بعد تحذيرات من جهات رسمية.. لهذه الأسباب تزامن إفراج القاهرة عن علاء عبدالفتاح مع رد قانون “الإجراءات الجنائية” 

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/25 الساعة 13:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/25 الساعة 13:09 بتوقيت غرينتش
الحكومة المصرية في "مأزق" الإفراج عن علاء عبدالفتاح

أثارت القرارات الرئاسية التي اتخذها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مؤخراً وارتبطت تحديداً بالإفراج عن الناشط صاحب الجنسية المصرية البريطانية علاء عبدالفتاح، وكذلك رد مشروع "قانون الإجراءات الجنائية" إلى البرلمان مرة أخرى لإعادة النقاش حوله بعد اعتراضات سياسية وحقوقية واسعة، تساؤلات حول المغزى من هذه القرارات وكواليس اتخاذها وتوقيتها.

ملفات متزامنة ملغومة

وأوضح مصدر أمني مطلع مطلع أن المملكة المتحدة مارست ضغوطاً حثيثة على القاهرة خلال الأشهر الماضية للإفراج عن عبدالفتاح، ولم يكن هناك بوادر تحول في الموقف المصري مع تكرار المطالبات التي جاءت في اتصالات عديدة بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ومسؤولين حكوميين في بريطانيا.

وأكد المصدر أن الحملات المحلية والدولية المتتالية على مدار الشهور الأخيرة التي طالبت بالإفراج عنه لم تأت بنتيجة بل لم يكن هناك احتمال للاستجابة للضغط حتى بعدما أصدرت محكمة جنايات القاهرة في يوليو الماضي قراراً بشطب اسمه من قائمة الكيانات الإرهابية ورفع القيود المفروضة عليه.

لكن المصدر أوضح أن القرارات الأخيرة سواء الإفراج عن علاء عبد الفتاح وعدد من المحكوم عليهم أو رد قانون الإجراءات الجنائية للبرلمان وعدم التصديق عليه من جانب الرئيس لا يمكن فصلها عن السياق العام للوضع السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد، فهناك عدد من الملفات المتزامنة والملغومة في ذات الوقت؛ توتر متصاعد على الحدود الشمالية الشرقية بالقرب من قطاع غزة، قرارات اقتصادية صعبة سيتم اتخاذها الشهر المقبل بينها زيادة أسعار المحروقات، دعوات منظمات حقوقية للدول الأعضاء بمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة برفض التصويت لمصر في الانتخابات المقرر انعقادها في منتصف أكتوبر/تشرين الأول المقبل بسبب تقييد الحريات والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان (مصر ضمن 4 دول ترشحت لعضوية مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة للفترة 2026-2028 في مجموعة الدول الإفريقية).

أضف إلى هذا ـ بحسب المصدر – تصاعد الخلافات بين القاهرة والمملكة المتحدة في الفترة الماضية على خلفية أحداث السفارة المصرية في لندن أو الإغلاق المؤقت للسفارة البريطانية في القاهرة مع إزالة الحواجز الحديدية في الطرق المؤدية إليها. 

ووصف المصدر تلك الضغوط بأنها "ملغومة" وأنها تطلبت اتخاذ إجراءات فورية وتدخل رئاسي لإحداث حالة من التنفيس المحلي والدولي في تلك الأثناء، ولم تكن قضية علاء عبدالفتاح بعيدة عن الأعين خاصة أنها القضية الأكثر تداولاً في الشارع السياسي على المستوى المحلي الشهور الماضية، وهناك قطاعات كبيرة من المعارضة طالبوا مراراً وتكراراً بإطلاق سراحه فضلا عن أن هناك حقوقيين قريبين من الحكومة ذاتها أوصوا وطالبوا بالعفو عنه وأن القضية أخذت تصعيداً دولياً انعكاسا على جنسيته البريطانية.

