مستقبل “مجهول” لليونيفيل جنوب لبنان.. خلافات أميركية-فرنسية تؤجل التصويت ومخاوف من سعي واشنطن لإرضاء تل أبيب

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/26 الساعة 09:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/26 الساعة 09:51 بتوقيت غرينتش
مركبة تابعة لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل)/رويترز

فشل مجلس الأمن الدولي، حتى الآن، في اتخاذ أي قرار بشأن تمديد مهام قوة الأمم المتحدة المؤقتة اليونيفيل في جنوب لبنان، بسبب ما شهدته الجلسة التي كانت مخصصة للحسم في قرار تمديد عمل القوة، حيث شهدت خلافات بين أمريكا وفرنسا حول الصيغة النهائية للقرار، فيما ضغطت إسرائيل من أجل جدول انسحاب واضح للقوة، كما كان الدور الروسي حاضراً في هذا التأجيل.

وفق ما توصل إليه "عربي بوست" من معلومات فإن تمديد عمل اليونيفيل في جنوب لبنان ليس موضع نزاع من حيث المبدأ، لكن الخلاف يتمحور حول طبيعة التمديد ومعناه السياسي: فهل هو تمديد أخير مقرون بخطة انسحاب، أم تمديد تقني يتيح استمرار المهمة لاستكمال ترتيبات لبنانية داخلية وإجراءات مقابلة على الجبهة الإسرائيلية؟

وفي انتظار أن يتم الاتفاق على صيغة نهائية قبل إعلان القرار تظهر هوة بين مقاربة أميركية تدفع نحو تحديد مسار زمني واضح للانسحاب يبدأ باكراً خلال فترة التمديد، وهو ما يخدم التوجه الإسرائيلي، ومقاربة فرنسية أكثر تحفّظاً تتحدث عن "تصميم على إنهاء المهمة في المرحلة المقبلة" من دون ربط ذلك بتاريخ ملزم أو آلية قسرية.

تفاصيل الخلاف بين أمريكا وفرنسا

مصدر دبلوماسي غربي أوضح لـ"عربي بوست" أن فرنسا قدمت مشروع قرار معدل يتبنّى بعض مطالب الولايات المتحدة الأميركية لكنه يتجنب تثبيت عبارة "التمديد الأخير" بصيغة قاطعة، مشيراً إلى إمكانية سحب القوات تدريجياً على أن تكون الحكومة اللبنانية الضامن الوحيد للأمن في الجنوب.

بينما واشنطن من جهتها دفعت نحو "كسر الصمت" الإجرائي على نص المشروع، وهي خطوة دبلوماسية تعطل مرور الصيغة تلقائياً وتعيد فتح التفاوض حول فقرات تعتبرها غير كافية لتحقيق ما تراه موجبات المرحلة، عبر انتقال من حضور أممي واسع في جنوب لبنان إلى ترتيبات أمنية يقودها الجيش اللبناني حصراً، ضمن جدول زمني واضح المعالم.

ووفق المصدر ذاته فإن أهمية هذه الخطوة أنّها تمد في عمر النقاش وتدفع بالتصويت إلى حافة المهلة النهائية، أي يوم 31 أغسطس/آب، إذا لم تُحسم الخلافات. وهي ليست سابقة، ففي عام 2022 استخدمت دول أخرى الإجراء نفسه لإسقاط تعديلات فرنسية. لكن هذه المرة، يتصل الاعتراض بجوهر التفويض ومستقبل وجود القوة وليس بتفاصيل عملياتية فحسب.

بعثة الأمم المتحدة اليونيفيل في جنوب لبنان/ موقع البعثة
بعثة الأمم المتحدة اليونيفيل في جنوب لبنان/ موقع البعثة

لماذا تخشى لبنان انسحاباً فورياً لـ"اليونيفيل"؟

في مداولاتها مع الموفدين الدوليين، شددت الحكومة اللبنانية على أن نجاح خطة الجيش للانتشار جنوب الليطاني واستلام المخازن والمواقع وإقفال أي مظاهر تسلح خارج الدولة، يحتاج إلى شراكة عملياتية مع اليونيفيل في جنوب لبنان لا تقل عن سنتين.

