- تصدير الغاز الإسرائيلي على حساب الأمن القومي
- خلافات الوزارات وتباين بين التصدير والاحتفاظ به
- أسباب أزمة الغاز الطبيعي في إسرائيل وتداعياتها
- انقطاع الكهرباء ومخاوف من ارتفاع أسعاره
- وقف التصدير لمصر والأردن في عين العاصفة
- مصالح شركات الغاز على حساب احتياجات الإسرائيليين
- ارتباط أزمة الغاز في إسرائيل بأوضاعها الأمنية
حذّر خبراء الاقتصاد الحكومة الإسرائيلية من أن البلاد مقبلة على الدخول في أزمة طاقة، وعبّروا عن مخاوفهم من نفاد احتياطات الغاز الطبيعي في إسرائيل خلال عقدين، وهو ما يخالف توجهات تل أبيب التي دأبت على تسويق نفسها على أنها من دول العالم الرائدة في مجال الطاقة والغاز الطبيعي.
ويتوقع خبراء حدوث نقص هيكلي في الغاز الطبيعي الموجّه للاستهلاك المنزلي للإسرائيليين خلال السنوات العشرين القادمة، لأنه مصدرها الرئيسي لإنتاج الكهرباء، على الرغم من الإعلان عن اكتشافات مهمة خلال السنوات الماضية، وسط دعوات لوقف تصديره إلى مصر والأردن.
من خلال هذا التقرير نتطرق إلى حقيقة تلك التحذيرات التي أطلقها خبراء الاقتصاد والطاقة الإسرائيليون، وكيف يشكّل نقص الغاز الطبيعي في إسرائيل تهديداً لأمنها القومي؟ والأسباب التي جعلت تل أبيب تعاني من أزمة في الطاقة، ما تبعات ذلك على حكومة الاحتلال الإسرائيلي؟
تصدير الغاز الإسرائيلي على حساب الأمن القومي
لا يتردد الإسرائيليون في توجيه أصابع الاتهام إلى حكوماتهم المتعاقبة بسبب هذه الأزمة الوشيكة الحدوث، في ظل غياب استراتيجية حكومية واضحة، ما يعبّد الطريق لدخول إسرائيل مرحلة حرجة من العدّ التنازلي لنفاد الغاز خلال عقدين فقط.
ما يثير مخاوف متزايدة بشأن مستقبل أمن الطاقة لديها، لأن الغاز الطبيعي يمثل عصب منظومة كهربائها واقتصادها، خاصة مع ضعف البدائل، وتراجع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وعدم وجود جاهزية واضحة تشير إلى استعدادها لمثل هذا السيناريو "الكابوس".
عاميت مور، المحاضر الاقتصادي بجامعة رايخمان، اعتبر في مقابلة مع القناة العاشرة الإسرائيلية أن الغاز الطبيعي يُعدّ ركيزة قطاع الطاقة في إسرائيل، إذ يُنتج 70% من الكهرباء، ويكاد يكون المصدر الوحيد للطاقة، حتى بلغت الاحتياطيات المعتمدة قرابة 200 مليار متر مكعب.

لكن معدل استهلاك الإسرائيليين، واعتمادهم شبه الكامل على الغاز، يضيف رايخمان، يجعل هذه الاحتياطيات مهددة بالنفاد خلال عقدين، مع العلم أنه على الصعيد الاقتصادي، لا يقتصر اعتمادها على الغاز لتوليد الكهرباء على تخطيط إمدادات الغاز فحسب، بل يُعدّ أيضاً مصدر دخل رئيسي من خلال الصادرات.
فقد وقّعت شركة "نيو ميد"، الشريكة في حقل ليفياثان، مؤخراً، اتفاقية طويلة الأجل مع الحكومة المصرية لتزويدها بالغاز الطبيعي في صفقة بقيمة 35 مليار دولار، تم تجميدها في اللحظات الأخيرة بقرار من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
وبعد أن تواترت تسريبات أن السبب يكمن في ممارسة الضغط على مصر لدوافع سياسية، ذكر آخرون أن الأخير تلقى إنذارات من أوساط مطلعة حذّرته من التوقيع على الاتفاقية بسبب قرب نفاد المخزون الاحتياطي من الغاز.
