قبل بدء العملية البرية الإسرائيلية في جنوب لبنان في 1 أكتوبر، شن الاحتلال سلسلة من الهجمات العسكرية والاغتيالات ضد حزب الله، مستهدفا قيادات بارزة وبنيته التحتية. شملت هذه العمليات اغتيال القيادي فؤاد شكر في 30 يوليو، و تفجير آلاف من أجهزة النداء (البيجر) وأجهزة الاتصالات اللاسلكية التي يعتمد عليها كوادر الحزب. مما أسفر عن مقتل 39 شخصًا وإصابة ما يقرب من 3000 من المدنيين والعسكريين على حد سواء.
وصولاً لإسقاط 85 قنبلة خارقة للتحصينات، ليتم اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وقيادات أخرى بارزة، من بينهم علي كركي، القيادي العسكري الثالث في الحزب، ونائب قائد عمليات الحرس الثوري الإيراني، عباس نيلفوروشان.
رغم هذه الخسائر، وكما أوضحت وكالة الأنباء الأمريكية "أسوشيتد برس"، لا يزال حزب الله يحتفظ بقوته وقادر على الاستمرار في إطلاق الصواريخ على إسرائيل. وأعلن الحزب تصديه لمحاولة تسلل إسرائيلية أمس، حيث دمر ثلاث دبابات ميركافا. في المقابل، أقر جيش الاحتلال الإسرائيلي بمقتل 8 جنود، بينهم 3 ضباط، بعد عبورهم الحدود اللبنانية.
وقد أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بوقوع "حدث خطير وغير عادي"، وتراجع مجموعة مشاة وآليات إسرائيلية إلى ما وراء الخط الأزرق بعد تسللها باتجاه مارون الراس.
في هذا التقرير، نلقي نظرة تفصيلية على موقف حزب الله بعد خسائره الأخيرة، وتداعياتها على استراتيجيته وقدراته المستقبلية في ظل التصعيد المستمر.
من هم قادة حزب الله الذين ما زالوا في السلطة؟
تكبد حزب الله خسائر كبيرة، حيث فقد ما يقرب من 500 مقاتل منذ بدء هجماته على قوات الاحتلال الإسرائيلي في الشمال دعماً لغزة في أكتوبر الماضي.
وقد أشار تقرير"أسوشيتد برس"، أنه من المرجح أن يكون الحزب قد فقد مئات آخرون خلال القصف الإسرائيلي للبنان على مدى الأسابيع الماضية.
وقد خسر الحزب بعضًا من أكثر قادته العسكريين خبرة، بما في ذلك القائد العسكري الأعلى لحزب الله، فؤاد شكر، وإبراهيم عقيل، الذي كان مسؤولاً عن قوة رضوان، وإبراهيم قبيسي، الذي كان قائد الصواريخ في المجموعة، وقائد وحدة الطائرات المسيرة في حزب الله محمد سرور، وقائد قوات حزب الله في جنوب لبنان علي كركي.
ومن بين قادة الجماعة الذين ما زالوا نشطين طلال حمية، المسؤول عن العمليات الخارجية لحزب الله، وخضر نادر، الذي يرأس وحدة الأمن في الجماعة. ونفى حزب الله تصريحات الاحتلال الإسرائيلي الذي زعم أنها قتل القائد العسكري الكبير المعروف باسم أبو علي رضا، قائد وحدة بدر.
كما أنا هاشم صفي الدين، الرجل القوي في حزب الله وابن خالة الأمين العام حسن نصر الله مازال على قيد الحياة، وهو الخليفة المحتمل لنصر الله في منصب الأمين العام للحزب. ويتمتع صفي الدين بعلاقات قوية مع إيران، حيث أن ابنه رضا متزوج من زينب سليماني، ابنة الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس السابق.
في عام 1994، استدعى حزب الله صفي الدين من حوزة قم ليتولى مسؤوليات سياسية وعسكرية، وكان من بين ثلاثة قياديين أشرف على تدريبهم القيادي السابق عماد مغنية، وهم حسن نصر الله، هاشم صفي الدين، ونبيل فاروق.
