كشف مصدر عسكري في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أن التحضيرات تجري على قدم وساق لعقد مؤتمر وصف بـ"التشاوري واسع النطاق" في مدينة الرقة، من المقرر أن يشارك فيه ممثلون عن مكونات اجتماعية وسياسية من داخل المنطقة وخارجها.
وذكر المصدر أن "قسد" تستعد في هذا المؤتمر للإعلان عن "الرقة عاصمة دائمة لإقليم شمال سوريا"، في وقت تجري فيه التحضيرات على قدم وساق لعقد هذا المؤتمر، الذي أوضحت مصادر في حكومة دمشق رفضها أيّاً من مخرجاته.
يأتي هذا في وقت تشهد الساحة السورية تطورات متسارعة على المستويين السياسي والميداني، تقف في مقدمتها التحركات التي تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ومجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية في شمال شرقي البلاد، وذلك وفق ما كشفته مصادر سورية مطلعة.
مؤتمر مرتقب في الرقة
وأوضح المصدر العسكري أن الاتصالات القائمة لعقد هذا المؤتمر لم تقتصر على الأطراف التقليدية في منطقة الجزيرة والفرات، بل شملت قوى اجتماعية وسياسية في الوسط والجنوب السوري، وذلك في محاولة لبناء منصة ذات طابع شامل يمكن أن تمنح قسد ثقلاً سياسياً أوسع في مواجهة الحكومة المركزية في دمشق.
تأتي هذه الاستعدادات بعد أسابيع قليلة من انعقاد مؤتمر سياسي في مدينة الحسكة مطلع أغسطس/آب 2025، رعته قسد والإدارة الذاتية، وشارك فيه خليط واسع من القوى والشخصيات العربية والكردية والسريانية، إضافة إلى رجال دين ووجهاء من مناطق متعددة. وكان من أبرز الحضور الشيخ حكمت الهجري، ممثل دروز السويداء. البيان الختامي لمؤتمر الحسكة شدّد على بناء دستور يقوم على اللامركزية، غير أن هذه المخرجات لم تمر دون ردود فعل متباينة، فقد اعتبرت دمشق أن ما جرى يهدد وحدة البلاد ويتناقض مع ما سبق الاتفاق عليه بشأن دمج قسد في الجيش السوري.
بحسب المصدر العسكري في قسد فإن مؤتمر الرقة المنتظر لن يكون مجرد تكرار لتجربة الحسكة، بل يسعى إلى بلورة مجموعة جديدة من البنود غير الواردة في "الإعلان الدستوري المؤقت"، وذلك تمهيداً لعرضها على الحكومة السورية الجديدة بغرض التفاوض.
الهدف المعلن هو تقديم قسد والإدارة الذاتية نفسيهما ككيان سياسي جامع يتجاوز الطابع العسكري، ويستند إلى مقاربة أكثر شمولية يمكنها استيعاب مختلف التيارات والمكونات، وذلك وفق ما قال المصدر السوري.
كما أشار المصدر إلى وجود اتصالات مكثفة مع شخصيات وقيادات من الطائفة الدرزية في السويداء، بهدف التنسيق المسبق لجدول أعمال المؤتمر، والاتفاق على البنود المطروحة للنقاش، بما في ذلك إعلان الرقة عاصمة للإقليم، وهو ما يعكس رغبة قسد في بناء تحالفات عابرة للجغرافيا والطوائف.
لكن الطموحات التي تحملها قسد تصطدم بأزمة ثقة عميقة مع الحكومة السورية، وفق ما قال المصدر السوري المقرب من قيادة قسد، فقد شهدت الأشهر الماضية سلسلة مفاوضات بين الجانبين انتهت إلى الفشل، وقد كانت المفارقة أن الطرفين كانا قد توصلا في مارس/آذار 2025 إلى تفاهم مبدئي حول هذا الملف، لكن سرعان ما انهار الاتفاق وسط توتر سياسي وميداني متصاعد.
في سياق متصل، كشف مصدر مطلع داخل قسد، يشغل منصب "مسؤول تنسيق" بين قيادة القوات ووسائل الإعلام الأجنبية ويُعرف بقربه من المتحدث الرسمي باسم قسد فرهاد شامي، عن أن الاستعدادات الجارية لعقد مؤتمر موسع في مدينة الرقة دخلت مراحلها النهائية، وأنه من المقرر انعقاد المؤتمر خلال أسبوع أو عشرة أيام على أبعد تقدير.