فيما أكّد إيتان موستي، مراسل صحيفة كالكليست الاقتصادية، أن إسرائيل تواجه مرحلة حرجة في إدارة الغاز، بين المكاسب الاقتصادية الفورية، والحاجة لضمان أمن الطاقة على المدى الطويل، ما يزيد من قلق الحكومة، في ضوء ما قد يبرز من ضعف أداء السوق، وغياب رؤية واضحة لمستقبله.
الأمر الذي يدفع الدولة بالفعل لمواجهة تحديات كبيرة في قطاع الطاقة، قد تكون وشيكة، ناجمة عن مزيج من البنية التحتية التي لا تواكب النمو، والتنظيم المعقد الذي يؤخر المشاريع، والتحديات الأمنية والمناخية، وقد تؤدي لانقطاع التيار الكهربائي، وارتفاع أسعاره، وتعطيل الخدمات الأساسية.
وتكمن التحديات التي تواجه الغاز الطبيعي في إسرائيل بصورة خاصة في ضمان إمدادات موثوقة، وتنويع مصادر الطاقة، وتطوير بنية تحتية جديدة، مع مراعاة الاعتبارات البيئية، وضيق المساحة، ومحدودية موارد الأرض، وتزداد المشكلة خطورة بالنظر للفجوة المتزايدة في إنتاجية العمل بين إسرائيل والدول الغربية.
لأن نقص البنية التحتية العامة في مجالات الإنتاج والتخزين والتشغيل يُلحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد الإسرائيلي، وبالتالي يُلحق ضرراً بالغاً بأمن الطاقة، ويزيد من الاعتماد على مصادرها الخارجية، وهو ما أكده يوسي أرييه، الرئيس التنفيذي لمعهد الطاقة، في مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت.
خلافات الوزارات وتباين بين التصدير والاحتفاظ به
كشف الناشط البيئي، وأستاذ الهندسة الكيميائية، آدي وولفسون، في مقال نشره موقع "العين السابعة"، أن تقريراً لوزارة الطاقة لعام 2024 سجّل رقماً قياسياً جديداً في إيرادات الموارد الطبيعية، ومنها الغاز، بقيمة 2.37 مليار شيكل (710 ملايين دولار)، بزيادة قدرها 8.2% عن عام 2023، الذي شهد إيرادات إجمالية بلغت 2.2 مليار شيكل، وجاء 60% من هذه الإيرادات من حقلي "تمار" و"ليفياثان" للغاز.
وتقدّر الوزارة أن الإيرادات ستصل إلى 5 مليارات شيكل، 1.5 مليار دولار، خلال عام 2025، مع توقع زيادتها خلال السنوات القادمة إلى 10 مليارات شيكل، 3 مليارات دولار، سنوياً، ومنذ بدء إنتاج الغاز الطبيعي في إسرائيل، بلغت إيراداتها منه 30 مليار شيكل (نحو 10 مليارات دولار).
غير أن نير بيرنميلر، نائب الرئيس التنفيذي لشركة "بيرنميلر" للطاقة، حذّر في مقال نشره موقع "ويللا"، من أن الدولة في الطريق لأن تتعرض لأزمة طاقة خطيرة تُشكّل خطراً على الاقتصاد والموردين المحليين، لا سيما في ضوء الجدل الدائر داخل الحكومة، والتباين الحاصل في مواقف الوزارات ذات العلاقة، على النحو التالي:
بينما تعمل وزارة الطاقة على تعزيز كفاءة المخزون الحالي عبر تكثيف التصدير، ويزعم الوزير إيلي كوهين أن هذا التصدير يحمل العديد من الجوانب الإيجابية، لأنه خطوة تعزز مكانة إسرائيل كقوة إقليمية في قطاع الطاقة، وتدرّ مئات الملايين من الدولارات سنوياً.
تحذّر وزارات المالية والخارجية والحرب من استغلال هذا المورد الاستراتيجي، وتخشى أن تفقد إسرائيل مخزونها منه، حيث اعتبرت ياعيل رافيد تسيدك، نائبة المدير العام لقسم الشؤون الاقتصادية بوزارة الخارجية، أن موارد الطاقة تمثل رصيداً دبلوماسياً، ولهذا السبب، من الأهمية بمكان التشاور مع الوزير عند منح رخصة تصدير الغاز.

ويجادل آخرون بضرورة تعزيز مصادر الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية، والطاقة النووية، والهيدروجين، رغم أن هذه البدائل لا تشكّل أساساً لخطة الطاقة الإسرائيلية، نظراً لتكاليفها الباهظة، وفترات بنائها الطويلة، والقيود التكنولوجية، ما يجعل الاعتماد عليها وحدها وصفة محتملة لأزمة أعمق.
