الوقت ينفد والساعات الأخيرة على انقضاء مهلة الـ 60 يوماً لاتفاق وقف إطلاق النار بين تل أبيب وحزب الله تقترب، وبينما تتوجه أنظار العالم من جديد صوب الجنوب اللبناني، تسود حالة من الشكوك حول انسحاب قوات الاحتلال من مناطق في جنوب لبنان كما نص الاتفاق، خاصة مع ما كشفته تقارير عن أن إسرائيل ولبنان يجريان محادثات عبر وسطاء لتمديد وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً إضافية، وفقاً لما نقلته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية عن مصادر مطلعة.
يأتي ذلك تزامناً مع ما كشفته وسائل إعلام عبرية رسمية عن أن المجلس الوزاري المصغر أوعز للجيش الإسرائيلي بعدم الانسحاب من البلدات التي احتلها في الجنوب اللبناني خلال المهلة المحددة في اتفاق وقف إطلاق النار بدعوى "عدم تنفيذ الجيش اللبناني التزاماته".
ومنذ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، يسود وقف هش لإطلاق النار أنهى قصفاً متبادلاً بين جيش الاحتلال وحزب الله بدأ بعد يوم واحد فقط من شن إسرائيل حرباً على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ثم تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي.
وبحسب الاتفاق، تنسحب إسرائيل تدريجياً خلال مهلة مدتها 60 يوماً من المناطق التي احتلتها في لبنان أثناء تلك الحرب، على أن تنتشر قوات الجيش والأمن اللبنانية على طول الحدود ونقاط العبور والمنطقة الجنوبية.
وأسفر العدوان الإسرائيلي على لبنان عن 4 آلاف و69 قتيلاً و16 ألفاً و670 جريحاً، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص، وتم تسجيل معظم الضحايا والنازحين بعد تصعيد العدوان في 23 سبتمبر/أيلول الماضي.
هذا التقرير يستعرض موقف الأطراف المختلفة من تمديد الهدنة، بما في ذلك حزب الله والحكومة اللبنانية والاحتلال، فضلاً عن خروقات إسرائيل للاتفاق منذ ما يقرب من شهرين.
ما هو موقف حزب الله؟
اعتبر حزب الله، الخميس 23 يناير/كانون الثاني 2025، أن أي تأخير إسرائيلي بالانسحاب من جنوب لبنان سيُعدّ "تجاوزاً فاضحاً" لاتفاق وقف إطلاق النار.
وطالب الحزب في بيان له سلطات بلاده بالضغط على رعاة الاتفاق من أجل تنفيذه بشكل كامل وشامل.
وقال حزب الله إن "مهلة الـ60 يوماً لانسحاب العدو الصهيوني من الأراضي اللبنانية بشكل نهائي شارفت على الانتهاء، وهذا ما يحتم عليه تنفيذاً كاملاً وشاملاً، وفقاً لما ورد في اتفاق وقف إطلاق النار".
وأضاف أن ذلك "يستدعي من الجميع، وعلى رأسهم السلطة السياسية في لبنان، بالضغط على الدول الراعية للاتفاق (الولايات المتحدة وفرنسا)، إلى التحرك بفعالية ومواكبة الأيام الأخيرة للمهلة بما يضمن تنفيذ الانسحاب الكامل وانتشار الجيش اللبناني حتى آخر شبر من الأراضي اللبنانية، وعودة الأهالي إلى قراهم سريعاً".
وتابع مشدداً: "أي تجاوز لمهلة الـ60 يوماً يُعتبر تجاوزاً فاضحا للاتفاق، وإمعاناً في التعدي على السيادة اللبنانية، ودخول الاحتلال فصلاً جديداً يستوجب التعاطي معه من قبل الدولة بكل الوسائل والأساليب التي كفلتها المواثيق الدولية بفصولها كافة لاستعادة الأرض وانتزاعها من براثن الاحتلال".
وأشار الحزب إلى أنه "سيتابع تطورات الوضع الذي من المفترض أن يتوج في الأيام القادمة بالانسحاب التام".
واختتم بيانه بالتأكيد على أنه "لن يكون مقبولاً أي إخلال بالاتفاق والتعهدات، وأي محاولة للتفلت منها تحت عناوين واهية".
ما هو موقف الاحتلال؟
كشفت هيئة البث العبرية، الخميس، أن تل أبيب طلبت من الولايات المتحدة تأجيل موعد انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان لشهر كامل، لافتة إلى أن المجلس الوزاري الأمني المصغّر "الكابينت" بحث انسحاباً جزئياً.
وقالت هيئة البث: "قبل أقل من 3 أيام من انتهاء الفترة التجريبية التي تبلغ 60 يوماً، طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة تمديداً آخر للانسحاب من جنوب لبنان".