وبحسب المصدر، فإن قسد شرعت في فتح قنوات اتصال واسعة مع مختلف المكونات السورية من سياسيين وباحثين وصحفيين ونشطاء حقوقيين، سواء من الداخل أو من الخارج، في محاولة لتوسيع دائرة الحضور وإضفاء طابع وطني شامل على المؤتمر المزمع.
وأكد أن الاتصالات لم تقتصر على الأطراف الكردية أو حلفاء الإدارة الذاتية فحسب، بل شملت شخصيات وازنة في الطيف السوري الأوسع، بينهم حكمت الهجري، أحد أبرز المرجعيات الدرزية في السويداء، وذلك بهدف المشاركة في مناقشات تتعلق بمستقبل سوريا السياسي والإداري، وإيجاد مسارات جديدة تتجاوز حالة الجمود التي طبعت المشهد خلال الأعوام الأخيرة.
وأوضح المصدر أن معظم الشخصيات التي تم التواصل معها تتقاطع في رؤيتها مع قسد حيال خطورة الأوضاع الراهنة، خصوصاً بعد الأحداث التي شهدتها محافظة السويداء قبل أسابيع، والتي اعتُبرت مؤشراً على هشاشة الوضع الأمني والسياسي وقابليته للتكرار في مناطق أخرى.
وأشار إلى أن هذه القناعة دفعت قسد إلى إعادة النظر في مسألة تسليم سلاحها لحكومة دمشق، إذ تخشى أن يؤدي ذلك إلى تعرضها لانتهاكات أو ممارسات إقصائية تعيد إنتاج التجارب السابقة وتفقدها القدرة على حماية مناطقها وسكانها، وهو ما يجعل مسألة الاحتفاظ بالسلاح بالنسبة لها قضية وجودية وليست مجرد خيار عابر.
العاصمة والمواد فوق الدستورية
ولفت المصدر إلى أن مؤتمر الرقة لن يكون مجرد تجمع رمزي أو احتفالي، بل سيحمل في طياته إعلانات سياسية كبرى من شأنها أن تثير جدلاً واسعاً على المستويين الداخلي والخارجي.
فالمؤتمر، بحسب ما جرى الاتفاق عليه داخل أروقة قسد والإدارة الذاتية، سيخرج بثلاثة قرارات محورية.
أول هذه القرارات يتمثل في إعلان مدينة الرقة عاصمة دائمة للإدارة الذاتية في إقليم شمال شرق سوريا، وهو إعلان يتضمن بعدين متلازمين: الأول رمزي يتمثل في رفع مكانة الرقة كواجهة سياسية بديلة عن دمشق، والثاني إداري يقضي بتثبيت الرقة عاصمة دائمة لإقليم شمال شرق سوريا وللإدارة الذاتية التي ترسخت في المنطقة خلال السنوات الماضية.
أما القرار الثاني، فهو الأخطر من الناحية الدستورية والسياسية، إذ ينص على الشروع في صياغة "مواد فوق دستورية" تمثل في مضمونها دستوراً جديداً لسوريا.
وبحسب المصدر، فإن هذه المواد ستكون محصنة من التغيير أو النقاش، بحيث تتحول إلى مرجعية دستورية بديلة عن الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس السوري أحمد الشرع قبل أشهر.
وتطمح قسد من وراء هذا الإعلان إلى رسم ملامح مستقبل سياسي جديد للبلاد يقوم على تجاوز مركزية السلطة في دمشق، ويفتح الباب أمام نموذج حكم لامركزي يمنح الإدارة الذاتية شرعية دستورية مستقلة.
ويأتي القرار الثالث ليكمل الإطار المؤسسي لهذه التوجهات، إذ سيعلن المؤتمر عن تشكيل مجلس تنفيذي يتولى إدارة شؤون مدينة الرقة والإشراف على صياغة الدستور الجديد. وسيكون هذا المجلس أشبه بحكومة موازية تقدم نفسها للداخل السوري وللمجتمع الدولي باعتبارها "الحكومة الجديدة لسوريا"، في محاولة واضحة لخلق بديل سياسي يضع دمشق أمام معادلة غير مسبوقة، ويفرض واقعاً جديداً يصعب تجاوزه أو تجاهله في المستقبل.
