- تفاصيل الاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل
- "تقسيم سوريا" إلى 3 مناطق أمنية
- ما الذي يرفضه المسؤولون في سوريا؟
- تنافس دولي على النفوذ في سوريا
- مخاوف إسرائيلية من "الاتفاق الأمني" مع سوريا
- "اتفاقية سيئة" تقيّد حركة جيش الاحتلال
- خلاف إسرائيلي حول مستقبل التواجد في الأراضي السورية
- مستقبل الجولان.. عقدة المنشار في الاتفاق
- إحباط إسرائيلي من الموقف الأميركي الرافض لتقسيم سوريا
- تخوف إسرائيلي من نشوء محور "سنّي" في سوريا
بدأت تتضح معالم الاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل مع بدء دمشق سحب أسلحتها الثقيلة من مناطق الجنوب السوري، وفق ما كشفه لـ"عربي بوست" دبلوماسي عربي رفيع، أوضح أن هذا التحرك السوري خطوة تعكس مسارين متوازيين، الأول يهم الاتفاق الذي جرى الإعلان عنه في السويداء، والثاني مرتبط بالمفاوضات الأمنية المباشرة مع إسرائيل.
وفق مصدر فإن واشنطن تضغط لإبرام الاتفاق على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث سيشارك الرئيس السوري أحمد الشرع، ويلتقي قادة وزعماء دول، من بينهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وبينما يسود الترقب ما ستسفر عنه المفاوضات توصل "عربي بوست" إلى تفاصيل الاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل، وكيف سيعيد هذا الاتفاق رسم المشهد العسكري والأمني في الجنوب السوري، كما يتطرق التقرير إلى كيفية تفاعل الأوساط السياسية والأمنية في إسرائيل مع هذا الاتفاق المنتظر.
تفاصيل الاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل
شدد مصدر "عربي بوست" على أن فكرة عقد لقاء بين الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غير واردة، إذ يرفض الشرع الظهور معه في ظل استمرار حرب الإبادة في غزة، والغارات الإسرائيلية على دول عربية، والاعتداءات المتكررة على الأراضي السورية واللبنانية والقطرية.
فيما يشير المصدر إلى أن كثافة الموفدين الأميركيين والأوروبيين إلى دمشق، وتحديداً قائد القوات الوسطى الأميركية الأدميرال تشارلز كوبر، والمبعوث الأميركي توماس باراك، واللقاءات المكثفة في عمان ودمشق ومؤخراً في الدوحة على هامش أعمال القمة العربية الإسلامية، دفعت باتجاه تحضير مسودة اتفاق أمني سوري – إسرائيلي.
وفق المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" فإن المقترح الإسرائيلي الذي يجري التفاوض حوله لا يقتصر على خطوط عامة، بل يتضمن سلسلة بنود تفصيلية تعيد رسم المشهد العسكري والأمني في الجنوب السوري، دون الوصول إلى تفاهمات سياسية ودبلوماسية وتطبيع اقتصادي، ويشمل:
- المنطقة العازلة: توسيع نطاق المنطقة المحددة في اتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974، بحيث يتجاوز عمقها الكيلومترين ليشمل مساحات إضافية من القرى والمزارع السورية القريبة من خط وقف إطلاق النار. وتحويلها إلى شريط مراقبة دائم تتحكم به إسرائيل.
- الأسلحة الثقيلة: حظر إدخال الدبابات والمدفعية وراجمات الصواريخ إلى الجنوب، مع إبقاء الوجود العسكري السوري مقتصراً على وحدات خفيفة التسليح وأجهزة أمن داخلي، وهو ما يحوّل المنطقة إلى نطاق منزوع السلاح الثقيل.
- الطيران العسكري: منع سلاح الجو السوري من التحليق جنوب غربي دمشق وصولاً إلى خط فضّ الاشتباك، مقابل وقف إسرائيل استخدام الأجواء السورية لضرب أهداف تعتبرها معادية.
