أمريكا انسحبت وأوروبا تفشل في حماية سفنها وميناء إيلات يُغلق.. كيف أجبر الحوثيون خصومهم على التراجع؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/07/21 الساعة 16:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/07/21 الساعة 16:11 بتوقيت غرينتش
في هذا الفيديو الذي نشره الحوثيون، تظهر سفينة ماجيك سيز لحظة تفجيرها بسبب محاولة توجها لإسرائيل- الفيديو: المركز الإعلامي العسكري لجماعة أنصار الله.

بعد نحو شهر من بدء حرب الإبادة الجماعية التي شنتها دولة الاحتلال الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023، بدأت جماعة "أنصار الله" الحوثيين في اليمن حملة هجومية بصواريخ وطائرات بدون طيار تستهدف سفناً مرتبطة بـ"إسرائيل" في البحر الأحمر أو أخرى تتجه نحو موانئها مثل ميناء إيلات٬ الذي أغلق موخراً بفعل الهجمات اليمنية. وأدى هذا التحرك، الذي تم إطلاقه تضامناً مع الفلسطينيين وللضغط على الاحتلال لوقف الحرب على غزة، إلى أكبر اضطراب في التجارة العالمية منذ جائحة كورونا.

بسبب الخوف من الهجمات اليمنية٬ تجنبت السفن المسافرة من أوروبا إلى آسيا أو العكس٬ طريق قناة السويس التقليدي المؤدي إلى البحر الأحمر وخليج عدن. وبدلاً من ذلك، اختاروا الطريق الأطول والأكثر تكلفةً حول رأس الرجاء الصالح في الطرف الجنوبي لأفريقيا. ونتيجةً لذلك، انخفضت حركة الملاحة البحرية في خليج عدن بنسبة 70% خلال عامين. 

استدعت تلك الهجمات شن الولايات المتحدة -وبعض حلفائها- شن هجمات على اليمن لردع الحوثيين٬ استمرت تلك الحملات حتى نهاية عهد إدارة جو بايدن٬ وخلال فترة الهدنة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في غزة ما بين يناير ومارس 2025 توقفت تلك الهجمات٬ لكن مع عودة الحرب على غزة عاد الحوثيون لضرب إسرائيل وكذلك السفن المتوجهة لها٬ فيما ردت الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة ترامب بحملة قصف عنيفة وغير مسبوقة على اليمن لردع الحوثيين عن تهديد إسرائيل أو السفن الأمريكية وحاملات الطائرات في المنطقة.

وبعد نحو شهرين الغارات الجوية المكثفة على اليمن٬ انتهت حملة إدارة ترامب ضد الحوثيين في اليمن فجأة كما بدأت٬ حيث توصل الطرفان لاتفاق بواسطة عُمانية في 7 مايو/أيار 2025 بموجبه وافق الحوثيون على وقف مهاجمة الأهداف الأمريكية (باستثناء الهجمات على السفن والمدن الإسرائيلية التي استمرت)٬ فيما وافقت الولايات المتحدة بالمقابل على وقف الضربات الجوية على اليمن وسحب سفنها وحاملات طائراتها في المنطقة٬ وتركت "إسرائيل" تواجه هجمات الحوثيين وحدها٬ فيما رفعت الغطاء عن الأوروبيين ودفعتهم لحماية سفنهم التجارية بأنفسهم٬ وهو ما فشلت فيه أوروبا بشكل كبير٬ كما تقول مجلة إيكونوميست البريطانية.