وبحسب المصدر، فإن قيادة قسد تدرك أن هذه الخطوات ستفتح الباب أمام مواجهة سياسية وربما ميدانية مع حكومة دمشق، لكنها ترى أن الوقت قد حان للانتقال من مرحلة التفاوض العقيم إلى مرحلة الفعل المباشر على الأرض. ويؤكد أن حكومة أحمد الشرع لا تبدي أي استعداد جاد لتقاسم السلطة أو تنويع مسارات الإدارة السياسية في سوريا، إذ تتمسك بالتحالف مع رموز هيئة تحرير الشام وتستبعد بقية المكونات، وهو ما يعطل أي تقدم في المسار التفاوضي مع قسد على حد وصفه.
ويضيف المصدر أن قسد بعد تجربة طويلة من الحوارات واللقاءات مع حكومة دمشق، وصلت إلى قناعة راسخة بأن المفاوضات لم تعد ذات جدوى، وأنها باتت أداة لشراء الوقت أكثر من كونها مساراً حقيقياً للحل.
ومن هذا المنطلق، تتبنى قيادة قسد استراتيجية جديدة قوامها اتخاذ خطوات عملية ميدانية تعكس إرادتها في فرض مشروعها السياسي بغض النظر عن مواقف النظام السوري أو اعتراضاته. فالمؤتمر المزمع عقده في الرقة ليس مجرد مبادرة محلية، بل هو رسالة داخلية وخارجية بأن قسد مستعدة للمضي قدماً في تشكيل كيان سياسي مستقل.
تساؤلات عميقة
مصدر سوري في وزارة الدفاع قال إن هذه التطورات تثير تساؤلات عميقة حول مستقبل سوريا ووحدة أراضيها، إذ إن إعلان الرقة عاصمة بديلة، والشروع في كتابة دستور جديد بمعزل عن دمشق، يمثلان عملياً تحدياً مباشراً لسلطة الدولة المركزية، ويعكسان رغبة في إقامة كيان موازٍ قد تكون له انعكاسات بعيدة المدى على مسار الأزمة السورية برمتها.
كما أن إشراك شخصيات من خارج الطيف الكردي ومن مناطق أخرى مثل السويداء، يعكس محاولة واضحة من قسد لتجاوز الصورة النمطية التي حصرتها طويلاً في إطار إثني أو جهوي، والانتقال إلى تقديم نفسها كممثل شرعي لمشروع وطني أوسع، وهذا بطبيعة الحال أمر غير حقيقي وغير واقعي.
وأوضح المصدر السوري في وزارة الدفاع أن هذا التوجه يواجه عقبات جمة، ليس أقلها موقف حكومة دمشق الرافض لأي تقاسم للسلطة، فضلاً عن المواقف الإقليمية والدولية المتباينة من مشروع الإدارة الذاتية. فتركيا على سبيل المثال تنظر بقلق بالغ إلى أي خطوات من شأنها تكريس كيان كردي مستقل على حدودها الجنوبية، فيما تبدو روسيا أكثر ميلاً إلى التمسك بالصيغة المركزية التي تحافظ على وحدة القرار في دمشق. أما الولايات المتحدة، ورغم دعمها العسكري والسياسي لقسد، فإنها لم تُبدِ حتى الآن موقفاً واضحاً من مشروع إعلان الرقة عاصمة مؤقتة أو من الشروع في صياغة دستور جديد، الأمر الذي يترك الباب مفتوحاً أمام احتمالات عدة قد تحددها طبيعة التوازنات الميدانية والسياسية في المرحلة المقبلة.
في ضوء هذه المعطيات، يقول المصدر السوري إنه يبدو أن مؤتمر الرقة المقبل سيكون نقطة مفصلية في مسار الأزمة السورية، إذ لن يقتصر أثره على مناطق شمال شرق سوريا فقط، بل سيمتد إلى إعادة تشكيل معادلات القوة والسياسة على امتداد الجغرافيا السورية. فالمؤتمر يحمل في طياته إعلاناً غير مباشر عن انتهاء مرحلة التفاوض التقليدي مع دمشق، وبداية مرحلة جديدة عنوانها الفعل الميداني والسياسي المباشر، وهو ما قد يضع البلاد أمام سيناريوهات أكثر تعقيداً.