- المواقع الاستراتيجية: تمسّك إسرائيلي ببقاء وجودها العسكري في مواقع حساسة، أبرزها قمّة جبل الشيخ (جبل حرمون)، التي تمنح تل أبيب إشرافاً مباشراً على دمشق والجنوب، لكنها ستجري انسحاباً من الأراضي التي احتلتها بعد 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
- النشاط الفلسطيني: اشترطت إسرائيل منع أي نشاط مباشر أو غير مباشر لحركتي حماس والجهاد الإسلامي من الأراضي السورية، سواء عبر مكاتب سياسية أو دعم لوجستي أو وجود قياديين في المستقبل.
- العلاقة مع قوات سوريا الديمقراطية: بالمقابل أكدت دمشق على مطالبها الرئيسية وهي وقف الاجتماعات الدورية بين الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي البلاد، باعتبارها تساهم في تكريس نزعات انفصالية وتقوض وحدة الدولة.
- المرور الجوي الإسرائيلي: بند يتيح لإسرائيل الاحتفاظ بممرات جوية مفتوحة عبر الأراضي السورية بالتنسيق مع الجانب الأميركي، بما يسمح بتنفيذ ضربات مستقبلية محتملة ضد إيران أو حزب الله.
- المراقبة الدولية: مقترح بنشر مراقبين إضافيين على غرار قوات "الأندوف" في مناطق محددة من الجنوب لضمان الالتزام بالترتيبات.
- تأجيل ملف الجولان: نقاش لاحق برعاية دولية وإقليمية حول مستقبل الجولان السوري المحتل مع ترحيل الملف إلى مرحلة لاحقة.
وبينما ترى دمشق أنّ الاتفاق لا يجب أن يتحول إلى شرعنة مكتوبة لواقع فرضته إسرائيل بالقوة، تصر واشنطن على تمريره كإنجاز سياسي لها في الملف السوري، خصوصاً في ظل التوترات الإقليمية الراهنة.

"تقسيم سوريا" إلى 3 مناطق أمنية
بالمقابل يشير مصدر دبلوماسي سوري لـ"عربي بوست" إلى أن المقترح الإسرائيلي المطروح يقوم على تقسيم الجنوب السوري إلى ثلاث خرائط أمنية، تحاكي إلى حد بعيد ما جرى في سيناء عقب اتفاقية كامب ديفيد. ويمكن شرح ذلك كما يلي:
- المستوى الأول: يجري توسيع المنطقة العازلة المنصوص عليها في اتفاق 1974 لتشمل شريطاً أوسع بعمق إضافي داخل الأراضي السورية، بحيث تكون شبه خالية من أي وجود عسكري سوري.
- المستوى الثاني: يسمح بوجود قوات سورية محدودة العدد وخفيفة التسليح، على أن يُحظر إدخال الدبابات أو المدفعية الثقيلة أو الصواريخ.
- المستوى الثالث: يمتد شمالاً حيث يُسمح بوجود الجيش السوري، لكن مع فرض حظر كامل على الطيران العسكري السوري جنوب العاصمة دمشق وصولاً إلى خط وقف إطلاق النار.
ويضيف المصدر أن الخطة تتضمن أيضاً نشر مراقبين دوليين إضافيين على غرار لجنة مراقبة إطلاق النار الخماسية مع لبنان، لضمان الالتزام بالترتيبات، مع تمسّك تل أبيب ببقائها في مواقع استراتيجية حساسة مثل قمّة جبل الشيخ، بما يعكس محاولة تكريس واقع أمني دائم شبيه بالتقسيم المرحلي الذي شهدته سيناء.
ما الذي يرفضه المسؤولون في سوريا؟
يشير مصدر "عربي بوست" إلى أن الموقف السوري يرفض جزءاً من هذه الترتيبات باعتبارها فرض وقائع على الدولة السورية، وخاصة ما يتعلق بتقسيم الوجود السوري العسكري والأمني.
