هل مصر آمنة من تدفقات مياه سد النهضة؟.. اتهامات متبادلة مع إثيوبيا بمسؤولية السد عن فيضانات السودان “غير العادية”

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/03 الساعة 09:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/03 الساعة 09:23 بتوقيت غرينتش
اتهامات متبادلة من مصر والسودان لإثيوبيا بالمسؤولية عن الفيضان -عربي بوست

مع تزايد الحديث عن غرق أجزاء واسعة من الأراضي السودانية نتيجة الفيضانات بسبب فتح خزانات سد النهضة الإثيوبي بشكل مفاجئ، تصاعدت المخاوف في مصر من احتمال تكرار سيناريو مشابه وغرق مساحات من الأراضي المصرية، وسط تقديرات إعلامية تشير إلى ضخامة كميات المياه القادمة من إثيوبيا، في الوقت الذي تبادلت فيه السودان ومصر من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى المسؤولية عن الفيضان في السودان.

القاهرة من جانبها، وعلى لسان بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، حَمّلت إثيوبيا مسؤولية المعاناة التي يتضرر منها السودانيون الآن في عدة مناطق سودانية جراء فيضانات مدمّرة نتيجة ارتفاع منسوب مياه نهر النيل، مؤكدًا أن ذلك بسبب غياب التنسيق بشأن سد النهضة. وقال عبد العاطي في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام المصرية إن عدم التنسيق مع إثيوبيا بشأن سد النهضة أدى إلى الفيضانات المروعة في السودان، متهمًا إثيوبيا بانتهاك القانون الدولي. وأضاف أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، مؤكدًا أن المشكلة ستتفاقم في حال حدوث جفاف ممتد قد يستمر خمس سنوات، والذي يحدث مرة كل خمسين سنة، مما سيؤدي إلى أضرار كارثية لمصر والسودان، لأن نهر النيل نهر دولي يخضع للقوانين الدولية وليس لأي سلطة محلية.

وأشار عبد العاطي إلى أن مصر تتابع الأزمة عن كثب، وأن سد النهضة لم يُفرغ المياه تدريجيًا، بل تم ملؤه بشكل كامل منذ أغسطس 2024، ما أدى إلى تراكم المياه فوق السعة وفرض ضغوط هائلة على السدود السودانية، خصوصًا سد الروصيرص.

في المقابل، رفضت إثيوبيا هذه الاتهامات، وقال وزير المياه والطاقة الإثيوبي، هبتامو إيتيفا جيليتا، إن وجود السد حال دون وقوع أضرار كارثية في السودان جراء موجة الفيضانات الأخيرة، مؤكدًا أن العواقب لولا السد كانت لتكون أكثر خطورة. وشدد على أن السد يساهم في الحد من الكوارث الطبيعية من خلال تنظيم تدفقات المياه وتقليل حدة الفيضانات ومنع وصول كميات هائلة مفاجئة إلى المجرى الطبيعي.

في حين أوضح مدير مشروع سد النهضة، كيفليو أهورو، أن الأمطار الغزيرة كانت استثنائية، وأن إدارة السد اتخذت إجراءات احترازية شملت إغلاق البوابات، مع التنسيق المباشر وتبادل البيانات مع الجانب السوداني، موضحًا أن كميات المياه التي كانت ستصل إلى السودان كانت ستفوق ثلاث أضعاف الكميات الحالية بفضل السد. وأكد التزام بلاده بنشر البيانات اليومية حول تدفقات المياه الداخلة والخارجة من السد وجودة المياه.

ما حدث غير طبيعي

قال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، في تصريحات خاصة ، إن الفيضانات التي اجتاحت السودان مؤخرًا جاءت في توقيت غير معتاد، إذ ضربت البلاد في أواخر سبتمبر وأوائل أكتوبر، وهي فترة يفترض أن تشهد تراجعًا في معدلات الأمطار، لا ارتفاعها. وأوضح أن هذا الخلل المناخي ترافق مع تدفقات استثنائية من سد النهضة الإثيوبي، ما ضاعف من حجم الأزمة.

وبحسب شراقي، فإن معدل الأمطار الطبيعي في النيل الأزرق عند موقع السد يُقدّر بحوالي 300 مليون متر مكعب يوميًا، إلا أن التصريف خلال الأسبوع الماضي تخطى 750 مليون متر مكعب. وهذا يعني أن نحو 450 مليون متر مكعب جاءت من مخزون بحيرة السد بعد اكتمال عملية الملء، مؤكدًا أن أربع بوابات طوارئ تولت تصريف هذه الكميات، في ظل توقف التوربينات المخصصة لتوليد الكهرباء، رغم إصرار السلطات الإثيوبية على الإعلان عن تشغيلها.