وكشف المصدر ذاته أن هناك تعليمات منذ بداية الشهر بدراسة العفو عن عدد من المحبوسين سياسياً وعلى رأسهم علاء، وكان المجلس القومي لحقوق الإنسان قد تقدم مطلع الشهر الجاري بالتماس للرئاسة للإفراج عن عدد من السجناء، بينهم عبد الفتاح.

ما سرع وتيرة الإفراج عنه وقوع أزمة أمام السفارة المصرية في لندن ترتب عليها إلقاء القبض على رئيس اتحاد المصريين في الخارج "أحمد عبدالقادر" الشهير بميدو، والإفراج عنه في اليوم التالي بعد اتصالات دبلوماسية أجرتها الخارجية المصرية مع مسؤولين بريطانيين فضلاً عن أن السفارة البريطانية في مصر عادت للعمل بعدما علقته مع إزالة الحواجز في المنطقة المحيطة بها، لذلك جاء القرار الرئاسي لتهدئة الأجواء و"لكي لا يتم الاصطياد في المياه العكرة"، على حد تعبيره.

القاهرة بحاجة إلى دعم دولي وشعبي

من جانبه، أكد مصدر حكومي مطلع على هذا الملف أن القاهرة في حاجة إلى دعم دولي لـ "دحض مخططات تحاك ضد الدولة"، على حد تعبيره، فضلاً عن عدم رغبة القاهرة في أن تنشغل في الوقت الحالي بقضايا فرعية بعيداً عن التوتر الواضح على حدود قطاع غزة وتهيئتها للتعامل مع احتمالات مفتوحة في ظل إصرار إسرائيل على تمرير مشروع التهجير.

ولفت المصدر ذاته إلى أن هناك دوائر رسمية تخشى، بل حذرت، من أن يجد النظام السياسي نفسه في مواجهة لا يحظى فيها بدعم داخلي، وأن القاهرة بحاجة لأن توجه البوصلة نحو دعم شعبي منتظر لقراراتها، وكشف أن الإفراج عن عبدالفتاح يفتح الباب لإطلاق سراح دفعات جديدة من المحبوسين احتياطياً على ذمة قضايا رأي ويمكن أن تتجه القاهرة نحو الإفراج عن المئات منهم للتأكيد على أن هناك انفراجة سياسية طال انتظارها، وكل ذلك لتحصين الجبهة الداخلية في مواجهة ضغوط إسرائيلية وأمريكية متوقعة خلال الأيام المقبلة.

وأشار إلى أن الأجهزة المعنية كذلك وضعت نصب أعينها في توصيتها الاستفادة من خطوة الإفراج عنه على مستوى المنظمات الحقوقية الدولية والأحزاب السياسية المحلية لمحاولة "خلق حالة إقبال على انتخابات مجلس النواب في ظل عزوف واضح في انتخابات مجلس الشيوخ الشهر الماضي".

أفرجت السلطات المصرية عن الناشط البارز علاء عبدالفتاح، و نشرت شقيقته منى، على حسابها في منصة "إكس" (تويتر سابقا)، صباح الثلاثاء، صورة له وهو يبتسم مع أفراد عائلته، وكتبت: "يوم رائع بحق، علاء حر".

وشهدت قضية علاء عبد الفتاح تحركات وضغوطاً محلية ودولية خلال السنوات الماضية، كان آخرها نداء من رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، باعتبار أن عبد الفتاح يحمل الجنسية البريطانية.

وجاء الإفراج بعد أن قرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي العفو عن باقي مدة العقوبة بحق ستة من المحكوم عليهم، بينهم عبد الفتاح، الذي كان يقضي حكماً بالسجن خمس سنوات منذ ديسمبر 2021 بتهمة "نشر أخبار كاذبة".

ظلت قضية عبد الفتاح بين الشد والجذب طيلة الفترة الماضية، فقبل أسبوع من قرار المحكمة، قررت والدته المصرية ليلى سويف، إنهاء إضرابها الذي بدأته في سبتمبر/أيلول الماضي في لندن، للمطالبة بإطلاق سراح نجلها المسجون منذ أكثر من خمس سنوات لاتهامه بـ"نشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ونشر تدوينات تحريضية".