من هنا يتقدم منطق التمديد العملي على السجال السياسي، وخاصة أن الجيش اللبناني يبني على سوابق تعاون منذ وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ويعتبر أن أي قفزة سريعة إلى انسحاب كامل قد تربك الميدان وتفقد الخطة عنصر الإسناد الدولي، خصوصاً إذا لم تترافق مع انسحاب إسرائيلي نهائي من النقاط الحدودية المحتلة.

هذا لا ينفي إدراك بيروت لحساسية الاعتراضات الداخلية، فحزب الله يرفض أي تعديل يمس بالتنسيق الإلزامي بين القوة الدولية والجيش، ويتوجس من عبارات "حرية الحركة" غير المقيدة. لكن معادلة الدولة واضحة: تمديد بشروط معقولة يضمن الاستقرار، مقابل دفع جدي لتطبيق القرارات الحكومية بحصر السلاح.

من هذا المنطلق يؤكد نائب رئيس الحكومة اللبناني طارق متري أن الحكومة اللبنانية وجهت طلباً رسمياً بتمديد ولاية قوات الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (اليونيفيل) لسنة إضافية، كما دأبت على فعله سنوياً. وأشار إلى أن النقاش داخل مجلس الأمن يشهد انقساماً واضحاً بين معظم الأعضاء الأربعة عشر من جهة، والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى.

ويفيد متري أن الجانب الفرنسي أعد مشروع قرار يمدد مهمة اليونيفيل في جنوب لبنان مع ربطها بمراجعة دورية لتقييم فعاليتها وحجمها وميزانيتها. في المقابل، تتمسك الإدارة الأميركية بصيغة تعتبر هذا التمديد هو "الأخير" مع بدء القوة الدولية خلال العام الحالي إجراءات إنهاء مهامها تدريجياً وتنظيم انسحابها.

ويؤكد متري أن هذه المقاربة تمنح اليونيفيل في جنوب لبنان مهلة عام واحد كي تُنهي وجودها، وهو ما يضر بمصلحة لبنان في هذه المرحلة، لأن لبنان لا يزال يحتاج إلى استمرار دور القوة الدولية دعماً للجيش في فرض سلطة الدولة جنوب الليطاني، ومراقبة وقف الأعمال العدائية والخط الأزرق، فضلاً عن قدراتها التقنية في مجال نزع الألغام.

ويعتبر متري أن للقوة الدولية قيمة سياسية موازية لأهميتها العسكرية، لأن تعاونها مع الجيش اللبناني أسهم على مدى كل السنوات الماضية في الحفاظ على الاستقرار في الجنوب، باستثناء بعض الحوادث المحدودة.

كسر الصمت وتأجيل التصويت على القرار

إجرائياً، دخل مشروع القرار الفرنسي فترة صمت كي يمر بلا اعتراضات، لكن واشنطن طالبت إعادة التفاوض على فقرات تتعلق بعبارات الانسحاب وكيفية ربطه بقدرة الدولة اللبنانية على فرض سيادتها الكاملة.

عملياً، مكّن ذلك الولايات المتحدة من وقف التصويت عليه، وفتح الباب لجلسة لاحقة قد تكون عشية انتهاء الولاية الحالية. ووفق المصادر الدبلوماسية، ترفض واشنطن أي صيغة تبقي باب بقاء اليونيفيل مفتوحاً بعد 31 أغسطس/آب 2026، أو ترجئ وضع مسار زمني واضح إلى مراجعة لاحقة غير ملزمة.

أما فرنسا، وفق مصدر "عربي بوست"، فلا نية لديها لاستخدام حق النقض "الفيتو" في ملف حساس كهذا، لكنها تسعى إلى لغة دبلوماسية تُطمئن لبنان والدول المشاركة في القوة، من دون استفزاز الجانب الأميركي والإسرائيلي.

مع العلم أن الملف اللبناني لا يُقرأ في نيويورك بمعزل عن مسار داخلي وإقليمي جارٍ، حيث يصل إلى بيروت المبعوث الأميركي الخاص بلبنان وسوريا السفير توماس باراك بعد محطتين في تل أبيب ودمشق، حاملاً أجوبة إسرائيلية على الورقة الأميركية التي قبلت الحكومة أهدافها.

وبحسب مصدر حكومي لبناني لـ"عربي بوست"، فإن أي تصلب إسرائيلي في وجه الخطوة الثانية المطلوبة منه سيعقد مهمة سحب السلاح ويمنح حزب الله الرافض لقرار الحكومة حججاً إضافية.