قمت بمراجعة النص لغويًا وتنقيحه مع الحفاظ على الأسلوب الصحفي الرسمي، وتصحيح بعض الأخطاء النحوية وعلامات الترقيم وتحسين الصياغة لتكون أكثر سلاسة ووضوحًا:
أهمية مدينة الرقة
في سياق متصل، تمثل مدينة الرقة قلب المشروع السياسي والعسكري لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، ليس فقط لأنها أكبر المدن التي سيطرت عليها بعد معارك طويلة ضد تنظيم "داعش" عام 2017، بل لأنها تحولت إلى رمز لانتصارها العسكري ولقدرتها على إدارة منطقة استراتيجية ومعقدة في آن واحد.
فالرقة تقع على ضفاف نهر الفرات وتعتبر عقدة وصل بين مناطق الشمال الشرقي وبين الوسط والجنوب، ما يمنحها وزنًا جغرافيًا بالغ الأهمية. بالنسبة لقسد، فإن اختيار الرقة كعاصمة مؤقتة للإدارة الذاتية، أو حتى كسوريا بديلة، يضيف لها شرعية سياسية ويخرجها من الإطار الكردي الضيق إلى إطار وطني أوسع، باعتبار أن المدينة عربية في غالبيتها وتشكل مركزًا حضريًا جامعًا لمكونات مختلفة.
كما أن السيطرة على الرقة تمنح قسد ورقة ضغط قوية في أي مفاوضات مستقبلية، لأنها تمثل مدينة كبيرة وذات رمزية تاريخية وسياسية لا يمكن تجاهلها.
وعلى المستوى السوري العام، تعد الرقة مدينة محورية في تاريخ الصراع السوري خلال العقد الماضي. فهي كانت العاصمة الفعلية لتنظيم "داعش" بين عامي 2014 و2017، ومن هناك أعلن التنظيم مشروع "الخلافة" الذي شكّل تهديدًا عابرًا للحدود.
سقوط الرقة بيد "قسد" بدعم التحالف الدولي شكّل نقطة تحول كبيرة في مسار الحرب على الإرهاب، ما منح المدينة أهمية رمزية بوصفها "مقبرة الخلافة". جغرافيًا، تشكل الرقة حلقة وصل بين الشمال الشرقي الغني بالنفط والموارد وبين العمق السوري في حماة وحمص ودمشق، ما يجعل السيطرة عليها عاملاً استراتيجيًا لأي قوة تريد التأثير في خريطة سوريا.
انعكاس الأزمة السياسية على الخلاف بين قسد وحكومة الشرع
الأزمة السياسية انعكست على الأرض في صورة مواجهات متصاعدة، حسبما أفاد مصدر سوري مقرب من قيادة قسد، فقد اندلعت خلال الأيام الماضية اشتباكات عنيفة قرب قرية معدان في ريف الرقة الشرقي بين قوات قسد وعناصر الأمن الداخلي التابعين للحكومة السورية.
كما فرضت قسد حصارًا على بلدة غرانيج وحاولت اقتحامها من عدة محاور، وهو ما دفع بعض العشائر المحلية للتدخل، الأمر الذي ينذر باتساع رقعة التوتر، حسب المصدر ذاته.
هذا التصعيد ترافق مع خطوات عسكرية من قبل التحالف الدولي الذي كثف تدريباته المشتركة مع قوات قسد في قاعدة الشدادي بريف الحسكة، حيث جرى تنفيذ مناورات بالذخيرة الحية بمشاركة الطيران المروحي، وشملت تدريبات على إطلاق قنابل ضوئية وتنسيق ميداني مباشر، بهدف رفع مستوى الجاهزية القتالية وتعزيز التنسيق العملياتي، حسب تصريحات المصدر السوري المقرب من قيادة قسد لـ"عربي بوست".
في ظل هذه التطورات، يبدو أن مؤتمر الرقة المرتقب لن يكون مجرد فعالية محلية، بل محطة سياسية ستسعى قسد من خلالها إلى تثبيت موقعها كطرف لا يمكن تجاوزه في أي تسوية سورية مقبلة، وفقًا للمصدر نفسه.
وأوضح المصدر أن الإدارة الذاتية لقسد تدرك أن الأوضاع الإقليمية والدولية تمنحها هامش مناورة، خاصة مع استمرار الدعم الأميركي والتحالف الدولي، في مقابل انشغال دمشق بأزماتها الداخلية وتحدياتها الاقتصادية. غير أن هذه المعادلة محفوفة بالمخاطر، إذ تعتبر دمشق أن أي محاولة لإضفاء طابع رسمي على فكرة "إقليم شمال شرق سوريا" يمثل تهديدًا مباشراً لوحدة البلاد.
