاقة والأمن القومي المصري في المدى البعيد.

ما هي تفاصيل الاتفاق؟

قالت شركة نيوميد إنرجي (NewMed Energy)، الشريك في حقل الغاز الإسرائيلي "ليفياثان"، بحسب وكالة رويترز يوم 7 يوليو/تموز 2025، إنها وقعت اتفاقية لتزويد مصر بنحو 130 مليار متر مكعب من الغاز حتى عام 2040، في صفقة قد تصل قيمتها إلى 35 مليار دولار، وهي الأكبر في تاريخ صادرات الطاقة الإسرائيلية.

وبحسب البيان الرسمي للشركة، ينص التعديل الموقع مع شركة "أوشن إنرجي" المصرية على إضافة نحو 4.6 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي — أي ما يعادل 130 مليار متر مكعب — إلى اتفاق التوريد الأصلي المبرم في 19 فبراير/شباط 2018، وذلك على مرحلتين.

وتبدأ المرحلة الأولى مطلع 2026 بإمداد القاهرة بـ 20 مليار متر مكعب سنوياً، بعد إضافة خطوط أنابيب جديدة، على أن تُصدَّر الكمية المتبقية — 110 مليارات متر مكعب — في المرحلة الثانية عقب توسعة الحقل وبناء خط أنابيب جديد عبر معبر نيتسانا.

ويمدد الاتفاق المعدل فترة التصدير حتى عام 2040، أو حتى استنفاد الكمية الإضافية المتفق عليها، أيهما يسبق.

وبحسب وكالة رويترز، تأتي الصفقة لتقليص اعتماد مصر على واردات الغاز الطبيعي المسال، التي كلّفتها مليارات الدولارات بعد تراجع إنتاجها المحلي، ولا سيما من حقل "ظهر" الذي كان يُوصف بأنه أكبر حقول الغاز في شرق المتوسط. إلا أن الحقل تراجع إلى المركز الثالث خلف "ليفياثان" و"تمار"، وهو ما تعزوه تحليلات إلى تداخل القرار السياسي مع الفني، إذ جرى تسريع التطوير والإنتاج لتحقيق مكاسب عاجلة، على حساب توصيات فنية تدعو إلى الموازنة بين زيادة الإنتاج والحفاظ على سلامة الآبار. وقد أدى ذلك إلى هبوط حاد في إنتاج "ظهر" بعد بضع سنوات من بدء التشغيل، ما انعكس على إجمالي إنتاج الغاز في مصر، علماً أن الحقل كان يساهم بنحو 35% إلى 40% من الإنتاج الوطني، في حين تعتمد البلاد على الغاز لتوليد نحو 76% من الكهرباء.

خارطة حقول ومنصات الغاز الإسرائيلية في البحر المتوسط. (عربي بوست)

ويُعد ضخ الغاز عبر خطوط الأنابيب أقل كلفة من استيراد الغاز الطبيعي المسال، الذي يتطلب عمليات تبريد وشحناً وإعادة تحويل.

إذ يُقدّر محللون متوسط سعر الغاز المسال بنحو 13.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مقابل 7.75 دولار للغاز الإسرائيلي، دون احتساب تكاليف تأجير وحدات التخزين وإعادة التحويل العائمة FSRUs.

لكن رويترز ذكرت في مايو/أيار أن إسرائيل تسعى لرفع أسعار تصدير الغاز بنسبة 25%، فيما أكد مصدران في القطاع أن الصفقة الجديدة وُقِّعت بسعر أعلى، مشيرين إلى أن الزيادة لا تقل عن 20%.

وفي أول مقابلة له بعد توقيع الاتفاقية، أشار الرئيس التنفيذي لشركة نيوميد، يوسي أبو، لصحيفة غلوبس الإسرائيلية أن شروط الصفقة تمنح مرونة في وتيرة توريد الغاز للاقتصاد الإسرائيلي، مضيفاً:

"هذه صفقة سنوية، وليست يومية أو شهرية. هذا الشرط يسمح لنا بتزويد الاقتصاد الإسرائيلي بالغاز خلال المواسم والأشهر التي يزداد فيها الاستهلاك، ثم نتمكن من تعويض النقص في الأشهر التي لا تشهد ذروة الاستهلاك."

