انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية مقاطع فيديو لمواطنين من أقصى جنوب الجزائر، وجهوا خلالها نداءً لسلطات البلاد من أجل التدخل لمواجهة انتشار الملاريا في الجزائر والذي أودى بحياة العشرات، بعد الفيضانات التي شهدتها البلاد مؤخراً.
انتشار الملاريا في بعض مناطق الجنوب الجزائري دفع السلطات الصحية لاتخاذ إجراءات عاجلة من أجل علاج المصابين وتطويق انتشار الوباء، مع العلم أن منظمة الصحة العالمية كانت قد أعلنت رسمياً عام 2019 خلو الجزائر من المرض بشكل نهائي.
من خلال هذا التقرير سنقوم برصد خريطة انتشار وباء الملاريا في الجزائر، ولماذا عاد المرض إلى الظهور في البلاد بعد سنوات من القضاء عليه نهائياً؟ وكيف تواجه السلطات الصحية في الجزائر انتشار هذا الوباء؟
انتشار الملاريا في الجزائر
كشفت تقارير إعلامية جزائرية أن عدة مناطق في أقصى جنوب البلاد تعاني من وباء الملاريا والدفتيريا، وقالت إن سكان منطقة تيمياوين بولاية برج باجي مختار، أطلقوا نداءً إلى السلطات من أجل تدبير أفضل لتداعيات الوضع الصحي الصعب.
وتم نشر النداء الموجه إلى الوالي، والذي وقعته تسع جمعيات محلية، يوم الثلاثاء 1 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أوضح الموقعون أن وباء الملاريا أو "حمى المستنقعات" يعود إلى الأهوار التي تشكلت بعد الأمطار التي هطلت على المنطقة خلال شهر أيلول/سبتمبر.
وتشكلت الأهوار على طول 100 كيلومتر، تعبر جماعة تيمياوين من الشرق إلى الغرب، خاصة في أماكن تسمى أدجدم وجودان وتجراوت وتساميج، ووجه المواطنون نداءً عاجلاً إلى الوالي لنقل اللقاحات والأدوية إلى هذه الأماكن كأولوية.
وقد تسببت هذه المياه الراكدة في تكاثر البعوض والحشرات الأخرى التي تنقل المرض، وبالإضافة إلى انتشار الملاريا في الجزائر، تم تسجيل حالات الدفتيريا أيضًا، وفق ما جاء في بيان الجمعيات الجزائرية.
حسب منظمة الصحة العالمية فإن الملاريا مرض يهدد الحياة وينتقل إلى البشر عن طريق بعض أنواع البعوض، وأوضحت المنظمة على موقعها الرسمي أن الملاريا تنتشر أساساً في بلدان المناطق المدارية ويمكن الوقاية والشفاء منها.
تين ژواتين – #الجزائر 30 سبتمبر
— Lahcen Ag Touhami (@boughrara_20606) October 1, 2024
121 حالة إصابة ب #المالاريا
52 حالة #وفاة بمقر الدائرة
25 حالة وفاة توندارت
21 حالة وفاة بالزاوية الكنتية.
ولا زال اللقاح والدواء #مفقود تماما#الدفتيريا حدث ولا حرج، الاصابات بالعشرات والموتى والمقابر جماعية ولا حول ولا قوة إلا بالله. pic.twitter.com/EfB8iqwXHo
الجمعيات التسع التي أصدرت البيان أوضحت أن الفئات الأكثر تضرراً من انتشار وباء الملاريا في الجزائر، هم السكان البدو الذين يعيشون بالقرب من الأهوار، في الجزال ووادي تسامغ ووادي جودان وحاسي شورمال وأدلج وأتول.
كما قال الموقعون على البيان إن الوضع في مركز جماعة تيمياوين "كارثي بكل معنى الكلمة"، وأشاروا إلى أن قاعات وزوايا المنطقة مكتظة بالمرضى والوفيات "أصبح عددها كبيراً بالعشرات".
