بعد ساعات قليلة من محاولة اغتيال إسرائيل لفؤاد شكر، أحد كبار المسؤولين في حزب الله٬ في هجوم بطائرة بدون طيار في الضاحية الجنوبية ببيروت٬ مساء الثلاثاء 30 يونيو/تموز 2024٬ أعلنت حركة حماس استشهاد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في انفجار وسط العاصمة الإيرانية طهران فجر الأربعاء.
وفي الوقت الذي لم تتبن دولة الاحتلال بعد عملية اغتيال هنية بشكل رسمي٬ من الصعب تصديق أن عمليتي الاغتيال في بيروت وطهران خلال ساعات قليلة "مجرد صدفة" كما تقول صحيفة هآرتس العبرية٬ التي ترى أن الاغتيالات في إيران ولبنان ستقود الشرق الأوسط إلى "حريق إقليمي".
وتقول هآرتس إن إيران ستجد صعوبة الآن في احتواء عملية الاغتيال التي وقعت على أراضيها٬ مشيرة إلى أن الأضرار التي وقعت بعد عملية الاغتيال هذه ستقوض فرص تحقيق أي انفراجة في مفاوضات إنهاء الحرب وتبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل.
هآرتس: "إيران لن تمرر اغتيال هنية"
تقول هآرتس إن إسماعيل هنية وفؤاد شكر هما أبرز شخصيتين في حماس وحزب الله يتم اغتيالهم منذ أن بدأت الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، والعمليتان اللتان تشيران إلى "مستوى عالٍ من التخطيط والمعلومات الاستخبارية الدقيقة والقدرة على التنفيذ، لا تستهدفان التنظيمات فقط، بل تستهدف من يدعمها٬ أي إيران".
وجاء هنية إلى طهران للمشاركة في مراسم أداء الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان اليمين الدستورية بعد فوزه بالانتخابات. والآن، سيكون للنظام الإيراني أيضاً دور مركزي في اتخاذ القرارات المتعلقة بطبيعة الرد٬ على اغتيال هنية.
وتقول هآرتس إنه "ربما نواجه حلقة من التصعيد الإضافي في الحرب، إلى حد احتمال نشوب صراع إقليمي أوسع. وسوف تجد إيران صعوبة في عدم الرد على عملية اغتيال وقعت على أراضيها". بعدما كان يُنظر إلى كل من إيران وحزب الله حتى الآن على أنهما يحاولان إبقاء الحرب مع إسرائيل تحت عتبة الحرب الشاملة.
وأعلن المرشد الإيراني علي خامنئي، بأن "إسرائيل مهدت الطريق باغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس الشهيد إسماعيل هنية، لمعاقبتها بقسوة"٬ حيث توعد المرشد إسرائيل، "برد قاسٍ"٬ وقال: "إنّ الثأر لدم الشهيد إسماعيل هنيّة، في هذه الحادثة المريرة والصعبة، التي وقعت في حرم الجمهورية الإسلامية، واجبٌ علينا".
وإسماعيل هنية (62 عاماً) من مواليد مخيم الشاطئ للاجئين بغزة، وكان ضمن المجموعة الأولى المؤسسة لحركة حماس التي تزعمها الشيخ أحمد ياسين في قطاع غزة عام 1987. وبعد اغتيال الياسين والدكتور الرنتيسي ومسؤولين آخرين على يد إسرائيل في الانتفاضة الثانية، تولى هنية تدريجياً قيادة الحركة.
وفي اللحظات الأولى لهجوم السابع من أكتوبر على المستوطنات الإسرائيلية٬ انتشر مقطع فيديو لهنية وهو يؤدي صلاة الشكر على نجاحها وخلفه عدد من قادة حماس. حيث تقول هآرتس إنه بعد هذا المشهد٬ "قررت إسرائيل ضرب جميع قادة حماس في الداخل والخارج، ردا على دورهم في الهجوم". وهنية هو ثاني قيادي كبير يتم اغتياله خلال هذه الحرب في الخارج، بعد صالح العاروري مسؤول حماس في الضفة٬ الذي اغتيل في يناير/كانون الثاني في بيروت.