وعن إمكانية إبرام اتفاقية أخرى مع الأردن، قال أبو إن "الاتفاقيات الحالية مع الأردن تغطي معظم الطلب في المملكة حتى عام 2035، ورغم أننا وقّعنا مؤخراً اتفاقية صغيرة أخرى معهم، بكمية تتراوح بين 2 و3 مليارات متر مكعب، إلا أنها تختلف تماماً عن الاتفاقية التي توصلنا إليها مع مصر".

واختتم أبو حديثه قائلاً: "إن الغاز الطبيعي سيكون بمثابة مرساة لخلق التطبيع مع الدول الأخرى في المنطقة، ونحن عازمون على المشاركة في ذلك."

ما مخاطر الغاز الإسرائيلي على مصر؟

رغم تأكيد رئيس الوزراء مصطفى كمال مدبولي أن حصول مصر مؤخراً على وحدات إعادة التغويز (وهي وحدات عائمة لتحويل الغاز الطبيعي المسال إلى حالته الغازية قبل ضخه في الشبكة) مكّنها من تأمين شحنات الغاز الطبيعي المسال بشروط دفع وتسعير ميسّرة لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، فإن الإعلان عن الصفقة الجديدة مع إسرائيل أثار جدلاً واسعاً وتساؤلات حول جدواها الاقتصادية ومخاطرها الاستراتيجية.

يرى بعض الخبراء أن الصفقة تمنح إسرائيل أداة ضغط حساسة في ظرف إقليمي شديد الاضطراب، خاصة مع استمرار تراجع إنتاج الغاز المحلي، وتنامي الاستهلاك الداخلي.

إذ تشير التطورات الأخيرة إلى أن المخاوف المرتبطة بالاعتماد على الغاز الإسرائيلي ليست بعيدة عن الواقع، ففي أعقاب شن إسرائيل حرب الإبادة على غزة، ومع توتر العلاقات بين القاهرة وتل أبيب على خلفية رفض مصر مقترح تهجير سكان القطاع إلى سيناء، أعلنت إسرائيل وقف العمل بمنصة "تمار" وخط أنابيب العريش/عسقلان لأسابيع، ما تسبب في أزمة كهرباء داخلية، رغم استمرار إنتاج حقل "ليفياثان" الذي يُعد المصدر الرئيسي للإمدادات.

وخلال الحرب بين إسرائيل وإيران في يونيو/حزيران الماضي، توقفت صادرات "ليفياثان" نفسه إلى مصر لمدة 12 يوماً، أيضاً بحجة الظروف الأمنية. هذه الحوادث، برأي محللين، تعكس قابلية صادرات الغاز للتأثر المباشر بالتوترات الجيوسياسية، واحتمال استخدامها كورقة ضغط من قبل إسرائيل على مصر.

في هذا السياق، قال الباحث المتخصص في العلاقات الدولية وشؤون الطاقة، خالد فؤاد، لـ عربي بوست، إن الصفقة التي أُعلن عنها بين مصر وإسرائيل تمثل امتداداً لاتفاقات بدأت عام 2018، حين وُقِّعت أول صفقة لتوريد الغاز الإسرائيلي إلى مصر، ثم جرى تعديلها في 2019 لزيادة الكميات. وأوضح أن السنوات التالية شهدت أخباراً متواترة عن صفقات جديدة، كان المبرر المعلن لها هو تسييل الغاز الإسرائيلي في محطتي إدكو ودمياط وتصديره إلى أوروبا، بما يعزز مكاسب اقتصادية للطرفين ويضع مصر في موقع منصة تصدير الغاز بشرق المتوسط.