ما يعني أن إسرائيل تريد إنجاح أي تحرك مستقبلي في الداخل السوري عبر ضمان عدم وجود قوة وطنية سورية تواجهها في المستقبل، ويشير المصدر إلى أن دمشق تنسق خطواتها مع السعودية وتركيا للضغط على الجانب الإسرائيلي لوقف توغله العسكري والأمني في سوريا.
فيما كشف غاي عزريئيل مراسل القناة "آي 24" الإسرائيلية أن مطالب دمشق من هذا الاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل قيد التبلور، تتمثل في:
- انسحاب إسرائيلي تدريجي من جميع الأراضي التي احتلتها في سوريا، باستثناء موقع على قمة جبل الشيخ الاستراتيجي.
- إعادة الوضع إلى ما كان عليه بموجب اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974.
- عودة المنطقة العازلة منزوعة السلاح، ووقف الغارات الجوية والتوغلات البرية الإسرائيلية.
- رفض الفكرة الإسرائيلية بإقامة الممر الإنساني المؤدي إلى السويداء، باعتبارها انتهاكاً للسيادة السورية.
- بناء نسيج وطني يضمن مشاركة الأقليات في الحياة السياسية في إطار سوريا موحدة، مقابل التزام إسرائيلي بعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والاعتراف بحكومتها الشرعية، وفقاً لما نقله موقع ناتسيف للشؤون العسكرية.
فيما يبدو لافتاً أنه في المقترحين الإسرائيلي والسوري، لم تُطرح في المحادثات قضية الجولان، التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، فيما يهدف الاتفاق الأمني الجديد الذي يجري التفاوض عليه إلى استبدال اتفاقية فصل القوات لعام 1974 بينهما، لأنها أصبحت غير ذات صلة بعد سقوط نظام الأسد، واحتلال إسرائيل للمنطقة العازلة، وفقاً لما ذكرته صحيفة معاريف.
هيئة البث الإذاعي والتلفزيوني الإسرائيلي – "كان"، ذكرت أنه بالتزامن مع نشر المقترح، أكد الرئيس السوري أحمد الشرع أن المحادثات مع إسرائيل تتقدم، وفي حال نجاح الاتفاقية الأمنية، فقد تُفضي إلى اتفاقيات إضافية، ليس بينها اتفاقية سلام أو تطبيع.
تنافس دولي على النفوذ في سوريا
يبدو المشهد السوري لا ينحصر بالترتيبات الأمنية، في ظل التنافس الدولي على الحضور في سوريا، ويشير المصدر الدبلوماسي العربي إلى أن دولاً عدة بدأت العمل على الاستثمار في سوريا، في ظل مقترح صيني للاستثمار في سوريا في قطاعات البنية التحتية والنقل وربطها بممرات التجارة الإقليمية.
أما روسيا فتسعى للحفاظ على قواعدها ومكتسباتها، خصوصاً في قاعدة حميميم ومرفأ اللاذقية، إلى جانب تعزيز انتشارها في الساحل السوري لطمأنة الطائفة العلوية، مقابل غضّ النظر عن الديون السورية المتراكمة، والحفاظ على أوراق ضغط مرتبطة بملفات حساسة للنظام السابق.
ويشير مصدر "عربي بوست" إلى أن اندفاع واشنطن لترتيب العلاقة السورية – الإسرائيلية تزايد بعد زيارة الوفد الروسي الأخيرة إلى دمشق والتي حملت أيضاً دعوة للرئيس السوري أحمد الشرع لحضور ملتقى أعمال اقتصادي عربي – روسي، ما يشير إلى تمسّك موسكو بمقايضة نفوذها العسكري بالحماية السياسية.
