نظرة أعمق: ضغوط أمريكية و”حملات تشويه” لبنانية وراء إلغاء زيارة قائد الجيش لواشنطن

عربي بوست
تم النشر: 2025/11/18 الساعة 18:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/11/18 الساعة 18:43 بتوقيت غرينتش
اجتماع سابق للحكومة اللبنانية/ رويترز

أصبحت الزيارة التي كان من المنتظر أن يقوم بها قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل إلى الولايات المتحدة في حُكم الإلغاء، وفقاً ما أكدته مصادر حكومية وعسكرية لبنانية لـ"عربي بوست"، وأوضحت أن هيكل تلقّى خلال الـ48 ساعة الماضية سلسلة من الإشعارات المتلاحقة تشير إلى إلغاء أو تعليق عدد من اللقاءات الأساسية التي كانت مقرّرة خلال رحلته.

المعلومات التي توصل بها "عربي بوست" كشفت أن هذا التطور الملفت الذي شهدته علاقة قيادة الجيش اللبناني بإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ساهمت فيها أطراف داخلية وخارجية مارسن مجموعة من الضغوط على الإدارة الأمريكية لعرقلة زيارة قائد الجيش اللبناني إلى واشنطن، نكشف تفاصيلها من خلال هذا التقرير.

ما الجديد في القصة؟

بينما كانت القيادة العسكرية اللبنانية تستعد لرحلة يُفترض أن تعيد تثبيت العلاقة مع إدارة دونالد ترامب وتحشد الدعم المالي والسياسي للجيش اللبناني، تحوّلت الزيارة المنتظرة لقائد الجيش اللبناني خلال ساعات إلى أول انتكاسة حقيقية في علاقة الجيش بالإدارة الأميركية منذ عقدين.

مصادر عسكرية رفيعة في بيروت أكدت لـ"عربي بوست" أن الإلغاء "لم يكن تقنياً أو ظرفاً بروتوكولياً"، بل جاء بعد حملة ضغط نُسجت داخل الكونغرس ومجلس الشيوخ والبيت الأبيض، قادها مجموعة من النواب الجمهوريين، أبرزهم جوني إرنست وتوم حرب وليندسي غراهام، وغيرهم من المؤيدين لإسرائيل في إدارة ترامب.

الهجوم الأمريكي تركز حول البيان العسكري للجيش اللبناني الذي اتّهم فيه بشكل واضح إسرائيل بانتهاك السيادة اللبنانية واستهداف دورية القوات التابعة لأمم المتحدة "اليونيفيل"، ورغم أنّ البيان لم يتضمّن ما يُعدّ استثنائياً في السياق اللبناني، إلا أنه شكّل في واشنطن الشرارة التي استُخدمت لتبرير التصعيد.

مصادر حكومية لبنانية قالت لـ"عربي بوست" إن الأميركيين تعاملوا مع البيان كـ"خروج عن الخط السياسي المقبول" الذي تضعه واشنطن للبنان منذ وقف إطلاق النار في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2024، رغم أن الجيش اللبناني وثّق تلك الخروق بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان.

خلف كواليس أزمة الجيش اللبناني وواشنطن

مصادر حكومية لبنانية رفيعة كشفت أن نائبة الموفد الأميركي للشرق الأوسط، والمسؤولة عن ملف لبنان، مورغان أورتاغوس، شنّت قبل شهر هجوماً قاسياً على أداء الجيش خلال اجتماع مع شخصيات لبنانية نافذة، واتّهمت العماد رودولف هيكل بـ"عدم القيام ما هو مطلوب في مواجهة حزب الله".

كما أن اللقاء الأخير الذي جمع أورتاغوس بهيكل قبل أسبوع من إلغاء ويارته إلى واشنطن، تضمّن تراجعاً نسبياً في حدّة خطابها، لكنها لم تُخفِ "عدم اقتناع واشنطن بأن الجيش يذهب بعيداً ما فيه الكفاية في ملف السلاح".

وفقاً مصادر "عربي بوست" فإن جزءاً كبيراً من التصعيد لم يكن أميركياً بحتاً، بل شاركت فيه أطراف داخلية لبنانية لعبت دوراً مباشراً. ويتعلق الأمر بكل من:

  • حزب القوات اللبنانية الذي قاد خلال الأسابيع الماضية، عبر مجموعات ضغط لبنانية–أميركية في واشنطن، حملة تستهدف تشويه صورة قائد الجيش اللبناني داخل الكونغرس الأمريكي، وتقدّم الجيش اللبناني على أنه "طرف غير مستعد لتنفيذ مواجهة مع حزب الله".
  • رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع خلال لقائه الموفدة الفرنسية الخاصة إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والمستشارة الرئيسية للرئيس إيمانويل ماكرون آن كلير لاجاندر طالبها بالضغط على الجيش اللبناني للبدء بحصر السلاح في مناطق شمال نهر الليطاني.
  • مجموعات ضغط لبنانية، مقيمة في واشنطن وتعمل في مؤسسات ومراكز أميركية عقدت لقاءات خلفية مع كبار موظفي الكونغرس ومجلس الأمن القومي الأميركي، وقدّمت ملفات تتضمن اتهامات لهيكل بـ"التساهل مع الحزب".
  • مجموعات الضغط اللبنانية عملت على تكريس رواية تقول إن الجيش اللبناني "يغطي الحزب بشكل غير مباشر ولا يطبق الخطة، ويغض النظر عن إعادة الحزب لترميم بنيته العسكرية عبر السكوت عن تمرير أسلحة عبر معابر مع سوريا، أو عبر البحر".