ويضيف فؤاد أن هذه الرؤية أغفلت تقديرات مؤسسات اقتصادية دولية كانت تشير منذ ذلك الوقت إلى أن الاكتفاء الذاتي من الغاز في مصر لن يدوم طويلاً، وأن البلاد ستعود للاستيراد في غضون خمس سنوات.

ونتيجة لذلك، تحولت الإمدادات الإسرائيلية تدريجياً من كونها مخصصة للأسواق الخارجية إلى تغطية جزء أساسي من الشبكة الداخلية المصرية، وهو ما تحقق فعلياً خلال العامين الماضيين.

ويرى الباحث أن التعامل مع الغاز الإسرائيلي كسلعة سوقية لا كمسألة استراتيجية كان خطأً جوهرياً، مشيراً إلى أربع نقاط رئيسية:

  • من غير المعتاد في أسواق الطاقة عقد صفقات طويلة الأجل مع طرف تربطك به علاقة جيوسياسية متوترة، بخلاف الصفقات التي تُبرم عادة بين أطراف تجمعها علاقات متينة ومستقرة.
  • احتمالية استخدام الغاز كأداة سياسية للضغط على مصر.
  • الأكثر خطورة هو ارتباط أمن الطاقة المصري بأمن الطاقة الإسرائيلي، بمعنى أن أي تهديدات لمنصات إنتاج الغاز الإسرائيلية ستتسبب في أضرار مباشرة لمصر.
  • مخاطر الاعتماد على الغاز الإسرائيلي لا تتعلق فقط بحجم هذا الاعتماد، سواء كان صغيراً أم كبيراً، ولكن العامل الأبرز هنا هو قدرة مصر على تعويض انقطاع إمدادات الغاز الإسرائيلية، وفي هذه الحالة فإن مصر في ذلك التوقيت لم تكن تمتلك أي خيارات بسبب عدم وجود بنية تحتية لاستيراد الغاز المسال.

وأشار فؤاد إلى أنه في أعقاب حرب غزة تأكدت هذه المخاوف، إذ شهدت العلاقات بين الجانبين توترات، واستغلت إسرائيل ملف الغاز كورقة ضغط، سواء عبر وقف الإمدادات بحجة الصيانة أو بفعل ظروف الحرب.

ويجب الذكر أن الصناعات المصرية كثيفة الاستهلاك للطاقة — مثل الحديد والأسمدة والبتروكيماويات — تعتمد بشكل رئيسي على الغاز الطبيعي، ما أدى إلى توقف هذه المصانع الكبرى بالكامل خلال انقطاع الإمدادات الإسرائيلية أثناء الحرب بين إيران وإسرائيل.

ويُوضح فؤاد أنه رغم أن الخطوات المصرية الأخيرة لتأمين إمدادات الغاز عبر تنويع المصادر — من خلال استيراد الغاز المسال، وتأجير أربع وحدات إعادة تغويز بطاقة إجمالية تبلغ 2.7 مليار قدم مكعب يومياً في موانئ السخنة ودمياط والعقبة (بالتعاون مع الأردن)، وشراء ما بين 155 و160 شحنة غاز مسال لتغطية احتياجات العام الجاري — كانت تمضي في الاتجاه الصحيح، إلا أن الصفقة الجديدة تعني عملياً زيادة الاعتماد على الغاز الإسرائيلي، بما يضع في يد تل أبيب ورقة ضغط استراتيجية قابلة للاستخدام في أي وقت.

ويختتم قائلاً: "حتى مع وجود بنية تحتية لاستيراد الغاز المسال، فإن مواجهة أي توقف مفاجئ في الإمدادات الإسرائيلية سيستغرق وقتاً طويلاً لتأمين بدائل من أسواق الغاز المسال المعقدة، وهو ما قد يترك آثاراً مباشرة على أمن الطاقة المصري لأشهر. والأهم أن استمرار امتلاك إسرائيل لهذه الورقة يعني بقاء تأثيرها المحتمل على السلوك السياسي المصري في قضايا الصراع بالمنطقة".

تحميل المزيد