هجمات البحر الأحمر تظهر مدى ضعف الأوروبيين وإدعاءات قوتهم البحرية

  • بعد الانسحاب الأمريكي من المشهد٬ أعقاب وقف إطلاق النار الذي توصلت له إدارة ترامب مع "أنصار الله" في مايو/أيار الماضي، خرج الاتحاد الأوروبي من الظل العسكري الأميركي في البحر الأحمر. وكانت القوة البحرية للاتحاد تُدير عملية "أسبايدس"، وهي مهمة تقول أوروبا إنها "دفاعية بحتة" في البحر الأحمر والمحيط الهندي والخليج، لاستعادة حركة الشحن البحري عبر المنطقة. وقد انخفض عدد عمليات العبور بشكل حاد منذ بدء هجمات الحوثيين في أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث انخفض إجمالي حجمها بنسبة 60%.
  • مع ذلك، لم تُوفّر "أسبايدس" أي حماية تُذكر عندما هاجم الحوثيون سفينتي "ماجيك سيز" و"إيترنيتي سي" التجاريتين٬ واللتين كانتا ترفعان علم ليبيريا وتتبعان لليونان في أوائل يوليو/تموز الجاري٬ كما تقول "الإيكونومست". السفينتان حوصرتا، وأطلق عليهما النار، وأُغرقتا في البحر. واضطرت سفن خاصة أو شركات أمنية إلى تنسيق عمليات إنقاذهما. وصرح مسؤول في شركة كوزموشيب مانجمنت، مشغلة سفينة إيترنيتي سي، لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية بأنه طلب المساعدة من "أسبايدس"؛ لكن القوة البحرية لم تكن مُجهّزة بسفن في المنطقة.
  • وقال الحوثيون إن هذه السفن "انتهكت حظر الدخول إلى موانئ فلسطين المحتلة"، وأكدوا أنه تم استهدافها بعد "نداءات وتحذيرات وجّهت للسفينة، إلا أن طاقمها رفض كل تلك التحذيرات". كما بثوا مشاهد للحظات غرق سفينة ماجيك سيز بتقنية التصوير السريع توثق ما حدث في عرض البحر الأحمر، على بعد 114 كيلومترا تقريبا من ميناء الحديدة.
  • تعاني العملية أيضاً من نقص في السيولة، حيث خصص المجلس الأوروبي (19.8 مليون دولار) فقط لتغطية نفقاتها السنوية. قارن هذا بأمريكا التي أنفقت عشرة أضعاف هذا المبلغ فقط لإعادة تخزين نوع واحد من الصواريخ خلال عملية "حارس الرخاء"، التي قادتها في ديسمبر 2023 لمواجهة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر٬ لكنها فشلت أيضاً في النهاية في إخضاع الحوثيين. 
  • وأدى نفور الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على مدى عقود، من الإنفاق الدفاعي إلى حرمانها من السفن اللازمة لمواجهة التهديدات البحرية. لنأخذ حاملات الطائرات مثالًا، إذ تتيح لها أسرابها من الطائرات تنفيذ مهام هجومية ودفاعية جوية بسرعة ومرونة أكبر بكثير من الفرقاطات المسلحة بالمدافع والصواريخ. تمتلك الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ثلاث حاملات طائرات فيما بينها، بينما تمتلك أمريكا 11 حاملة.
  • تُصعّب القيود المؤسسية على الاتحاد الأوروبي الاستجابة السريعة للتهديدات العسكرية٬ حيث تندرج عمليات مثل "أسبايدس" ضمن سياسة الأمن والدفاع المشتركة للاتحاد، ما يعني أن استمرارها يتطلب موافقةً إجماعية من أعضائه السبعة والعشرين. 
  • ما دامت البضائع لا تزال تتحرك، فإن البحر الأحمر ليس على رأس أولويات الاتحاد الأوروبي٬ كما تقول المجلة البريطانية. بعض السفن تسلك الطريق الأطول بكثير حول أفريقيا، مما يضيف 20 يومًا من السفر وزيادة بنسبة 33% في تكاليف الوقود إلى رحلة الذهاب والإياب بين روتردام وسنغافورة. ويخاطر آخرون ببساطة بسلك الطريق المختصر عبر البحر الأحمر إلى قناة السويس، رغم أن تكلفة التأمين ضد مخاطر الحرب قد ارتفعت إلى 1% من قيمة السفينة، من 0.2% إلى 0.3% في الأشهر التي سبقت الهجومين.

