مصر أمام مأزق التخطيط لمرحلة ما بعد صندوق النقد.. مصادر: عدم الاستقرار على برنامج محلي يُأزم الموقف ومخاوف من تجدد شح الدولار

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/28 الساعة 06:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/01 الساعة 06:14 بتوقيت غرينتش
مديرة صندوق النقد الدولي ورئيس الوزراء المصري في القاهرة/ رويترز

تتزايد النقاشات في مصر بشأن مستقبل الوضع الاقتصادي للبلاد مع تصاعد مطالب بالتخلي عن روشتة صندوق النقد الدولي، والبحث عن خطة محلية لإدارة الاقتصاد حتى العام 2030، وهو ما أسفر عن إطلاق ما يسمى بـ"السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية" بالتزامن مع استعداد القاهرة لتنفيذ إجراءات صعبة مهد إليها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في مطلع هذا الشهر تتضمن زيادة كبيرة في أسعار الوقود الشهر المقبل.

وتأتي حالة الجدل، بالتزامن مع فرض الصندوق شروط لا يقبل التنازل عنها، مقابل صرف دفعات المراجعة الخامسة والسادسة لمصر بقيمة 2.5 مليار دولار، وهو ما يتبعه صرف 274 مليون دولار قيمة الشريحة الأولى، ضمن برنامج الصلابة والاستدامة، وتتمثل في تنفيذ إصلاحات في برنامج الطروحات، وخفض دعم الوقود.

مساعي لصيغة وسط مع صندوق النقد

وقال مصدر حكومي مطلع على وضع السياسات الاقتصادية داخل الحكومة المصرية، إن الحكومة لم تحسم أمرها بشأن وقف التنسيق مع صندوق النقد الدولي في الخطط المستقبلية للاقتصاد المصري عقب نهاية فترة القرض الحالي مع نهاية العام المقبل، ويرجع ذلك لأسباب عديدة بينها أن مصر بحاجة لسداد باقي قروض قد حصلت عليها من قبل، كما أن مصر لديها حصة تمويلية في الصندوق تحصل بمقتضاه على تقارير استشارية دورية سيكون لديها دور في تحديد السياسات الاقتصادية المستقبلية.

وأوضح أن النقاشات الحالية التي تجريها الحكومة مع خبراء الاقتصاد ومؤسسات مالية وهيئات اقتصادية محلية تستهدف الاستماع إلى وجهة نظرهم بشأن آليات وضع خطط محلية لضمان ثبات حالة الاستقرار الحالية حال تعرضت العلاقة بين مصر وصندوق النقد الدولي لأي هزات مستقبلية، ويبقى التخوف الأكبر من نشوب أزمة شح الدولار مجدداً مع استقرار سعر صرف الجنيه وصعوده بشكل طفيف مقابل الدولار خلال الأشهر الماضية.

وذكر أن الحكومة تواجه مشكلة تتعلق بالاتفاق على برنامج محلي يمكن أن يتم تنفيذه مع الاستعانة بالتجارب الاستشارية لصندوق النقد، وأن ما تنوي عليه مصر هو عدم الحصول على قروض جديدة من الصندوق خلال السنوات المقبلة والتركيز على سداد الديون السابقة والتي من المتوقع أن تستمر القاهرة في سدادها لما بعد اكثر من 25 عاماً ويبلغ ما يقرب من 6 مليارات دولار.

ولفت إلى أن مصر تضع في اعتبارها  أنها قد تتعرض إلى مشكلة اقتصادية في حال خرجت الأموال الساخنة من البنوك المصرية بفعل التوترات في المنطقة أو الاستمرار في خفض معدلات الفائدة، وترى بأن الاستمرار في شراكة مع صندوق النقد لإدارة الاقتصاد يخدم الثقة الدولية التي تدعم استمرار هذه الأموال لكن في المقابل فإن مصر قد لا يكون لديها القدرة على تنفيذ مزيد من القرارات الصعبة خلال السنوات المقبلة تحديداً على مستوى التخارج من الشركات الحكومية.

وشدد على أن ما يتم ترويجه في وسائل الإعلام من كون الحكومة ساعية لإنهاء علاقتها بصندوق النقد غير صحيح، وهناك مساعي للوصول إلى صيغة وسط مع الصندوق تقضي بأن يتم إتاحة الفرصة لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة مع الاستمرار في صرف باقي الشرائح المستحقة وفقاً لاتفاق العام الماضي، وهو ما يحافظ على ثبات سعر العملة على أن تتجه الحكومة على نحو أكبر لجذب الاستثمارات الأجنبية التي تضمن تدفق العملة الصعبة، ولو من خلال مشروعات استحواذ على أراضي ساحلية لإقامة مشروعات سياحية على غرار "رأس الحكمة" و"مراسي ريد".

