صمت “مريب” واختيار التريّث.. هل ينخرط حزب الله في مساندة إيران أم يستجيب للضغوط الأميركية؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/20 الساعة 16:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/20 الساعة 16:59 بتوقيت غرينتش
عناصر من حزب الله اللبناني/رويترز

خلطت المواجهة العسكرية المفتوحة بين إيران وإسرائيل الأوراق على امتداد الشرق الأوسط، وزجت بالمنطقة بأسرها في مرحلة انتقالية غير محسومة المعالم، تُرسم خلالها توازنات جديدة وقواعد اشتباك مغايرة لما كان قائماً طيلة العقود الماضية.

في هذا السياق، يراقب لبنان مجريات التصعيد بقلق بالغ، مدركاً أنه، بحكم موقعه الجغرافي والسياسي، سيكون من بين أكثر الدول تأثراً بنتائج الحرب. فلبنان، الذي يقع على مساحة إقليمية متحركة يتقاطع فيها الصراع الإيراني – الإسرائيلي، يجد نفسه مرة جديدة عرضة لاحتمالات التورط غير المباشر أو الانزلاق إلى تداعيات هذه الحرب، سواء أكانت أمنية أو سياسية أو اقتصادية.

موقف حزب الله: الصمت المريب

بالمقابل، تنتظر كل الأطراف الفاعلة في لبنان والمنطقة ردود الفعل التي قد تصدر عن حزب الله، وعلى الرغم من أن الحزب لم يُبدِ حتى هذه اللحظة أية ردود فعل ميدانية، واكتفى بإصدار بيان استنكاري للهجوم الإسرائيلي على إيران، كان لافتاً ما سرّبته رويترز عن مصدر في حزب الله أشار خلاله إلى: "أن الحزب لن يشن هجوماً منفرداً على إسرائيل رداً على غاراتها على إيران"، وأردف المسؤول لرويترز أن حزب الله لن يبادر بالهجوم على إسرائيل رداً على غاراتها.

وفي خطوة لافتة، كسر حزب الله جزئياً صمته حيال التصعيد بين إسرائيل وإيران، مكتفياً بمواقف إدانة محدودة، ليصدر بياناً تحذيرياً اعتبر فيه أن التهديد بقتل المرشد الإيراني علي الخامنئي "حماقة وتهوّر ستكون له عواقب وخيمة"، واصفاً أي إساءة له بأنها تطاول مئات الملايين من المؤمنين وخط المقاومة، في رسالة تعبّر عن تضامن عقائدي عميق دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة حتى اللحظة، ضمن معادلة حذرة توازن بين الالتزام الإيديولوجي والواقع اللبناني المعقد.

وأثار هذا الموقف عاصفة من الانتقادات الداخلية والخارجية، على اعتبار أن الحزب يرتبط بشكل كلي بالموقف الإيراني، وتحديداً منذ اغتيال معظم قيادات الصف الأول في الحزب نهاية شهر سبتمبر/أيلول من العام المنصرم، ما أدى إلى اختلال بنيوي في الهيكلية التنظيمية في حزب الله.

ويشير مصدر مقرّب من حزب الله لـ"عربي بوست" إلى أنه، ومنذ اللحظة الأولى للهجوم الإسرائيلي على إيران، فإن الحزب اتخذ قراراً واضحاً بعدم الانخراط في المواجهة، لأن المعركة ليست لبنانية، وساحة لبنان ليست جزءاً من الاشتباك الحالي، "ما لم يُفرض على لبنان ذلك"، ووفق المصدر، فإن قيادة الحزب اجتمعت وناقشت تطورات الأمر، وأن معظم الآراء اتجهت نحو قرار عدم المشاركة في الحرب، ما دام أن الجبهة اللبنانية لم تُفتح، وجرى إبلاغ ذلك لكل أركان الدولة اللبنانية.

ووفقاً للمصدر، فإن موقف الحزب لم يتغير، وأن حزب الله أبلغ المسؤولين اللبنانيين أن قرار عدم التصعيد ليس نتيجة ضغط خارجي، بل نابع من قراءة داخلية معمقة للواقع اللبناني والإقليمي. والوضع في الجنوب اللبناني لا يحتمل مواجهة كبرى، وخاصة أن لبنان لا يزال يعاني من هشاشة اقتصادية وسياسية تجعله في موقع غير مؤهل لتحمل تداعيات حرب إقليمية شاملة.

