أظهر استطلاع عالمي واسع النطاق، نشره مركز بيو للأبحاث، أن الرأي العام الشعبي حول العالم ينظر بشكل انتقادي وسلبي لإسرائيل وسياستها، خصوصًا في ظل قيادة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو. الاستطلاع شمل أكثر من 28 ألف مشارك في 24 دولة، وكانت النتيجة: في 22 دولة من أصل 24، أن نسبة تأييد نتنياهو لم تتجاوز الثلث في جميع الدول باستثناء دولتين – كينيا ونيجيريا.
وليس هذا الاستطلاع وحيدًا في نتائجه. دراسة أخرى أجراها معهد "يوجوف" أكدت الانخفاض الحاد في تأييد إسرائيل، خاصة في أوروبا، حيث وصل الدعم الشعبي لها إلى أدنى مستوياته على الإطلاق.
كيف ينظر الناس حول العالم إلى إسرائيل؟
البيانات أظهرت أن النظرة العامة تجاه إسرائيل باتت سلبية في معظم دول العالم. من بين 24 دولة شملها الاستطلاع، أظهرت 20 منها غالبية واضحة تحمل رأيًا سلبيًا تجاه إسرائيل. حتى في الولايات المتحدة – الحليف التقليدي لإسرائيل – أبدى 53% من المستجيبين رأيًا سلبيًا، وهي زيادة كبيرة مقارنة بعام 2022.
أما في المملكة المتحدة، فقد ارتفعت نسبة الرافضين لإسرائيل من 44% في عام 2013 إلى 61% اليوم. بينما كانت الدول العشر التي كانت لديها وجهات نظر أكثر سلبية تجاه إسرائيل هي:
- تركيا: 93% نظرة سلبية
- إندونيسيا: 80%
- اليابان: 79%
- هولندا: 78%
- إسبانيا والسويد: 75%
- أستراليا: 74%
- اليونان: 72%
- إيطاليا: 66%
- ألمانيا: 64%
هذه الأرقام تُظهر بوضوح حجم الرفض العالمي لسياسات الاحتلال، خصوصًا في ظل استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة وما صاحبه من مشاهد موثقة لجرائم الحرب التي يرتكبها جنوده.
في المقابل، فقد اقتصرت النظرة الإيجابية لإسرائيل على قلة من الدول، أبرزها نيجيريا (59%) وكينيا (50%). وفي دول مثل الولايات المتحدة (45%)، الهند (34%)، جنوب أفريقيا (34%)، المجر (36%)، البرازيل (32%)، كوريا الجنوبية (31%)، كندا (33%)، والأرجنتين (26%)، ورغم وجود بعض التأييد في تلك الدول، فإن الصورة العامة لا تزال تميل للسلبية. في غالبية هذه البلدان، تفوق الآراء الرافضة لإسرائيل تلك المؤيدة لها، مما يعكس تآكل ماكنتها شعبيًا حتى بين من كانوا يُعتبرون أقرب الحلفاء.

كيف تغيرت وجهات النظر تجاه إسرائيل في السنوات الأخيرة؟
هذا الاستطلاع ليس الأول من نوعه الذي يجريه مركز بيو للأبحاث حول نظرة العالم إلى إسرائيل، لكنه بلا شك يكشف عن تحول في الرأي العام الدولي. ففي الولايات المتحدة وحدها، ارتفعت نسبة البالغين الذين يحملون موقفًا سلبيًا تجاه إسرائيل بـ11 نقطة مئوية بين مارس 2022 ومارس 2025.
أما في 10 دول أُعيد فيها طرح الأسئلة بعد آخر استطلاع في عام 2013، فقد أظهرت سبع منها ارتفاعًا واضحًا في نسبة المعارضين لإسرائيل. في بريطانيا على سبيل المثال، في 2013، كانت نسبة السلبية تجاه إسرائيل 44%، أما اليوم فقد وصلت إلى 61%.
