أثارت تحذيرات أطلقها رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس بشأن احتمالات حدوث فقاعة عقارية في مصر جدلاً واسعاً، في ظل اتجاه شركات التطوير العقاري إلى إتاحة شراء وحدات عقارية بأسعار مرتفعة، لكن من خلال تقسيط لسنوات طويلة تصل إلى 15 عاماً.
هذا الخطاب برهن على أن هناك أزمة خفية في سوق العقار تحاول الحكومة والشركات معاً التغطية عليها خشية الوصول إلى حالة الركود التام، مع التوسع في عملية البناء بمحافظات مختلفة ضمن خططها لبناء مدن جديدة تستوعب الزيادة السكانية.
تآكل مدخرات المصريين لانخفاض قيمة العملة
وقال مصدر مطلع بإحدى الشركات العقارية الكبرى في مصر لـ"عربي بوست" إن شركته تأثرت سلباً بشكل كبير جراء تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين، كما أن سياسات البيع والتسويق والإنشاءات كانت تقوم على بناء وحدات أغلبها بمساحات لا تتجاوز 120 متراً.
وقال المتحدث إن هذه المساحات كانت تتماشى مع الطبقة الوسطى وبعض الطبقات الغنية، باعتبار أن الفئة الأكبر ممن يتخذون قرارات الشراء ينتمون للطبقة المتوسطة، غير أن تلك الاستراتيجية لم تحقق عوائد جيدة حتى الآن، رغم تسهيلات سداد الأقساط لتصل إلى 12 عاماً.
وأوضح المصدر ذاته أن مدخرات المصريين تآكلت بشكل كبير خلال السنوات الماضية جراء انخفاض قيمة العملة، وهو ما انعكس على سلوكيات الطبقة المتوسطة التي أضحت غير قادرة على تأمين مستقبل أبنائها.
وكان شائعاً أن شراء أكثر من عقار للأسرة هدفه الحفاظ على قيمة الأموال واستغلال العقارات في مشروعات استثمارية، وهي توجهات لم تعد قائمة، فيما يأتي غالبية من يرغبون في الشراء من السماسرة، وهؤلاء لديهم رؤية بإمكانية تحقيق عوائد حال تسقيع الشقق لفترات طويلة.
وأشار إلى أن شركته تضطر إلى رفع أسعار الوحدات بشكل مستمر وسريع لتحقيق أكثر من هدف، في مقدمتها ضمان تغطية التكلفة التي تأخذ في التغير بشكل متتالي على مدار العام، والسبب الآخر هو ضمان عدم الخسارة على المدى الطويل حال تعرضت العملة المحلية لمزيد من الانخفاض.
وبحسب المصدر، فإنه في حال عدم مراعاة هذه المتغيرات، فإن الشركات العقارية ستتعرض لخسائر كبيرة، وسيكون البديل هو التوقف عن طرح عقارات جديدة، وهو أمر لديه تأثير سلبي أيضاً على سوق العقار، وقال إن حالة عدم الثقة تنتقل إلى المشتري.
وأكد أنه يستطيع تعويض خسائر بناء وحدات القاهرة والمدن الجديدة في المحافظات عن طريق الاتجاه نحو البناء وبيع الوحدات في الساحل الشمالي، باعتبارها منطقة سياحية ما زالت قادرة على جذب العملاء وبأسعار باهظة.
وكشف المصدر عن تراجع المبيعات في شركته منذ بداية هذا العام بنسبة 60%، وأن الأرباح تراجعت بنسبة قاربت على 35%، وهو ما يدفع للتفكير بأطر مختلفة لضمان الاستمرارية، إذ جرى فتح الباب أمام الاستثمارات الجزئية في العقارات، بمعنى تحويل الوحدات إلى أسهم يمكن للفرد أن يمتلك سهماً تصل قيمته كحد أدنى إلى 50 ألف جنيه، وذلك لتنشيط عملية الدورة الإنتاجية داخل الشركة، إلى جانب الاتجاه للبناء في الدول العربية، بمقدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
العقار لم يعد أحد أوعية الحفاظ على قيمة المدخرات
قبل أيام، حذّر رجل الأعمال نجيب ساويرس من احتمالية حدوث فقاعة عقارية في مصر، مضيفاً أن استمرار معدلات الفائدة المرتفعة يزيد من خطورة هذا السيناريو، لكنه قال أيضاً في تصريحات إعلامية إن المصريين، رغم هذه المخاطر، يرون العقارات ملاذاً آمناً للاستثمار ووسيلة للتحوّط.
