“غوش دان” في مرمى الصواريخ.. ما هي تل أبيب الكبرى؟ ولماذا تُعد هدفاً للصواريخ الإيرانية؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/16 الساعة 15:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/16 الساعة 17:53 بتوقيت غرينتش
تل أبيب بعد وصول الصواريخ الإيرانية - رويترز

شهدت منطقة تل أبيب الكبرى في فلسطين المحتلة تصعيدًا غير مسبوق خلال الأيام الثلاثة الماضية من المواجهة المباشرة بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران. فمع فجر الجمعة (13 يونيو 2025) بادر الاحتلال بشن عملية جوية واسعة حملت اسم "الأسد الصاعد" مستهدفاً نحو 100 هدف داخل إيران، شملت منشآت نووية وقواعد صاروخية ومراكز أبحاث، واغتالت خلالها عددًا من كبار قادة الحرس الثوري والجيش (بينهم قائد الحرس حسين سلامي ورئيس الأركان محمد باقري) بالإضافة إلى 9 علماء نوويين. 

وجاء هذا الهجوم الإسرائيلي بدعم أمريكي ضمني وبزخم استخباراتي وتكنولوجي كبير بهدف مُعلن هو تقويض قدرة إيران النووية والصاروخية، بل ويذهب محللون للقول إن الاحتلال سع أبعد من ذلك إلى إسقاط النظام الإيراني.

في المقابل، مع مساء الجمعة نفسه، أطلقت إيران عملية "الوعد الصادق 3" كردٍّ استراتيجي شامل، مستخدمةً فيها وابلًا من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة. وخلال موجات متتالية حتي اليوم، تمكنت إيران من قصف العمق الإسرائيلي وصولًا إلى حيفا وتل أبيب، موقعًة – بحسب الإعلام الإسرائيلي – خسائر بشرية وأضرارًا مادية جسيمة، فيما اندلعت الحرائق في مراكز بحثية مثل معهد وايزمان في رحوفوت نتيجة إصابات مباشرة بالصواريخ.

بهذا الانتقال السريع من حرب الظل إلى المواجهة العلنية، باتت تل أبيب الكبرى – التي طالما اعتبرها الاحتلال جبهة خلفية محصّنة – هدفًا مباشرًا للصواريخ الإيرانية في هذا التصعيد المتبادل. ويذكر أن الإعلام العبري إلى أن الرقابة العسكرية شددت التكتّم على تفاصيل ما أصاب تل أبيب الكبرى.

ما هي "تل أبيب الكبرى"؟

تل أبيب هي ثاني أكبر المدن الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، وتطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط غرب مدينة القدس. تُعد المركز الثقافي، التجاري، التكنولوجي، والمالي الرئيسي لاقتصاد الاحتلال. تأسست عام 1909 كحي سكني شمال مدينة يافا، ثم توسعت تدريجياً حتى ابتلعت المدينة الأصلية. اليوم، تُقام تل أبيب وضواحيها على أراضي سبع قرى فلسطينية هجّر سكانها عام 1948، وتم تدميرها على يد الاحتلال.

تاريخ تل أبيب أو يافا.. المدينة البيضاء / shutterstock

أما تل أبيب الكبرى، أو ما يُعرف إسرائيلياً بمنطقة "غوش دان"، فهي أكبر تجمّع حضري في فلسطين المحتلة، وتشمل مدينة تل أبيب-يافا وضواحيها الممتدة عبر لواء تل أبيب ومعظم لواء المركز. لا يوجد تعريف إداري رسمي واحد لهذا التجمع، لكنه في الاستخدام الشائع يشمل مدناً متصلة عمرانياً بتل أبيب أو تقع ضمن نطاقها الإداري.