في المقابل، يشير المصدر إلى أن سوريا، وتخوفاً من أي فشل للمفاوضات مع إسرائيل، فقد اتخذت تدابير أمنية في مناطق عدة تحسباً لأي محاولات لتكرار أحداث السويداء، في ظل توارد المعلومات عن تحركات وتنسيق بين حزب الله وبعض فلول الأسد في الساحل، وتعثر الحلول السياسية مع رجل الدين الدرزي حكمت الهجري الذي رفض الورقة الأميركية – الأردنية للحل في الجنوب السوري.
وتشير المصادر إلى أن الإدارة الأميركية اتخذت قراراً لتوسيع نطاق تواجدها العسكري في سوريا، وستسعى لتقديم مقترح للإدارة السورية بإعادة تدريب قوة سورية خاصة، إضافة إلى أن قائد القوات الوسطى الأميركية فاتح الجانب السوري في زيارته الأخيرة بأن بلاده تفكر في إقامة مطار عسكري قرب دمشق.
ويهدف من وراء ذلك إلى قطع الطريق على أي محاولة لإحياء ممرات انفصالية، وربط الجنوب بالعاصمة عبر طريق السويداء – دمشق، بما يضمن السيطرة على الطريق الدولي، الذي يربط شمال سوريا بجنوبها.

مخاوف إسرائيلية من "الاتفاق الأمني" مع سوريا
ليزا روزوفسكي مراسلة صحيفة هآرتس، ذكرت أنه وسط أحاديث عن إحراز تقدم نحو توقيع محتمل للاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل، وتقديم رد سوري على المقترح الإسرائيلي.
فقد وصل الشيباني إلى واشنطن، في أول زيارة لوزير خارجية سوري منذ 25 عاماً، لطلب رفع العقوبات عن بلاده، وسبق الزيارة إعلان السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، المقرب من الرئيس دونالد ترامب، بأنه سيلتقي الشيباني مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، وسيشترط عليه توقيع اتفاقية أمنية مع إسرائيل لرفع العقوبات.
أوساط إسرائيلية ذكرت أنه رغم جهود واشنطن، واجتماعات ديرمر والشيباني، فلا تزال خلافات الطرفين عميقة، ومن غير المتوقع توقيع الاتفاق في الأيام القريبة، ولا لقاء بين نتنياهو والشرع في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، رغم أن حدوث اختراق تحت ضغط أميركي لتقديم إنجاز ما هو أمر وارد أيضاً، لأن ترامب يأمل بالإعلان عن اختراق دبلوماسي في هذه المناسبة الدولية.
لكن فرص ذلك ضئيلة في هذه المرحلة، وفي الوقت الحالي لا يبدو ذلك واقعياً، لأن نقطة الخلاف في المحادثات تتعلق بالسيطرة على المنطقة العازلة جنوب سوريا، ورغبة إسرائيل في إبقاء قواتها في عدة نقاط استراتيجية في سوريا، مثل محطة الرادار على جبل الشيخ، وتل الحارة في محافظة القنيطرة، وفقاً لما كشفته ناتالي هيويت مراسلة قناة آي 24.
يارون فريدمان، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية بجامعة حيفا، ومؤلف كتاب "العلويون في سوريا: الدين والتاريخ والهوية"، زعم في مقال نشرته صحيفة معاريف أن التسريبات الحالية ليست مشجعة على الإطلاق، لأننا أمام اتفاق أمني فقط، والشرع غير مهتم بالسلام أو التطبيع مع إسرائيل.
وأضاف فريدمان أن أي اتفاق مستقبلي سيتضمن مطلباً سورياً باستعادة الجولان، ويصعب تصديق أن الشرع، الذي طُرد والداه منها في حرب 1967، سيتنازل عنها، إلا إذا اشترطت الإدارة الأميركية ذلك لرفع العقوبات، وهو أمر غير وارد.
هناك من رأى من الإسرائيليين أن سوريا "الجديدة" مهتمة فقط باتفاقية تضمن وحدة أراضيها، وتمنع تقسيمها إلى مناطق ذات حكم ذاتي عرقي، وتمنع إسرائيل من التدخل في شؤونها الداخلية، بل اعترافاً بنظامها الجديد، وهو نظام إشكالي للغاية.