وأضافت: "تطالب إسرائيل بإرجاء الانسحاب 30 يوماً لاستكمال النشاطات الأمنية"، وفق قولها.
وأشارت الهيئة العبرية إلى أن "الطلب الإسرائيلي يأتي على خلفية الضغوط الأمريكية الشديدة في الأسابيع الأخيرة لتنفيذ الانسحاب في موعده".
واستدركت: "لكن مسؤولين أمنيين إسرائيليين كباراً يزعمون أن الوقت ليس مقدساً، بل وينتقدون وتيرة انتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني".
وكانت الهيئة ذاتها أفادت، الأربعاء، أن ممثلين عن جيش الاحتلال الإسرائيلي عقدوا مؤخراً اجتماعاً مغلقاً مع أعضاء لجنة الخارجية والدفاع في الكنيست (البرلمان)، وأكدوا خلاله أن الجيش "لن يتمكن من الانسحاب من كامل جنوب لبنان" خلال المهلة المحددة بالاتفاق.
⭕️ عاجل | تايمز أوف إسرائيل: #تل_أبيب طالبت الولايات المتحدة بمهلة إضافية لمدة 30 يوماً لتنفيذ انسحاب قواتها من #جنوب_لبنان
— عربي بوست (@arabic_post) January 24, 2025
ولم يتضح إذا ما كانت الولايات المتحدة الأمريكية ستوافق على طلب التمديد الذي تقدمت به إسرائيل.
ونقلت صحيفة هآرتس عن مصادر مطلعة أن الولايات المتحدة وفرنسا تناقشان طلب التمديد مع مسؤولين إسرائيليين ولبنانيين. وقدر المصدر أن فرنسا لا ترى أي مشكلة في منح التمديد، طالما أن الأطراف الأخرى متفقة.
فيما كشفت القناة 13 العبرية أيضاً، الأربعاء، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طلب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الإبقاء على 5 مواقع إسرائيلية بجنوب لبنان.
وقالت القناة 13 الخاصة: "في غضون أربعة أيام، من المقرر أن يتحول اتفاق وقف إطلاق النار في الشمال إلى هدنة دائمة – ومن المقرر أن يقوم الجيش الإسرائيلي بإجلاء جميع القوات من جنوب لبنان".
وأضافت: "إلا أن رئيس الوزراء نتنياهو طلب من إدارة ترامب الموافقة على إبقاء خمسة مواقع عسكرية إسرائيلية في جنوب لبنان".
وبحسب القناة "تم تقديم الطلب خلال الساعات الـ24 الماضية عن طريق وزير الشؤون الاستراتيجية المقرب لنتنياهو رون دريمر".
ونقلت عن مسؤولين إسرائيليين كبار إن "الأمر يتعلق بخمسة مواقع عسكرية استراتيجية تشكل منطقة عازلة بين سكان شمال إسرائيل وسكان جنوب لبنان".
ما هو موقف الحكومة اللبنانية؟
طالب المسؤولون في لبنان المجتمع الدولي بإلزام إسرائيل بالانسحاب من جنوب لبنان خلال تلك المهلة.
وذكر تقرير لصحيفة الأخبار اللبنانية أن الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون كان على اتصال بمسؤولين أمريكيين وفرنسيين، وحثهم على ضمان انسحاب إسرائيل في الموعد المحدد. وقالت مصادر إن المسؤولين اللبنانيين أبلغوا نظراءهم الأمريكيين بأن فشل إسرائيل في الانسحاب من شأنه أن يعيق نشر الجيش اللبناني في تلك المناطق.
وأفادت الصحيفة أن رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، رفض أثناء لقائه رئيس لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار الجنرال الأمريكي غاسبر جيفرز، الخميس، تمديد الهدنة "ولو ليوم واحد".
وأكد وزير الدفاع اللبناني موريس سليم، الخميس، موقف بلده الثابت بضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من أراضيه، وذلك قبل قرابة 72 ساعة على انتهاء مهلة الـ 60 يوماً لاتفاق وقف إطلاق النار بين تل أبيب وحزب الله، بحسب وكالة الأناضول.
تصريح سليم جاء عقب لقائه قائد الجيش بالإنابة حسان عودة، وفق وكالة أنباء لبنان، وقالت الوكالة إن المباحثات بين سلين وعودة تناولت التطورات في جنوب لبنان ومراحل تطبيق وقف إطلاق النار.
ونقلت الوكالة عن سليم قوله، إن "الجيش اللبناني انتشر في كل المناطق التي انسحب منها العدو الإسرائيلي، وهو في جهوزية كاملة للانتشار على كامل تراب الجنوب".
