موجة تضخم منتظرة في مصر مع بدء تنفيذ قانون الإيجار القديم.. مصادر: ارتفاع قيمة رسوم الأطباء والمحامين وطفرة بأسعار العقارات

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/15 الساعة 06:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/15 الساعة 06:58 بتوقيت غرينتش
مشروع عقاري في العاصمة المصرية القاهرة/ رويترز

لا تقتصر النتائج المترتبة على تطبيق قانون الإيجار القديم في مصر بعد التصديق عليه من الرئيس عبدالفتاح السيسي مطلع شهر أغسطس/ آب 2025، على المستوى المعيشي والمجتمعي لملايين الأسر التي سوف تبحث من الآن عن مأوى جديد لها.

لكن تبقى هناك تأثيرات على الوضع الاقتصادي مع تأثر المهن الخدمية والمكاتب والمحال التجارية من التعديلات الأخيرة والتي رفعت مباشرة قيمة الإيجار خمسة أضعاف وهو ما سوف يتأثر به أكثر من 60 ألف منشأة طبية وآلاف مكاتب المحاماة والمكاتب الهندسية وكذلك جزء من المحال التجارية.

القانون يهدد القطاع الصحي بالمناطق الشعبية

وقال مصدر مطلع بنقابة الأطباء المصرية، إن نقابات المهن الطبية والتي تضم (الأطباء البشريين وأطباء الأسنان والبيطريين والصيادلة والعلاج الطبيعي) تقدمت باستغاثات عديدة للرئيس عبدالفتاح السيسي، وكذلك للبرلمان، قبل تمرير القانون للمطالبة بعدم تطبيقه على المنشآت الطبية التي لديها قانون خاص بها.

وأشار المصدر إلى أن حكم المحكمة الدستورية الذي دفع البرلمان للتحرك نحو تعديل القانون تطرق فقط إلى المنشآت السكنية ولم يتطرق إلى المحال التجارية ولا الأماكن المؤجرة لغير أغراض السكن مثل العيادات والصيدليات ومراكز العلاج والمستوصفات التي تتواجد في البنايات السكنية.

وأضاف المصدر ذاته، أن التعديلات ستؤدي إلى رفع "فيزيتا" الكشف (سعر الكشف) لدى العيادات الخاصة لأن صاحبها إما أنه سيكون مضطراً للبحث عن مكان آخر أو أنه سيخضع للزيادات الحالية والتي ستزيد سنوياً بنسبة 15%، وبعد خمس سنوات سيضطر أيضاً لترك العيادة أو الصيدلية ما لم يتم التفاهم مع مالك العقار.

وأوضح أن المواطنين سوف يتحملون الزيادات التي سوف يضطر إليها الأطباء، كما أن الصيادلة سيكونوا الأكثر تضرراً لأن ذلك سيضاعف من مصاريف التشغيل، وفي جميع الحالات فإن ذلك سيترك تأثيراته السلبية على التضخم العام في ظل صعوبات يواجهها الأطباء في زيادة قيمة الزيارة العلاجية نتيجة لتراجع القدرات الشرائية للمواطنين.

وأشار إلى أن النقابات المهنية لم تعترض على زيادة قيمة الإيجارات بقدر ما كان اعتراضها الأكبر يتمثل في انتهاء عقود الإيجار بعد خمس سنوات من تاريخ العمل بالقانون الجديد أي في العام 2030، إذ أن ذلك سيؤدي إلى حالة عدم استقرار، يشكل خطراً يهدد القطاع الصحي خاصة في المناطق الشعبية التي لا يحقق فيها الطبيب أرباح مرتفعة ويراعي طبيعة الوضع الاقتصادي في منطقته المحيطة، كما أن الانتقال إلى أماكن جديدة سيكون مكلفا للغاية وقد لا يتحمله الطبيب كما أنه يشكل عبئا على المرضى.