وبالتالي فإن إسرائيل لا تستفيد شيئاً من هذا الاتفاق، بل ستكون مُجبرة على التراجع إلى خطوط الحدود القائمة قبل ديسمبر/كانون الأول 2024، مقابل ما ستحصل عليه سوريا من رفع العقوبات، وإعادة إعمارها، وتجديد العلاقات مع الغرب، وإن تحقق لها ذلك فما الذي سيجبرها على توقيع اتفاق سلام وتطبيع شامل مع إسرائيل، وفقاً لما ذكره مقال مطوّل نشرته صحيفة مكور ريشون اليمينية.
"اتفاقية سيئة" تقيّد حركة جيش الاحتلال
عيدان يوسيف مراسل موقع "نيوز"، أكد أن قطاعات واسعة من الإسرائيليين تعترف بأن الحديث يدور عن اتفاقية سيئة، تُقيّد حركة الجيش في وضع استراتيجي مطلق، وتدفعه للانسحاب من الأراضي السورية دون الحصول على مقابل.
مما يؤكد، وفق يوسيف، أن الدولة تتصرف في سوريا لخدمة المصالح الأميركية، وليس مصالحها هي، والخلاصة أننا أمام اتفاقية تنطوي على إخفاق دبلوماسي، وخسارة أوراق ضغط في المفاوضات المستقبلية مع سوريا.
وزير الشتات عميحاي شيكلي اتخذ موقفاً متشدداً تجاه الاتفاق مع سوريا، معتبراً أنه من المحظور التوصل إليه، بزعم أنه لا جدوى من اتفاقيات السلام مع عناصر ذات أيديولوجية إسلامية متطرفة، لأن أي اتفاق سيكون بمثابة منصة انطلاق لكيان معادٍ سيضرب إسرائيل في الوقت المناسب له.
ولذلك، حسب شيكلي، يمكن السعي لوقف إطلاق النار وتطبيع محدود، شريطة أن يبقى جنوب سوريا منزوع السلاح، وإقامة منطقة عازلة هامة على طول الحدود، وعمليات هجومية لمنع العناصر المسلحة من ترسيخ وجودها، ومنع بناء قوة عسكرية قبالة مرتفعات الجولان.
المستشرق يوني بن مناحيم، الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية – أمان، اعتبر في مقابلة مع القناة 14، المقربة من نتنياهو، أن الاتفاق الذي يتم صياغته حالياً يأتي لأن إدارة ترامب تسعى بكل قوتها للدفع نحوه، من أجل تطبيق رؤيتها لـ"نظام جديد في الشرق الأوسط" تحقيقاً لمصالحها الاستراتيجية، وتوسيع "اتفاقات أبراهام".
وحذر مناحيم من سيناريو قد توافق فيه إسرائيل عليه، بل يجب عليها اعتماد استراتيجية تقسيم سوريا إلى أربعة كانتونات: السنة، والعلويون، والدروز، والأكراد، وإلا فإنها في طريقها لأن تصبح دولة يحكمها نظام سني، وإذا ما نال هذا اعترافاً دولياً، فسيكون خطيراً للغاية على أمن إسرائيل.
وأضاف أن إسرائيل في مأزق استراتيجي من خلال هذا الاتفاق لأن ترامب يريده ويضغط لإنجازه، وهي لا تستطيع رفضه بعد أن ساعدها في ضرب البرنامج النووي الإيراني، والتفاوض لإطلاق سراح الرهائن في غزة، وإرسال شحنات الأسلحة إليها.
دان أركين، المحرر العسكري لمجلة يسرائيل ديفينس، ذكر أن إنجاز الاتفاق الأمني مع سوريا يُشكل هدفاً استراتيجياً لإدارة ترامب، التي تُولي أهمية بالغة لدفعه قدماً، بهدف تمكينه من تقديم هذا التقدم كخطوة سياسية مهمة على الساحة الدولية، وقد يُدرجه في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويُقدّمه كإنجاز سياسي شخصي.