بعد عودته، تولى صفي الدين رئاسة المجلس التنفيذي للحزب، الذي يُعتبر بمثابة حكومة داخلية لحزب الله، حيث أشرف على تنفيذ السياسات الداخلية وتطوير البنية الإدارية للحزب، بالإضافة إلى إدارة مؤسساته وأمواله في الداخل والخارج، خاصة في العالم العربي وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
مع مرور الوقت، أصبح صفي الدين الرجل الثاني في الحزب بعد نصر الله، ويمزج بين أدواره في الجناح السياسي والجناح العسكري، ما جعله من أبرز قيادات حزب الله.
قوات حزب الله
في عام 2021 قال زعيم حزب الله السابق حسن نصر الله إن عدد مقاتلي الحزب يبلغ 100 ألف مقاتل، بينما ذكر "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" (CSIS)، ومقره واشنطن في مارس 2024، بأن الحزب يضم ما يقرب من 30 ألف مقاتل نشط، وما يصل إلى 20 ألف جندي احتياطي، بحسب ورقة بحثية نشرها.
كما أشارت تقارير، أن هناك مقاتلين تابعين لحركتي حماس والجهاد في لبنان، ولكن أعدادهم ليست بكثيرة، وهناك قوات الفجر التابعة للجماعة الإسلامية (إخوان مسلمون لبنان)، وهي قوة صغيرة نسبياً، والجماعة عادة تتخذ مواقف مناوئة لحزب الله ودمشق وطهران في السياسات الداخلية اللبنانية في ظل الاستقطاب السني الشيعي ولكن الجماعة تؤيد حزب الله في الصراع مع إسرائيل من منطلق دعمها لنضال الشعب الفلسطيني.
وفقاً لمركز (CSIS)، تتألف قوات حزب الله بشكل رئيسي من وحدات مشاة خفيفة، تم تدريبها وتشكيلها على أساس التخفي والقدرة على التنقل والعمل باستقلالية.
وقد استخدم الحزب، بحسب المركز ذاته، نسخة مما تسميه الولايات المتحدة "قيادة المهمة"، التي تمكّن المرؤوسين من اتخاذ قرارات مستقلة في ساحة المعركة، بناءً على نية القائد.
وهذا التصميم الهيكلي لقوات حزب الله يسمح لها بالعمل بفعالية حتى في ظل الظروف التي تشهد تفوق القوة النارية الإسرائيلية، وفقاً لما أوضحه المركز.
في حرب 2006، صمم حزب الله وحدات الصواريخ الخاصة به بحيث تكون قادرة على إنشاء مواقع إطلاق والتشتت في أقل من 28 ثانية، مستفيداً من تجهيزات معدة مسبقاً، مثل الملاجئ تحت الأرض والدراجات الجبلية، لتقليل فرص التعرض للقصف.
بعد الحرب، وفقاً للمركز، واصل الحزب تعزيز هذا النهج عبر إزالة المركزية من قيادته وسيطرته، وإعادة تنظيم قواته بهدف صد جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى مناطق أكثر تعقيداً. في هذه المناطق، يستطيع مقاتلو الحزب الاستفادة من المواقع المحصنة والمخفية، مما يزيد من قدرتهم على المناورة والتخفي، ويحد من فعالية القوة النارية الإسرائيلية.
وقد أعلن الحزب تصديه لمحاولة تسلل إسرائيلية أمس، حيث دمر ثلاث دبابات ميركافا. في المقابل، أقر جيش الاحتلال الإسرائيلي بمقتل 8 جنود، بينهم 3 ضباط، بعد عبورهم الحدود اللبنانية.
بينما اليوم، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بوقوع "حدث خطير وغير عادي"، وتراجع مجموعة مشاة وآليات إسرائيلية إلى ما وراء الخط الأزرق بعد تسللها باتجاه مارون الراس.
أين تنتشر قوات حزب الله؟
وفقاً لتقرير لوكالة الأنباء الأمريكية "أسوشيتد برس"، يتألف حزب الله من خمس وحدات رئيسية، تضم كل منها عدة آلاف من المقاتلين.
- وحدة نصر: تنتشر في المناطق الجنوبية الشرقية المتاخمة لإسرائيل، بما في ذلك حافة مرتفعات الجولان المحتلة.
- وحدة عزيز: تتمركز في الجنوب الغربي، وتشمل ساحل البحر الأبيض المتوسط.
كلا قائدي وحدتي نصر وعزيز قُتلا في غارات جوية إسرائيلية في وقت سابق من العام، ولكن يُعتقد أنه تم استبدالهما.