ودعت الجمعيات إلى إرسال طواقم طبية متخصصة في علاج حالات الملاريا والدفتيريا وتقديم مساعدات غذائية طارئة، خاصة الضروريات الأساسية. وأكدت أن "نقص التغذية لدى بعض الأسر البدوية يؤثر على المناعة والقدرة على مقاومة الأمراض".
بينما أظهرت صور ومقاطع فيديو عدداً من المواطنين المصابين بمرض الملاريا في الجزائر وهم مُمددون في أرصفة إحدى المراكز الاستشفائية وفي الخيام، وسط غياب تام للمعدات والأجهزة الطبية واللقاحات.
واتهمت جمعيات مدنية وزارة الصحة الجزائرية بالتحرك بشكل متأخر، وإعلان عقد لقاء تنسيقي حول الوضعية الصحية في الولايات الموبوءة التي تعاني من نقص حاد في الكوادر الطبية والبنيات التحتية الصحية، ما زاد من تعميق جراح السكان المحليين.
وفيات بسبب انتشار الملاريا في الجزائر
كشف مدير الوكالة الوطنية للأمن الصحي البروفيسور كمال صنهاجي، الاثنين 30 سبتمبر/أيلول 2024، عن أرقام الإصابات والوفيات، وقال إن هناك 40 حالة وفاة، 28 بسبب الدفتيريا و12 بسبب الملاريا، وفق ما صرح به للإذاعة الجزائرية الرسمية.
وفي ما يتعلق بوباء الدفتيريا، فقد تم تسجيل 115 حالة منذ 28 غشت/آب 2024، خاصة في المناطق الحدودية مثل تين زواتين وعين قزام وتيمياوين، ومن بين 28 حالة وفاة، تم الإبلاغ عن 27 حالة في منطقة تين زواتين.
كما تم تسجيل 421 حالة إصابة بمرض الملاريا في الجزائر وخاصة المناطق الحدودية أيضاً، منها 200 حالة في عين قزام.
لكن الوضع يتحسن، على الأقل فيما يتعلق بالدفتيريا، حيث انخفض عدد الحالات لمدة ثلاثة أيام، وتتولى مصالح وزارة الداخلية مكافحة البعوض، بحسب ما أشار صنهاجي، مضيفاً أنه "لا يوجد خطر للتلوث في المطارات".
وأكد صنهاجي للإذاعة الجزائرية أن الوباء "انتشر خلال هذه الفترة بعد الأمطار الأخيرة التي تسببت في ركود المياه وظهور البعوض في الصحراء"، موضحاً أن الدفتيريا مرض معدٍ بينما الملاريا تنتقل عن طريق البعوض.
حسب المسؤول الصحي الجزائري فإن غالبية حالات الدفتيريا والملاريا "مستوردة" عن طريق الهجرة من بعض الدول المجاورة، حيث قال صنهاجي: "إن النظام الصحي ليس بالضرورة متطوراً مثل نظامنا حيث يقترب معدل التغطية بالتطعيم من 80% من السكان أو يتجاوزه".
وأكد المسؤول الجزائري أن جميع المناطق المتضررة من الملاريا في الجزائر، تستفيد من إمدادات منتظمة من اللقاحات والأدوية، مع بروتوكول علاجي وفقاً لتوصيات منظمة الصحة العالمية، وقال إنه سيكون من الضروري تعزيز موارد الفحص الميداني.
حسب وسائل إعلام رسمية جزائرية فقد تم تسجيل أكبر عدد من حالات الإصابة بمرض الملاريا ببلدية تيمياوين بأقصى جنوب البلاد والمناطق المجاورة لها، وفق مدير قطاع الصحة بالولاية، والذي أوضح أن الولاية ستتدعم بحصة إضافية من اللقاحات.