عيدان بنيامين، مراسل شؤون الطاقة بصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، طرح ما يمكن وصفه بـ"سؤال استراتيجي حاسم": كيف ستتصرّف إسرائيل في مرحلة "ما بعد الغاز"، وهل ستنجح بصياغة رؤية شاملة تضمن أمن الطاقة على المدى الطويل، أم ستجد نفسها أمام أزمة غير مسبوقة تُهدد اقتصادها واستقرارها الداخلي؟
لأنه وفق مراسل "ذي ماركر" فإن المخاوف باتت جدية، والقلق بات مشروعاً، من عدم قدرة إسرائيل على الصمود في مواجهة تحديات أمن الطاقة على المدى الطويل.
أسباب أزمة الغاز الطبيعي في إسرائيل وتداعياتها
رغم أن إسرائيل لا تحتاج إلى استيراد الغاز الطبيعي، وتلبّي معظم احتياجاتها ما لديها، فإن تقريراً نشرته وزارة الطاقة أكد أن أسعاره ستتأثر بشكل غير مباشر بسبب عناصر الربط في عقودها لشرائه، وتوقّع أن يؤدي تأثير أزمة الطاقة العالمية إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في مختلف العقود بدرجات متفاوتة، وفي أوقات متفاوتة.
ما يعني أن الأيام القادمة تحمل تطوراً هاماً في هذه المسألة، وتتمثل بتحضيرات اللجنة الوزارية المشتركة برئاسة مدير عام وزارة الطاقة، يوسي ديان، لعقد اجتماع حاسم لدراسة السياسة المستقبلية لصناعة الغاز، لتقديم توصياتها للحكومة.
يحصل ذلك بالتزامن مع إصدار اللجنة المذكورة في أبريل/نيسان 2025 تحذيراً من أن احتياطيات إسرائيل من الغاز لن تكون كافية، وقد تنضب خلال عشرين عاماً فقط، رافضة الاعتماد على مزاعم حول إمكانية اكتشاف احتياطيات غاز إضافية في البحر المتوسط، لأن الحقيقة الواضحة أنه لا يوجد حالياً أي بحث أو تنقيب عن حقول جديدة، بل إنها أوصت بالاستعداد لإمكانية استيراد الغاز مستقبلاً، ما يزيد من "هشاشة" سوق الطاقة.
يوسي روزن، رئيس معهد إسرائيل للطاقة والبيئة، رصد في تقرير نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، أسباباً عديدة تقف خلف أزمة الطاقة الوشيكة:
- بنية تحتية لا تلبي الطلب، لأن بناء محطات طاقة جديدة لن يكون كافياً لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، وإسرائيل ستواجه صعوبة في تلبيته.
- التنظيم المعقّد، حيث تؤخر العمليات البيروقراطية الصارمة والمعارضة السياسية الموافقة على مشاريع الطاقة الأساسية، مثل مرافق الطاقة المتجددة ومحطات الطاقة الجديدة.
- الاعتماد على مصادر الطاقة الخارجية، فإغلاق مصافي حيفا، وإلحاق الضرر بالبنية التحتية يزيد من الاعتماد على تلك المصادر، ويعرّض أمن الطاقة للخطر.
- الإدارة المعقدة لاحتياطيات الغاز، في ضوء الفجوة بين الإيرادات الفورية من إنتاج الغاز، والحاجة لضمان إمداداته على المدى الطويل، فضلاً عن التحديات في سوق الغاز بسبب تركيز الشركات.
- التحديات الأمنية والمناخية التي تزيد الحاجة إلى تنويع مصادر الطاقة، وتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية.
انقطاع الكهرباء ومخاوف من ارتفاع أسعاره
أما يشاي شنيرب، الباحث في شؤون الطاقة، فذكر في مقال نشرته صحيفة "مكور ريشون"، عينة من النتائج المترتبة على أزمة الغاز الطبيعي في إسرائيل على قطاع الكهرباء، وسط تحذيرات من جملة عواقب محتملة لهذه الأزمة المفترضة، ومنها:
- ارتفاع أسعار الكهرباء.
- انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي بسبب التحميل الزائد للشبكة، خاصة في أيام الصيف.
- تضرر الخدمات الأساسية، كالمستشفيات، والمؤسسات العامة، والمنشآت الصناعية بانقطاعات الكهرباء.
