لائحة جديدة باسم “الكفاءات” وثلث البرلمان للنساء..  كواليس إعداد وزارة الداخلية المغربية للانتخابات 

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/18 الساعة 08:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/18 الساعة 08:58 بتوقيت غرينتش
رئيس الحكومة المغربي عزيز أخنوش رفقة وزير الداخلية (مواقع التواصل الاجتماعي)

بدأ وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت في مشاورات مع الأحزاب السياسية للتحضير للانتخابات التشريعية المقررة سنة 2026، والخاصة بانتخاب أعضاء مجلس النواب، الغرفة الأولى من البرلمان. وتُسجَّل هذه المرة سابقة في تدبير الإعداد للانتخابات، حيث كلّف الملك محمد السادس وزير الداخلية بالإشراف على التحضيرات، دون أي إشارة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش.

ومنذ سنة 2011، سنة الاستفتاء على الدستور الجديد للمغرب، كان الملك يُكلف رئيس الحكومة بالإشراء على ملف الانتخابات، لتكون هذه المرة هي الأولى من نوعها التي يُشرف عليه وزير الداخلية.

وزير الداخلية بدل رئيس الحكومة

تعتبر وزارة الداخلية في المغرب هي الجهاز المحوري في تنظيم الانتخابات. تاريخياً، ارتبطت العملية الانتخابية بمصالح الأمن الداخلي وضمان "الاستقرار"، ما جعل الداخلية تملك خبرة واسعة، وآليات لوجستية وبشرية تمكّنها من تدبير العملية عبر مختلف التراب الوطني.

واعتبر مصدر من رئاسة الحكومة في حديثه مع "عربي بوست" أن إبعاد رئيس الحكومة، الذي يمثل حزباً معيناً، من التدبير المباشر للانتخابات يُسوَّق باعتباره ضمانة للحياد المؤسساتي، وتكليف وزير الداخلية، بوصفه شخصية "إدارية/تقنية"، يهدف إلى تجنب تهمة توظيف الحكومة للانتخابات لصالح حزبها.

وتعود أسباب هذا التحول، حسب ما تم تفسيره في رغبة ملكية في فصل الجوانب التنظيمية للانتخابات عن الأبعاد السياسية والحزبية التي يمثلها رئيس الحكومة، بما يضمن حياد العملية الانتخابية ويجنّبها التأثيرات الحزبية سواء من الأغلبية أو المعارضة. 

فيما اعتبر آخرون أن هذا التوجه يمثّل تراجعاً عن مقتضيات دستور 2011 الذي يكرّس دور رئيس الحكومة في قيادة السلطة التنفيذية بدلاً من وزير الداخلية، وهنا كان من المفترض أن يوُضع الملف في يد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، والذي يترأس حزب التجمع الوطني للأحرار في نفس الوقت.

وقال عبد عزيز أفتاتي، القيادي في حزب العدالة والتنمية والبرلماني السابق، لـ"عربي بوست" إن تكليف وزير الداخلية بالإشراف على مشاورات الانتخابات أمر غير دستوري ويُخالف ما  اختاره المغاربة.

واعتبر أن غياب لجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات كان يقتضي إسناد هذه المهمة لرئيس الحكومة احتراماً للتراتبية داخل الجهاز التنفيذي، إذ إن "رئيس الحكومة هو رئيس جميع الوزراء، بمن فيهم وزير الداخلية".

وانتقد أفتاتي أيضاً موقف حزب العدالة والتنمية، الذي لم يُنبّه لهذا "الخرق" حسب تعبيره، وسارع إلى تزكية مسار المشاورات التي تخالف المبدأ الدستوري.

في المقابل، أوضح مصدر مقرب من رئيس الحكومة عزيز أخنوش لـ"عربي بوست" أن "تكليف وزير الداخلية بالإشراف على المشاورات رفع الحرج عن رئيس الحكومة الذي يترأس الحزب الذي يقود الحكومة منذ سنة 2021".