- وحدة بدر: تتمركز في منطقة جبلية تُعرف بمحافظة التفاح، والتي تطل على أجزاء كبيرة من جنوب لبنان، وكانت معقلاً لحزب الله منذ أواخر الثمانينيات.
- وحدة حيدر: تقع في وادي البقاع الشرقي.
- وحدة الضاحية: تنتشر في الضاحية الجنوبية المزدحمة في بيروت، حيث يقع مقر حزب الله، والذي شهد اغتيال حسن نصر الله مؤخراً.
بالإضافة إلى هذه الوحدات، يمتلك حزب الله قوة رضوان، وهي وحدة نخبة تضم عدة آلاف من المقاتلين، ويُتمركز جزء منها على طول الحدود مع إسرائيل. و قالت قناة المنار التابعة لحزب الله، إن قوات الاحتلال الإسرائيلية ستتعرف على مقاتلي قوة رضوان ذوي الخبرة إذا قررت شن غزو بري.
ما هي الأنفاق التي تشملها منظومة حزب الله؟
كشفت صحيفة ليبراسيون الفرنسية في تحقيق لها أن حزب الله يمتلك شبكة أنفاق سرية أكثر تطوراً حتى من تلك التي لدى حماس في غزة. و جاء في التحقيق:
- يمتلك حزب الله أنفاقاً يبلغ طولها مئات الكيلومترات ولها تشعبات تصل إلى إسرائيل.
- الحزب أنشأ خطة دفاعية مع عشرات من مراكز العمليات المجهزة بشبكات محلية تحت الأرض، تربط ما بين بيروت والبقاع والجنوب اللبناني.
- بعد حرب لبنان الثانية عام 2006، أنشأ حزب الله، بمساعدة كوريا الشمالية وإيران، مشروعاً لتشكيل شبكة من الأنفاق الإقليمية في لبنان، وهي شبكة أكبر بكثير من شبكة حماس، بحسب مركز أبحاث ألما الإسرائيلي.
- كذلك أشار مركز أبحاث ألما في تقرير نشره في يونيو/حزيران 2023 إلى وجود "أنفاق متفجرة" محفورة تحت نقاط استراتيجية ومغلقة ومتروكة دون أي نشاط، وهي مليئة بالمتفجرات التي يمكن إشعالها في اللحظة المناسبة لإحداث زلزال وانهيارات أرضية وطوفان من الأرض والصخور.
بحسب تقرير لوكالة رويترز، قال أندرياس كريج، المحاضر البارز في كلية الدراسات الأمنية في كينجز كوليدج لندن إنه على عكس غزة، حيث يتم حفر معظم الأنفاق يدوياً في تربة رملية، فإن الأنفاق في لبنان تم حفرها عميقاً في صخور الجبال. وأضاف: "إن الوصول إلى هذه الأنفاق أصعب كثيراً من الأنفاق في غزة، كما أن تدميرها أصعب كثيراً".
وكان حزب الله كشف سابقاً في مقطع مصور بعنوان "جبالنا خزائننا" عن جزء من ترسانته العسكرية، وأظهر المقطع منشأة لإطلاق الصواريخ باسم "عماد 4″، تضم راجمة للصواريخ وتجهيزات عسكرية، وقد شُيدت هذه المنشأة في أنفاق ضخمة تحت الأرض.
وقال المحلل العسكري هشام جابر، وهو جنرال لبناني متقاعد، إن منشأة "عماد 4" هي على الأرجح واحدة من عشرات المنشآت، مشيراً إلى أن "جبال لبنان وتلاله في الجنوب مثالية لحفر منشآت محمية لأنها في قلب الجبل"، وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء الفرنسية.
ما هي أنواع الأسلحة التي لا يزال حزب الله يمتلكها؟
ترسانة الصواريخ
في تصريح أدلى به المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية للصحفيين في يوليو، زعم أن حزب الله أطلق 6,800 صاروخ منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة.
وتشير التقديرات أن الحزب يمتلك من الصواريخ والقذائف ما يصل عدده إلى ما بين 120 إلى 150 ألف، بعد أن كان يمتلك "15 ألف صاروخ" في 2006 حسب تقديرات أخرى.