وعقدت لجنة الاقتصاد في الكنيست نقاشاً تناول سياسة الغاز الطبيعي وتعزيز أمن الطاقة في إسرائيل، نقل بعض ما جاء فيه أفيخاي تيداسا، مراسل منصة "بيزبورتال" الاستثمارية، وشارك فيه البروفيسور إيتان شيشينسكي.
وكشف أن سعر وحدة الحرارة في إسرائيل يتراوح بين 4–5 دولارات، ويبلغ سعرها في الصادرات 6.5 دولار، وإذا لم تُتخذ أي إجراءات، فسترتفع الأسعار، وسيُكلّف كل دولار الاقتصاد الإسرائيلي مليارات الدولارات، ما يعادل 20 مليار شيكل من الناتج القومي الإجمالي.
بينما ذكر آدم رويتر، رئيس مجلس إدارة شركة "اللقاحات المالية"، في مقال نشرته منصة "بيزبورتال" الاستثمارية، أن إسرائيل تحتلّ حالياً المرتبة الثانية بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي للفرد بعد النرويج.
لكن السؤال الاستراتيجي المطروح هو: متى سينفد الغاز؟ وهل يجب عليها الاستمرار في تصديره، في ضوء التحذيرات من نفاده خلال عشرين عاماً؟ مع أنه منذ أن بدأت ثورة الغاز الطبيعي في 2013، وفّر لاقتصادها مبلغاً خيالياً قدره 205 مليارات شيكل، قرابة 70 مليار دولار، من تكاليف الطاقة وحدها.
ووفقاً لأحدث تقرير صادر عن جمعية الغاز الطبيعي وشركة الاستشارات "BDO"، بلغت مساهمة الغاز في الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي 100 مليار شيكل (نحو 33 مليار دولار أمريكي).
مقال مطوّل نشرته صحيفة كالكاليست لأحد كبار خبراء الغاز، يوسي لانغوتسكي، وهو جنرال احتياط، وجيولوجي لمدة 50 عاماً، ومسؤول عن العثور على خزان غاز "تمار"، كشف فيه أن الدولة "استسلمت" لشركات الغاز على حساب أمن الطاقة لديها.
وأوضح أنه منذ عام 2013، استخدمت الدولة 167 مليار متر مكعب محلياً وللتصدير، واكتشاف 456 مليار متر مكعب آخر، ليصل إجمالي ما لديها إلى 1236 مليار متر مكعب، مع الإشارة إلى أن الاعتبارات الاقتصادية والاستقلال في مجال الطاقة ليست الاعتبارات الوحيدة لدى إسرائيل.
وهناك أيضاً اعتبارات جيو-استراتيجية مهمة تجاه الأردن ومصر، وحتى أوروبا، من خلال ضمان "السلام البارد" مع الدول العربية المجاورة، وهي مصلحة قصوى. ومع ذلك، فإن هناك دعوات لوقف صادرات الغاز على الإطلاق من أجل تركه للأجيال القادمة، وبدرجة عالية من اليقين، دون إهمال العلاقات مع مصر والأردن، اللتين تعتمدان كثيراً على إسرائيل في مصادر الطاقة.

وقف التصدير لمصر والأردن في عين العاصفة
عيدان بار تال، المدير العام لوزارة الخارجية، ورغم عدم إنكاره لمزايا تصدير الغاز إلى مصر والأردن، فيما يتعلق بالعلاقات الجيوسياسية معهما، يؤكد في الوقت ذاته، في مقابلة مع صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، أن الحفاظ على المزيد من احتياطيات الغاز يخدم مصالح إسرائيل في المستقبل.
وكشف أنه بعث برسالة إلى مدير عام وزارة الطاقة، يوسي ديان، جاء فيها أن موقف وزارة الخارجية يهدف إلى زيادة حجم الغاز المُخزَّن للاستخدام المستقبلي، لأسباب سياسية، لأنه مورد سياسي أيضاً، ولذلك من المناسب الحفاظ على هذا المورد الطبيعي-السياسي قدر الإمكان لفترة زمنية مناسبة في المستقبل، عندما يكون من الممكن تحقيق تغييرات سياسية جوهرية فيه.
مع العلم أن احتياطي الغاز الطبيعي في إسرائيل يبلغ حالياً 850 مليار متر مكعب، وفقاً لمعطيات وزارة الطاقة، أما أرقام الشركات فتزعم أن الرصيد هو 1000 مليار متر مكعب في ثلاثة خزانات غاز: كاريش 100 مليار متر مكعب، وتمار 300 مليار متر مكعب، وليفياثان 600 مليار متر مكعب.