وأضاف أن التدفق الهائل للمياه تسبب في أزمة مباشرة داخل السودان، حيث أعلنت وزارة الري هناك حالة "الإنذار الأحمر" بعد أن تجاوز منسوب النيل في الخرطوم 17 مترًا، وهو مستوى خطير يهدد السكان والبنية التحتية. ومع ذلك، شدد شراقي على أن مصر بعيدة عن دائرة الخطر بفضل السد العالي في أسوان، القادر على امتصاص أي زيادات مفاجئة في المياه. وأوضح أن القرى والمدن المصرية على ضفاف النيل محصنة بخطط طوارئ دائمة وشبكة مائية مرنة، تضمن استمرار الأنشطة الزراعية والصناعية دون تأثير يُذكر.

وفي ما يتعلق بسد النهضة، أكد الخبير المصري أن السد يعاني من أعطال أساسية منذ إنشائه، لافتًا إلى أن إثيوبيا أعلنت اكتمال الملء في 5 سبتمبر 2024، لكن واقع الأمر يكشف أن من أصل 13 توربينًا كان مقررًا تركيبها، لم يُثبت سوى أربعة، وهي متوقفة تمامًا. وأرجع ذلك إلى سبب جوهري وراء تأجيل افتتاح السد رسميًا، معتبرًا أن أديس أبابا سعت إلى إخفاء هذه الحقائق أمام شعبها. وأوضح أن امتلاء البحيرة فوق طاقتها خلال موسم الأمطار أجبر إثيوبيا على فتح بوابات الطوارئ، ما أدى إلى فيضان مفاجئ اجتاح الأراضي السودانية، وبخاصة عند سد الروصيرص الذي كان ممتلئًا أصلًا.

وأكد شراقي أن الفيضانات الحالية ليست طبيعية، بل مرتبطة مباشرة بتصرفات إثيوبيا المائية. وأوضح أن كميات المياه المصرفة يوميًا وصلت إلى 750 مليون متر مكعب، وهو ما فاقم الضغط على سد الروصيرص، محذرًا من أن استمراره على هذا النحو كان قد يهدد استقراره لولا خفض التصريف لاحقًا إلى أقل من 400 مليون متر مكعب.

أما على صعيد مصر، فقد شدد شراقي على أن السد العالي لعب دورًا تاريخيًا في حماية البلاد من كوارث مماثلة. فبدون وجوده، يقول، كانت مصر ستواجه غرقًا واسعًا في مناطقها الزراعية، وربما فقدت ما يصل إلى نصف أراضيها المزروعة نتيجة حجز إثيوبيا لنحو 100 مليار متر مكعب من المياه خلال السنوات الخمس الماضية. وتوقع شراقي أن تشهد المناسيب تراجعًا تدريجيًا خلال الأيام المقبلة، لتتلاشى الأزمة تدريجيًا. لكنه اعتبر أن ما جرى يمثل مؤشرًا خطيرًا على سوء إدارة سد النهضة، داعيًا إلى اعتماد نهج أكثر شفافية واحترافية في تشغيله، خصوصًا خلال موسم الأمطار، لتفادي كوارث مستقبلية قد تطال السودان بشكل مباشر، ومصر بشكل غير مباشر.

كارثة كبيرة

في السياق نفسه، وصف الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، الفيضانات العارمة التي اجتاحت السودان بأنها "فيضان من صنع البشر"، مؤكدًا أنها ليست مجرد كارثة طبيعية. وحمّل نور الدين إثيوبيا المسؤولية الكاملة نتيجة سوء إدارتها لملء وتشغيل سد النهضة، مشيرًا إلى أن الخطأ الأساسي تمثل في ملء بحيرة السد بكامل سعتها التخزينية البالغة 75 مليار متر مكعب، بينما لم تكن كل التوربينات جاهزة للعمل.

وقال في تصريحات خاصة ، إن السد كان يجب أن يحجز كمية لا تتجاوز 55 مليار متر مكعب بما يتناسب مع التوربينات المركبة بالفعل. وأضاف أن إثيوبيا بالغت في الملء بهدف إعلان أنها حولت مجرى النهر إلى بحيرة ضخمة، وعندما جاء الفيضان الطبيعي، لم يكن أمامها سوى فتح البوابات بشكل مفاجئ وغير منسق، ما أدى إلى تحويل الفيضان المعتاد إلى فيضان مدمر وجارف أغرق القرى والحقول في ولاية النيل الأزرق وسواها من المناطق المتأثرة.

