تمثل الصواريخ القوة الضاربة في الجيوش، وارتبط اسمها بالرؤوس النووية التي قد تفني العالم، أكثر من أي سلاح آخر، ولكن الصواريخ نوعان رئيسان بينما اختلافات كثيرة، وفي هذا التقرير نجيب عن سؤال شائع لدى الكثيرين؛ وهو ما الفرق بين الصواريخ الباليستية والكروز، وأيهما أكثر قوة وسرعة ودقة، وقدرة على تحقيق أهداف الجيوش؟
متى ظهرت الصواريخ الباليستية؟
دخلت الصواريخ الباليستية حيز الاستخدام لأول مرة خلال الحرب العالمية الثانية، عندما استخدم الألمان صاروخاً باليستياً يسمى V-2 لمهاجمة لندن. لم تتمكن الدفاعات الجوية البريطانية المصممة لوقف الطائرات من إيقاف صواريخ V-2، لأن الصواريخ حلقت على ارتفاعات عالية إلى الغلاف الجوي العلوي وتحركت بسرعة كبيرة.
بعد الحرب، قامت الولايات المتحدة، بمساعدة التكنولوجيا والعلماء الألمان، ببناء ترسانتها الخاصة من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات الأكثر قوة والقادرة على إطلاق العنان للتدمير النووي على أهداف على الجانب الآخر من العالم. كما قام الاتحاد السوفييتي والصين ببناء صواريخ باليستية عابرة للقارات أيضاً، الأمر الذي أدى إلى إنشاء عالم؛ حيث يمكن ردع الحرب النووية عبر احتمال التدمير المتبادل المؤكد.
الصواريخ الكروز جاءت من ذات البلد
في عام 1944، خلال الحرب العالمية الثانية، نشرت ألمانيا أول صواريخ كروز التشغيلية.
يحتوي V-1، الذي يُطلق عليه غالباً القنبلة الطائرة، على نظام توجيه جيروسكوب ويتم دفعه بواسطة محرك نبضي بسيط، وقد أطلق على صوته لقب "القنبلة الطنانة" أو "doodlebug". كانت الدقة كافية فقط للاستخدام ضد أهداف كبيرة جداً (المنطقة العامة للمدينة)، في حين كان مدى 250 كيلومتراً أقل بكثير من مدى قاذفة قنابل تحمل نفس الحمولة.
كانت المزايا الرئيسية هي السرعة (وإن لم تكن كافية للتفوق على الصواريخ الاعتراضية المعاصرة التي تعمل بالمروحة) وقابلية الاستهلاك. كانت تكلفة إنتاج صاروخ V-1 مجرد جزء صغير من تكلفة إنتاج صاروخ باليستي من طراز V-2 برأس حربي مماثل الحجم.
على عكس V-2، تطلبت عمليات النشر الأولية لـ V-1 منحدرات إطلاق ثابتة كانت عرضة للقصف.
قام الأمريكيون بعد الحرب العالمية الثانية بتصميم عكسي للتصميم الألماني V-1 الرائد، وأطلق عليه صاروخ كروز Republic-Ford JB-2، كما طور الاتحاد السوفييتي نماذج تجريبية لصواريخ كروز.
في حين كانت الصواريخ الباليستية هي الأسلحة المفضلة للأهداف الأرضية، اعتبر الاتحاد السوفييتي صواريخ كروز ذات الأسلحة النووية والتقليدية الثقيلة سلاحاً أساسياً لتدمير مجموعات حاملات الطائرات البحرية الأمريكية.
إليك الفرق بين الصواريخ الباليستية والكروز، فيما يتعلق بالتصميم وطريقة الطيران
الفرق بين الصواريخ الباليستية والكروز فيما يتعلق بالتصميم وكيفية الطيران كبير وجوهري.
فصواريخ كروز هي مقذوفات موجهة تتحرك عبر دفع من محرك نفاث أو من محرك مروحي، ويمكنها الطيران على ارتفاعات منخفضة وتتبع مساراً مرناً (يمكن تغييره أثناء الطيران) وقادرة على توجيه ضربات دقيقة، وأسلوب عملها قريب من الطائرة، حتى إن بعض محركاتها تشبه محركات الطائرات.
في المقابل، فإن الصواريخ الباليستية هي أسلحة غير موجهة تعمل بالطاقة الصاروخية (المحركات الصاروخية) وتتبع مساراً مرتفعاً ومقوساً قبل أن تهبط نحو هدفها.
فالصاروخ الباليستي هو الصاروخ الذي له مسار باليستي على معظم مسار طيرانه، (قوسي)، ما يعنيه ذلك هو أنه بمجرد أن يحرق الصاروخ الوقود الذي يدفعه، يستمر الصاروخ في التحرك، بنفس الطريقة التي تفعلها الرصاصة بعد إطلاقها من البندقية، وفقاً لاتحاد العلماء الأمريكيين.
