أكد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أنه سيقوم "بتصفية" الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "USAID" المكلفة بتقديم المساعدات الإنسانية في الخارج، مما ترك منظمات الإغاثة في حالة من القلق بشأن ما إذا كان بإمكانها الاستمرار في برامج مثل المساعدات الغذائية للرضع والأطفال الذين يعانون من سوء التغذية والمنح التعليمية المقدمة للطلاب في مناطق من بينها الشرق الأوسط.
وشهدت الوكالة حالة اضطراب بسبب خطط لإدارة ترامب لدمجها في وزارة الخارجية في عملية تغيير كبرى من شأنها تقليص قوتها العاملة ومواءمة إنفاقها مع سياسة ترامب "أمريكا أولاً".
وقال ترامب إن الملياردير إيلون ماسك، الذي يتولى هذه الجهود، يقوم "بعمل رائع" وإن هناك الكثير من الاحتيال في الوكالة.
وتم إعفاء عشرات من كبار المسؤولين من العمل، وتسريح آلاف المتعاقدين، وتجميد مليارات الدولارات من المساعدات الإنسانية المقدمة إلى دول أخرى.
وكان ترامب قد أمر بعد ساعات من توليه منصبه في الرابع من يناير/كانون الثاني 2025 بتعليق برامج المساعدات الخارجية في المجال التنموي لحين تقييم مدى كفاءة هذه المساعدات واتساقها مع سياسته الخارجية.
وتشمل الدول المتلقية للمساعدات الخارجية الأمريكية البلدان النامية والبلدان ذات الأهمية الاستراتيجية للولايات المتحدة والبلدان التي شهدت حروباً. وتعتمد الولايات المتحدة على وكالات حكومية عدة لتقديم هذه المساعدات، وفي مقدمتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية، اللذان يشرفان على 90% من حجم هذه المساعدات، وفق تقرير لصحيفة واشنطن بوست.
ما هي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية؟
- الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية هي الذراع الإنسانية والتنموية الدولية للحكومة الأمريكية، وتقدم المساعدات للدول التي تعاني من الصراعات وغيرها من "الدول ذات الأهمية الاستراتيجية" من خلال التخفيف من حدة الفقر والمرض والأزمات الأخرى، وفقًا لتقرير صادر عن مركز أبحاث الكونغرس.
- تأسست الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عام 1961 على يد الرئيس جون كينيدي كوكالة مستقلة، وكان هدفها مزدوجاً: مواجهة النفوذ السوفييتي أثناء الحرب الباردة وإدارة برامج مختلفة للمساعدات الخارجية، استناداً إلى فكرة أن الأمن الأمريكي مرتبط بالاستقرار والتقدم الاقتصادي في الدول الأخرى.
- يعمل أكثر من 10 آلاف شخص في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، حوالي ثلثيهم في الخارج، بحسب ما يقوله مركز أبحاث الكونغرس.
- تعالج الوكالة مجموعة واسعة من الاحتياجات، من صحة المرأة إلى المياه النظيفة.
- ووصف جيريمي كونينديك، المسؤول السابق في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية خلال إدارتي أوباما وبايدن، عمل الوكالة بأنه عاجل وقال إن تدميرها من شأنه أن يعطل مبادرات الصحة العامة الحيوية في العيادات التي تمولها الولايات المتحدة في بلدان أخرى.
ما هو حجم ميزانية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومن المستفيد منها؟
- في السنة المالية 2023، تمكنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من إدارة أكثر من 40 مليار دولار من المخصصات المجمعة، وفقًا لتقرير مركز أبحاث الكونغرس.
- ووفقاً لصحيفة واشنطن بوست، فإن 40 مليار دولار هي أقل من 1% من الميزانية الفيدرالية الأمريكية.
- قدمت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مساعدات إلى نحو 130 دولة في السنة المالية 2023. ويقول مركز أبحاث الكونغرس إن أكبر 10 دول مستفيدة هي أوكرانيا، أثيوبيا، الأردن، الكونغو، الصومال، اليمن، أفغانستان، نيجريا، جنوب السودان وسوريا.