طوارئ صحية لمواجهة انتشار الوباء
يوم الجمعة 27 سبتمبر/أيلول 2024 انطلقت لجنة طبية مكونة من طاقم طبي مؤهل، وتم إرسال طائرة محملة بكميات كبيرة من الأدوية والأمصال المضادة للدفتيريا ووسائل الحماية اللازمة إلى ولايات تمنراست وعين قزام و برج باجي مختار.
فيما ترأس وزير الصحة الجزائري، عبد الحق سايحي، الإثنين، لقاءً تنسيقياً حول الوضعية الصحية في الولايات التي عرفت ظهور حالات الدفتيريا والملاريا، واستمع الوزير لتقارير تفصيلية حول الأوضاع الصحية في الولايات المعنية والإجراءات والتدابير المتخذة.
وتم إرسال كميات إضافية من أدوية الملاريا واللقاحات والأمصال المضادة للدفتيريا لضمان التكفل العاجل والتام بالحالات المسجلة، وأمر وزير الصحة بتسخير كل الإمكانات الضرورية واللوجستية لتسهيل عمل الأطقم الطبية وشبه الطبية.
كما تقرر تلقيح جميع الفئات من المواطنين والقاطنين بما فيهم الأطفال على مستوى الولايات المتضررة مع إخضاع الملقحين سابقاً لجرعة استدراكية كإجراء احترازي ووقائي، مع إعداد تقارير يومية حول الوضعية الصحية من أجل معرفة التطورات الحاصلة.
القضاء على الملاريا في الجزائر
في شهر مايو/أيار 2019، اعترفت منظمة الصحة العالمية رسمياً بخلو الجزائر والأرجنتين من الملاريا، ويُمنح البلد شهادة خلوه من المرض عندما يثبت أنه أوقف انتقال المرض فيه على الصعيد المحلي لمدة لا تقل عن 3 سنوات متتالية.
حسب منظمة الصحة العالمية فإن الجزائر هي ثاني بلد بإقليم المنظمة الأفريقي يُعترف رسمياً بخلوه من الملاريا بعد موريشيوس التي جرى الإشهاد على خلوها من المرض في عام 1973، وأفادت الجزائر بأن آخر حالات الإصابة بالملاريا فيها على الصعيد المحلي كانت في 2013.
ويعود تاريخ اكتشاف الملاريا في الجزائر إلى عام 1880 عندما اكتشف الطبيب الفرنسي الدكتور تشارلز لويس ألفونس لافيران طفيلي الملاريا بالبلاد.
وأصبحت الملاريا في الجزائر بحلول ستينيات القرن الماضي التحدي الصحي الرئيسي الماثل أمام البلد، واقترنت بالإبلاغ عن 80,000 حالة إصابة بها سنوياً حسبما تشير إليه التقديرات.
ويمكن بالمقام الأول ردّ نجاح الجزائر في دحر المرض لاحقاً إلى حصول القوى العاملة الصحية فيها على تدريب جيد، وتقديم خدمات تشخيص مرضى الملاريا وعلاجهم بفضل الرعاية الصحية الشاملة، وتوجيه الاستجابات السريعة لفاشيات المرض.
وتحدثت الدكتورة ماتشيديسو مويتي مديرة المنظمة الإقليمية لأفريقيا قائلة: "إن الجزائر هي البلد الذي اكتشف فيه طفيلي الملاريا لأول مرة بين صفوف البشر منذ قرابة قرن ونصف القرن من الزمان، وكان ذلك بمثابة معلم هام في ميدان الاستجابة لهذا المرض".
وأضافت مويتي: "أثبتت الجزائر الآن لبقية بلدان أفريقيا أن الملاريا مرض يمكن دحره بفضل قيادة البلد والإجراءات الجريئة والاستثمارات والعلوم السليمة، وبإمكان بقية البلدان بالقارة أن تستخلص العبرة من هذه التجربة"، وفق ما جاء بموقع منظمة الصحة العالمية.