من المدن الأساسية في تل أبيب الكبرى: تل أبيب-يافا نفسها، وبات يام وحولون إلى الجنوب الساحلي، وريشون لتسيون ونس تسيونا ورحوفوت إلى الجنوب الشرقي، ورمات غان وبني براك وجفعاتايم شرقاً، وبتاح تكفا وهود هشارون شمالاً وشرقاً، وكذلك رمات هشارون وهرتسليا إلى الشمال. وتُعد هذه المنطقة موطناً لحوالي 45% من سكان الاحتلال (نحو 4 ملايين نسمة غالبيتهم العظمى من اليهود)، ما يجعلها المركز السكاني الأكبر والأهم. ويطلق عليها الإسرائيليون أحياناً "منطقة المركز" أو "وسط البلاد"، إذ تحتضن قلب النشاط السياسي والاقتصادي والعسكري للاحتلال.

ما الذي يمنح تل أبيب الكبرى هذه المكانة المحورية في منظومة الاحتلال؟

من الناحية الجيوسياسية، تمتلك تل أبيب الكبرى مكانة خاصة في كيان الاحتلال. فرغم مرور أعوام على إعلان ترامب القدس (المحتلة) عاصمةً للاحتلال، إلا أن معظم السفارات الأجنبية والمقار الدبلوماسية كانت تاريخياً في تل أبيب. كما تُعتبر تل أبيب الواجهة الدولية للاحتلال ومركز ثقلها الديموغرافي وموقع نشأة معظم مؤسساتها منذ قيام الدولة على أرض فلسطين. في السياق العسكري، تل أبيب الكبرى ليست مجرد تجمع مدني، بل تضم مقار قيادة وجيش حيوية.

أما اقتصادياً، فهي العاصمة المالية والتجارية؛ تحتضن بورصة تل أبيب – السوق المالي الوحيد للأسهم والسندات – إضافة إلى مقار البنوك الكبرى والشركات متعددة الجنسيات ومراكز الابتكار التكنولوجي فيما يمكن تسميته بـ "وادي السيليكون الإسرائيلي". وتُسهم تل أبيب الكبرى بنسبة كبيرة من الناتج المحلي وتمثل المحرك الاقتصادي الأول، حيث تشكل الخدمات المالية والتقنية والسياحية فيها عمود الاقتصاد الإسرائيلي. كل ذلك أكسبها أهمية سياسية أيضاً، إذ ترتبط قوة تل أبيب بازدهار الكيان ككل، ولذلك فإن أي تهديد يمسها (كالقصف الصاروخي الأخير) له وقع استراتيجي شديد الحساسية على صانع القرار والجمهور الإسرائيلي على حد سواء.

أهم المنشآت والمواقع الحيوية داخل تل أبيب الكبرى

تضم تل أبيب الكبرى طيفاً واسعاً من المنشآت الحيوية ذات الطبيعة العسكرية والأمنية والاقتصادية، ما يجعلها بنك أهداف لأي خصم يسعى إلى شلّ قدرات الاحتلال. فيما يلي نستعرض أبرز تلك المواقع ودورها:

مجمع "الكرياه" (معسكر رابين) – قلب القيادة العسكرية: يقع في وسط تل أبيب ويُعد أعلى مقر عسكري إسرائيلي، حيث المقر العام لقيادة جيش الاحتلال ووزارة الدفاع الإسرائيلية منذ عام 1948. تُشبه هذه القاعدة بمجمعها الضخم (الذي يحوي برج ماتكال، مقر هيئة الأركان) مبنى البنتاغون بالنسبة لإسرائيل.

ويضم مقر هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي ومرافق القيادة الرئيسية، مما يجعله أحد أكثر المواقع حساسية وحراسة في البلاد. فمن داخله يُدار التخطيط العسكري والعمليات الأمنية الكبرى، وتضم مركز قيادة الجبهة الداخلية وغرف عمليات الحرب الرئيسية (المعروفة باسم "البئر" – المركز المحصن تحت الأرض).

لذا، يمكن أن تسبب أي إصابة مباشرة له ضرراً مركزياً كبيراً، إذ قد تؤدي إلى تعطيل التنسيق العسكري، والعمليات الاستخباراتية، وعمليات صنع القرار. وعلى الرغم من كونه محاطاً بأنظمة الدفاع الصاروخي التي يروّج لها الاحتلال كحصن منيع، أفادت تقارير فعلاً بأن مبنى وزارة الدفاع في الكرياه أُصيب بصاروخ إيراني خلال الضربة الأخيرة.