وتتضمن ترسانة الحزب صواريخ موجهة وغير موجهة، ومدفعية مضادة للدبابات، وصواريخ باليستية ومضادة للسفن، وطائرات من دون طيار محملة بالمتفجرات، قادرة على الوصول إلى عمق الأراضي الإسرائيلية.
وعلى مدار العام الماضي، استخدم حزب الله صاروخا موجها صغير الحجم يعرف باسم "ألماس"، فضلا عن صواريخ "فلق" و"بركان" قصيرة المدى من مناطق تبعد عدة كيلومترات عن الحدود.
وعلى مدار الأسبوع الماضي، قدم حزب الله صواريخ "فادي" متوسطة المدى، وهاجم بها ضواحي تل أبيب ومدينة حيفا الشمالية، و "قادر 1" الذي استهدف به مقر قيادة الموساد.
ولم يستخدم حزب الله بعد كل الأسلحة التي يعتقد أنه يمتلكها، بما في ذلك صواريخه الموجهة بدقة وصواريخ أرض-بحر مثل ياخونت روسية الصنع.
ورغم القصف العنيف للبنان من قبل طيران الاحتلال منذ بدء التصعيد، واصل حزب الله شن هجمات عبر الحدود وحتى كشف عن أنواع جديدة من الأسلحة.
وقال حزب الله يوم الثلاثاء، في بيان، إنه استهدف "بصليات صاروخية من نوع فادي 4 (للمرة الأولى) قاعدة غليلوت التابعة لوحدة الاستخبارات العسكرية 8200 ومقر الموساد اللذين يقعان في ضواحي تل أبيب".
وقد أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بوقوع "حدث خطير وغير عادي"، وتراجع مجموعة مشاة وآليات إسرائيلية إلى ما وراء الخط الأزرق بعد تسللها باتجاه مارون الراس.
وبعد ساعات، قال الحزب إنه أطلق صواريخ مماثلة باتجاه قاعدة جوية في إحدى ضواحي تل أبيب. واستخدم الحزب صواريخ أرض-جو وأسقطت أو طاردت طائرات بدون طيار إسرائيلية في عدة مناسبات – بما في ذلك في الأسبوع الماضي.
ويدعي الاحتلال أن معظم الصواريخ هبطت في مناطق مفتوحة. لكن قادة الاحتلال العسكريين الإسرائيليين مازالو يحذرون من أن الدفاعات الجوية للبلاد ليست محكمة.
الطائرات المسيرة
بالإضافة لذلك، تضم ترسانة حزب الله العسكرية أكثر من 2000 طائرة بدون طيار، وتعلم أيضا كيفية العمل بها في سوريا- قادرة على القيام بمهام استطلاع أو نقل مواد متفجرة، وذلك ووفقاً للتقارير التي نشرتها عدة مراكز إعلامية وأبحاث إسرائيلية وأمريكية.
ونظراً لمخزون حزب الله من الطائرات بدون طيار وحقيقة أن إنتاجها رخيص، فمن الممكن أن يرسل، على سبيل المثال، عدداً كبيراً من الطائرات بدون طيار في نفس الوقت إلى هدف واحد لإرباك آليات الدفاع الجوي الإسرائيلية.
وخلال الصراع الحالي، استخدم حزب الله طائرات بدون طيار في بعض هجماته الأكثر تعقيداً، وشن بعضها بهدف إبقاء الدفاعات الجوية الإسرائيلية مشغولة بينما كانت طائرات بدون طيار محملة بالمتفجرات تحلق على الأهداف.
كما يمتلك الحزب طائرات "شاهد 136" وغيرها من الطائرات المسيرة المصنعة في إيران، والتي تتميز بنظامي توجيه كهروضوئي ونظام تحديد المواقع العالمي "GPS".
وقد صدم حزب الله إسرائيل بالهجوم الذي نفذه ضد تجمع لقوات جيش الاحتلال ببلدة حرفيش، في منتصف هذا العام، باستخدام مسيرتين اخترقتا الأجواء الإسرائيلية دون رصدهما، وضربت قواته مرتين متتاليتين؛ ما أدى إلى مقتل جندي إسرائيلي وإصابة 11 آخرين، ويعتقد أن هذه المسيرات لم تكن تتحرك بشكل خطي بل بشكل دائري، الأمر الذي جعل من الصعب رصدها.