وأوضح ساويرس أن "المشكلة في المطورين الذين يعطون خططاً لدفعات على مدى 12 عاماً وما إلى ذلك، دون التفكير في كيفية دفع المستهلك تلك المبالغ لمدة زمنية طويلة جداً، وكيف سيدبر هذه الأموال".
وقال ساويرس إن ارتفاع أسعار الفائدة، التي يحددها البنك المركزي، يسهم في زيادة تكاليف التمويل للمطورين العقاريين، ما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار العقارات. وتابع: "هذا الموضوع سيشكّل كارثة إذا حدث، لأننا اليوم نتحدث عن فائدة بـ30% يدفعها المستهلك، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار العقارات، فإذاً هناك مخاطرة كبيرة في ذلك".
وبحسب خبير في قطاع العقارات المصري، فإن الفقاعة العقارية تحدث حينما يفشل المستثمر أو المشتري في تحقيق عوائد ربحية من العقار خلال فترة ليست بالقصيرة، بمعنى أنه في حال اشترى شخص عقاراً ثمنه مليون جنيه وتضاعفت قيمته خلال ثلاث إلى خمس سنوات، فإن ذلك يعني أن سوق العقار يسير بشكل إيجابي.
وقال المتحدث إن هذا الأمر لا يتحقق الآن في مصر، لأن شركات العقارات تبيع بأسعار تفوق السعر الحقيقي للعقار، كما أنها تبيع على أقساط طويلة المدى، وهو ما يجعل المواطنين يعيدون التفكير في العقار كأحد أوعية الحفاظ على قيمة المدخرات، كما أن شركات العقارات ذاتها لا تعرف ما إذا كانت ستستطيع تحصيل الأموال من العملاء، أم أنها ستقع في مشكلات مالية ضخمة تقود إلى حالة من الشلل في قطاع العقارات.
وذكر أن ما يحدث الآن في سوق العقارات يرتبط بالمتغيرات الجديدة في مدخلات صناعة العقارات، وسرعة إيقاع ارتفاع أسعار الخامات نتيجة الوضع الاقتصادي المضطرب وتراجع قيمة الجنيه، وهو ما دفع المطورين العقاريين لوضع سعر مستقبلي أكثر من الطبيعي أو المتوقع، وبالتبعية فإن السعر النهائي ليس هو السعر العادل، ما يجعل التعامل مع العقار باعتباره استثماراً طويل الأجل في حالة تراجع.
وأوضح أن أسعار الإيجارات والشراء في المناطق المتوسطة في مصر مرتفعة للغاية، وهو ما يجعل الكثيرين يفكرون قبل اتخاذ قرارات الشراء، وينعكس ذلك سلباً على أرباح كثير من الشركات مؤخراً.
وقال إن هناك قناعة لدى المواطنين بأن الشراء في الوقت الحالي محفوف بالمخاطر، وكذلك البيع أيضاً، لأن هناك صعوبات في الوصول إلى المشترين، ويجري الاعتماد على تقسيط قيمة العقار على سنوات طويلة من جانب شركات الاستثمار العقاري.
وأضاف: "إننا الآن أمام سوق به حركة شراء ضعيفة وبيع متراجع، وهي سمة لم يعتد عليها المصريون في التعامل مع العقار على مدار سنوات طويلة، جعلته يقترب من فقدان أهم صفاته باعتباره وعاءً آمناً للادخار".