وأشار إلى أنه إذا ما عُقد مؤتمر الرقة وفق ما تخطط له قسد، سيشكل لحظة فارقة في مسار الصراع السوري، فهو ليس مجرد لقاء تشاوري، بل إعلان سياسي صريح عن مشروع بديل يسعى لترجمة القوة العسكرية إلى إطار دستوري وسياسي جديد. وبينما تراهن قسد على قدرتها في جمع أطراف مختلفة تحت سقفها وإقناعهم بمشروع اللامركزية، تصر دمشق على أن الطريق الوحيد للتسوية هو العودة إلى حضن الدولة المركزية.
رفض حكومي لتحركات قسد
في سياق مواز، كشفت مصادر سورية مطلعة عن رفض الحكومة السورية لأي تحرك مستقل من جانب قسد يهدف إلى فرض واقع جديد في شمال شرق البلاد، وذلك في إطار التحضيرات الجارية لعقد مؤتمر تشاوري في مدينة الرقة.
ووفقًا لمصدر سياسي سوري يعمل مستشارًا في وزارة الدفاع، فإن الحكومة أرسلت خلال الأيام الماضية رسالة رسمية إلى قيادة قسد، أكدت فيها رفضها لأي خطوات قد تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية من شأنها إحداث تغييرات أحادية الجانب على الأرض، معتبرة أن أي حشد أو مؤتمر تنظمه قسد في المنطقة دون تنسيق مع الدولة السورية يعد تجاوزًا للشرعية الوطنية ومهددًا لوحدة الأراضي السورية.
وأكد المصدر ذاته أن الحكومة السورية لم تكتفِ بالرفض، بل حرصت على توجيه رسالة أكثر وضوحًا لقيادة قسد، مفادها أن دمشق منفتحة على الحوار والتفاوض للوصول إلى تصور مشترك يرضي الطرفين ويساعد على صياغة حلول سياسية قابلة للتطبيق على الأرض.
إلا أن المصدر أشار إلى أن قيادة قسد لم تبدِ أي اهتمام بهذا التحرك الرسمي من قبل الحكومة، واستمرت في خطواتها نحو ترتيب مؤتمر جديد في مدينة الرقة، مما يثير مخاوف دمشق من محاولة فرض أمر واقع في مناطق شمال شرق سوريا، وهو ما تعتبره تهديدًا لوحدة الدولة وللسلطة المركزية.
اجتماعات بين قسد وحكومة الشرع
في سياق متصل، كشف المصدر في وزارة الدفاع عن تفاصيل الاجتماعات التي جرت بين وفد قسد والرئاسة السورية خلال الأيام الماضية، مشيرًا إلى أن الوفد طرح ثلاثة مطالب رئيسية أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط الحكومية. المطلب الأول يتعلق بالاندماج العسكري المشروط، حيث أعربت قسد عن استعدادها للقبول بسيادة الدولة السورية بشكل رمزي وإداري، لكنها اشترطت الاحتفاظ بهيكلها العسكري وسلاحها ضمن إطار الجيش السوري خلال مرحلة انتقالية طويلة، مع تطبيق هذا النهج على الأجهزة الأمنية التابعة لها أيضًا.
أما المطلب الثاني فيتعلق بضمان وضع دستوري واضح، إذ تطالب قسد بإقرار شكل من أشكال اللامركزية الواسعة في أي دستور دائم قادم، بما يمنحها الحق في إدارة مواردها المحلية وشؤونها الداخلية بشكل شبه مستقل، وهو ما يفتح الباب أمام تفويض واسع للسلطة الإدارية والمالية في شمال شرق سوريا بعيدًا عن المركزية التي تفرضها الدولة. ويأتي هذا المطلب في سياق سعي قسد لتأمين إطار دستوري يحمي مكاسبها الإدارية والسياسية ويضمن لها درجة عالية من الحكم الذاتي، وهو ما يثير مخاوف الحكومة السورية من أن يتحول هذا المطلب إلى خطوة نحو الفصل التدريجي عن الدولة أو إقامة كيان سياسي موازٍ.
أما المطلب الثالث فيرتبط بالمسألة الكردية بشكل جذري، إذ رفضت قسد الاكتفاء بوعود الاعتراف بالحقوق الثقافية فقط، وأصرت على فتح آفاق سياسية وقومية أوسع تشمل إعادة النظر في تسمية الدولة السورية واستيعاب القوى الكردية ضمن العملية السياسية بشكل موسع. ويعكس هذا المطلب طموحات قسد في توسيع نطاق تمثيلها السياسي والثقافي، بما قد يؤدي إلى إعادة هيكلة هوية الدولة ومؤسساتها بشكل يتعارض مع الرؤية المركزية للحكومة السورية.