"خسارة اقتصادية فادحة".. الحوثيون ينجحون بإغلاق ميناء إيلات بعد عامين من الهجمات

ميناء إيلات٬ أرشيفية - رويترز
ميناء إيلات٬ أرشيفية – رويترز
  • الأوروبيون٬ والأمريكيون من قبلهم٬ ليسوا المتضرر الوحيد من هجمات "أنصار الله" الحوثيين٬ حيث نجحت الجماعة اليمنية المسلحة بإغلاق ميناء إيلات الاستراتيجي لدولة الاحتلال٬ وأعلنت تل أبيب أن ميناء إيلات أوقف عملياته اعتباراً من يوم الأحد 20 يوليو/تموز 2025 بعد فشله في سداد ديونه في أعقاب الانخفاض الحاد في الإيرادات الناجم عن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
  • وذكرت صحيفة كالكاليست الاقتصادية الإسرائيلية، أن ميناء إيلات، الواقع في أقصى الجنوب، والذي تشغله شركة Papo Maritime Ltd، يواجه خطر الإغلاق الكامل، في خطوة وصفتها الصحيفة بأنها "نصر واضح للحوثيين وهزيمة فادحة للاقتصاد الإسرائيلي برمّته". وأشارت كالكاليست إلى أن الميناء متوقف فعلياً عن العمل منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بسبب المخاوف الأمنية المتعلقة بالمرور في البحر الأحمر، وبالتحديد في منطقة باب المندب، التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.
  • وقالت الصحيفة، إن الشركة المشغّلة للميناء، والتي تعود ملكيتها لأخوين يُدعيان "نقّاش" أو Nakash brothers (جوزيف وأفي ورالف نقّاش)، وهم من رجال الأعمال الإسرائيليين–الأميركيين٬ سجلت انخفاضاً بنسبة 80% في الإيرادات خلال عام 2024 مقارنة بـ2023، ما أدّى إلى أزمة مالية خانقة تهدد بإنهاء وجود الميناء فعليًا.
  • وأوضحت الصحيفة أن الدولة الإسرائيلية تتعامل مع الميناء وكأنه شركة خاصة يمكن التخلي عنها بسهولة، ما دفع القائمين عليه إلى اتهام الحكومة بالتقصير، مؤكدين أن "إغلاق الميناء سيكون انتصاراً حقيقيًا للحوثيين الذين أخرجوا بوابة إسرائيل الجنوبية عن الخدمة دون أن يطلقوا رصاصة واحدة".
  • تقول كالكاليست إن إدارة الميناء غاضبة من غياب الدعم الحكومي، حيث لم يتم دفع ضريبة الأملاك لبلدية إيلات منذ عدة أشهر، وتراكمت ديون بملايين الشواكل، مما دفع البلدية إلى فرض حجز على الحسابات البنكية. وبناءً على ذلك، أعلنت سلطة الموانئ الإسرائيلية أن الميناء سيتوقف عن العمل نهائياً.
  • وقالت هيئة الموانئ والملاحة البحرية الإسرائيلية، اليوم الأربعاء الماضي، إنه بسبب "الأزمة المالية التي دخلت فيها بسبب الصراع المستمر، أبلغت بلدية إيلات إدارة ميناء إيلات بمصادرة جميع حساباتها المصرفية بسبب الديون المستحقة للبلدية".
  • فيما أكدت الهيئة الوطنية الإسرائيلية للطوارئ، وفق ما نقلته كالكاليست، أن إغلاق ميناء إيلات سيؤدي إلى تعطيل عمل الزوارق والقوارب التابعة للميناء، وسيتسبب في وقف الدعم اللوجستي للبحرية الإسرائيلية في منطقة البحر الأحمر، إضافة إلى تجميد الدعم الفني لخط أنابيب أوروبا-آسيا لنقل النفط الخام من إيلات إلى أشكلون.
  • كما حذّرت الهيئة من تأثيرات خطِرة على تصدير البوتاس من البحر الميت، والذي سيكون متاحًا لاحقًا فقط من ميناء أسدود، وهو ما قد يؤدي إلى فقدان استمرارية العمل وتراجع في كفاءة تشغيل الميناء وقتا طويلا. ووفقًا للصحيفة، فقد أبلغت وزارة النقل الإسرائيلية، ومكتب الأمن القومي، وسلطة الموانئ بهذه التداعيات، في محاولة للضغط نحو منع الإغلاق، لكن دون تجاوب فعلي حتى اللحظة.
  • وفي تعبير عن الاستياء الشديد، قال مسؤول في ميناء إيلات للصحيفة: "في زمن كورونا، أنقذت الحكومة شركات الطيران والموضة التي تجني اليوم الملايين، لكنها لا تملك الجرأة على دعم بنية تحتية حيوية". وأضاف: "لأن هذا الميناء مملوك للقطاع الخاص، تظن الدولة أن بإمكانها تجاهله وتركه يصارع وحده سنةً وثمانية أشهر". واختتم حديثه بالقول: "إنهم يرموننا إلى الكلاب. هذا وضع مرعب. إنه انتصار للحوثيين في معركتهم على إيلات وعلى الاقتصاد الإسرائيلي".
  • ونتيجة للخسائر المالية، قال مسؤولو الميناء إنهم اضطروا إلى تسريح عشرات العمال. وقال رئيس نقابة عمال الموانئ الشهر الماضي: "كان لدينا 113 عاملاً، واليوم لم يتبقَّ منهم سوى 47 عاملاً٬ وهناك عمال بلا أجور ولا إعانات بطالة".