أما عن نيجيريا، فهي حالة خاصة؛ فقد ارتفعت فيها نسبتا التأييد والرفض في الوقت ذاته، بسبب تراجع عدد من قالوا "لا أعرف".
وقد أظهر استطلاع آخر أجراه معهد يوجوف في مايو/أيار الماضي، انخفاض الدعم الشعبي لإسرائيل في الدول الأوروبية إلى أدنى مستوى مسجل.
وشمل الاستطلاع ست دول رئيسية: بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، الدنمارك، إسبانيا، وإيطاليا، وكانت النتائج كالتالي: أقل من خُمس المشاركين في أي من هذه الدول قالوا إن لديهم نظرة إيجابية تجاه إسرائيل.
في بريطانيا، مثلًا، عبّر 32% عن دعمهم للفلسطينيين، بينما قال 14% فقط إنهم يؤيدون إسرائيل. أما البقية فقال 21% إنهم يؤيدون كلا الجانبين بالتساوي، بينما لم يكن 32% متأكدين.
في فرنسا كانت نسبة دعم إسرائيل 18%، وألمانيا 17%، والدنمارك 18%، وإسبانيا 15%، أما في إيطاليا فانهارت النسبة إلى 7% فقط. في جميع الدول الست، كان التأييد الشعبي للفلسطينيين أعلى من التأييد لإسرائيل، على الرغم من أن الفارق في ألمانيا لم يتجاوز نقطة مئوية واحدة.
تعاطف متزايد مع الفلسطينيين
قال عدد أكبر من المشاركين إنهم يستطيعون فهم مواقف الفلسطينيين تجاه الصراع ــ حتى ولو لم يتفقوا معها شخصيًا ــ في بريطانيا مثلًا، قال 51% إنهم يستطيعون فهم وجهة النظر الفلسطينية، بينما قال 22% فقط إنهم لا يستطيعون. أما بالنسبة لإسرائيل، فالغالبية في فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا قالت بصراحة إنها لا تستطيع فهم موقف إسرائيل.
الحرب على غزة: إدانة شعبية أوروبية
وعندما طُرح سؤال مباشر حول العدوان الإسرائيلي على غزة، جاءت النتائج: أغلبية ساحقة في جميع الدول قالت إن حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 "غير مبررة".
وفي سؤال أكثر تحديدًا حول العمليات العسكرية الإسرائيلية، جاءت الردود قاتمة:
فقط 6% في إيطاليا و16% في فرنسا قالوا إن إسرائيل كانت على حق في إرسال قوات برية إلى غزة. بينما كان بين 29% و40% من المشاركين (حسب الدولة) قالوا إن إسرائيل كانت تملك الحق في الرد، لكنها تجاوزت كل حدود المعقول وتسببت في سقوط عدد كبير للغاية من الضحايا. بينما ذهب ما بين 12% في ألمانيا و24% في إيطاليا إلى أن إسرائيل لم يكن ينبغي لها أن تستخدم القوة العسكرية أساسًا.
أدنى مستوى دعم منذ بدء الرصد
بحسب معهد يوجوف، هذه النسب تمثل أدنى مستويات الدعم لإسرائيل في تاريخ استطلاعاته في ألمانيا، فرنسا، الدنمارك، إيطاليا، وإسبانيا. يُحمّلون إسرائيل المسؤولية عن حرب الإبادة الوحشية، غير المبررة.
الشباب واليسار يرفضون إسرائيل
واحدة من النقاط اللافتة التي أظهرتها البيانات في الاستطلاعات، هي أن الشباب في الدول ذات الدخل المرتفع – مثل أستراليا، كندا، فرنسا، كوريا الجنوبية، الولايات المتحدة – يعبرون عن موقف أكثر انتقاداً لإسرائيل مقارنة بالأجيال الأكبر سناً. وقد وجد استطلاع رأي أجراه مركز بيو في العام الماضي أنه من بين الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا، أعرب أكثر من ضعف عدد المتعاطفين مع الفلسطينيين عن تعاطفهم مع الإسرائيليين.