وفي تعليق له على هذه المطالب، أوضح المصدر في وزارة الدفاع أن الحكومة السورية وعدت بمناقشتها، لكنها اعتبرت هذه المطالب تعجيزية بطبيعتها، وأن أصحابها ربما لا يسعون فعليًا إلى الوصول إلى حلول واقعية. ويعكس هذا الموقف تخوف دمشق من أن استمرار قسد في المطالب الواسعة وغير القابلة للتطبيق على أرض الواقع قد يؤدي إلى مزيد من التوتر والانقسام في شمال شرق سوريا، وهو ما يدفع الحكومة إلى تبني موقف حذر في التعاطي مع أي خطوات قادمة.
تحضيرات مؤتمر الرقة
مصدر آخر، وهو باحث في وزارة الخارجية السورية مختص بملف الأكراد، أشار إلى أن الحكومة تتابع عن كثب التحضيرات الجارية لمؤتمر الرقة، الذي تنوي قسد تنظيمه خلال الفترة المقبلة، معربًا عن قلق دمشق من أي تحركات على الأرض قد تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق البلاد.
وأضاف أن الحكومة السورية لن تعترف بأي مخرجات للمؤتمر، معتبرة أن أي نتائج يتم التوصل إليها خارج إطار الدولة السورية الرسمية غير شرعية، وأنها تعمل على التواصل مع الأطراف الأمريكية والإقليمية لبحث صيغة تفاوضية تبدأ بها مع قسد، بهدف إعادة ترتيب المشهد السوري والابتعاد عن شبح التقسيم أو الانفصال، الذي يبدو أن قسد حريصة عليه.
ويشير هذا القلق السوري إلى أن الحكومة تسعى لتأمين موقفها قبل أي خطوات محتملة من قسد، خصوصًا في ضوء الانقسام الإداري والعسكري الذي يميز مناطق شمال شرق سوريا، حيث تسيطر قسد على الأرض بشكل شبه كامل وتدير مؤسساتها الأمنية والإدارية بشكل مستقل عن دمشق، وفق ما قال المصدر السوري في وزارة الخارجية.
ويبرز هذا الوضع تحديًا مزدوجًا للحكومة السورية، يتمثل في ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة ومؤسساتها، وفي الوقت نفسه تفادي تصعيد المواجهة مع قسد بما قد يؤدي إلى انفجار أمني في المنطقة، على حد وصف المصدر السوري في وزارة الخارجية.
وقال المصدر إن دمشق تحاول استباق أي سيناريو قد يعزز من قدرة قسد على فرض واقع سياسي مستقل عن الدولة السورية، بما في ذلك السيطرة على الموارد الطبيعية وإدارة الشؤون المحلية دون إشراف حكومي مباشر. وتعمل الحكومة السورية وفقًا لذلك على تطوير قنوات دبلوماسية وإقليمية مع واشنطن وأنقرة سعياً لخلق صيغة تفاوضية تقلل من المخاطر المحتملة وتضمن مشاركة قسد ضمن إطار الدولة، وليس خارجها.
وأشار المصدر إلى أن هناك مخاوف سورية حقيقية من أن مؤتمر الرقة قد يمثل منصة لإضفاء الشرعية على مطالب الانفصال، خصوصًا إذا ما أقدمت قسد على إعلان مخرجات المؤتمر بشكل رسمي أمام الإعلام المحلي والدولي دون التنسيق مع دمشق.
ويقول المصدر السوري في وزارة الخارجية إن المشهد في شمال شرق سوريا يمر بفترة حرجة، حيث تتقاطع فيه الرغبة السورية في الحفاظ على السيادة والشرعية مع طموحات قسد في الحصول على حكم ذاتي واسع، بما يشمل البعد العسكري والإداري والسياسي. ومن المتوقع أن تشهد الأسابيع القادمة مزيدًا من التحركات الدبلوماسية والمفاوضات المكثفة، سواء على مستوى القيادة السورية أو عبر التواصل مع الأطراف الإقليمية والدولية، بهدف الوصول إلى صيغة توافقية تمنع أي انقسام أو انفصال، وتؤمن وحدة الدولة السورية في مواجهة التحديات المحلية والإقليمية.