كيف تستعد إسرائيل للرد على هجومي بيروت وطهران؟
تقول هآرتس٬ إن إسرائيل تستعد الان لاحتمال وقوع هجمات انتقامية في المناطق بعد اغتيال هنية وكذلك فؤاد شكر٬ لكنها تأمل في "احتواء الصراع ومنع تصعيده إلى حرب شاملة في الشمال".
ويُعد شكر، البالغ من العمر 62 عاماً، أحد آخر كبار ومحاربي الجناح العسكري لحزب الله الذين بقوا على قيد الحياة حتى يومنا هذا. بدأ العمل في صفوف الحزب منذ عام 1982. وتقول الصحيفة العبرية إنه في تشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام، شارك مع عماد مغنية (الذي اغتيل في عام 2008) في التخطيط للعملية الانتحارية الأولى في صور، والتي قُتل فيها العشرات من جنود الجيش الإسرائيلي وأفراد الشاباك. وعلى مر السنين، ارتبط فؤاد شكر بقتل عشرات الإسرائيليين الآخرين.
ورفع الجيش الإسرائيلي حالة التأهب الليلة الماضية، نظرا لاحتمال رد عسكري من حزب الله في جميع أنحاء البلاد بعد الهجوم على فؤاد شكر، وتم ملاحظة حركة نشطة للطائرات المقاتلة في السماء، في حال حاول حزب الله إطلاق طائرات مسيرة هجومية رداً على ذلك.
وفي الأيام الأخيرة، جرت محادثات متعددة بين كبار المسؤولين في النظام الأمني الإسرائيلي ونظرائهم الأمريكيين، وسعت الولايات المتحدة للتأكد من أن إسرائيل "حريصة على عدم إشعال حرب شاملة في الشرق الأوسط وأنها راضية عن هدف محدد٬ بعد حادثة مجدل شمس".
وكان وزير الدفاع يوآف غالانت قد أعلن أمس بعد الهجوم الإسرائيلي أن حزب الله "تجاوز الخطوط الحمراء". ومن المرجح من وجهة نظر حزب الله أن تكون الخطوة الإسرائيلية أيضاً تجاوزاً لخط أحمر يجب الرد عليه بقسوة. وهنا يطرح سؤال آخر أثقل٬ وهو كيف ستتمكن إسرائيل من تحقيق استقرار على الحدود الشمالية وإعادة سكان المنطقة الحدودية البالغ عددهم 60 ألف نسمة إلى منازلهم٬ بعد عشرة أشهر على خروجهم٬ في ظل هذا التصعيد؟ تتساءل هآرتس. فحتى لو لم يؤد الهجوم في بيروت إلى حرب شاملة، فلا توجد حتى الآن طريقة لاستعادة الاستقرار على الحدود اللبنانية.
وفي هذه اللحظة٬ أي بعد اغتيال إسماعيل هنية٬ يبدو أن التوصل إلى صفقة مع حماس ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، على أن يعقب ذلك بذل جهود أميركية سريعة لتهدئة الشمال٬ قد وصل إلى طريق مسدود بشكل كامل.
والآن٬ حكومة نتنياهو٬ والجيش الإسرائيلي ليسا قريبين على الإطلاق من حل المأزق الاستراتيجي في غزة والشمال. وتضيف هآرتس: "لقد نفد صبر الإسرائيليين منذ زمن طويل، ولم يعد أحد منهم إلى منزله سوى قليل٬ وأصبحت حياة العائدين غير آمنة٬ ولا أحد يستطيع التنبؤ كيف ومتى سيعود السلام إلى المناطق الحدود في مثل هذه الظروف".