ما هي الاتهامات الموجهة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية؟
- على مدار عطلة نهاية الأسبوع وحتى يوم الاثنين، أطلق ماسك سلسلة من المنشورات على موقع إكس اتهم فيها الوكالة بالفساد.
- وقال ماسك:"هل تعلم أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، باستخدام أموال الضرائب الخاصة بك، مولت أبحاث الأسلحة البيولوجية، بما في ذلك كوفيد-19، التي قتلت الملايين من الناس؟".
- وبدون الاستشهاد بأي أدلة، وصف ماسك الوكالة بأنها " عملية نفسية سياسية يسارية متطرفة " و" إهدار مجنون للمال " وزعم أن "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تدفع لمنظمات إعلامية لنشر دعايتها".
- وأضاف ماسك أنه ناقش الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عدة مرات مع ترامب، الذي "وافق على أنه يجب علينا إغلاقها".
- وعندما سئل عن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية يوم الأحد، قال ترامب للصحفيين: "لقد كانت تديرها مجموعة من المجانين المتطرفين، ونحن سنطردهم".
- ووصف منتقدون تعليقات ترامب وماسك بأنها "حملة تضليل شنيعة"، وقالوا إن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تعمل جنباً إلى جنب مع العديد من المنظمات غير الحكومية وغيرها من الشركاء من القطاع الخاص لمعالجة القضايا الصحية العالمية الملحة بشكل صحيح، وفق ما نشره موقع إن بي سي نيوز الأمريكي.
هل يستطيع ترامب حل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بمفرده؟
- يفتقر الرؤساء إلى السلطة الدستورية التي تخولهم إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بحسب مشرعين ديمقراطيين.
- وقد شهدت فترة ولاية ترامب الأولى نسخة مصغرة من تلك المعركة القانونية، عندما حاول خفض ميزانية العمليات الخارجية بمقدار الثلث، وفق تقرير لوكالة أسوشيتدبرس الأمريكية.
- وعندما رفض الكونغرس، استخدمت إدارة ترامب التجميد وتكتيكات أخرى لقطع تدفق الأموال التي خصصها الكونغرس بالفعل للبرامج الأجنبية. وفي وقت لاحق، حكم مكتب المحاسبة الحكومي بأن هذا ينتهك قانوناً يُعرف باسم قانون مراقبة الحجز.
- وقال ماسك في إشارة إلى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية: "نعيش بموجب أمر تنفيذي، ونموت بموجب أمر تنفيذي".
من هم المتضررون من إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية؟
أولاً: الشرق الأوسط والدول العربية
أثار قرار ترامب تعليق تقديم مساعدات بلاده الخارجية تفاعلاً ومخاوف لدى فئات عربية مرتبطة بالمنح التي تقدمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لا سيما في مجال التعليم.
ونقلت وكالة الأناضول عن متخصصين في الشؤون الأمريكية، أن قرار ترامب قد يزيد من الأعباء والأضرار لدى شرائح عديدة بالمنطقة العربية المتأثرة اقتصادياً، خاصة مع توقع خفض كبير لتلك المساعدات على النحو التالي:
- الأردن: مصادر مطلعة كشفت لموقع رؤيا الإخباري الأردني، أن قرار تجميد تقديم مساعدات جديدة شمل المساعدات التي تقدمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في الأردن، والتي قد تشمل المواد الغذائية، المياه، والمأوى، والرعاية الصحية، والبيئة والتعليم، وغيرها.
- وأشارت المصادر في تصريحات إلى أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "أبلغت الجهات التي تتعامل معها أنها أوقفت التمويل حالياً لحين مراجعة كل تمويل جديد أو تمديده والموافقة عليه بما يتماشى مع أجندة الرئيس (دونالد) ترامب".
- وكشفت عن وقف عمل موظفي المشاريع الممولة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في الأردن، فور إعلان تعليق المساعدات الأمريكية الخارجية والتي شملت المملكة.
- وقالت المصادر إن العاملين في هذه المشاريع يوقعون عقودهم مباشرة مع الوكالة الأمريكية وهي المسؤولة عن دفع رواتبهم الشهرية، وتنتهي أعمالهم مع انتهاء المشاريع أو قرار تجميد تمويل هذه المشاريع.