وأشار إلى أن إشراف الداخلية يضمن حيادية العملية ويُفشل أي محاولة للمزايدة أو التشويش السياسي، خاصة في ظل سعي حزب التجمع الوطني للأحرار إلى تصدر الانتخابات من جديد.

نحو رفع تمثيلية النساء إلى الثلث

ورغم أن بلاغ وزارة الداخلية حول الاجتماعات مع الأحزاب لم يتضمن تفاصيل التعديلات المرتقبة على المنظومة الانتخابية، إلا أن مصادر مطلعة أكدت لـ"عربي بوست" أن وزارة الداخلية ستقترح رفع تمثيلية النساء في مجلس النواب إلى الثلث.

وأضاف أن هذا ما يعني تجاوز عدد النساء 130 مقعداً في الولاية المقبلة، مقابل 96 حالياً (أي نسبة 24.3%)، معظمهن عبر اللوائح الجهوية المخصصة حصراً للنساء.

وحسب المعطيات المتوفرة، يحظى هذا المقترح بدعم واسع من قبل معظم الأحزاب السياسية، بينما لا يزال النقاش مستمراً بشأن آلية جديدة لتمثيل الشباب، بعد إلغاء لائحة الشباب في الولاية السابقة.

وفي السياق ذاته، أعلنت منظمة المرأة الاستقلالية، التابعة لحزب الاستقلال، عن إدراج مقترح رفع تمثيلية النساء إلى الثلث ضمن المذكرة التي ستُقدم للأمين العام نزار بركة، في إطار التحضير للانتخابات المقبلة.

واتفق وزير الداخلية مع قادة الأحزاب على موافاته بمقترحاتهم المتعلقة بالإطار القانوني للانتخابات، في أجل أقصاه نهاية شهر أغسطس/ آب 2025، من أجل دراستها والتوافق حول التدابير التشريعية اللازمة، وعرضها خلال الدورة البرلمانية الخريفية لإخراجها إلى حيز التنفيذ قبل نهاية السنة الجارية.

قضايا تنتظر الحسم

بحسب مصدر مطلع، حضر اجتماع وزير الداخلية مع زعماء الأحزاب السياسية، فإن وزير الداخلية وجه رسائل واضحة للأحزاب السياسية من أجل الانخراط في مراجعة القوانين المؤطرة للمنظومة الانتخابية، بما يضمن نزاهة ومصداقية هذه الأخيرة.

وفي هذا الصدد، من المرتقب أن تقترح وزارة الداخلية تشديد العقوبات على الجرائم الانتخابية، بما يتيح التصدي الحازم للمارسات التي من شأنها المس بمصداقية العملية الانتخابية. 

وأشار المصدر ذاته، أن وزير الداخلية أكد على أن الوزارة تتبنى الحياد الإيجابي في هذه الانتخابات، وأنها ستقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب السياسية، من جهة أخرى، يرتقب يحتدم النقاش بين الأحزاب السياسية ووزارة الداخلية حول عدد من القضايا، التي تهم المنظومة الانتخابية.

في هذا الإطار، علم "عربي بوست" أن بعض الأحزاب ستطالب بتعديل المقتضيات المتعلقة بالقاسم الانتخابي، لكي يتم احتسابه على أساس عدد الأصوات الصحيحة وليس المسجلين، كما هو معمول به حاليا، ويعرف القاسم الانتخابي بأنه عملية حسابية تستعمل لتوزيع المقاعد بين الأحزاب بطريقة نسبية.

وكانت الأحزاب السياسية المغربية باستثناء حزب العدالة والتنمية قد أجرت تعديلاً على طريقة احتساب القاسم الانتخابي في الانتخابات الأخيرة، حيث أًصبح يتم احتسابه على أساس عدد المسجلين في كل دائرة، وهو ما يمنع أي حزب من الحصول على أكثر من مقعد، بغض النظر عن عدد الأصوات التي يحصل عليها، مما يضعف التصويت الفعلي.