واهتمت الحكومة البريطانية بقضية علاء عبد الفتاح، وناقش رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، في اتصال هاتفي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قبل أشهر، وشدد ستارمر في الاتصال على ضرورة إطلاق سراح الناشط المصري الذي يحمل الجنسية البريطانية التي حصل عليها عام 2022 في السجن، بعد أن منحته والدته إياها باعتبارها مولودة في لندن، وذلك في محاولة لدفع السلطات المصرية لإطلاق سراحه.

وألقت السلطات المصرية القبض على عبد الفتاح في سبتمبر 2019، وحكمت عليه بالسجن خمس سنوات، ورفضت السلطات الإفراج عنه في سبتمبر 2024، ما دفع والدته للدخول في إضراب كلي عن الطعام.

الاستجابة لمجلس حقوق الإنسان وتهدئة النقابات المهنية

وقال نائب برلماني قريب من الحكومة، فضل عدم ذكر اسمه، إن إعادة قانون الإجراءات الجنائية إلى البرلمان كان منتظراً لأنه لم يتم التصديق عليه من الرئيس عبدالفتاح السيسي حتى الآن، كما أن القانون واجه اعتراضات عديدة من جهات حكومية وقضائية وتسبب ذلك في عدم إرساله من البرلمان إلى الرئاسة لمدة قاربت على أربع أشهر بعد الموافقة عليه نهائياً في محاولات للتعامل مع الأخطاء التي شابت صياغة عدد ليس بالقليل من المواد، مشيراً إلى أن تعديله يأتي استجابة لمطالب حقوقية دولية ومحلية أيضاً.

وأوضح أن أحد أبرز توصيات آلية المراجعة الدورية بمجلس حقوق الإنسان العالمي التي تم الإفصاح عنها في شهر يناير الماضي كانت تتضمن إدخال تعديلات على مشروع القانون الذي حظي بنقاشات واسعة واعتراضات عديدة داخل البرلمان، وأن القاهرة ضربت عصفورين بحجر فهي من ناحية استجابت لمطالب حقوقية دولية وفي الجانب الآخر منحت أملاً في الخروج بقانون يتماشى مع مطالب النقابات والجهات الحكومية والقضائية، وكان من المستحيل أن يتم التصديق النهائي على القانون لأنه كان سيواجه مشكلات عديدة أثناء تنفيذه.

وشدد المصدر ذاته على أن البرلمان سيقوم خلال الأيام المقبلة بإعداد مسودة للمواد التي سيتم إعادة النقاشات حولها، وقد تتراوح عددها ما بين 8 إلى 10 مواد أبرزها مواد تتعلق بالحبس الاحتياطي والحوكمة والشفافية وإجراءات التقاضي وحق المتهمين في حضور الدفاع عنهم في جميع مراحل التقاضي، وكذلك الحق في السكن، مشيرا ً إلى أنه سيتم تشكيل لجنة مصغرة داخل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالبرلمان على أن يتم عرض التعديلات على جلسة عامة، لكنه عاد وأكد بأن الوقت سيداهم البرلمان ويمكن في نهاية الأمر ترك الأمر برمته إلى البرلمان المقبل.

وأشار إلى أن الحكومة هدفت أيضاَ لتهدئة الأجواء مع النقابات المهنية التي سبق وأن اعترضت على القانون وفي مقدمتها نقابة المحامين والتي تضم أكثر من نصف مليون عضو، كما أن لديها مجلس قريب من توجهات الحكومة، وكان سيشكل خللاً في منظومة العدالة بخاصة وأن المحاكم المصرية شهدت خلال الأشهر الماضية احتجاجات واعتصامات وإضرابات عن العمل من جانب المحامين اعتراضاً على زيادة رسوم التقاضي، وهناك رغبة في أن يخرج القانون بتوافق نقابي.

وتمنح (المادة 123)، من الدستور رئيس الجمهورية حق الاعتراض على القوانين خلال 30 يوما من تاريخ إحالتها من مجلس النواب.