لكن التحركات الجارية مع سوريا تعكس التداخل المعقد للمصالح الإقليمية والدولية، دون أن يكون واضحاً في الوقت الحالي نطاق الاتفاق، وما إذا كان سيصمد في ظلّ الظروف المعقدة على الأرض، ومع ذلك، فإنّ وجود اتصالات بين تل أبيب ودمشق، بجانب التدخل الإسرائيلي المباشر في الأراضي السورية، يُشير إلى ديناميكية جديدة في الشرق الأوسط، وإمكانية التوصل إلى تسويات سياسية جزئية، في غياب حل شامل للصراع.
خلاف إسرائيلي حول مستقبل التواجد في الأراضي السورية
من وجهة النظر الإسرائيلية، يُعدّ إنشاء منطقة عازلة في جنوب سوريا استمراراً مباشراً للسياسة المتبعة في غزة وجنوب لبنان، كما يواصل الجيش سيطرته على قمة جبل الشيخ والمناطق الأمنية الحيوية على طول الحدود مع سوريا، بزعم منع أي تهديدات مستقبلية للتجمعات الاستيطانية في الجولان والجليل.
ويتم ذلك من خلال فتح الطرق، وإنشاء المواقع العسكرية، وتوسيع وجوده الميداني، بما فيها إنشاء بنية تحتية جديدة لفصل الشتاء، ويُنشئ تشكيلًا دائماً ليحل محل نموذج "التواجد المؤقت"، وفقاً لما ذكره دين براندستيتر مراسل القناة 14.
موقع "كيكار" نقل عن محافل عسكرية إسرائيلية أن التواجد على جبل الشيخ لا يُعدّ خياراً، بل ضرورة استراتيجية، وصفه وزير الحرب يسرائيل كاتس بأنه ليس مجرد ميزة تكتيكية، بل عنصر استراتيجي يضمن أمن إسرائيل، حتى في حال توقيع اتفاقية مع دمشق، مع المطالبة بنزع السلاح من مرتفعات الجولان، وحظر نشر الأسلحة الاستراتيجية، وتوفير ممر إنساني للدروز، وهذا البند الأخير ترفضه دمشق وواشنطن معاً.
بينما حذر الجنرال غيورا آيلاند، الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي، في مقال نشره موقع "ويللا"، من عودة الجانبين خلال هذا الاتفاق إلى ما وصفها "مآزق الماضي"، لأن العودة إلى اتفاق 1974 تنطوي على تنازلات خطيرة دون مقابل من سوريا، وعدم ترجيح التوصل إلى اتفاق سلام شامل طالما أنها لا تعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.
مما يجعل السيناريو الواقعي هو تفاهمات أمنية – اقتصادية محدودة بعيداً عن أعين الجمهور، لأن بعض المحادثات علنية، وبعضها الآخر شبه سرية، مع التأكيد على أن بنوده ليس بالضرورة في مصلحة إسرائيل بسبب ثلاث تنازلات لا يصاحبها أي مقابل يمكن أن تقدمه سوريا، وهي:
- انسحاب إسرائيلي من الأراضي السورية إلى الخط الذي كنا عليه قبل سقوط نظام الأسد.
- التزام إسرائيلي بعدم مهاجمة أهداف داخل سوريا.
- تعهد إسرائيلي بعدم استغلال المجال الجوي السوري لصالح مهاجمة دول أخرى، خاصة إيران.
مستقبل الجولان.. عقدة المنشار في الاتفاق
أريئيل كهانا، محرر الشؤون السياسية بصحيفة "إسرائيل اليوم"، اعتبر وجود قوات الجيش داخل الأراضي السورية ليس بهذه الأهمية، لأن خط الهدنة يمنح إسرائيل سيطرة كاملة عليها، من سفوح جبل الشيخ شمالاً إلى تل فارس جنوباً، وبالتالي فإن الحاجة لاستمرار النشاط العسكري داخل سوريا، في منطقة أدنى جزئياً، ليست كبيرة بشكل خاص، باستثناء منطقة "شيخون" السورية.