فقد أظهرت التغطية المباشرة لشبكة فوكس نيوز والتحليل البصري لصحيفة نيويورك تايمز أن صاروخاً أطلقته إيران ضرب قسماً من مجمع وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب في وقت متأخر من الليلة الماضية، إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية ظلّت صامتة بشأن ذلك.

وعلى الرغم من هذه التقارير واللقطات المتداولة التي تشير إلى وقوع ضربة على منطقة غوش دان، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية ظلّت صامتة، ومن المرجّح أنها كانت مقيدة بقواعد الرقابة العسكرية الصارمة التي تحظر تأكيد أو مناقشة مثل هذه الهجمات.

مقار أجهزة الاستخبارات – موقع Glilot شمال تل أبيب: في المنطقة الواقعة بين هشارون وهرتسليا، حيث يقع مقر جهاز الموساد الإسرائيلي، إلى جانب عدة قواعد لوحدات استخباراتية حساسة، أبرزها وحدة 8200 المختصة بالاستخبارات الإلكترونية (SIGINT).

تُعد هذه المنطقة عقل الاستخبارات الإسرائيلية، حيث تُدار منها عمليات التجسس الخارجي، والهجمات السيبرانية، وجمع المعلومات. اكتسبت قاعدة غليلوت سمعة رمزية لدى المقاومة، إذ طالما وُصفت بأنها "مشغّل آلة الحرب الإسرائيلية". واستهدافها يعني ضرب المنظومة الاستخبارية والتكنولوجية التي يعتمد عليها الاحتلال في تفوقه الأمني.

قاعدة "سيدوت ميخا": هي قاعدة جوية نووية تقع جنوب غرب تل أبيب، قرب بلدة "زاخاريا"، التي أُقيمت على أنقاض بلدة "زكريا" الفلسطينية. تُعد من أهم القواعد الجوية في إسرائيل، وتضم ثلاثة أسراب من الطائرات الحربية، وهي: 150، 199، و248. وهذه الطائرات قادرة على حمل صواريخ باليستية من طراز "أريحا 1" و"أريحا 2″، والتي يمكن تزويدها برؤوس نووية. كما تحتوي القاعدة على بطاريات "حيتس 2″، وهي منظومات دفاعية مخصصة لاعتراض الصواريخ الباليستية.

قاعدة "تل نوف" الجوية: المعروفة أيضاً بالقاعدة رقم (8)، تُعد واحدة من ثلاث قواعد رئيسية لسلاح الجو الإسرائيلي. تقع قرب "رحوفوت"، المدينة التي أُقيمت على أنقاض بلدة "زرنوقا" الفلسطينية، جنوب تل أبيب.

تضم القاعدة عدة أسراب جوية، من بينها الأسراب القتالية والمروحية (106، 114، 118، و133)، إضافة إلى السرب 210 المخصص للطائرات بدون طيار. وتحتضن القاعدة أيضاً وحدات من القوات الخاصة الإسرائيلية، مثل المظليين و"الوحدة 669″، المختصة بعمليات البحث والإنقاذ الجوي، إلى جانب مركز تدريب المظليين.

تحتوي "تل نوف" على ثلاثة مدارج للطائرات، اثنان منها بطول 2,750 متراً، والثالث بطول 1,830 متراً. ويُعتقد أن القاعدة تُستخدم كموقع لتخزين الأسلحة النووية الإسرائيلية، كما تضم مركزاً لاختبار الطيران تُجرى فيه تجارب على الطائرات وتقييم للأنظمة والتسليح.

وقد تعرضت هذه القاعدة الاستراتيجية لقصف صاروخي إيراني واعترفت به إسرائيل يوم السبت.