وفي وجهة نظر المصدر ذاته، فإن الوصول إلى تلك الحالة يقود إلى خسائر هائلة في قطاع العقارات، لأن التعامل معه أصبح من زاوية مادية بحتة، دون أن يعير المطور العقاري أهمية لبناء عقار يتماشى مع قدرات المواطنين المادية، ودراسة المؤثرات التي تنعكس على التصميم باعتباره سكناً وحياةً جيدةً للطبقات المختلفة.
وقال إن الشركات الكبرى، وكذلك الحكومة، تتعامل مع الأمر باعتباره قطاعاً استثمارياً، دون أن يحقق احتياجات المواطنين، مما سيكون له تأثيرات سلبية على فشل مشروعات التوسع العمراني في كثير من المناطق، بسبب تكدّس المواطنين في مناطق تتماشى مع قدراتهم المادية.
شلل في حركة البيع والشراء
تعود جذور هذه الأزمة إلى الربع الأخير من عام 2023 والربع الأول من عام 2024، حين بلغ سعر الدولار في السوق الموازية نحو 72 جنيهاً مصرياً، وهو ما دفع المطورين إلى تسعير المشروعات على أن الدولار يساوي 100 جنيه مصري تحسباً لأي زيادات محتملة.
أدى ذلك إلى قفزة كبيرة في أسعار العقارات آنذاك، ومع استقرار الأسعار لاحقاً بعد تراجع الدولار إلى 50 جنيهاً، وجد العديد من العملاء الذين اشتروا في ذروة الأزمة أنفسهم يواجهون عبئاً مالياً ضخماً، إذ التزموا بأقساط عالية دون أن يحصلوا على أي تخفيض أو تمديد في مدة السداد من الشركات المطوّرة، بينما طرحت الشركات نفس المشروعات بأقساط طويلة تصل إلى 12 سنة لجذب شرائح جديدة.
هذا التفاوت جعل العملاء المتضررين يلجؤون إلى مواقع التواصل الاجتماعي بإنشاء صفحات لنشر تجاربهم المحبطة أو عرض وحداتهم للبيع، وهؤلاء اشتروا في نهاية الربع الأول من عام 2024 على أقساط لمدة ثمانية سنوات كحد أقصى.
يقول إسلام صبحي، صاحب إحدى شركات بيع الأدوات المنزلية، لـ"عربي بوست"، إنه في بداية العام الماضي اشترى عقاراً في إحدى التجمعات السكنية الجديدة في مدينة التجمع الخامس بشرق القاهرة بمبلغ وصل إلى 7 ملايين جنيه، مقسّمين على دفعات لمدة ثمانية سنوات.
وأضاف أنه قبل ثلاثة أشهر، وبعد أن سدّد ما يقرب من مليون ونصف جنيه من قيمته، وجد نفسه غير قادر على استكمال الأقساط، وبحث عن مشترٍ لبيعه، لكن المفاجأة كانت في عدم وجود مشتري حتى الآن، رغم أنه يسعى لبيعه دون أي ربح خاص به، ويحاول فقط أن يتجاوز فقدان 15% من قيمة العقار في حال استردّته الشركة.
وأوضح صبحي أن شرائه العقار بغية تحقيق عوائد مادية في وقت كانت فيه العملة تعاني حالة من الارتباك والتخبط، حتى بعد تحريرها بشكل نهائي، تحوّل إلى كابوس، وقد يقود ذلك إلى خسارة فادحة، لافتاً إلى أن حديثه مع السماسرة في المناطق المجاورة كشف له عن عدم وجود حركة بيع أو شراء تقريباً إلا في حالات نادرة.
ورصد تقرير "ذا بورد كونسلتينج"، وهي شركة متخصصة في الاستشارات العقارية، أهم 5 محاور ستؤثر على حركة السوق العقاري في مصر خلال عام 2025، والتي تتضمن مخاوف وحوافز تتنوع بين تغيّرات على الصعيد الداخلي، وأخرى مرتبطة بالوضع الخارجي.