وأكد "موقف لبنان الثابت بضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من أراضيه في الجنوب ضمن المهلة التي حددتها ترتيبات وقف اطلاق النار، بحلول 26 يناير/ كانون الثاني الحالي".
ما هو حجم الخروقات الإسرائيلية في جنوب لبنان؟
ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي 639 خرقاً لوقف إطلاق النار في لبنان منذ بدء سريان الاتفاق قبل 58 يوماً.
يأتي ذلك وفق إحصائية أعدتها وكالة الأناضول استناداً إلى إعلانات وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية.
وحسب أخبار متفرقة نشرتها الوكالة، ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي 7 خروقات، الخميس، في قضاء مرجعيون بمحافظة النبطية (جنوب)، وشملت توغلاً في بلدة، وعمليات تفجير وإحراق ودهم لمنازل ومبان، وإطلاق نار كثيف.
حيث توغلت قوات إسرائيلية تصاحبها دبابات في حي راس الضهر ببلدة ميس الجبل، وداهمت عدداً من المنازل، وسط إطلاق نار كثيف.
كما قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بتفجير منازل ومبان في بلدتي كفركلا والوزاني، واستراحات واقعة على ضفاف نهر الوزاني، وحرق منزل في بلدة القنطرة.
ودفعت هذه الخروقات حزب الله إلى الرد، في 2 ديسمبر/ كانون الأول 2024، للمرة الأولى منذ سريان الاتفاق، بقصف صاروخي استهدف موقع "رويسات العلم" العسكري في تلال كفر شوبا اللبنانية المحتلة.
من جانبها، كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن جيش الاحتلال الإسرائيلي تقدم باتجاه عشرات المواقع الجديدة في جنوب لبنان في أول 40 يوماً من الهدنة، مما أدى إلى إتلاف أو تدمير مئات المباني أثناء بحثه عن الأسلحة والبنية الأساسية الأخرى
وأضافت الصحيفة الأمريكية أن جيش الاحتلال شن غارات شبه يومية على مواقع لحزب الله، بحسب بيانات لصور الأقمار الصناعية ومقابلات مع دبلوماسيين
وفي الفترة ما بين 5 ديسمبر/كانون الأول 2024 و 6 يناير/كانون الثاني 2025، تضرر أو دُمر أكثر من 800 مبنى في منطقة تبلغ نحو 200 ميل مربع بجنوب لبنان.
ما هي أبرز بنود اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان؟
- فترة انتقالية مدتها 60 يوماً، ينسحب خلالها جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان، بينما تنتشر قوات الجيش اللبناني بالمناطق القريبة من الحدود للقيام بدوريات إلى جانب قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة الموجودة بالفعل (اليونيفيل).
- سينشر الجيش اللبناني 5000 جندي في جنوب البلاد في إطار اتفاق وقف إطلاق النار.
- ينقل حزب الله أسلحته الثقيلة إلى شمال نهر الليطاني خلال الفترة الانتقالية وتشرف الحكومة اللبنانية على بيع وإنتاج الأسلحة داخل الأراضي اللبنانية.
- لن تدعو إسرائيل سكان البلدات الشمالية (المستوطنات) للعودة إلى منازلهم على الفور بل ستنتظر مدة هدوء لحوالي شهرين قبل ذلك.
- لن تكون هناك منطقة عازلة في جنوب لبنان، وسيعود سكان الجنوب إلى جميع القرى اللبنانية.
- بعد شهرين من دخول الاتفاق حيز التنفيذ، تبدأ مرحلة مناقشة التعديلات الحدودية حيث سيعين كل من لبنان وإسرائيل ضابطاً رفيعاً من كل جانب، للإشراف على تنفيذ الاتفاق.
- تشكيل لجنة دولية لمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 .
- تشرف الولايات المتحدة على رئاسة اللجنة الدولية بجانب بريطانيا وألمانيا وفرنسا.
- تتولى اللجنة مهمة تحديد ما إذا كان ينبغي السماح لطرف واحد باستخدام القوة إذا انتهك الطرف الآخر الاتفاق. وفي هذا الصدد، لا ينص الاتفاق على جدول زمني محدد للرد.
- تمنح واشنطن إسرائيل رسالة ضمانات تتضمن دعماً لتحركها العسكري ضد التهديدات الفورية من الأراضي اللبنانية، وأيضاً اتخاذ إجراءات لمنع إعادة تمركز حزب الله عسكرياً قرب الحدود أو تهريب أسلحة ثقيلة.
- لن تُقدم إسرائيل على أي تحرك إلا بعد التشاور مع الولايات المتحدة إذا لم تتعامل القوات اللبنانية أو قوات اليونيفيل مع التهديد.