وبحسب المعطيات المتوفرة، فإن هذا الإجراء تم اتخاذه في سياق سياسي خاص، اتسم بتخوف الأحزاب السياسية من إمكانية اكتساح حزب العدالة والتنمية لنتائج الانتخابات، وهو ما لم يعد قائما اليوم، إذ من المتوقع أن تطالب أحزاب أخرى، لا سيما أحزاب التحالف الحكومي بمراجعة طريقة احتساب القاسم الانتخابي.

ومن جهة أخرى، يرتقب أن ينصب النقاش بين الأحزاب السياسية ووزارة الداخلية حول اعتماد لائحة جديدة تتيح للشباب ولوج قبة البرلمان تحت اسم "لائحة الكفاءات". مصدر "عربي بوست"، أكد وزارة الداخلية لا تمانع في اعتماد هذه اللائحة، إذا اتفقت عليها الأحزاب السياسية، مبرزا أن وزير الداخلية أكد في اجتماعه مع زعماء الأحزاب السياسية على ضرورة إيجاد الصيغة المناسبة لتعزيز تواجد الشباب في مجلس النواب.

منع تكرار سيناريو 2021

وكانت الانتخابات التشريعية والجماعية لسنة 2021 قد أثارت جدلاً واسعاً في المغرب بسبب ما وُصف بـ"الاستعمال المفرط للمال" في شراء الأصوات، وهي ممارسات أفضت إلى ملاحقات قضائية وسجن عدد من المرشحين بتهم تتعلق بالتزوير واختلاس المال العام.

وفي ضوء ذلك، شدد وزير الداخلية خلال اجتماعه مع الأحزاب على ضرورة التصدي الصارم لكل السلوكيات التي قد تمس بمصداقية الانتخابات، وضمان التعبير الحر عن إرادة الناخبين، مع التركيز على ملاحقة أي تجاوزات قد تُفرغ العملية الانتخابية من محتواها.

وفي هذا الإطار، يرى محمد يونسي، أستاذ القانون الدستوري، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن محاربة الفساد الانتخابي تتطلب "إرادة سياسية حقيقية، ومراجعة شاملة للقوانين ذات الصلة، بما يضمن معاقبة استعمال المال بشكل غير مشروع، وتعزيز الشفافية في تمويل الحملات، وضمان حياد رجال السلطة، إلى جانب ضبط الإشهار السياسي على وسائل التواصل الاجتماعي.

لكن التحدي الأكبر، بحسب يونسي، لا يكمن فقط في التنظيم أو الضوابط القانونية، بل في استعادة ثقة المواطنين بالعملية السياسية، بما يضمن مشاركة شعبية فعالة، وهي ركيزة أساسية لشرعية المؤسسات المنتخبة.

وحمل يونسي الأحزاب السياسية مسؤولية مركزية في هذا المسار، معتبراً أن الممارسات السابقة، خاصة منح التزكيات لمرشحين تحوم حولهم شبهات، بل ومتورطين في قضايا إجرامية مثل الاتجار في المخدرات، أدت إلى نتائج كارثية وأفرزت نخباً سياسية لا تمثل المواطنين، بل تسيء للعمل السياسي برمته.

ودعا يونسي الأحزاب إلى التشدد في معايير اختيار المرشحين، والاعتماد على الشفافية والنزاهة كشرط أساسي، قائلاً: "عندما تُطهر الأحزاب لوائحها من العناصر المشبوهة، فإنها توجه رسالة قوية للمواطنين بأنها جادة في إصلاح نفسها ورفع مستوى الممارسة السياسية".

واعتبر أن هذا التوجه لا ينعكس فقط إيجاباً على صورة الأحزاب، بل يُسهم في خلق بيئة سياسية صحية وجاذبة، بما قد يدفع المواطنين إلى المشاركة بفاعلية، ويزيد من فرص صعود كفاءات قادرة على خدمة الصالح العام.

تحميل المزيد