ويشير التقرير إلى أن عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المسرح العالمي تثير حالة من عدم اليقين بشأن مخاطر الحرب والتحوّلات في سياسة الولايات المتحدة، خاصة في ملفي التجارة والمساعدات.
ويتوقع التقرير اشتعال المنافسة بين الشركات العقارية بعد تباطؤ كبير في السوق، وأن العروض الترويجية الاستثنائية مثل تلك التي أطلقتها شركات كـ"بالم هيلز"، التي حققت مبيعات ضخمة بقيمة 40 مليار جنيه مصري (ما يعادل 808 ملايين دولار أميركي) في شهر واحد، ستساهم في تنشيط السوق بشكل كبير.
كما يخلق التوسّع غير المسبوق الذي تقوده الحكومة في مناطق مثل طريق السويس، مدينة "مستقبل سيتي"، التجمع السادس، والعاصمة الإدارية الجديدة، منافسة كبيرة بين هذه المناطق.
ركود مع زيادة المعروض من الشقق والفيلات
ويشير خبير عقاري إلى أن تعامل المواطنين مع العقارات باعتبارها وسيلة لتحقيق الربح السريع قاد إلى الأزمة الحالية، لأنه خلال السنوات الثلاث الماضية اندفعت قطاعات كثيرة إلى الشراء، وحققت أرباحاً جيدة في غضون ستة أشهر أو عام، نتيجة لانخفاض قيمة الجنيه، وأزمة البناء في المدن القديمة بفعل قرارات حكومية سابقة، قبل أن يتم التراجع عنها بشكل تدريجي مؤخراً.
وبالتالي، فإن عام 2023 شهد طفرة على مستوى الشراء، لكن هذه الطفرة تحوّلت إلى ركود مع بدء العام الحالي، مع استقرار قيمة الجنيه، وتوقف المواطنين عن الشراء مع زيادة المعروض من الشقق والفيلات.
ولفت إلى أن قطاعات كبيرة من المواطنين لجأت إلى شراء العقارات بالتقسيط والبيع في غضون عام ونصف مثلاً، في مقابل ما يُسمّى بـ"أوفر" من أجل تحقيق أرباح سريعة، والبعض بالفعل استطاع بيع العديد من الوحدات.
لكن ما حدث أن شركات العقارات اصطدمت بأنها تتعامل مع أشخاص لم يوقّعوا العقود الأساسية، كما أنهم ليس لديهم قدرة على السداد، وهو ما انعكس على الاشتراطات الجديدة التي ظهرت مؤخراً، وقيّدت عملية بيع العقار عقب سداد الأقساط، لكن ذلك في المقابل قاد إلى تراجع عملية البيع والشراء.
وشدّد على أن عملية المضاربات في العقارات توقفت، وبالتالي ظهرت الأزمة على حقيقتها، بعد أن أصبحت هناك كميات كبيرة من الوحدات المطروحة دون أن يكون هناك مشترون لها، وهو ما يجعل التحذيرات تتزايد من حدوث فقاعة عقارية.
وواجهت مصر على مدار عقود مشكلة في توافر الوحدات السكنية، لكن منذ عام 2015 وحتى منتصف 2024 نفّذت الحكومة أكثر من مليون وحدة سكنية، فيما نفّذ القطاع الخاص أكثر من مليون وحدة، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.ويسهم قطاع التشييد والبناء – أحد أكبر القطاعات الإنتاجية في مصر – بنحو 18% من الناتج المحلي، مدعوماً بالنمو السكاني البالغ نحو مليوني نسمة سنوياً.
وكان وزير الإسكان المصري شريف الشربيني قد قال إن السوق المصرية بعيدة عن الفقاعة العقارية، مؤكداً أن الوضع الحالي لا يتوافق مع هذا التصور، مشيراً إلى أن معدلات النمو السكاني في مصر تضع على عاتق الوزارة مسؤولية توفير نحو 200 ألف وحدة سكنية سنوياً، سواء من خلال القطاع الخاص أو مشروعات الدولة.