وسبق أن تعرضت قاعدة تل نوف لقصف إيراني عنيف وانفجارات ضخمة جراء سقوط الصواريخ الإيرانية في 1 أكتوبر 2024 عليها. وحينها اعترف الاحتلال بتضرر عدد من قواعده الجوية بسبب القصف الإيراني، لكن الاحتلال لجأ لاستخدام سحابة رقمية لاخفاء صور القاعدة عن جميع الخرائط لعدم إظهار حجم الضرر الذي وقع عليها.

مقاتلات إسرائيلية في قاعدة تل نوف الجوية – wikipedia Creative Commons

قاعدة "بلماخيم" الجوية: هي وكالة فضاء ومطار عسكري في وقت واحد. تقع على شاطئ البحر، قرب مدينة "ريشون لتسيون" شرق تل أبيب، وسط فلسطين المحتلة. في القاعدة عدد من المروحيات والطائرات بدون طيار، وهي بمثابة مركز الإطلاق لصواريخ "أرو" الفضائية، كما تُستخدم لإطلاق صاروخ "شافيت" الفضائي إلى مداره، من خلال إطلاقه فوق البحر الأبيض المتوسط. وتُعد قاعدة "بلماخيم" مقراً لوحدة "شالداغ" أو الوحدة "5101"، وهي وحدة الكوماندوز في سلاح الجو الإسرائيلي، وتُستخدم هذه الوحدة في عمليات الهجوم والعمليات الاستخبارية.

وعلى الرغم من أن قاعدة "بلماخيم" الجوية لا تقع داخل النطاق الحضري المباشر لمدينة تل أبيب، إلا أنها تُعد جزءاً مما يُعرف بتل أبيب الكبرى أو "غوش دان" بالمفهوم الأمني والعسكري والجغرافي الواسع.

وتجمع القاعدة بين كونها وكالة فضاء ومطاراً عسكرياً في آن واحد. تقع على الساحل قرب مدينة "ريشون لتسيون"، شرق تل أبيب، في وسط فلسطين المحتلة. ولا يفصلها عن قطاع غزة سوى 45 كم، وعن مدينة القدس المحتلة نحو 50 كم، فيما تبعد عن مدينة درعا السورية 150 كم، وعن الحدود اللبنانية 125 كم. أما المسافة التي تفصل بينها وبين العاصمة الإيرانية طهران، فتبلغ نحو 1650 كم.

تضم القاعدة عدداً من المروحيات والطائرات بدون طيار، وتُعد مركز الإطلاق الرئيسي لصواريخ "أرو" (Arrow) الدفاعية الفضائية. كما تُستخدم لإطلاق صواريخ "شافيت" إلى المدار، من خلال مسار فوق البحر الأبيض المتوسط.

تُعتبر القاعدة أيضاً مقراً لوحدة "شالداغ" (الوحدة 5101)، وهي وحدة الكوماندوز التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، والمختصة بعمليات الهجوم والمهام الاستخباراتية.

منشآت البحث العلمي والتطوير التقني: تحتضن تل أبيب الكبرى عدداً من أهم مراكز الأبحاث الإسرائيلية ذات الصلة بالأمن والتكنولوجيا المتقدمة، مثل:

معهد وايزمان للعلوم، الذي يتخذ من مدينة رحوفوت جنوب تل أبيب، وسط إسرائيل، مقراً له، يُعد أحد أبرز المراكز البحثية والعلمية في إسرائيل، وثالث مؤسسة تعليمية أُنشئت فيها، ويُصنّف ضمن المراكز العشرة الأولى في العالم. ويقدم خدمات بحثية متقدمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، ويُطلق عليه لقب "العقل النووي لإسرائيل". وقد سمي معهد وايزمان للعلوم والأبحاث، على اسم حاييم وايزمان الرئيس الإسرائيلي السابق وهو مؤسس المعهد٬ ويعد أحد أبرز وأقدم المعاهد في إسرائيل منذ نشأتها (1949).