فيما تعتقد قطاعات واسعة من الإسرائيليين، وفقاً لما نشره موقع "إيبوك"، أن العودة إلى اتفاقية 1974 ليست في مصلحة إسرائيل، ولا يبدو أن اتفاق سلام مع سوريا، بعد تخليها النهائي عن مرتفعات الجولان، وارداً.
كما أن فرص موافقة الشرع، المولود في مرتفعات الجولان، على التنازل عن "الأرض السورية المقدسة" ضئيلة، وبالتالي فإن السيناريو المرجح هو تفاهم ضمني بينهما بشأن قضايا أمنية ملموسة، بجانب زيادة تدريجية وسرية في الترتيبات الاقتصادية.
تقرير مطوّل نشرته منصة "آي سي إيه"، ذكر أنه يمكن لإسرائيل الانسحاب من الأراضي السورية، أو من معظمها، وفي الوقت ذاته لا يمكن التخلي عن حرية العمليات الجوية فيها، في الوقت الحالي على الأقل، لأن نجاح الحرب ضد إيران تم، من بين أسباب أخرى، بسبب القدرة على الطيران بحرية في هذا المجال الجوي.
مع العلم أن أي اتفاق مع سوريا، تسعى إسرائيل منه لتحصيل التزام واضح بمنع التوسع التركي فيها، بزعم أن أنقرة تسعى لبناء قواعد جوية في سوريا، وصولاً إلى فرض السيطرة الفعلية عليها، لكن دمشق لن تلتزم بذلك، مما يعني أن العودة إلى اتفاقية عام 1974 تنطوي على مخاطر أكثر من فوائدها، إلا إذا حصل ضغط أميركي، كما ضغط هنري كيسنجر حينها على إسرائيل، وفقاً لما ذكره موقع "كيبا".
ورغم التحفظات الإسرائيلية على الاتفاق المزمع مع سوريا، فإنها تعتبر أنه يهدف لتحقيق الاستقرار فيها، والحدّ من التهديدات على الحدود الشمالية، وإبعادها عن المحور الإيراني، وهذه بالنسبة لإسرائيل تُمثل فرصة أمنية مهمة، رغم المخاطر الاستراتيجية التي لا تزال تُخيّم على هذه الخطوة، التي قد تحمل في طيّاتها مواجهة احتمال تشكيل محور سني جديد في المنطقة الحدودية مع سوريا، سواء من الخلفيات الأيديولوجية لنظامها الحاكم، أو بتعاونه مع تركيا، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء اليهودية.
إحباط إسرائيلي من الموقف الأميركي الرافض لتقسيم سوريا
دين شموئيل ألماس، محرر الشؤون الاقتصادية في مجلة "غلوبس"، تطرق للجوانب الاقتصادية للاتفاق، وتحديداً المتعلق بالطاقة في سوريا، وإمكانية أن تزودها إسرائيل باحتياجاتها منها عقب توقيع الاتفاق، حيث وقعت شركة النفط والغاز الوطنية الأذربيجانية "سوكار" اتفاقية للتنقيب عن الغاز مع إسرائيل في مياهها الاقتصادية الشمالية.
وقد تضمنت الرؤية الأذرية الأولى توسيع خط أنابيبها الذي يصل حالياً إلى حمص، ومن هناك يتفرع إلى طرابلس في لبنان، وبانياس في غرب سوريا، فيما تبلغ المسافة من حمص إلى تركيا 150 كيلومتراً، وسيكون الأذريون سعداء بربط خط أنابيب الغاز الخاص بهم باستثمار يُقدر بـ200 مليون دولار.