وأشار نور الدين إلى أن هذا الواقع يؤكد صحة المطلب المصري والسوداني بضرورة وجود اتفاق ملزم ومنسق حول قواعد الملء والتشغيل لسد النهضة، لضمان عدم تكرار كوارث مشابهة مستقبلًا. وأكد أن وجود المياه في بحيرة السد يمكن أن يكون مفيدًا لمصر والسودان إذا تم تشغيل جميع التوربينات بشكل كامل ومنظم، مع ضرورة التنسيق لتجنب أي تأثير سلبي على المجاري النهرية والفيضانات المستقبلية.

كما أشار إلى أن منسوب المياه في السودان بدأ يتراجع تدريجيًا، وأن الأزمة لم تصل إلى مستوى فيضان شامل، بل صنفت وفق النظام السوداني على أنها "إنذار أحمر"، حيث تجاوزت المياه ضفاف النهر بوتيرة بطيئة دون تهديد مباشر للسكان أو المحاصيل، على الرغم من شدة الكميات المصروفة.

السودان تتهم إثيوبيا

في السودان، أعلنت وزارة الزراعة والري أن ست ولايات تأثرت بشكل مباشر بفيضان النيل هذا العام، وهي: الجزيرة، سنار، النيل الأزرق، الخرطوم، نهر النيل، والشمالية. وأوضحت الوزارة أن مناسيب المياه تجاوزت مستوى الخطر في عدة مناطق بالعاصمة الخرطوم، من بينها الشقيلاب والكلالكلة والريف الجنوبي على النيل الأبيض، إضافة إلى جزيرة توتي على النيل الأزرق.

ودعت السلطات السكان المقيمين على ضفاف النهر والجزر النهرية إلى اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية أنفسهم وممتلكاتهم من خطر السيول والفيضانات، مؤكدة أن إدارة الدفاع المدني التابعة لقوات الشرطة تتحمل المسؤولية الرئيسية سنويًا في التعامل مع تداعيات هذه الكوارث.

وفي سياق غير معتاد، صاحب فيضان هذا العام جدل واسع حول تأثيرات سد النهضة الإثيوبي، الذي افتتح رسميًا في سبتمبر/أيلول 2025. وأشارت تقارير إعلامية إلى أن السد ساهم في رفع مناسيب المياه بعد تصريف كميات كبيرة من بحيرته عبر إحدى قنوات الطوارئ، ما فاقم معاناة السكان، لا سيما في منطقة الروصيرص بولاية النيل الأزرق، الواقعة على بُعد نحو 120 كيلومترًا من موقع السد.

ورغم حرص الحكومة السودانية على تجنب الدخول في هذا الجدل بشكل مباشر، أقرّ بيان وزارة الزراعة والري ضمنيًا بوجود صلة بين ارتفاع منسوب المياه وسد النهضة، مشيرًا إلى أن: "ارتفاع مناسيب النيل والأنهار الفرعية في البلاد تزامن مع تصريف مياه بحيرة سد النهضة في إثيوبيا، إضافة إلى التغيرات المناخية وتأخر هطول الأمطار".

في الوقت نفسه، أكد رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، أن حكومته ستقوم بإجراء دراسة معمقة ومراجعة تفصيلية لملف سد النهضة الإثيوبي بالتنسيق مع كل من القاهرة وأديس أبابا. وأكد متابعة الحكومة للملف عن كثب لضمان مصالح السودان والمجتمع الإقليمي. وأشار إدريس إلى وجود تنسيق مستمر مع مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة، مؤكداً أن الهدف هو تحقيق المصالح المشتركة وحماية حقوق دولتي المصب. وقال إن الحكومة ستقوم بدراسة دقيقة ومراجعة تفصيلية للملف بالتعاون مع البلدين، لافتًا إلى علاقات التعاون التاريخية التي تربط الخرطوم بالقاهرة وأديس أبابا.