معهد وايزمان للعلوم قبل وبعد القصف الإيراني يوم الأحد ١٥ يونيو ٢٠٢٥

وبحسب الموقع الإلكتروني للمعهد، فإن معهد "وايزمان" للعلوم هو أحد أبرز معاهد البحث الأساسية متعددة التخصصات في العالم في مجال العلوم الطبيعية والدقيقة٬ وحصل المعهد على براءات اختراع في مجالات الفيزياء النووية وغيرها من المجالات. ومن بين الأبحاث العلمية التي يقوم بها تلك في مجال المواد الكيماوية والمصنعة والأدوات الطبية الدقيقة والتقنيات العسكرية. ويضم المعهد أكثر من ثلاثين مختبراً، ومكتبة علمية كبيرة وقاعات للمحاضرات وللمؤتمرات ومساكن للباحثين وطواقم العاملين.

ويحصل المعهد على مساعدات مالية كبيرة من الجاليات اليهودية والمنظمة الصهيونية والجمعيات العلمية العالمية وحكومة إسرائيل. ويتعاون معهد وايزمان للعلوم بشكل وثيق مع كبرى شركات تصنيع الأسلحة في إسرائيل، بما في ذلك شركة "إلبيت سيستمز" وشركة الصناعات الجوية الإسرائيلية والدفاعية.

كما يقدم المعهد برنامج ماجستير للجنود، وقد افتتح أكاديمية لإعداد طلاب المرحلة الثانوية للخدمة العسكرية الفعّالة، بحسب موقع "حركة مقاطعة إسرائيل (bds)". قدّم معهد وايزمان أكثر من 12 ميزة للطلاب الجنود الذين شاركوا في الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة. كما سارعت الجامعة العبرية إلى إطلاق "حزمة مالية مُعزّزة" للطلاب الجنود الذين يرتكبون الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، بالإضافة إلى المزايا الأكاديمية.

وقد قصفت إيران المعهد بصاروخ باليستي يوم 14 يونيو/حزيران 2025، مما أسفر عن دمار واسع في مختبرات الأبحاث، واندلاع حرائق كبيرة، إضافة إلى أضرار جسيمة لحقت بالبنية التحتية للمعهد.

كذلك يقع في تل أبيب الكبرى، قرب رحوفوت، "المعهد البيولوجي" في نس تسيونا (وسط إسرائيل)، وهو معهد للأبحاث البيولوجية معروف بنشاطه السري في تطوير اللقاحات، وربما المواد ذات الاستخدام المزدوج العسكري.

بالإضافة إلى ذلك، توجد حديقة العلوم والتكنولوجيا المتقدمة في هرتسليا بيتواح شمال تل أبيب، حيث مقار العديد من شركات التقنية والأمن السيبراني الإسرائيلية؛ وتُعد هذه المنطقة عصب الابتكار التقني للاحتلال.

المرافق الاقتصادية والمالية المركزية: تضم أيضاً مدينة تل أبيب البورصة الإسرائيلية (بورصة تل أبيب للأوراق المالية) في حي الأعمال (شارع أحاد هعام)، وهي مركز الأسواق المالية الذي ينعكس أداؤه على اقتصاد الاحتلال ككل.

كما تقع مقار البنوك الكبرى مثل بنك هبوعليم ولئومي وغيرها في تل أبيب، إلى جانب مكاتب شركات الاستثمار والتأمين. وتُشكّل هذه المؤسسات البنية التحتية المالية لإسرائيل؛ أي ضرر يلحق بها أو بمراكز الحوسبة التابعة لها قد يشل النظام المالي.

وقد شهدت البورصة بالفعل تقلبات حادة بعد اندلاع المواجهة الأخيرة، فخلال أول جلسة تداول بعد التصعيد العسكري، يوم الأحد 15 يونيو/حزيران 2025، افتتحت بورصة تل أبيب على تراجع ملحوظ.

وبحسب وكالة "رويترز"، انخفض مؤشر "تل أبيب 35" للأسهم القيادية بنسبة 1.5%، فيما تراجع مؤشر "تل أبيب 125" الأوسع نطاقاً بنسبة 1.4%، وفق بيانات السوق المحلية.

تزامن ذلك مع تراجع الشيكل إلى أدنى مستوياته منذ 11 شهراً، وارتفاع أسعار النفط بنسبة 7%، في ظل التوترات المتصاعدة.