بمجرد نفاد الوقود، لا يمكن تغيير اتجاه الصاروخ الباليستي. ويتبع مساراً تحدده سرعة انطلاقه وقوة الجاذبية التي تحاول سحبه مرة أخرى نحو سطح الأرض. في النهاية، تقوم الجاذبية بتوجيه الصاروخ وحمولته، التي قد تكون متفجرة أو سلاحاً كيميائياً أو بيولوجياً أو جهازاً نووياً، نحو هدفه.
فكر في مسار طيران الصاروخ الباليستي باعتباره قوساً كبيراً يحلّق لأعلى ثم يعود لأسفل مرة أخرى، في حين أن مسار صاروخ كروز، أقرب إلى الخط المستقيم.
السرعة.. أحدها يطير بـ24 ضعف سرعة الصوت
الصواريخ الباليستية هي عادة ما تكون أسرع بكثير.
بالنسبة للصواريخ الباليستية العابرة للقارات، يمكن أن تحلق بسرعة حوالي 24000 كيلومتر في الساعة (15000 ميل في الساعة)، وتصل سرعة الصاروخ UGM-133 Trident II الأمريكي لنحو 29 ألف كيلومتر في الساعة أي نحو 24 ماخ (سرعة الضوء).
في المقابل، فإن قلة من الصواريخ الكروز التي تتخطى سرعتها سرعة الصوت.
ولذا يمكن القول الفرق بين الصواريخ الباليستية والكروز في مجال السرعة هو لصالح الباليستية، رغم أن هناك توسعاً حدث في السنوات الأخيرة في الصواريخ الكروز الأسرع من الصوت.
ولقد قطع الروس والصينيون تحديداً شوطاً كبيراً فيما يعرف بالصواريخ الكروز فرط صوتية، بينما الغرب متأخر في هذا المجال.
المدى والارتفاع عن الأرض.. نقيضان
يمكن للصواريخ الباليستية أن تغطي مسافات كبيرة ويتم إطلاقها عادةً في رحلة فضائية شبه مدارية عالية.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، اختبرت كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً عابراً للقارات وصل ارتفاعه إلى 2800 ميل (4500 كيلومتر) قبل أن يهبط مرة أخرى إلى الأرض.
وهناك أربعة تصنيفات عامة للصواريخ الباليستية بناءً على مداها، أو المسافة القصوى التي تقطعها نحو الهدف
قصيرة المدى: أقل من 1000 كيلومتر (حوالي 620 ميلاً)، والمعروفة أيضاً باسم الصواريخ الباليستية "التكتيكية".
متوسط المدى: بين 1000 و3000 كيلومتر (حوالي 620-1860 ميلاً)
صواريخ مداها فوق المتوسط: بين 3000 و5500 كيلومتر (حوالي 1860-3410 ميلاً).
طويلة المدى: أكثر من 5500 كيلومتر (حوالي 3410 أميال)، والمعروفة أيضاً باسم عابرة القارات.
الدول الوحيدة التي تمتلك صواريخ باليستية عابرة للقارات هي روسيا والولايات المتحدة والصين وفرنسا والهند وكوريا الشمالية والمملكة المتحدة.
والصواريخ الباليستية العابرة للقارات، يمكن أن تستمر رحلتها حوالي 20 دقيقة، والجزء الأوسط من الرحلة يكون خارج الغلاف الجوي، ثم تبدأ المرحلة النهائية عندما يعود الرأس (الرؤوس الحربية) المنفصلة إلى الغلاف الجوي للأرض وتنتهي بسقوطه على الهدف.
مدى عدة صواريخ أمريكية وروسية باليستية عابرة للقارات يصل إلى 12 ألف كلم.
عادة ما يكون مدى الصواريخ كروز يكون أقل من الباليستية، ولكن بعض صواريخ كروز يصل مداها إلى 10 ألف كلم مثل صاروخ SM-62 Snark الأمريكي.
بينما يطور الروس صاروخ كروز يحمل اسم 9M730 Burevestnik، عابراً للقارات يعمل بالطاقة النووية يقولون إنه قادر على اختراق أي نظام دفاع صاروخي اعتراضي. ويقال إن مداه نحو 20 ألف كلم، بينما تفيد بعض التقارير بأنه نطاقه غير محدود؛ لأنه يعمل بمحرك نووي قادر نظرياً على توليد الطاقة دون توقف (مثل الغواصات النووية)، ويمكنه تفادي الدفاعات الصاروخية.
أي أنه فيما يتعلق بالفرق بين الصواريخ الباليستية والكروز بالنسبة للمدى، فإنه يأتي لصالح الباليستية على الأقل حتى الآن
أيهما يحمل أسلحة نووية
يمكن أن تحمل جميع الصواريخ الباليستية طويلة المدى تقريباً وأنواع مختلفة من صواريخ كروز رؤوساً حربية نووية.