ولفت إلى أن القانون الجديد تعامل مع العيادات والصيدليات كونها أماكن سكنية لم تخضع لزيادة في قيمتها الإيجارية منذ عشرات السنين، لكن الواقع يشير إلى أنه حدثت زيادات في الوحدات غير السكنية وهي بقانون 6 لسنة 1997 والذي نص على زيادة قيمتها 8 أضعاف القيمة القديمة، كما أنها تقر زيادة سنوية مركبة تصل قيمتها إلى 10% أي أن أسعار الإيجار القديم لبعض العيادات وصل إلى 1000 جنيه أو أكثر، كما أن القانون رقم 10 للعام 2022 وهو أيضا خاص للوحدات غير السكنية أقر زيادة سنوية قدرها 15%.

وبحسب المصدر ذاته فإن إجمالي عدد العيادات المؤجرة وفقاً لقانون الإيجار القديم يشكل 20% من إجمالي عدد العيادات البالغ عددها في مصر حوالي 100 ألف عيادة، وهو رقم كبير لأنه انعكاساته ستطال المناطق الشعبية والقرى والنجوع، كما أن هناك أكثر من 40 ألف صيدلية مؤجرة بنظام الإيجار القديم من إجمالي ما يقرب من 90 ألف صيدلية في مصر، مشيرا إلى أن المنشآت الطبية ستبقى بين نيران تحمل الزيادات الجديدة في أسعار الإيجارات أو الاتجاه للبحث عن أماكن جديدة وفي تلك الحالة ستواجه مشكلات أكبر تتعلق بإجراءات الترخيص.

أزمة الدواء في مصر الأدوية منتهية الصلاحية
صورة تعبيرية لمواطن مصري داخل إحدى الصيدليات في القاهرة/ رويترز

الحكومة ستدفع القطاع الطبي للتعامل بالمبدأ التجاري

دخل قانون الإيجار القديم الجديد حيّز التنفيذ رسميًا، اعتبارًا من اليوم الثلاثاء 5 أغسطس 2025، وذلك عقب تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي عليه وإقراره ونشره في الجريدة الرسمية، ليبدأ بذلك العد التنازلي لإنهاء العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر بعد عقود من الجدل.

وبحسب القانون، ستنتهي العلاقة الإيجارية للوحدات غير السكنية (كالمحال والمكاتب) يوم 5 أغسطس 2030، فيما ستُنهى العلاقة في الوحدات السكنية يوم 5 أغسطس 2032.

ويبدأ المستأجرون في دفع قيمة انتقالية مؤقتة قدرها 250 جنيهًا شهريًا لمدة 3 أشهر، اعتبارًا من 1 سبتمبر المقبل، على أن تتولى المحافظات خلال هذه الفترة تشكيل لجان فنية لتحديد تصنيف المناطق (متميزة – متوسطة – شعبية)، تمهيدًا لتطبيق القيم الإيجارية الجديدة في نوفمبر المقبل.

ووفقًا للتصنيف الجديد، تُحدد القيمة الإيجارية الشهرية كالآتي: 20 ضعفًا للإيجار الحالي في المناطق المتميزة، بحد أدنى 1000 جنيهًا، و10 أضعاف في المناطق المتوسطة، بحد أدنى 400 جنيهًا، و5 أضعاف في المناطق الشعبية، بحد أدنى 250 جنيهًا.

يوضح مصدر آخر بنقابة الأطباء، إن الأزمة تتفاقم في القطاع الطبي خلال العامين المقبلين وسيكون هناك زيادات متوقعة في فيزيتا الأطباء نظرا لزيادة أسعار إيجار العيادات، وإذا كانت النسبة المتأثرة حالياً تصل إلى 20% فإن مداها خلال الأشهر المقبلة سيكون أوسع لأن زيادة قيم الكشف في المناطق الشعبية يترتب عليها رفع الأسعار في المناطق الراقية، مشيراً  إلى أن المشكلة الأكبر تظل تتعلق بعراقيل التراخيص الجديدة وهي سيكون انعكاساتها أكثر حدة على القطاع الطبي.

وأضاف المصدر ذاته أن اتجاه آلاف الأطباء لفتح عيادات جديدة بدلاً من القديمة سوف يفاقم المشكلة لأن الأطباء سيكون عليهم وفقاً لتعديلات قانون المنشآت الطبية أن يبحثوا عن أماكن لهم في وحدات إدارية وليست سكنية كما الوضع حالياً، والأزمة تكمن في أن الوحدات الإدارية تعاني عجزاً في مصر وفي كثير من المراكز والمدن البعيدة عن العاصمة، كما أن اشتراطات السلامة تعاني من سيطرة الفساد في المحليات لأنها تختلف من محافظة إلى أخرى وتبقى مكلفة ماديا فوق قدرات الأطباء ويكون التغلب عليها من خلال دفع رشاوى للمسؤولين.