في المقابل، يؤكد المصدر أن أي قرار دولي يُحدث فراغاً ميدانياً في جنوب لبنان سيضع الجيش اللبناني وجهاً لوجه مع معادلة مزدوجة: إسرائيل على الحدود وحزب الله في العمق، ما لم تُستكمل الضمانات والآليات.

من هنا، تتعامل الحكومة مع التمديد بوصفه اختباراً أولياً قبل وضع خطة الجيش على طاولة مجلس الوزراء نهاية الشهر الحالي، حيث لا ضمانات أميركية حتى الساعة، ولا التزام إسرائيلي كامل بالورقة الأميركية.

مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة/ رويترز
مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة/ رويترز

ماذا جاء في الصيغة الفرنسية المعدلة؟

بحسب المصدر الحكومي اللبناني، فإن النسخة التي روجت لها فرنسا بعد أسبوع من المفاوضات تحمل إشارات إلى "ترحيب مجلس الأمن بجهود الحكومة اللبنانية لبسط سيادتها على كامل الأراضي وعدم الاعتراف بأي سلطة موازية"، وتثني على تقدم تحقق منذ 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 في كشف مخابئ الأسلحة وتكثيف الدوريات بالتنسيق مع الجيش.

ووفق المصدر فإن المقترح الفرنسي ينص على تمديد الولاية حتى 31 أغسطس/آب 2026 مع التخطيط للانسحاب، على أن يشار في الفقرة المحورية إلى عزم مجلس الأمن على انسحاب اليونيفيل شرط سيطرة الدولة التامة جنوب لبنان والتوصل إلى ترتيب سياسي شامل مع إسرائيل برعاية أميركية – عربية.

كما تُلزم الصيغة الأمين العام للأمم المتحدة بإجراء مراجعة استراتيجية بحلول 1 مارس/آذار 2026 لتقييم شروط الانسحاب والخيارات لما بعده، بما فيها تعزيز دعم إعادة انتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني عبر أدوات أممية.

وتدعو الحكومة اللبنانية إلى احترام كامل لاتفاق وضع القوات، وتأمين حرية حركة اليونيفيل وامتيازاتها حتى مغادرة آخر عنصر، مع تنظيم نقل الأصول بشكل آمن خلال مرحلة الانسحاب وإبقاء المجلس على اطلاع دوري.

فيما ترى الولايات المتحدة الأميركية أن هذه اللغة، رغم تشددها النسبي، ما زالت تتيح احتمال إبقاء القوة إذا تعذر اكتمال الشروط بحلول أغسطس/آب 2026، وهو ما لا تريده واشنطن وتضغط إسرائيل باتجاه إقفاله نهائياً.

ومن شأن أي قرار بإنهاء مهمة اليونيفيل أن يكون اختباراً لوزن وأدوار دول أوروبية عدة كفرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا، والنرويج، في منطقة شرق المتوسط. بينما يتناغم الموقف الإسرائيلي مع مزاج الإدارة الأميركية بالتقليل من الاعتماد على الأمم المتحدة وبعثات حفظ السلام.

في المقابل، تبدي فرنسا ومعها روسيا ارتياحاً لصيغة تمديد لا تقوض الوظائف الأساسية لليونيفيل، ولو تحت سقف تخفيضات مالية وبشرية تطال معظم بعثات الأمم المتحدة.

سيناريوهات محتملة للأزمة

يعتبر المحلل السياسي اللبناني ربيع دندشلي أنه وفي كل السيناريوهات، تتقدم حقيقة واحدة، أن نجاح أي ترتيبات جنوب لبنان يتوقف على التزام إسرائيل بإنهاء أي وجود داخل الشريط الحدودي ووقف الخروقات، وإلا بقيت القوة الدولية صمام أمان مؤقتاً لا أكثر.

ويرى دندشلي أن المشهد الآن مفتوح على صياغة غير نهائية ستُطبخ بين باريس وواشنطن في الساعات المقبلة، حيث سيكون هناك اتصال مرتقب على مستوى وزيري الخارجية الفرنسي والأميركي من شأنه تقليص الفجوة حول فقرة الانسحاب، فيما تمسك رئاسة مجلس الأمن بخيار إبقاء الجلسة تحت الطلب قبل انتهاء المهلة. والتمديد يكاد يكون مضموناً لعام إضافي، لكن العبارة التي ستُعطيه شكله ومعناه هي بيت القصيد.