- العراق: بدورها، كشفت وسائل إعلام عراقية أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أوقفت جميع مشاريعها ومساعداتها المقدمة إلى العراق، بما في ذلك "منظمات مدنية وحكومية" وذلك تطبيقاً لقرار الولايات المتحدة بوقف فوري للمساعدات الخارجية.
- مصر: نقلت وسائل إعلام مصرية، شكاوى طلاب مصريين مستفيدين من منح الوكالة الأمريكية، وسط تصدّر مقاطع متلفزة ومنشورات بمنصات التواصل تعرب عن تضررهم من تجميد المنح، وذلك تحت وسوم (هاشتاغ): #أنقذوا_مستقبلنا، و #أزمة_طلاب_المنحة.
- وفيما لم يصدر تعليق من الوكالة الأمريكية للتنمية بالقاهرة، نقلت صحيفة الشروق المصرية عن مصدر مسؤول بوزارة التعليم العالي المصرية، قوله: "نعكف على دراسة الوضع حالياً للحفاظ على مصالح الطلاب والمشروعات البحثية المتضررة".
- ونقلت الصحيفة المصرية عن أحد المتضررين قوله إنه تم تبليغه وآخرين أن "إدارة الوكالة من واشنطن أرسلت بريداً إلكترونياً فورياً بتعليق كافة المنح لدول من بينها مصر وذلك لمدة 90 يوماً، وأنه على الطلاب تحمل نفقات المنح في المؤسسات التعليمية، أو العودة إلى فرصهم الدراسية الحكومية قبل المنح".
- وتحت الوسوم، تحدث متضررون، منهم إيمان سعد وأحمد ممتاز، عبر حسابات تحمل الأسماء ذاتها بمنصة فيسبوك بعبارات متشابهة عن مخاوفهم من القرار.
- سوريا: قالت منظمة أطباء العالم في تركيا إنها اضطرت إلى تسريح 300 موظف وإغلاق 12 مستشفى ميدانياً تديرها في شمال سوريا، وهي المنطقة التي دمرتها سنوات من الحرب وزلزال ضخم في عام 2023.
- وقال هاكان بيلجين، رئيس المنظمة، إنها تعتمد على الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للحصول على 60٪ من تمويلها واضطرت إلى خفض استشاراتها اليومية من 5000 إلى 500.
- وقال بيلجين إن التأثير على شمال سوريا، حيث يعتمد الملايين على المساعدات الطبية الخارجية، قد يكون كارثياً.
- السودان: بينما يواجه السودان حالات تفشي لمرضى الكوليرا والملاريا والحصبة، فإن تجميد مساعدات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية يعني أن 600 ألف شخص سيكونون معرضين لخطر الإصابة بهذه الأمراض ونشرها، حسب تقرير أسوشيتدبرس.
- اليمن: تدعم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة في مستشفيات يمنية من بينها مستشفى الجمهورية، أحد أكبر مستشفيات الاحالة في عدن، ويخدم محافظات عدن وأبين ولحج والضالع.
ثانياً: المنح المقدمة لبرنامج الأغذية العالمي
- بعد قرار ترامب تجميد المساعدات الخارجية لمدة 90 يوماً، تلقى برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أمراً من واشنطن بوقف العمل على عشرات المنح التي تمولها الولايات المتحدة عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
- وتبلغ قيمة منح الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عشرات الملايين من الدولارات وتوفر مساعدات غذائية في دول فقيرة من بينها اليمن وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وهايتي ومالي، وفق تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية.
- وتندرج العديد من المنح التي جرى تعليقها تحت برنامج للغذاء من أجل السلام، وهو البرنامج الذي ينفق نحو ملياري دولار سنوياً على التبرع بسلع أمريكية. وتتم إدارة هذا البرنامج، الذي يشكل الجزء الأكبر من المساعدات الغذائية الدولية الأمريكية، بشكل مشترك من وزارة الزراعة والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
ثالثاً: حماية غابات الأمازون ومكافحة الكوكايين في أمريكا الجنوبية
- لعبت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية دوراً حاسماً في تقديم المساعدات الإنسانية في كولومبيا، وجهود الحفاظ على البيئة في منطقة الأمازون البرازيلية، والقضاء على نبات الكوكا في بيرو.