ما الذي حققه الحوثيون خلال عامين من الحرب البحرية؟

الحوثي يشن هجمات تضامنا مع غزة
يمنيون يرقصون على سطح السفينة التجارية جالاكسي ليدر المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، والتي استولى عليها الحوثيون اليمنيون قبالة ساحل الصليف باليمن في 2024/ رويترز
  • على مدى 18 شهراً من الحرب، نفذ الحوثيون هجمات على أكثر من 250 سفينة عسكرية وتجارية٬ ناهيك عن قصفهم الذي لم يتوقف لمدن ومواقع إسرائيلية بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية. ويقول موقع MEE البريطاني في تقرير سابق٬ إن الاضطراب التجاري الهائل في البحر الأحمر الناتج عن هذه الهجمات منح الحوثيين نفوذاً على الساحة الدولية حتى أجبروا الولايات المتحدة على التفاوض معهم في النهاية.
  • كان العمل العسكري تضامناً مع الفلسطينيين، سواء في المياه الدولية أو عبر الضربات الصاروخية بعيدة المدى على إسرائيل، أداة دعائية محلية رئيسية للحوثيين الذين "انتصروا لغزة ووقفوا على الجانب الصحيح من التاريخ" كما يقول مواطنون يمنيون. أدت هذه الشعبية إلى حملة فعالة للغاية لتجنيد العسكريين٬ حيث تقول إليونورا أرديماجني، الباحثة البارزة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية: "استغل الحوثيون الهجمات على السفن وعلى إسرائيل لزيادة التجنيد في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، مستغلين رواية القتال ضد إسرائيل والولايات المتحدة". 
  • ارتفع عدد مقاتلي الحوثيين من 220 ألفاً في عام 2022 إلى 350 ألفاً في عام 2024، بحسب خبراء الأمم المتحدة. وأشارت أرديماغني، الخبيرة في شؤون الجماعات المسلحة اليمنية، في تقرير حديث إلى تزايد استهداف الحوثيين الشباب اليافعين للتجنيد منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وقد حدث ذلك من خلال تعديل المناهج الدراسية والمخيمات الصيفية، التي ساهم بعضها في تطبيع العسكرة والعنف. 
  • كما منحت الحرب الجماعة -التي لا تعاني من نقص في الأعداء على الصعيدين المحلي والدولي- فرصاً لنشر أسلحة جديدة وتعزيز جاهزيتها العملياتية. واختبر الحوثيون استخدام الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنحة على مدى العام والنصف الماضيين، بالإضافة إلى الطائرات والقوارب بدون طيار.
  • باستخدام مزيج من الأسلحة الإيرانية والطائرات بدون طيار والصواريخ المنتجة محليا، نجح الحوثيون في تقديم مقاومة جدية ضد أنظمة الصواريخ الأميركية الأكثر تكلفة بكثير.  وقد أدى ذلك إلى حصول الحوثيين على الاعتراف والنفوذ في ما يسمى "محور المقاومة" الإيراني وخارجه.
  • وبالإضافة إلى الفوائد المتعلقة بالسمعة، ساعدت الحملة البحرية الحوثيين على بناء روابط عسكرية ومالية ملموسة مع الشركاء المجاورين. وأضافت أرديماني: "بسبب هجمات البحر الأحمر، قاموا أيضًا بتوسيع شبكة شركائهم في العراق، والأهم من ذلك، في منطقة القرن الأفريقي – وبالتالي تشكيل علاقات مدفوعة بالأسلحة مع الجهات الفاعلة القريبة جغرافيًا، على التوالي، من البحر الأبيض المتوسط ​​​​وبحر العرب". 
  • ولم يقتصر التعاون على الجهات الموالية لإيران، بل شمل أيضا الجماعات السنية المسلحة مثل حركة الشباب في الصومال وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وأضافت أرديماني أن "روسيا كثفت أيضًا اتصالاتها السياسية والعسكرية مع الحوثيين بعد أواخر عام 2023". وتضمنت تلك الأنشطة  زيارات وفود بين الجانبين، وتواجد استخباراتي روسي في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، فضلاً عن تبادل بيانات الأقمار الصناعية الروسية فيما يتعلق بالشحن. 
تحميل المزيد