إثيوبيا تتهم مصر والسودان بـ "التشنيع" على سد النهضة

في سياق متصل، أوضح موسى شيخو، نائب المسؤول في مكتب الاتصالات الحكومي بإقليم أوروميا، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" أن الفيضانات في السودان ليست ظاهرة جديدة، بل هي أحداث معتادة تاريخيًا، وغالبًا ما تكون مدمرة. وأشار شيخو إلى أن السودان شهد على الأقل ستة فيضانات كبيرة قبل بناء سد النهضة، كان أكبرها في عام 1988، مؤكدًا أن هذه الفيضانات كانت تحدث بشكل طبيعي ودون تدخل السد الإثيوبي.

ويقول شيخو إن ما يتم ترويجه إعلاميًا حول مسؤولية سد النهضة عن الفيضانات جزء من حملة إعلامية مشتركة بين مصر والسودان تهدف إلى الضغط على إثيوبيا للحصول على اتفاق يضمن مصالح مصر بطريقة قد تضر بالجانب الإثيوبي. وأوضح أن هذه الاتهامات ترافقها نشر صور قديمة ومضللة، تم إثباتها من قبل منصات إعلامية مستقلة، فيما تبقى الحقائق الملموسة هي أن هناك زيادة في منسوب المياه بسبب تأخر موسم الأمطار، وليس نتيجة لأي تغييرات جوهرية في تشغيل السد.

وأكد شيخو أن المشرفين على سد النهضة يطبقون الخطط التشغيلية المعتادة منذ سنوات، مشيرًا إلى أن الأمطار الزائدة هذا العام جاءت ضمن المعدلات الطبيعية للزيادة الموسمية، وأنه لم يحدث أي تعديل أو تصرف غير روتيني أدى إلى الفيضانات. ومع اكتمال مشروع السد وإعلان افتتاحه، لاحظت إثيوبيا انطلاق حملة إعلامية مكثفة من الجانب المصري، تركز على ما وصفوه بعدم قانونية السد، وذلك بالتزامن مع هطول أمطار غزيرة في أعالي النيل، النيل الأبيض، وشمال إثيوبيا وأجزاء من السودان، مما ساهم في زيادة منسوب المياه.

وأشار شيخو إلى أن مثل هذه الفيضانات تحتاج إلى تقييم شامل يأخذ في الاعتبار الظروف الطبيعية الموسمية، مؤكدًا أن سد النهضة لم يغير من الروتين التشغيلي للسدود في السنوات الماضية، وأن جميع الإجراءات تمت وفق خطط مسبقة لإدارة تدفق المياه. وأكد أن الإثيوبيين ملتزمون بالشفافية في إدارة السد، وأن أي تضخيم إعلامي لمخاطر السد على السودان هو جزء من الحملة الإعلامية المصرية التي تهدف إلى التأثير على الرأي العام الدولي والسياسي.

وقال شيخو إن جميع التوربينات المخصصة لتوليد الكهرباء تعمل بكامل طاقتها، وتم إعلام المواطنين والزائرين بذلك بشكل واضح، مشددين على الشفافية في إدارة السد وتشغيله. وأوضح أن تشغيل جميع التوربينات في وقت واحد ليس أمرًا ضروريًا، بل يتم تنظيم التشغيل وفق الحاجة الفعلية للكهرباء أو زيادة الطلب على الطاقة، لضمان استخدام موارد السد بشكل مثالي دون إهدار. وأشاروا إلى أن هذا الأسلوب يسمح بتحقيق توازن بين توليد الكهرباء وإدارة المخزون المائي، بما يضمن الأمن المائي والكهربائي للمنطقة.

وأضاف أن هذه الإجراءات تتوافق مع الخطط التشغيلية الروتينية المعتمدة منذ سنوات، ولا توجد تغييرات مفاجئة أو تصرفات غير روتينية تؤثر على مستوى المياه أو تصريفها، مؤكدين أن الهدف هو الحفاظ على كفاءة السد وسلامة المنشآت والمجتمعات المحيطة. وأشار إلى أن هذه السياسة التشغيلية تتيح المرونة في مواجهة أي زيادة مفاجئة في الطلب على الكهرباء، أو ارتفاع مستويات المياه نتيجة الأمطار الموسمية، دون التأثير على الأمان العام للسد أو سلامة المناطق المجاورة.

ويجري نهر النيل لمسافة تصل إلى 6650 كيلومترًا، ويشترك في مياهه 11 دولة هي: بوروندي، رواندا، الكونغو الديمقراطية، كينيا، أوغندا، تنزانيا، إثيوبيا، إريتريا، جنوب السودان، بالإضافة إلى السودان ومصر.

تحميل المزيد