عدم ثقة في أي مشروعات وطنية لإصلاح الاقتصاد

كانت مصر طلبت في 2022 من الصندوق قرضاً للمرة الثالثة، بقيمة 3 مليارات دولار؛ للخروج من الأزمة الاقتصادية، وأقرَّ الصندوق الموافقة بشرط تنفيذ حزمة من الإصلاحات، وفي مارس 2024 وافق صندوق النقد على رفع قيمة القرض إلى 8 مليارات دولار؛ بهدف تدعيم الإصلاحات الاقتصادية.

وأنجزت مصر 4 مراجعات بالبرنامج، تلقت خلالها نحو 3.3 مليار دولار، لكن الصندوق أرجأ في يوليو الماضي الموافقة على المراجعة الخامسة مع السادسة إلى سبتمبر الحالي؛ من أجل إتاحة مزيد من الوقت للسلطات المصرية لتحقيق الأهداف الأساسية لبرنامج الإصلاح.

وأعلنت الحكومة المصرية إطلاق "السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية"، وهي خطة تهدف إلى وضع تصور للاقتصاد المصري خلال السنوات الخمس المقبلة حتى عام 2030، وبعد انتهاء الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، المقرر أن ينتهي في نوفمبر عام 2026، وتشمل السردية التوسع في الاعتماد على القطاع الخاص، وتخفيف دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وتركز على النمو وزيادة فرص التشغيل.

ولا تعتزم الحكومة المصرية طلب قرض جديد من الصندوق بعد انتهاء الاتفاق الخاص بالقرض الحالي، بحسب تصريحات لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي في مايو الماضي. 

وأكد نائب بالبرلمان المصري، إن المأزق المصري الحالي يتمثل في عدم الثقة في أي مشروعات وطنية لإصلاح الاقتصاد، إذ أن الاعتماد على رؤى مصرية سابقة في عامي 2021 و2022 كان نتيجتها أن فقد الجنيه أكثر من نصف قيمته ووصل التضخم إلى معدلات قياسية، وهو ما تخشاه الحكومة حال قررت عدم الالتزام بشروط صندوق النقد الصعبة، مشيراً إلى أن تجاوز حاجز الثقة مع المستثمرين الأجانب يبقى أمراً صعباً وتسعى الحكومة للتغلب عليه عبر البحث عن هيئات تمويل أخرى يمكن أوروبية وآسيوية تحديداً من خلال تجمع "بريكس".

ولفت إلى أن مصر تحاول أيضا إقناع صندوق النقد بأن يمارس دوراً رقابياً على أداء الاقتصاد دون أن يتضمن ذلك اشتراطات يتم تنفيذها وذلك بعد انتهاء صرف آخر شريحة بنهاية العام المقبل، لكن الأمر بحاجة لمزيد من المفاوضات مع الصندوق لإقناعة بمثل هذه الخطوة التي من الصعب أن تتحقق دون الالتزام بالاشتراطات التي لم تنفذها مصر بعد، وفي مقدمتها إنهاء دعم الوقود والكهرباء، والتخارج الحكومي من الاقتصاد، وتستهدف مصر أن يلعب الصندوق دوراً مسانداً لها في جذب الاستثمارات الأجنبية عبر هذه الآلية الرقابية.

وذكر أن مصر تعمل على استدعاء المادة الرابعة من صندوق النقد والتي تمنح الحق لطلب زيارة خبراء الصندوق بشكل دوري على مدار العام لمراجعة الوضع الاقتصادي وإصدار تقارير تؤكد مدى سيره في طريقه السليم من عدمه، وهو ما من شأنه أن يطمئن المستثمرين، وأن القاهرة تنوي التخلي عن الدور التمويلي للصندوق بخاصة وأنها مكبلة بقروض ضخمة لابد من سدادها إليه، لكنها في الوقت ذاته تهدف للاستفادة من الجوانب الفنية والاستشارية لكن دون أن تكون ملزمة.

وشدد على أن مصر لن تتمكن من المضي قدماً في اتخاذ إجراءات اقتصادية صعبة في ظل الأوضاع الأمنية المضطربة على الحدود وهناك مخاوف من أن يصل المواطنين لدرجات عدم القدرة على التحمل، وفي حال إقرار زيادة الوقود المتوقعة فإنها ستكون الأخيرة بخاصة وان لتر البنزين سوف يتجاوز 20 جنيهاً، وسيكون لذلك انعكاسات اقتصادية ومعيشية صعبة للغاية وإن لم يكن هناك ردة فعل آنية فإن تزايد معدلات الفقر سيكون لديها مردود سلبي على تماسك المجتمع وقد تحدث حالة تفسخ تجد الحكومة صعوبات في التعامل معها.

ولفت المصدر إلى أن القاهرة أمام مخاوف عديدة بسبب اشتراطات الصندوق الحالية والتي تفرض عليها الانتقال من الدعم العيني إلى النقدي، وهي تفكر مرات عديدة قبل اتخاذ الخطوة لتأثيرها على فئات عديدة وجرى تجميدها في السابق، لكن في حال استمر الاعتماد على الصندوق فإن مثل هذه القرارات ستكون واجبة، وإذا استطاعت الحكومة من قبل إقناع الصندوق بالظروف الدولية المحيطة نتيجة تراجع عوائد قناة السويس من العملة الأجنبية وكذلك اندلاع حرب غزة فإنها قد لا تجدد المبررات ذاتها خلال السنوات المقبلة.