- كما دعمت الأموال التي قدمتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مؤخراً المساعدات الإنسانية الطارئة لأكثر من 2.8 مليون فنزويلي فروا من الأزمة الاقتصادية.
- وفي عام 2024 وحده، حولت الوكالة نحو 45 مليون دولار إلى برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، ومعظمها لمساعدة الفنزويليين.
- وفي البرازيل، تعد الشراكة من أجل الحفاظ على التنوع البيولوجي في الأمازون هي أكبر مبادرة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والتي تركز على الحفاظ على سبل العيش وتحسينها للشعوب الأصلية ومجتمعات الغابات المطيرة الأخرى.
- وفي بيرو، تم تخصيص جزء من تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية البالغ 135 مليون دولار في عام 2024 لتمويل بدائل إنتاج الكوكايين مثل القهوة والكاكاو. وتسعى الوكالة الإنسانية إلى الحد من إنتاج المخدرات منذ أوائل الثمانينيات.
رابعاً: الاستجابة للأمراض وتعليم الفتيات ووجبات الغداء المدرسية المجانية في أفريقيا
- في العام الماضي، قدمت الولايات المتحدة لمنطقة جنوب الصحراء الكبرى أكثر من 6.5 مليار دولار في هيئة مساعدات إنسانية. ولكن منذ إعلان ترامب، وجد مرضى الإيدز في أفريقيا أبواباً مغلقة في العيادات التي يمولها برنامج أمريكي مشهور ساعد في كبح جماح وباء الإيدز العالمي.
- نجحت الخطة الطارئة للإغاثة من الإيدز (PEPFAR)، والتي تعد أحد أنجح برامج المساعدات الخارجية في العالم، في إنقاذ حياة أكثر من 25 مليون شخص، معظمهم في أفريقيا.
- وقال آرون موتسواليدي وزير الصحة في جنوب أفريقيا، الدولة التي يوجد بها أكبر عدد من المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية ، بعد تجميد المساعدات الأمريكية: "العالم في حيرة" .
- وأضاف موتساليدي أن الولايات المتحدة تمول ما يقرب من 20% من مبلغ 2.3 مليار دولار المطلوب سنوياً لتشغيل برنامج مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية في جنوب أفريقيا.
- كما أن وقف المساعدات الأمريكية قد يخلف تأثيراً بالغ الخطورة على الوضع الإنساني في شرق الكونغو، حيث تمول المساعدات الأمريكية توفير الغذاء والمياه والكهرباء والرعاية الصحية الأساسية لنحو 4.6 مليون شخص نزحوا بسبب سنوات من الصراع.
- وتوقفت البرامج التعليمية في مالي، الدولة الواقعة في غرب أفريقيا التي مزقتها الصراعات، حيث تعد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الشريك الإنساني الرئيسي للبلاد بعد أن غادر آخرون في أعقاب انقلاب عام 2021.
Congratulations to more than 490 young men & women who graduated today in Juba from our @YEASouthSudan #SouthSudan Youth Empowerment Activity! @EDCtweets & 14 civil society organizations implement this initiative, which has reached more than 17,000 youth in 14 counties. Graduates…
— USAID South Sudan (@USAIDSouthSudan) November 29, 2024
خامساً: دعم وسائل الإعلام في ميانمار وإزالة الألغام في كمبوديا
- قالت منظمة حقوق الإنسان إن تجميد المساعدات الأجنبية من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية يشمل مساعدات بقيمة 39 مليون دولار مخصصة لدعم الحقوق والديمقراطية والإعلام في ميانمار التي استولى جيشها على السلطة من حكومة أونج سان سو كي المنتخبة في عام 2021.
- وقالت منظمة حقوق الإنسان في ميانمار إن الأموال المجمدة "حيوية للمنظمات التي تتحدى الحكم العسكري وتروج للديمقراطية، والتي تعمل على تعزيز المصالح الأمريكية من خلال دعم القيم الأمريكية ومواجهة النفوذ الاستبدادي للصين".
- كما جمدت الولايات المتحدة تمويل إزالة الألغام الأرضية في كمبوديا.