وذكر المصدر ذاته أن الوضعية الراهنة سوف تقود لوجود آلاف العيادات غير المرخصة والتي ستجد صعوبة في تحقيق الاشتراطات المطلوبة، ولن يكون هناك جهة حكومية لديها معلومات كاملة عن العيادات الطبية في مصر، كما أن بعض العيادات سوف تكتفي بالحصول على ترخيص نقابة الأطباء دون أن تلتزم بتراخيص إدارة العلاج الحر (منظومة تراخيص وتكويد المنشآت الطبية غير الحكومية)، وقد لا يتجه الأطباء لأي من الجهتين.

ولفت المصدر ذاته إلى أن القانون كان من المفترض أن يضع فوارق بين الوحدات التجارية وبين المهن غير التجارية، مشيراً إلى أن الحكومة تتعامل مع هذه المهن على أنها ليست هادفة للربح وتكبيلها بواجبات والتزامات في حين أنها تضاعف الأعباء عليها، وإذا كانت لديها رغبة في التعامل مع المهن الصحية والخدمية على أنها تجارية فيجب أن يكون ذلك واضحاً بما يتيح التعامل بالمبدأ التجاري البحت.

وبحسب المادة (7)  من القانون بأنه يلتزم المستأجر أو من امتد إليـه عقد الإيجـار، بحسب الأحوال ، بإخلاء المكان المؤجر ورده إلى المالك أو المؤجر، إذا ثبت ترك المستأجر أو من امتد إليه عقد الإيجار المكان المؤجر مغلقًا لمدة تزيد عن سنة دون مبرر، أو إذا ثبت أن عقد الإيجار يمتلك وحدة سكنية أو غير سكنية، بحسب الأحوال، قابلة للاستخدام في ذات الغرض المعـد مـن أجلـه المكان المؤجر.

وتضم السوق المصرية نحو 3 ملايين وحدة سكنية بنظام الإيجار القديم بنسبة 7% من إجمالي عدد الوحدات، وتستفيد 7% من الأسر المصرية من وحدات بنظام الإيجار القديم وفقًا لبيانات عام 2017 مقابل 15% من الأسر في عام 2006.

زيادة مضطردة في معدلات الطلاق

ووفقًا للبيانات، فإن 240 ألف وحدة تستفيد منها أسر لديها أكثر من وحدة بنظام الإيجار القديم، كما يوجد 506.3 ألف وحدة مغلقة لوجود مسكن آخر أو السفر أو أسباب أخرى، ويتم استخدام 1.88 مليون وحدة بنظام الإيجار القديم للسكن، و575 ألف وحدة للعمل.

وبحسب مصدر مطلع بنقابة المحامين فإن تطبيق القانون الجديد سوف تنعكس أثاره أيضا على أكثر من 1500 مكتب محاماة يخضعون للإيجار القديم، مشيراً إلى أن التصديق على القانون يفاقم مشكلات المحامين التي أخذت في التصاعد مؤخراً بسبب زيادة الرسوم القضائية، لذلك دعى مجلس النقابة لاجتماع لمناقشة الأزمة من نواحيها المختلفة، واستكمال خطوات التصعيد.

وشدد المصدر ذاته على أنه خبرته في مجال المحاماة تجعله يؤكد على أن تأثيرات إقرار القانون الجديد سيكون لديها انعكاسات اقتصادية ومجتمعية سلبية، ومن المتوقع أن يشهد المجتمع زيادة مضطردة في معدلات الطلاق، لأن هناك ملايين الأسر أضحت الأن في وضعية غير مستقرة، وأن السكن يشكل أحد أبرز عوامل الاستقرار الأسرى المطلوب والأن الجميع على صفيح ساخن، كما أنه سيؤدي لزيادة معدلات العنوسة، ويدعم انتشار عقود الزواج العرفي وما يترتب عليها من مشكلات تتعلق، ومن المتوقع ارتفاع معدلات الجريمة بين الملاك والمستأجرين لأن القانون جرى إقراره لصالح طرف على حساب الأخر، بل أن القانون نسف مبدأ رئيسي في المحاماة والقانون يتعلق بكون العقد شريعة المتعاقدين، وهو القانون الأصلي الراسخ الذي لا يجب الاقتراب منه، متوقعا أن تعاني المحال والمكاتب التجارية أزمات البحث عن أماكن أخرى وسيكون لذلك انعكاساته السلبية على الأسواق بوجه عام.

