كارثة الإبادة البيئية في غزة.. الوجه الآخر للحرب التي دمرت فيها “إسرائيل” مستقبل أجيال من الفلسطينيين

عربي بوست
تم النشر: 2025/02/04 الساعة 12:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/02/04 الساعة 22:57 بتوقيت غرينتش
الدمار الذي تسببت به حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة - رويترز

تسببت حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة، التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وأدت لاستشهاد أكثر من 60 ألف إنسان وإصابة نحو 100 ألف آخرين/ في تدمير واسع للبنية البيئية في القطاع، مما دفع بعض الخبراء لوصف ما حدث في قطاع غزة على مدار 15 شهراً بـ"الإبادة البيئية" (Ecocide) وشكلاً من أشكال جرائم الحرب.

ولا تقتصر آثار الكارثة البيئية التي تسببت بها آلة الحرب الإسرائيلية على الحاضر فقط، بل تمتد لتشكل خطراً مستقبلياً على الأجيال القادمة، حيث تم تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وتلويث الموارد المائية وتدمير النظم البيئية والتنوع البيولوجي، وتعريض السكان لمستويات غير مسبوقة من التلوث البيئي والصحي وانتشار الأمراض المعدية.

ويستخدم معهد القانون الأوروبي مصطلح "الإبادة البيئية" كاختصار للتدمير البيئي، والذي يعني "تدمير البيئة وإتلافها بأي ثمن". وتم طرح هذا المصطلح أول مرة من قبل أستاذ علم الأحياء الأمريكي آرثر دبليو جالستون أثناء حرب فيتنام، حيث قام الجيش الأمريكي باستخدام مبيدات أعشاب قاتلة مثل "العامل البرتقالي" Agent Orange لتدمير النباتات والمحاصيل في فيتنام، كجزء من "برنامج الحرب السامة"، أو عملية "رانش هاند" ما بين عامي 1962 و1971 لإخضاع السكان. وهو ما تسبب لاحقاً بكارثة صحية مرعبة، حيث بلغت أعداد القتلى أو المشوهين 400 ألف إنسان بحسب السلطات الفييتنامية، إضافة إلى 500 ألف من الأطفال ممّن ولدوا بعيوب خَلْقية على مدار العقود التالية.

