ما الجديد؟
- القاهرة عادت بقوة إلى الساحة اللبنانية بعد سنوات من الغياب النسبي، عبر مسار مزدوج: أمني–سياسي تقوده زيارة رئيس المخابرات العامة اللواء حسن محمود رشاد إلى بيروت، ومسار حكومي–اقتصادي تُوِّج باجتماع اللجنة العليا المشتركة بين مصر ولبنان في القاهرة، وتوقيع حزمة اتفاقات تعاون.
- مصادر مصرية ولبنانية مطّلعة (تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها) تقول إن القاهرة تدفع بمبادرة تستهدف فرملة (وقف) أي توجّه إسرائيلي لشن حرب موسعة على جنوب لبنان، عبر تسوية تدريجية تربط بين:
- انسحاب إسرائيلي من خمس نقاط في الجنوب ما زالت موضع نزاع،
- خطوات لبنانية منظمة تجاه تنظيم سلاح حزب الله وترتيب وضعه تحت مظلة الدولة أو تجميد جزء من قدراته الثقيلة،
- وضمانات أميركية – وإسرائيلية مشروطة – بعدم توسيع الحرب.
(هذه التفاصيل كما توردها المصادر المشاركة في المشاورات، ولا تزال قيد التفاوض وليست اتفاقاً نهائياً معلناً.)
لماذا يهمنا الخبر؟
- تقدير القاهرة أن أي حرب واسعة جديدة في لبنان لن تبقى محصورة في الحدود الشمالية لإسرائيل:
- خطر توسّع الجبهة ليشمل سوريا والعراق واليمن،
- تهديد الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس مع تصاعد نشاط حلفاء إيران المسلحين،
- إرباك المسار الهشّ لوقف إطلاق النار في غزة.
- في المقابل، تمضي الحكومة اللبنانية في مسار سياسي حساس يتصل بحصر السلاح بيد الدولة، استجابةً لضغوط داخلية وخارجية، بما فيها التفاهمات المرتبطة بوقف الأعمال العدائية مع إسرائيل في أواخر 2024 وبداية 2025، وقرارات لاحقة تدعو إلى خطة لنزع سلاح الميليشيات، وعلى رأسها حزب الله، بحلول نهاية 2025، وسط انقسام لبناني حاد وتشكيك في قابلية التنفيذ.
- الرهان المصري: منع انزلاق هذا المسار إلى فراغ أمني أو حرب أهلية، ومنع إسرائيل من استغلال لحظة الانتقال الداخلي في لبنان لفرض وقائع ميدانية دائمة في الجنوب.
ما الذي نسمعه من الكواليس؟
بحسب مصادر دبلوماسية وأمنية مصرية ولبنانية مطلعة على الاتصالات:
- مبادرة من مرحلتين:
- أولاً: تثبيت وقف إطلاق النار ووقف الخروقات الإسرائيلية المتكررة في الجنوب، مقابل التزام لبناني واضح بتعزيز انتشار الجيش وتقليص حضور السلاح غير المنضبط قرب الحدود.
- ثانياً: بحث صيغة لانسحاب إسرائيلي من خمس نقاط حدودية في الجنوب، في إطار آلية رقابة ("الميكانيزم") تشمل لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا و"يونيفيل"، مع بحث توسيعها بمشاركة عربية، بينها مصر، لزيادة الضغط على تل أبيب وحماية بيروت من الابتزاز الأمني تحت عنوان "نزع السلاح". (وجود نقاط احتلال متبقية وخلافات على تطبيق القرار 1701 موثّقة في بيانات لبنانية وأممية سابقة).
- تنسيق ثلاثي–رباعي: القاهرة تتحرك على خطوط:
- بيروت (الرئاسة والحكومة والجيش)،
- واشنطن (لانتزاع التزام واضح ضد عملية برية واسعة)،
- تل أبيب (لربط أي ترتيبات أمنية بضمانات مكتوبة وليس بسياسة "التفاوض تحت النار"),
- مع إبقاء قنوات مفتوحة مع عواصم خليجية وطهران لاحتواء أي تصعيد إقليمي.
- حزب الله: رسائل غير معلنة تفيد بأن الحزب لا يعطي تعهّدات بتسليم سلاحه، لكنه يدرك كلفة حرب شاملة جديدة، ويُبقي الباب موارباً أمام ترتيبات مرتبطة:
- بوقف كامل للهجمات الإسرائيلية،
- بانسحاب من النقاط المحتلة،
- وبضمانات جدّية بعدم استغلال أي تقليص في قدراته لفرض أمر واقع جديد.
هذه الصورة تتقاطع مع مواقف علنية للحزب برفض قرارات حكومية تُحصر السلاح بالدولة واعتبارها رضوخاً للضغوط، كما في ردّه على قرارات مجلس الوزراء اللبناني في أغسطس 2025.