ويتوقع خبراء اقتصاديون في إسرائيل أن تتكبّد البلاد خسائر اقتصادية إضافية، خصوصاً مع استمرار إغلاق مطار بن غوريون وتعاظم المخاوف من استهداف البنية التحتية الحيوية جراء الهجمات الإيرانية.

البنى التحتية الإستراتيجية (نقل وطاقة واتصالات): مطار بن غوريون الدولي، الواقع في الضواحي الشمالية لمدينة اللد شرق تل أبيب، ويُعتبر جزءاً من "تل أبيب الكبرى"، يُشكّل الشريان الجوي الرئيسي لإسرائيل، إذ تمر عبره معظم الرحلات الدولية ونسبة كبيرة من الإمدادات اللوجستية. وقد أنشأته القوات البريطانية عام 1936، واستخدم خلال الحرب العالمية الثانية كنقطة وصل استراتيجية بين أوروبا وأفريقيا من جهة، والعراق وإيران وجنوب شرق آسيا من جهة أخرى.

يبعد المطار نحو 20 كيلومتراً جنوب شرق تل أبيب، ويُعد مركز العمليات الرئيسي لشركات الطيران الإسرائيلية الكبرى مثل "العال"، و"يسرائير"، و"صن دور". وتديره "سلطة المطارات" في إسرائيل.

يستقبل المطار سنوياً نحو 11 مليون مسافر، ويُعتمد عليه بشكل كبير من قبل السياح الأجانب ورجال الأعمال، ما يجعله ركيزة مهمة للاقتصاد الإسرائيلي.

مساء الأحد قالت طهران أيضاً إنها قصفت مطار بن غوريون الدولي٬ أكبر وأهم المطارات الإسرائيلية. وعلى إثر القصف المستمر بين طهران وتل أبيب٬ وفي سابقة هي الأولى منذ عام 1948، أغلقت دولة الاحتلال مجالها الجوي ومطار بن غوريون حتى إشعار آخر، كما نقلت طائراتها المدنية إلى دول أخرى بسبب الهجمات الصاروخية الإيرانية، مما يؤدي إلى تكبدها خسائر مالية فادحة.

ونقلت "إسرائيل" لأول مرة أسطول الطائرات المدنية التابع لشركة "إلعال" من مطار بن غوريون الدولي، إلى كل من اليونان وقبرص والولايات المتحدة، وتوقعت تعرضها لمزيد من الضربات، تزامنا مع استمرار إغلاق كامل لمجالها الجوي ومنع السفر عبر المطار. فيما قالت القناة "12" الإسرائيلية الإثنين إن "التقديرات تفيد بأن نحو 150 ألف إسرائيلي تقطعت بهم السبل في الخارج" مع استمرار إغلاق المطار.

في قطاع الطاقة، ورغم أن محطات توليد الكهرباء الكبرى موجودة خارج تل أبيب (مثل محطة الخضيرة شمالاً وأشكول جنوباً)، إلا أن شبكات توزيع الكهرباء والغاز تمر عبر منطقة المركز.

محطة ريدينغ لتوليد الكهرباء، الواقعة في شمال تل أبيب، ورغم أنه تم إيقاف تشغيل المحطة نهائياً لإنتاج الكهرباء منذ 30 يناير/كانون الثاني 2024، وفق وزارة الطاقة الإسرائيلية، فإن الموقع لا يزال مملوكاً لشركة الكهرباء الإسرائيلية لتحويله إلى مرافق لتخزين الطاقة وربط كابل كهرباء بحري.

كما تقع مراكز التحكم بالطاقة وشبكات الاتصالات الوطنية في نطاق تل أبيب الكبرى. أي مسّ بهذه المرافق سيؤدي إلى انقطاع الكهرباء والاتصالات عن مناطق واسعة – وقد أشارت التقارير إلى انقطاع كبير للتيار الكهربائي وسط إسرائيل عقب القصف الإيراني الأخير.

تحميل المزيد