معارضة من جهات رسمية

كشف صندوق النقد الدولي أن مصر تواجه فجوة تمويلية تقدر بنحو 5.8 مليار دولار في 2025/2026 مقابل 11.4 مليار دولار خلال السنة المالية 2024/2025، باستبعاد التمويل المتوقع من الصندوق نفسه.

وأكد أن الحكومة المصرية نجحت في تأمين التزامات تمويلية مؤكدة لتغطية الاحتياجات خلال الأشهر الاثني عشر التي تنتهي في يناير 2026، من بينها مليار يورو حصلت عليها مصر من الاتحاد الأوروبي في ديسمبر، كجزء من حزمة تمويلية إجمالية تبلغ 5 مليارات يورو.

لكن في المقابل يشترط الصندوق على مصر تنفيذ إصلاحات أعمق، لاستكمال صرف دفعات قرض ممتد بقيمة 8 مليارات دولار، مشيراً على لسان المتحدثة باسمه جولي كوزاك، خطته لإرسال بعثة خبراء إلى مصر خريف هذا العام لمراجعة التقدم الذي أحرزته البلاد في برنامجها التمويلي مع الصندوق.

وأضافت: "مع بدء تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي في مصر، حان الوقت الآن لأن تجري مصر إصلاحات أعمق لإطلاق العنان لإمكانات النمو في البلاد".

وبحسب خبير اقتصادي مقرب من الحكومة، فإن ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي لمستويات قياسية بعد أن وصل إلى 49 مليار دولار يدفع مصر للحديث عن خطط اقتصادية بديلة لصندوق النقد من على أرضية إيجابية، بخاصة وأن هناك تحسن في السيولة الدولارية وهو ما يمنح ثقة للمستثمرين الأجانب، إلى جانب انعكاس ذلك على صعود الجنيه في مقابل الدولار، وبالتالي فإنه يمكن الصمود في حال واجه الاقتصاد أي هزات يمكن أن يترتب عليها وقف استكمال روشتة صندوق النقد الصعبة والاعتماد على أخرى بديلة، لكن المشكلة تتمثل في عدم الاستقرار على الخطط البديلة بعد.

وشدد على أن النقاشات الحالية تدور حول العودة إلى سياسات سابقة كان يعتمد عليها الرئيس الأسبق حسني مبارك عبر الارتكان إلى إيرادات الحكومة وتسريع وتيرة جذب الاستثمارات الأجنبية، وهو ما يفسر الاستعانة بكثير من رجاله للتعامل مع الموقف الراهن أبرزهم وزير الاستثمار الأسبق محمود محيي الدين، لافتا إلى أن الحكومة من المتوقع  أن تستكمل استجاباتها للجزء الأكبر من شروط صندوق النقد خلال هذا العام قبل أن تجعل العلاقة استشارية مع الصندوق بحلول العام المقبل.

وأوضح أن ذلك يعني أن هناك إجراءات سوف يترتب عليها زيادة نسب التضخم وارتفاع أسعار السلع لكن الحكومة تدرك بأنه يمكن تقبل هذه الإجراءات قبل الاستقرار على خطة وطنية لإدارة الاقتصاد، كما أن المشكلة الأكبر تتمثل في مطالب تخارج الدولة بشكل أكثر سرعة من الاقتصاد، وهو أمر يلقى معارضة من جهات رسمية، وقد تكون هناك تخارج من خمسة أو ستة هيئات وشركات لكن دون التوسع في ذلك.

بحسب تقرير لوزارة المالية صادر قبل شهرين، فإنه من المقرر طرح 11 شركة في البورصة المصرية خلال العام المالي الحالي لجذب بين 5 و6 مليارات دولار من ضمنها 5 شركات تابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، هي وطنية لتشغيل محطات الوقود، وصافي للمياه المعبأة، وسيلو فودز للصناعات الغذائية وتشيل أوت لتوزيع الوقود.

تستهدف مصر 3 مليارات دولار حصيلة لبرنامج الطروحات العام المالي الحالي مقابل 600 مليون دولار العام المالي الماضي، بحسب وثائق المراجعة الرابعة لبرنامج مصر مع صندوق النقد الدولي، وتعد مستهدفات العام الحالي أعلى من المستهدفات السابقة في ظل أن المستويات خلال آخر عامين كانت دون المُخطط له.

تعتزم مصر سداد 397 مليون دولار لصندوق النقد الدولي الشهر الحالي، بحسب بيانات الموقع الرسمي للصندوق، فيما يتعين على البلاد سداد 1.07 مليار دولار في الربع الأخير من العام الحالي.

تحميل المزيد