ما حجم الإبادة البيئية التي ارتكبتها "إسرائيل" في غزة؟

  • تقول صحيفة "الغارديان" البريطانية إن بساتين الزيتون والمزارع في غزة تحولت إلى مجرد تراب سام، حيث تلوثت التربة والمياه الجوفية بالذخائر والسموم؛ وأصبح البحر يختنق بمياه الصرف الصحي والنفايات؛ وأصبح الهواء ملوثاً بالدخان والجسيمات الدقيقة المسببة لمختلف أنواع الأمراض.
  • وبحسب الصحيفة البريطانية، يقول الباحثون والمنظمات البيئية إن الدمار سيخلف آثاراً هائلة على النظم البيئية والتنوع البيولوجي في غزة. وقد أدى حجم الضرر والتأثير المحتمل على المدى الطويل إلى اعتبار ما حدث في غزة "إبادة بيئية" والتحقيق فيه باعتباره جريمة حرب محتملة.
  • واستخدم الباحثون صور الأقمار الصناعية لتوثيق عملية إبادة بيئية متكررة قام بها الجيش الإسرائيلي في مواقع متعددة بغزة. وبعد الأضرار الأولية الناجمة عن القصف الجوي في الأسابيع الأولى من الحرب، وصلت القوات البرية الإسرائيلية وفككت البيوت البلاستيكية للزراعة بالكامل، في حين اقتلعت الجرارات والدبابات والمركبات البساتين وحقول المحاصيل ودمرتها. ويقول أحد الباحثين للصحيفة: "ما تبقى هو الدمار، منطقة لم تعد صالحة للسكن".
  • ولتقييم حجم الإبادة البيئية الناتجة عن الهجمات الإسرائيلية على موارد المياه والأراضي الزراعية والمناطق السكنية في غزة، التقت وكالة الأناضول أميرة عكر، الخبيرة البيئية من جامعة بوسطن، والبروفيسور ليزلي لندن، من جامعة كيب تاون، والدكتورة أحلام أبو عوض من قسم علم الأوبئة في كلية جيزيل للطب بجامعة دارتموث. والذين أكدوا على أن ما تعرضت له غزة خلال الحرب هو "إبادة بيئية" ستؤثر على أجيال من الفلسطينيين بعدما دمّرت "إسرائيل" مساحات عيش الأجيال القادمة.
  • ويقول خبراء وباحثون أعدوا دراسات حول الإبادة البيئية في غزة خلال الحرب، إن المواطنين بقطاع غزة يعتمدون اقتصادياً بشكل كبير على الأنشطة الزراعية، وأن 70% من تلك الأراضي قد دُمرت. ولفتوا إلى أن استخدام الفوسفور الأبيض خلال الهجمات التي شنتها "إسرائيل" يجعل الأنشطة الزراعية المستقبلية مستحيلة في المنطقة.
  • وبدعم أمريكي ارتكبت "إسرائيل" بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و19 يناير 2025، حرب إبادة جماعية بقطاع غزة خلّفت أكثر من 159 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
  • تشير الباحثة والأكاديمية أميرة عكر، إلى أن الدمار البيئي في غزة يتوافق مع تعريف "الإبادة البيئية". وقالت: "تُعرف الإبادة البيئية بأنها أفعال غير قانونية أو متعمدة يتم ارتكابها مع العلم بأنها قد تسبب أضرارا جسيمة أو واسعة النطاق أو طويلة الأمد للبيئة. ونرى حالياً في غزة تدميراً هائلاً لعناصر بيئية مختلفة، وهذا يختلف عن الأضرار البيئية المعتادة في النزاعات المسلحة".
  • وذكرت عكر أن البنية التحتية للمياه والآبار دُمرت في غزة والأشجار اقتُلعت، مضيفة: "بسبب استخدام الفوسفور الأبيض ستصبح أي أنشطة زراعية مستقبلية مستحيلة لأن طبقات التربة تضررت بسبب القنابل والفوسفور الأبيض".
الدمار في غزة بعد حرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيبل – 2024 رويترز

ما مخاطر التلوث وتغير المناخ التي تسببت بها الحرب في غزة؟

  • إلى جانب تدمير الزراعة، أوضحت عكر أن تدمير المباني لا يخلق فقط مشكلة النفايات ضخمة بل يؤدي أيضاً إلى تلوث الهواء، لأن "كل هذا الغبار والأوساخ الموجودة حالياً في غزة لا تأتي فقط من مواد البناء، بل أيضاً من الأسلحة نفسها التي استخدمها الاحتلال". وأشارت الباحثة الفلسطينية إلى أن الدمار الذي حدث في الأشهر الثلاثة الأولى تجاوز إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية لـ 26 دولة. وقالت إنه "قبل الحديث عن الأسلحة، فإن الطلعات الجوية فوق غزة وحدها تسبب زيادة هائلة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون".
  • بدوره أشار ليزلي لندن إلى أن الاحتياجات الأولية لمعالجة الدمار البيئي بغزة تتمثل في استعادة خدمات المياه والصرف الصحي، وأن تنظيف الأنقاض هو الأولوية. وقال: "فكروا في الصعوبات التي واجهها العمال الذين نظفوا أنقاض برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، واضربوا ذلك في 100 بالنسبة لغزة. أكثر من 60 بالمئة من المباني دُمرت.. ويجب اعتبار معظم بقايا الأنقاض مواد سامة".
  • وأضاف لندن:أن "تشغيل المضخات اللازمة لنظام الصرف الصحي وإصلاح محطات تحلية المياه التالفة يتطلب الوصول إلى الكهرباء. المياه الجوفية في غزة كانت بالفعل مالحة للغاية، والآن لا نعرف مدى تلوث طبقة المياه". وأعرب لندن عن قلقه بشأن تأثيرات النفايات الخطرة على صحة النساء والحوامل والأطفال الذين لم يولدوا بعد. وتابع: "عدد القتلى نتيجة القصف والحصار قد يكون مجرد قمة جبل الجليد مقارنة بعدد الذين سيموتون بسبب الأمراض".