لكن عومار دوستري، المتحدث السابق باسم نتنياهو، انتقد الاتصالات مع سوريا، زاعماً أنه لا جدوى من التحدث معها بشأن انسحاب الجيش من جنوبها، بزعم أن "الرئيس الجهادي لا يغير جلده، حتى لو ارتدى بدلة، ولا يمكن الوثوق به، ولذلك يجب تعميق النفوذ الإسرائيلي في سوريا، وتوسيعه ليشمل المناطق الاستراتيجية المجاورة"، وهو ما نقله عنه إيتامار آيخنر، المراسل السياسي لصحيفة يديعوت أحرونوت.
كاسينيا سفيتلوفا، المستشرقة وعضوة الكنيست السابقة، أكدت في مقال نشره موقع "زمان إسرائيل"، أن الاتفاق مع سوريا أمر إيجابي، رغم ما يحيط به من مخاطر، لأن البديل هو الاستجابة لدعوات بعض الإسرائيليين بإسقاط نظامها الحاكم، لكنهم لا يدركون تبعات ذلك المتمثلة بأن تعمّ الفوضى، وبمعنى ما، فإن بقاء النظام الحالي هو الفرصة الوحيدة لنوع من الاستقرار.
تخوف إسرائيلي من نشوء محور "سنّي" في سوريا
حسب رون بن يشاي، محرر الشؤون العسكرية بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن معطيات ميدانية حول المنطقة العازلة على الحدود السورية، تشير إلى أن عرضها متفاوت يصل إلى عدة كيلومترات، من قمة جبل الشيخ السوري إلى مثلث الحدود الأردنية – السورية – الإسرائيلية في منطقة الحمة، وخارج المنطقة العازلة التي تضم العديد من القرى السورية، ويدخلها جيش الاحتلال عند ظهور حاجة عملياتية، كما يزعم.
مثل منع تسليح مخابئ الأسلحة المتبقية هناك، أو وجود مسلحين يهددون المستوطنات الحدودية، ويسمح هذا الشريط بالمراقبة بعيدة المدى وإطلاق النار، مع أنه خلف المنطقة الأمنية يقع ما يعتبره الإسرائيليون "منطقة النفوذ"، التي يحدها من الشرق طريق دمشق – السويداء السريع، ويبلغ عرضها 65 كيلومتراً.
صحيفة "معاريف" ذكرت أن الإلحاح الأميركي على إنجاز اتفاق مع سوريا، والتباطؤ الإسرائيلي، يعكس الفجوة الاستراتيجية المتزايدة بين النهجين، لأن واشنطن قلقة من احتمال أن تُشعل اعتداءات تل أبيب على دمشق أزمة إقليمية على أسس طائفية عرقية قومية، وهو سيناريو يتعارض مع مصلحتها في استقرار المنطقة، وهذا الواقع المعقد يترك إسرائيل في وضع انتظار استراتيجي، دون رؤية متماسكة لمستقبل سوريا.
مع العلم أن الحديث عن اتفاق وشيك يتزامن مع قلق إسرائيل من ملء طرف سني في سوريا بقيادة تركيا، وبدعم من قطر، الفراغ الناجم عن انهيار المحور الشيعي بقيادة إيران، فإذا نجحت تركيا في ترسيخ هيمنتها في سوريا، فستكون قادرة على توسيع نفوذها إلى أبعد من ذلك بكثير.
وقد تجد نفسها في صراع، حتى وإن لم يكن عسكرياً في المدى القريب، مع إسرائيل التي تشعر أن الساعة الرملية تضيق أمامها، مما يدفعها لرفض أي حديث عن انسحابات، أو قيود على النشاط العسكري، أو الموافقة على وجود قدرات عسكرية تُشكّل تحدياً لها على الأراضي السورية، ولا على الموافقة بوجود تحالفات واتفاقيات عسكرية لها مع دول معادية لإسرائيل، كما جاء على لسان مائير بن شبات، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، في مقال نشره معهد مسغاف للأمن والاستراتيجية الصهيونية.