وهذه الرؤوس الحربية أكثر تدميراً بعشرات إلى مئات المرات من القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما خلال الحرب العالمية الثانية.
والعديد من الصواريخ الباليستية عابرة القارات تكون متعددة الرؤوس مثل الصاروخ الروسي R-29RMU2 Sineva الذي يُطلق من الغواصات ويمكنه حمل أربعة رؤوس حربية، أي أنه فيما يتعلق بالفرق بين الصواريخ الباليستية والكروز بالنسبة للحمولة فإن التفوق يأتي لصالح الباليستية، رغم أن كليهما قادر في الغالب على حمل أسلحة نووية.
القدرة على المناورة والتخفي
يمكن للأنظمة الدفاعية محاولة اعتراض الصواريخ الباليستية، خاصة غير السريعة، لأنها لا تمتلك القدرة على المناورة، وبالتالي يمكن توقع مسارها.
بينما الصواريخ كروز تسير بمحاذاة الأرض على ارتفاع منخفض، إذ تبقى في الغلاف الجوي طوال مدة رحلتها، ويمكن أن تطير على ارتفاع منخفض يصل إلى بضعة أمتار، وهذا الارتفاع المنخفض يستهلك المزيد من الوقود ولكنه يجعل من الصعب للغاية اكتشاف صاروخ كروز من قبل أجهزة الرادار.
كما أنه يمكن لصواريخ كروز أن تختبئ من أنظمة الرادار عبر الالتفاف حول التضاريس مثل (الجبال)، فيما يطلق عليه معانقة التضاريس، مما يجعل من الصعب اكتشافها واعتراضها.
ولذا ففي شق المناورة والتخفي فإن الفرق بين الصواريخ الباليستية والكروز يكون لصالح الأخيرة بشكل كبير.
الدقة.. تفوق واضح لصواريخ كروز
عادة الصواريخ الباليستية أقل دقةً من الصواريخ الكروز؛ لأنها تعتمد في تحديد مسارها على حساب العلاقة بين وزن الصاروخ وقوة الدفع والجاذبية، كما أن عامل الرياح له تأثير وقد يصعب حسابه بدقة أحياناً.
في المقابل، تعتمد صواريخ كروز، على التعرف على المعالم الطبيعية (مثل الجبال) لتحديد مسارها، والخرائط الإلكترونية، وأنظمة تحديد المواقع العالمية (GPS) والتوجيه بالقصور الذاتي، والذي يستخدم أجهزة استشعار الحركة والجيروسكوبات لإبقاء الصاروخ على مسار طيران مبرمج مسبقاً.
مع اقتراب صواريخ كروز المتقدمة من هدفها البعيد، يمكن للمشغلين استخدام كاميرا مثبتة في مقدمة الصاروخ لرؤية ما يراه الصاروخ. وهذا يمنحهم الخيار، لتوجيه الصاروخ يدوياً إلى هدفه أو لإحباط الضربة.
يمكن لصواريخ كروز أن تحمل أنواعاً مختلفة من الرؤوس الحربية وتستخدم لضربات دقيقة وبعيدة المدى على أهداف محددة، مثل المنشآت العسكرية أو البنية التحتية أو الأهداف ذات القيمة العالية.
إن قدرة صواريخ كروز على التنقل والتكيف أثناء الرحلة توفر لهم درجة عالية من الدقة.
الخلاصة
تشتهر الصواريخ الباليستية بسرعتها العالية وقدراتها بعيدة المدى، وعادة الحمولة الأكبر؛ مما يجعلها مناسبة لتوجيه ضربات استراتيجية أو بعيدة المدى (وهي أكثر جدوى مع الأسلحة النووية).
ولكن على عكس صواريخ كروز، فإنها تفتقر إلى القدرة على المناورة أثناء الطيران، ولكنها تعتمد على سرعتها العالية ومسارها للوصول إلى أهدافها المقصودة، وهي تشكل عنصراً رئيسياً في الترسانات العسكرية للعديد من البلدان.
الصواريخ الباليستية متوسطة أو قصيرة المدى وغير السريعة معرضة بشكل كبير للإسقاط من أنظمة الدفاعات الجوية الحديثة، عكس صواريخ الكروز التي تحلِّق قرب سطح الأرض أو الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي تطير بارتفاعات شاهقة وبسرعات عالية.
بصفة عامة الصواريخ الباليستية سلاح أكثر استراتيجية وأكثر ملاءمة للأسلحة النووية والأهداف البعيدة وذات المساحة الكبيرة، بينما الصواريخ الكروز أكثر ملاءمة للأهداف الأصغر أو المتحركة؛ وبالتالي التي تحتاج إلى دقة، كما أن مداها أقل نسبياً من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، إضافة لأنها عادة أكثر تكلفة.