- الموقف المصري: وفق المصادر، القاهرة:
- ترفض عملياً منطق "منطقة عازلة بعمق 20 كلم" تفرضها إسرائيل بالقوة داخل الأراضي اللبنانية، وترى أنها وصفة دائمة لانفجار مستقبلي.
- تراهن على تقوية مؤسسات الدولة اللبنانية (الجيش، الحكومة، الرئاسة) بدل الدفع نحو صدام مباشر مع حزب الله يعجّل بانهيار داخلي.
- تسعى للحصول على تعهّدات أميركية–إسرائيلية مكتوبة بالانسحاب التدريجي من الجنوب، كجزء من صفقة أوسع.
خلف السطور
- عودة مصر إلى الملف اللبناني جزء من محاولة أوسع لاستعادة موقعها المركزي كوسيط إقليمي بعد دورها في مسارات غزة، ولمنع تحوّل الجبهة اللبنانية إلى ساحة تُدار بالكامل بين إيران وإسرائيل أو عبر قنوات غربية وخليجية منفصلة.
- القاهرة تقدّم نفسها كطرف:
- قادر على مخاطبة واشنطن وتل أبيب،
- غير معادٍ لحزب الله لكنه غير غطاء له،
- ومهتم بحماية ممرات التجارة الدولية التي تمس أمنها القومي مباشرة.
- المبادرة المصرية تتحرك على أرضية معقّدة:
- قرارات لبنانية رسمية بنزع سلاح الميليشيات تواجه رفضاً صريحاً من حزب الله،
- ضغوط أميركية وإسرائيلية للتسريع في التنفيذ،
- بيئة داخلية لبنانية هشة اقتصادياً وسياسياً، تجعل أي خطوة أمنية شاملة محفوفة بخطر التفكك المؤسسي أو الانقسام الطائفي.
العقبات الأساسية
1. إسرائيل والتفاوض تحت النار
- بحسب المصادر، ترفض الحكومة الإسرائيلية تجميد عملياتها بالكامل في الجنوب قبل رؤية خطوات ملموسة تجاه سلاح حزب الله، وتطرح تصورات لـ:
- منطقة عازلة،
- ترتيبات مراقبة مشددة،
- وربط الانسحاب من أي نقاط حدودية بخطوات أحادية من الجانب اللبناني.
- هذا النهج يتقاطع مع مواقف معلنة لتيارات يمينية في حكومة نتنياهو الرافضة لأي انسحاب غير مشروط من الجنوب. (يمكن رصد ذلك في تغطيات وتحليلات صحفية وبرلمانية إسرائيلية وغربية حديثة). Terrorism Info+1
2. حزب الله وسلاحه
- الحزب يرفض حتى الآن الصيغة المطروحة لتسليم السلاح الثقيل أو وضعه بالكامل تحت سيطرة الجيش، ويرى أن أي تخلٍ أحادي عن قوته في ظل استمرار الخروق والاحتلال يمثل مغامرة وجودية.
- أي محاولة لبنانية رسمية لفرض نزع السلاح بالقوة قد:
- تفجّر أزمة داخل الجيش ذي البنية المتعددة الانتماءات،
- وتفتح الباب أمام صدام داخلي واسع.
3. هشاشة الدولة اللبنانية
- الاقتصاد المنهك، الانقسام السياسي، غياب الثقة بين القوى اللبنانية، ووجود أكثر من ساحة نفوذ خارجي، كلها عوامل تجعل:
- تنفيذ قرارات نزع السلاح،
- وضبط الحدود الجنوبية،
- والالتزام الصارم بوقف إطلاق النار،
مسارات تحتاج إلى مظلة إقليمية–دولية متماسكة، وهو ما تحاول القاهرة البناء عليه.
ما الذي تراقبه القاهرة الآن؟
بحسب تقديرات ومتابعات دبلوماسية شاركت في المشاورات:
- موقف حزب الله النهائي: هل يقبل بصيغة تدريجية تتيح للدولة توسيع انتشارها وتقييد بعض أنشطته جنوباً، مقابل ضمانات واضحة بعدم شن حرب واسعة؟
- مدى جدية الالتزامات الأميركية–الإسرائيلية: هل ستذهب واشنطن أبعد من الضغط الكلامي لمنع عملية برية كبيرة، وتربط أي دعم لإسرائيل بالتزام بترتيبات سياسية–أمنية في لبنان؟
- بلورة موقف لبناني موحد: القاهرة تعتبر أن أي انقسام حاد بين الرئاسة والحكومة والقوى السياسية حول ملف السلاح والانسحاب سيُستخدم لتبرير مزيد من الضغط الإسرائيلي أو القفز فوق مؤسسات الدولة.
- تفعيل أو توسيع "الميكانيزم": فتح الباب أمام مشاركة عربية أوسع في آلية متابعة وقف إطلاق النار، بما يحوّلها من إطار تقني ضيق إلى مظلة سياسية تضبط الإيقاع على الحدود وتحد من هامش التصعيد.