فيما يبلغ الاستهلاك السنوي من الغاز 13 مليار متر مكعب، ويتوقّع أن يزداد بسرعة إلى 20 مليار متر مكعب سنوياً خلال بضعة عقود، وهناك كمية مماثلة مخصصة للتصدير، بشكل رئيسي إلى مصر والأردن، وهي أرقام أوردها عديئيل إيتان موتسكي، الكاتب في صحيفة كالكاليست الاقتصادية.
وقد دفع ذلك أوساطاً اقتصادية للتحذير من أنه بدون تغيير في سياسة الغاز الطبيعي الحالية، ستفقد إسرائيل استقلالها منه خلال 20 عاماً، وستضطر للبدء في استيراده، ما يتطلب زيادة احتياطياته إلى 515 مليار متر مكعب على الأقل، كي يحافظ على سنوات أخرى من أمن الطاقة لإسرائيل.
ليئور باكالو، مراسل القناة 12، نقل مقتطفات من التقرير السنوي لمراقب الدولة، ماتنياهو إنغلمان، وجاء فيه أن نتائج سياسة الحكومة في مجال الطاقة قد تكون كارثية، فقطاع الكهرباء على حافة أزمة، قد تتجلى نتائجها في عدم تلبية الطلب الكامل على الكهرباء في السنوات القادمة، ما سيُلحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد.
ومن المشكوك فيه إمكانية سدّ هذه الفجوات، في ضوء العوائق العديدة التي تعترض التطوير المطلوب، ورغم عرض المشكلة على وزارة الطاقة، وهيئة الكهرباء، والهيئة الوطنية للنفط والغاز، فإن معظم العقبات لا تزال قائمة، وأوجه القصور لم تُعالج بشكل كافٍ.
مصالح شركات الغاز على حساب احتياجات الإسرائيليين
يتهم الإسرائيليون سياسة وزارة الطاقة، فيما يتعلق بالغاز الطبيعي، بتجاهل الرأي العام الإسرائيلي واحتياجاته الضرورية، لصالح شركات الغاز التي ظهرت مستفيدة من سياستها بشكل متطرف، رغم إقرارها بأن احتياطياته المخصصة للاقتصاد المحلي لن تكون كافية بحلول عام 2048.
لكن الوزارة اختارت إخفاء المعلومات المتعلقة بحجم الاحتياطيات عن الرأي العام، ولم تقدم حلولاً عملية لمشكلة المنافسة في سوق الغاز الطبيعي في إسرائيل، ولم تُقدِم على زيادة احتياطياته، بل استجابت لمطالب شركات الغاز التي لديها مصلحة واضحة في زيادة حجم الصادرات، نظراً لارتفاع أسعاره عالمياً، رغم أن ذلك يعني تضرر حجم احتياطيات الدولة، وفقاً لما ذكره إيتان موستيكي، الكاتب في صحيفة "كالكاليست".
أما دور عتسمون، المحرر في منصة "بيزبورتال" الاستثمارية، فنقل عن إيريز كالفون، رئيس شركة "EAEC"، أن إسرائيل ستجد نفسها في مواجهة أزمة طاقة خطيرة للغاية، وقد أثبتت الحرب على غزة، المستمرة منذ عامين، صوابية هذه الصدمة، عقب إغلاق ميناء إيلات بسبب هجمات الحوثيين، وموانئ البحر المتوسط (عسقلان وأسدود) بسبب صواريخ حماس من غزة، وكل ذلك يؤكد أن هناك خطراً على أمن الطاقة في الدولة.
ولم يتردد إسرائيليون آخرون في الاعتراف بأن احتياطيات الغاز الإسرائيلي "المحدودة" تخلق لها وضعاً محرجاً، لأنها لا تملك احتياطيات كافية لتبرير بناء هذه البنية التحتية الباهظة الثمن، في ظل الصعوبات الجغرافية والتشابكات السياسية الإقليمية، على حدّ توصيف إيلي رايتيغ، الباحث بمركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة بار إيلان.