بيان الرئاسة، لفت إلى أن "المواد المعترض عليها تتعلق باعتبارات الحوكمة والوضوح والواقعية، بما يوجب إعادة دراستها لتحقيق مزيد من الضمانات المقررة لحرمة المسكن وحقوق المتهم أمام جهات التحقيق والمحاكمة، وزيادة بدائل الحبس الاحتياطي للحد من اللجوء إليه، وإزالة أي غموض في الصياغة يؤدي إلى تعدد التفسيرات أو وقوع مشاكل عند التطبيق".

وشهد مجلس النواب سجالات عديدة واعتراضات من حقوقيين وقانونيين، بجانب اعتراضات من نادي القضاة ونقابة الصحافيين على مشروع القانون خلال المناقشات، باعتباره مقيداً للحريات.

كما طالبت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في مايو الماضي، الرئيس السيسي، بـالنظر بعناية في التعديلات، مع الإعراب عن القلق من بعض المواد بشكل قد يكون مؤثراً وسلبياً على الحريات

وتعرض مشروع قانون الإجراءات الجنائية لانتقادات من الحقوقيين ونقابة الصحفيين التي أعدت ورقةً، وأرسلت تعليقات لمجلس النواب على النصوص التي تنتقص من حقوق المواطنين خلال مرحلة القبض والتحقيق والمحاكمات.

تقييم القرارات الأخيرة سابق لأوانه 

وقال مستشار بالحكومة المصرية إن الاتهامات التي طالت الأحزاب المصرية مؤخراً بشأن بيع عضويات البرلمان وجمع أموال بملايين الجنيهات نظير إيجاد مكان للترشح على قوائم أحزاب الموالاة يدفع نحو تحسين صورة البرلمان والتأكيد على وجود مسارات لإصلاحات تشريعية حقيقية، مشيراً إلى أن الانفراجة المرجوة تتوقف على طريقة تعامل البرلمان مع قانون الإجراءات الجنائية بعد رده إليه مرة أخرى، كما أن الوضع يرتبط بإتاحة المجال العام وفتح مسارات الحركة السياسية أمام الأحزاب والقوى السياسية وإطلاق سراح مزيد من النشطاء.

ولفت إلى أن مصر سبق وأن أعادت قانون تنظيم الجمعيات الأهلية إلى البرلمان مرة أخرى بعد اعتراضات حقوقية دولية ومحلية ورغم أن إعادة صياغة القانون في ذلك الحين كان أفضل مما خرج به أول مرة لكن مازالت جمعيات أهلية ومنظمات مجتمع مدني تشكو من التضييق على عملها بحرية، وبالتالي فإن تقييم انعكاسات القرارات الأخيرة على الحالة الحقوقية والسياسية بحاجة لمزيد من الوقت.

وشدد على أن الاستجابة الأبرز التي ينتظرها السياسيين تتعلق بإيجاد بدائل للحبس الاحتياطي بخاصة وأن هناك بدائل قابلة للتنفيذ جرى طرحها أمام البرلمان في دورة الانعقاد السابق لكن دون الأخذ بها في مقدمتها المراقبة الإلكترونية عبر الأساور الذكية أو التطبيقات المخصصة على الهواتف، وهي إجراءات مطبقة منذ سنوات في بعض الدول العربية، كما طرح بدائل أخرى مثل الخدمة المجتمعية وإيجاد عقوبات للفئات العاملة وفقاً لنشاط عملها لخدمة المجتمع.

وشدد السيسي، وفق بيان رئاسي، على أهمية التوسع في بدائل الحبس الاحتياطي لتقليل الاعتماد عليه، وإزالة أي غموض في الصياغات قد يفتح المجال لتفسيرات متباينة عند التطبيق العملي، إلى جانب ضرورة منح الوزارات والجهات المعنية الوقت الكافي للإلمام بالآليات والنماذج المستحدثة في القانون حتى يتم تطبيقها بدقة وصولًا إلى العدالة الناجزة في إطار الدستور.

تحميل المزيد