ماذا يقول الرئيس اللبناني؟ وفقاً المصدر الحكومي الذي تحدث لـ"عربي بوست"، فإن كلام رئيس الجمهورية جوزيف عون عن قيام بعض اللبنانيين "بخ السم" في واشنطن ضده وضد الجيش، مرتبط بالحملات التي تشنها أطراف مختلفة في الولايات المتحدة للتحريض على الرئاسة والجيش.

بحسب هذه المصادر، فإن الرسائل التي تُرسل إلى الكونغرس من إسرائيل أولاً ومن بعض الأطراف اللبنانية المناهضة لحزب الله، تحاول إقناع الأميركيين بأن الدولة ضعيفة وأن الجيش غير قادر على الاحتكار السلاح"، وأن الحل يجب أن يأتي عبر "ضغط خارجي مباشر" يعيد رسم توازنات الداخل.

وتحذر المصادر من أن هذا الخطاب يرتقي إلى مستوى محاولة إعادة تعريف الدولة نفسها: من يقرر؟ من يتحدث باسمها؟ وما حدود سيادتها؟".

ماذا نفهم خلف السطور؟

مصادر عسكرية لبنانية كشفت أن الحملة الحالية ليست منفصلة عما جرى قبل أسابيع، حين تحوّلت حادثة صخرة الروشة إلى مادة تحريضية لتشويه موقع قائد الجيش اللبناني، وتمّ تضخيمها كحادثة "تمس بالهيبة"، قبل أن تُستخدم لاحقاً كجزء من ملف ضغط في واشنطن، التي رفض فيها الجيش الدخول في مواجهة مع أنصار حزب الله خوفاً من حدوث "فتنة داخلية" تستغلها إسرائيل.

وتقول المصادر لـ"عربي بوست" إن مجموعات سياسية، بعضها من داخل الدولة وبعضها ممول من الخارج، تدفع منذ فترة صوب "شيطنة الجيش اللبناني"، وتقديم قيادة الجيش اللبناني على أنها "متراخية"، وأن "الدولة عاجزة عن ضبط سلاح حزب الله".

وأضافت أن بعض تلك الجهات بدأت تروّج داخل واشنطن أن الجيش قد "لا يكون شريكاً مثالياً" للولايات المتحدة، وأن إعادة تقييم المساعدات يجب أن تأخذ في الحسبان "مدى استعداد الجيش لمواجهة الحزب"، وأشارت في اللقاءات التي وصلت أصداءها للبنان والتي تروج في واشنطن أن عقيدة الجيش القتالية لا تزال تنظر إلى إسرائيل كـ"عدو".

كيف يمكن أن تتطور الأمور؟

مصدر حكومي لبناني أكّد لـ"عربي بوست" أن قائد الجيش اللبناني العماد هيكل فكّر خلال الأيام الماضية في تعليق المرحلة التالية من خطة حصر السلاح إذا لم توقف إسرائيل خروقاتها وقصفها واستفزازاتها في الجنوب.

وبحسب المصدر، قال هيكل في جلسة حكومية إن "تنفيذ الخطة في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية هو أمر غير واقعي، وسيؤدي إلى استغلال الجيش وإحراجه مع السكان". واعتبر أن أي خطة أمنية تتطلب "توازناً في الالتزام: انسحاباً إسرائيلياً من النقاط المحتلة ووقفاً للقصف مقابل استمرار الجيش في الخطة."

وأكدت المصادر أن المرحلة الأولى من الخطة "ستكتمل أواخر العام"، لكن تنفيذ المراحل التالية "مرتبط بالظروف الميدانية والسياسية". وبالتوازي أكدت مصادر حكومية أنه لم يصل أي قرار رسمي من واشنطن بوقف المساعدات العسكرية، لكن ما حدث يُعدّ رسالة سياسية صريحة بأن العلاقات دخلت مرحلة جديدة.

وتشير المصادر إلى أن واشنطن بدأت فعلياً بمراقبة خطاب الجيش ومواقفه، وأن أي بيان أو موقف رسمي قد يُفسَّر على أنه "انحياز" سيؤدي إلى مزيد من الضغوط، وربما إلى تعليق بعض بنود برامج التدريب والدعم، كما أكدت أن مؤتمرات دعم الجيش مجمّدة فعلياً منذ أشهر، واستئنافها يحتاج إلى "مناخ سياسي جديد وضمانات واضحة" من القيادة العسكرية والحكومة.

ما يمكن أن نقرأه خلف السطور

تجمع معظم مصادر القرار التي تحدّثت لـ"عربي بوست" على أن ما حصل ليس عارضاً، بل بداية تحول حقيقي في كيفية تعامل واشنطن مع الجيش اللبناني.

وتوضح المصادر أن الجيش اللبناني يدخل مرحلة تدقيق سياسي غير مسبوقة، وإن الضغط الأميركي لن يتراجع، خاصة مع اقتراب لحظة الانتخابات البرلمانية اللبنانية واحتمال تأجيلها، وتصاعد التوتر مع إسرائيل، وتزايد مطالب الكونغرس بربط المساعدات بتقدّم ملموس في "مواجهة حزب الله".

وتبقى الرسالة الأميركية واضحة: "لم يعد الجيش خارج دائرة المحاسبة، ولم يعد مسموحاً له أن يكون محايداً بالكامل في الجنوب". وبين الضغوط الخارجية والحملات الداخلية، يجد الجيش نفسه أمام أكبر اختبار سياسي–أمني منذ عقدين، فيما تبدو بيروت مقبلة على مرحلة من الضغط المركّب الذي يطال الدولة والرئاسة والجيش في آن واحد.

تحميل المزيد