وأضاف أنه في الوقت ذاته، لا يمكنها جذب الشركات للبحث عن احتياطيات إضافية حتى تجد طريقة لبناء هذه البنية التحتية، ونتيجةً للوضع المأزوم الذي تعيشه الدولة، فإنها تواجه وضعاً صعباً للغاية في هذا القطاع، لاسيما أن مبادراتها لمزيد من الاكتشافات عبر إنشاء خطوط أنابيب تحت البحر المتوسط، تمر عبر قبرص واليونان، تحيط بها شكوك حول جدواها الاقتصادية، لأنها ستصل إلى أعماق بآلاف الأمتار في قاع البحر.
وحسب إيلي رايتيغ، فإن هذا العمق الكبير، وضغط المياه من المهندسين، سيتطلب تقليل قطر خط الأنابيب، وبالتالي الحدّ بشكل كبير من كمية الغاز التي يمكن ضخها عبره.
ويزيد من هذه التعقيدات النزاع الإقليمي بين تركيا واليونان وقبرص، حول السيطرة على المنطقة الاقتصادية الخالصة، ما يجعل من الصعب المضي قُدماً في خطط إنشاء خط أنابيب يمر عبر الأراضي المتنازع عليها، وكل ذلك يلقي بظلال من الشك حول اكتساب المزيد من احتياطيات الغاز.
ارتباط أزمة الغاز في إسرائيل بأوضاعها الأمنية
دانيال ميدار، خبير شؤون الطاقة والبيئة، أكد في مقال نشرته منصة "زوايا"، أن قطاعي الغاز الطبيعي والكهرباء الإسرائيليين مركزيان، وليسا بمنأى عن الكوارث الطبيعية، أو الحوادث، أو الأعطال، أو الهجمات المعادية.
ويمكن أن يؤدي تعطيل أحد الروابط في سلسلة التوريد إلى أضرار جسيمة في إمدادات الطاقة لاقتصادها، وصولاً إلى انهيار قطاع الطاقة برمّته، وبالتالي يصبح الاقتصاد الإسرائيلي أكثر عرضة للخطر، وزيادة خسائره.
كل ذلك يؤكد أن إسرائيل على وشك أزمة كهرباء ستؤثر على جميع جوانب حياتها، فعدد السكان آخذ في الازدياد، والطلب على الكهرباء آخذ في الارتفاع، وتواجه الدولة تحدياً كبيراً لتوفير طاقة مستقرة وموثوقة، في جميع ساعات اليوم، وفي جميع الفصول.
لكن إسرائيل المحاطة بالأعداء، تتعرض بنيتها التحتية للطاقة دائماً للتهديد، فإن تعزيز استقلال الطاقة لديها ليس مجرد ضرورة تقنية، بل ضرورة أمنية أيضاً، خاصة في أوقات الطوارئ، وفقاً لما ذكره شاي بيرتس، الرئيس التنفيذي لشركة "رالكو للطاقة"، في مقال نشره موقع "آي سي إيه".
من الواضح أن نقص الغاز المتوقع في إسرائيل خلال عقدين سينتج عنه ما وصلت إليه الدول الأوروبية اليوم، حيث تخضع لضغوط أسعار عالمية، دون قدرة حقيقية على حماية مواطنيها من ارتفاع الأسعار، بل إن الوضع قد يصبح أكثر قتامة، لأن أمن إسرائيل يكمن في أمنها الطاقي.
وقد حذّر كبار خبراء الطاقة رئيس الحكومة ووزير الطاقة من تصدير الغاز، طالما أن الدولة لا تملك احتياطياً لبضعة عقود، على الأقل، لاسيما أن إسرائيل دولة صغيرة، محاطة بالأعداء، ولا أحد يعلم ما سيحدث بعد 30–40 عاماً، وهي ما أكدته نوعا رويخمان، المحررة الاقتصادية في القناة 12.
الخلاصة أوردتها دراسة نشرها بنك إسرائيل، التي وضعت سيناريو متوقعاً يتمثل بأن الولايات المتحدة، خلال 20 عاماً، قد تقاطع قطاع الطاقة الإسرائيلي.
صحيح أن الأمر قد يبدو خيالياً، لكن بعدما حصل بين روسيا وأوكرانيا، فلا نستطيع التنبؤ بما سيحدث، خاصة أن فرص الاكتشافات الكبيرة أو الهائلة مثل حقول تمار أو ليفياثان، ضئيلة، إن لم تكن معدومة، أما الاكتشافات على نطاق ضيق، فلا تتجاوز بضع عشرات من مليارات المتر المكعب، والمخاطر التي يتعرض لها من يقوم بالحفر كبيرة جداً.