وهناك فجوة كبيرة بين ما تعلنه الأرقام الرسمية بشأن أعداد وحدات الإيجار القديم وبين أرقام اتحاد المستأجرين في مصر، وتشير أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن عددها في المناطق الحضرية يبلغ 2 مليون و 792 ألفا و224 وحدة سكنية، بينما وصل العدد في الريف إلى 227.438 وحدة، ليصل الإجمالي بين الريف والحضر إلى 3.019.662 وحدة.

الاقتصاد المصري في 2025
الاقتصاد المصري يعاني من ارتفاع التضخم وتراجع قيمة الجنيه/ رويترز

المحكمة الدستورية تعيد النظر في القانون

يقدر شريف الجعار رئيس اتحاد مستأجري مصر عدد الوحدات السكنية التي تقع تحت طائلة القانون الجديد بنحو 10 ملايين وحدة في المدن المصرية كافة وأن عدد سكانها يبلغ نحو 20 مليون شخص على أقل تقدير، مشيراً في تصريحات إعلامية إلى أن أغلب المستأجرين يعيشون في فقر صارخ داخل شقق صغيرة في عقارات متهالكة وهم من تكفلوا بنفقات الصيانة والترميم في ظل رفض الملاك إنفاق النقود على المباني لأنها لا تدر إيجاراً عادلاً.

وأكد نائب برلماني مطلع على هذا الملف، أن المستأجرين قاموا الآن بجمع توكيلات للطعن على دستورية القانون وقد يكون هناك حكما ينصفهم.

وبعد يومين من مصادقة الرئيس عبد الفتاح السيسي على التعديلات قررت المحكمة الدستورية العليا، إعادة نظر الدعوى رقم 90 لسنة 42 دستورية إلى هيئة المفوضين بالمحكمة لاستكمال التحضير في القضية التي تطعن على دستورية الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981، المعروف باسم قانون الإيجار القديم، والمتعلقة بحالات طرد المستأجرين – سواء كانوا مصريين أو غير مصريين – بعد انتهاء مدة التعاقد.

في المقابل فالقانون دخل حيز التنفيذ بالفعل إذ بدأ تطبيقه من الثلاثاء الموافق 5 أغسطس وهو اليوم التالي لنشره في الجريدة الرسمية، وهي أيضا بداية الفترة الانتقالية التي تمتد إلى ٧ سنوات للسكني و٥ سنوات لغير السكنى، وكذلك زيادة القيمة الإيجارية للسكني إلى ٢٥٠ جنيه من أول سبتمبر، ومن بداية الشهر القادم أيضا سوف ترتفع القيمة الإيجارية لغير السكني من أول سبتمبر بواقع خمسة أمثال.

وأوضح المصدر ذاته أنه بمقتضى القانون سوف ترتفع القيمة الإيجارية سنويا بنسبة ١٥٪؜ في أول سبتمبر من كل عام حتى نهاية الفترة الانتقالية والإخلاء، ومن المتوقع أن يصدر رئيس الحكومة قرار بتشكيل وقواعد عمل لجان الحصر وتقسيم المناطق التي سيتم تشكيلها بقرارات من المحافظين، على أن تنتهي من عملها بعد ثلاثة أشهر وهي فترة قابلة للمد مرة واحدة بقرار من رئيس الوزراء، وتهدف هذه اللجان إلى حصر في نطاق كل محافظة تختص بتقسيم المناطق التي بها أماكن مؤجرة ايجار قديم لغرض السكن إلى مناطق متميزة، متوسطة، اقتصادية. وفق الموقع الجغرافي ومستوى البناء والمرافق وشبكة الطرق ووسائل المواصلات.

تحميل المزيد