الاتجاه ذاته يظهر لدى من يعرفون أنفسهم بأنهم يساريون سياسيًا، ممن لا يترددون في التعبير عن رفضهم إسرائيل، مقارنةً بمن ينتمون إلى اليمين السياسي.

ليس العمر وحده ما يصنع الفارق، الانتماء السياسي يلعب دورًا أيضًا. ففي كل دولة طُرح فيها سؤال عن الميول الأيديولوجية، ظهر نمط واضح: اليساريون يعارضون إسرائيل بشكل أكبر بكثير من اليمينيين. في أستراليا، مثلًا، 90% من اليساريين يحملون موقفًا سلبيًا تجاه إسرائيل، مقارنة بـ46% فقط من اليمينيين. أما في الولايات المتحدة، فالفجوة الأيديولوجية كانت من أكبر الفجوات بين الدول التي شملها الاستطلاع؛ إذ إن 74% من الليبراليين لديهم نظرة سلبية تجاه إسرائيل، مقارنة بـ30% من المحافظين.
التقرير لم يقتصر على آراء العالم تجاه إسرائيل، بل سأل الإسرائيليين أنفسهم: هل تعتقدون أن العالم يحترمكم؟
فكانت النتيجة، 58% من الإسرائيليين يقولون إن دولتهم لا تحظى بالاحترام الدولي الكافي أو لا تحظى بأي احترام على الإطلاق.
فقط 39% يرون أن لإسرائيل مكانة محترمة إلى حد ما أو بدرجة كبيرة. هذه الأرقام لم تتغير كثيرًا عن العام الماضي، لكن ما تغيّر هو مستوى التشاؤم: نسبة من يعتقدون أن إسرائيل لا تحظى بأي احترام على الإطلاق ارتفعت 9 نقاط كاملة، من 15% إلى 24%. واللافت أن الانقسام السياسي الداخلي يلقي بظلاله هنا أيضًا: نصف الإسرائيليين المنتمين لليمين (49%) يعتقدون أن إسرائيل تحظى بالاحترام، مقابل 24% فقط من اليسار.
شعوب العالم لا تثق بنتنياهو المتهم بجرائم الحرب
بحسب تقرير مركز بيو، الثقة الدولية في رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية – منخفضة في معظم الدول التي شملها الاستطلاع. باستثناء كينيا ونيجيريا، لم تتجاوز نسبة الثقة بنتنياهو حاجز الثلث في أي دولة شملها الاستطلاع.
واللافت أن الثقة فيه منخفضة بشدة في دول رئيسية مثل أستراليا، فرنسا، ألمانيا، اليونان، إندونيسيا، إيطاليا، اليابان، هولندا، إسبانيا، السويد، وتركيا. بل إن الأغلبية في بعض هذه الدول عبّرت عن انعدام كامل للثقة به.
أما داخليًا، يواجه نتنياهو أيضًا انقسامًا شعبيًا. ووفقًا لتقرير آخر لمركز بيو نفسه، ينظر إليه 53% من الإسرائيليين الذين شملهم الاستطلاع نظرة سلبية، مقارنةً بـ 45% ممن ما زالوا يؤيدونه. كما كان أداء قادة المعارضة ضعيفًا: فقد ارتفعت نسبة عدم الرضا عن بيني غانتس من 44% إلى 54% خلال العام الماضي، بينما ينظر 61% من الإسرائيليين الآن إلى يائير لابيد نظرة سلبية، بينما أعرب 35% فقط عن رأي إيجابي.
من بين مؤيدي لبيد، يُعرّف 78% أنفسهم بأنهم علمانيون، مقارنةً بـ 70% من قاعدة غانتس. في المقابل، 86% من مؤيدي نتنياهو متدينون أو متشددون دينيًا.