لماذا حياة الأجيال القادمة بقطاع غزة في خطر؟

  • تقول عكر إن التوقعات قبل عام 2020 كانت تشير إلى أن غزة ستصبح غير صالحة للسكن بسبب الأضرار التي لحقت بطبقات المياه الجوفية. وتابعت: "بدون وجود المياه، حدثت زيادة هائلة في حالات الإسهال والأمراض المعدية المختلفة، وهذا سيؤثر على الأطفال طوال حياتهم".
  • وأشارت إلى أن 80% من المنازل في القطاع دُمرت، وأن الأطفال والنساء الحوامل سيتعرضون الآن لمختلف الملوثات البيئية والجسيمات الدقيقة ومواد البناء مثل الأسبست والمواد الكيميائية الموجودة في الأسلحة. وقالت عكر: "تقدر الأمم المتحدة أن إزالة الأنقاض سيستغرق 20 عاماً بحسب تقديرات دولية، وأن هذا الأمر سيتطلب تكلفة بنحو 1.5 مليار دولار"، وشددت على أن "إسرائيل" هي التي تتحمل المسؤولية عن إصلاح الأضرار البيئية.
  • وأردفت الباحثة الأكاديمية: "إسرائيل، باعتبارها قوة محتلة، مسؤولة بموجب القانون الدولي عن الأشخاص في المناطق التي تحتلها ويتوجب عليها القيام بعملية التنظيف. والمجتمع الدولي أيضاً مسؤول لأنه لم يتمكن من منع هذا الأمر في البداية".
  • من جهتها أكدت الأكاديمية أحلام أبو عوض، أن إصلاح الدمار والتدهور البيئي في غزة سيستغرق عقوداً وسيؤثر على الأجيال القادمة. وقالت: "رغم أن محكمة العدل الدولية أعلنت أن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني وطالبت بإنهائه الفوري، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي خطوات بهذا الاتجاه".
باحثون: "عدد الضحايا نتيجة القصف والحصار الإسرائيلي قد يكون مجرد قمة جبل الجليد مقارنة بعدد الذين سيموتون بسبب الأمراض" – رويترز
  • وأشارت إلى أن "هذا الوضع يعيق عملية الإصلاح وإعادة الإعمار في غزة، لذلك يجب أن تكون الخطوة الأولى هي إنهاء الهجمات والاحتلال والحصار غير القانوني". وشددت أبو عوض على أن الوصول إلى الأغذية والمياه النظيفة والدواء سيكون ذا أهمية حاسمة في الأشهر المقبلة من حيث الصحة العامة.
  • تقول أبو عوض: "أهل غزة أفضل من يعلم كيفية إصلاح أراضيهم وإعادة بنائها، ويجب تقييم الأضرار البيئية لفهم ما يجب القيام به، وتحديد أولويات البنية التحتية القابلة للإصلاح، ثم بناء بنية تحتية جديدة".
  • وشددت على أن التخلص من النفايات الصلبة وإصلاح أنظمة الصرف الصحي وإعادة التدوير أمر بالغ الأهمية للحد من الأمراض المعدية ومنع المزيد من الأضرار البيئية. وأضافت أبو عوض أن غزة بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية والدعم من المجتمع الدولي: "استعادة التربة من خلال استخدام السماد الطبيعي والمياه الأقل ملوحة، واستعادة الأراضي الزراعية، وإعادة زراعة الأنواع النباتية المحلية، واستعادة النظم البيئية للغابات والسواحل، كلها أمور بالغة الأهمية للتعافي البيئي على المدى الطويل". وختمت الأكاديمية أبو عوض بالقول: "باختصار، هناك الكثير مما يجب القيام به في غزة".
تحميل المزيد