وتتجه قراءة حزب الله اللبنانية والإقليمية إلى النظر بقلق لما يحدث، وخاصة أن كل تقديرات الموقف التي يُعدها حزب الله تشير إلى أن إسرائيل لن تكتفي بما أنجزته حتى الآن، وسوف تتجه نحو استراتيجية استنزاف طويلة الأمد، تهدف إلى إنهاك الداخل الإيراني واستدراج ردود انفعالية من دول محيطة في المنطقة، وربما تفجير أكثر من ساحة في الوقت نفسه، ومن ضمنها لبنان، لكن حزب الله لا يزال متمسكاً بعدم الانجرار للفخ الإسرائيلي، إلا إذا فُرضت عليه المعركة.

بالمقابل، يؤكد المصدر أن قرار المشاركة مرتبط بمسار الأمور، وخاصة أن استمرار الهجوم على إيران وعدم الدخول في تسوية أو اتفاق سيدخل المنطقة في عصر جديد ستكون إسرائيل على رأسه، وهذا الأمر قد يدفع الحزب لتعديل موقفه وقراءته السياسية والميدانية للأمور، على اعتبار أن دوره ومكونه المذهبي ومشروعه في المنطقة بات مهدداً وجودياً.

هل من تباين في الحزب؟

ومع اغتيال قيادات الصف الأول في حزب الله خلال الحرب الماضية مع إسرائيل، وعلى رأسهم الأمين العام للحزب حسن نصرالله، تطفو على السطح تسريبات ومعلومات تشير إلى ظهور تشققات وتباينات بين أجنحة ومراكز قوى في الحزب، وخاصة بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية، ومع دخول الحزب مرحلة مفصلية إذا ما تعرضت إيران، الدولة والنظام، إلى خطر وجودي.

لكن هذه الفرضية لا تأكيدات حولها حتى الآن. من هنا، يشير نائب مديرة مركز كارنيغي للدراسات الدكتور مهند الحاج علي لـ"عربي بوست" إلى أن قرار عدم انخراط حزب الله بحرب إسناد إيران حتى الآن ليس قراراً ذاتياً للحزب، على اعتبار أن حزب الله هو تنظيم عقائدي ينتمي لفكر ولاية الفقيه الدينية، وهو لديه انتماء مطلق لولاية المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وهو المسؤول عن انخراط الفصائل والمجموعات في المعارك والحروب، وخاصة إذا ما أعلن "النفير"، فإن حزب الله سيكون أمام معادلة الدخول المباشر في الحرب.

ووفق الحاج علي، فإن حزب الله يترقب التطورات الميدانية مع حلفائه في المنطقة ليبني عليها إن كان من ناحية المشاركة أو الانكفاء ميدانياً وفق متطلبات المرحلة والظروف العسكرية والحربية لإيران، وأن المؤشر على إمكانية انخراط حزب الله اللبناني في مدار المعركة الحاصلة بين طهران وتل أبيب هو الدخول الأميركي المباشر في الضربة على إيران، حيث يُتوقع أن تطلب طهران من حلفائها الدخول المباشر من جبهات عدة في المواجهة الحتمية، وأن البيان الأخير لحزب الله مؤشر على ذلك.

ووفق الحاج علي، فإن لدى الحزب وإيران قراءة مشتركة تؤشر إلى أن إسرائيل، فور انتهاء عملياتها ضد إيران، قد تتوجه لشن حملة عسكرية واسعة لتدمير ما تبقى من البنية العسكرية والقدرات الصاروخية لحزب الله في لبنان، وأن هذه القراءة أتت نتيجة تقاطع معلومات أمنية وعسكرية ورسائل وصلت لحزب الله من أطراف خارجية قبيل العملية العسكرية الإسرائيلية على إيران.

أسباب موجبة

في إطار متصل، يشير الباحث السياسي اللبناني ربيع دندشلي إلى أن كل المعطيات الواردة والمتعلقة بإمكانية انخراط حزب الله في المعركة مرتبطة بصمود إيران العسكري والسياسي. ووفق دندشلي، فإن الأجواء القريبة من حزب الله تؤكد أنه إذا وصل الإيرانيون إلى وضع صعب جداً على المستوى العسكري والميداني، فإن كل حلفاء إيران سيتحركون على قاعدة خوض آخر الحروب بالنسبة للمحور، وأن هذا التحرك لا يمكن أن يحصل إلا في لحظة استشعار بالخطر الحقيقي على النظام الإيراني. وعندها، فإن كل حلفاء إيران، وعلى رأسهم حزب الله، سينخرطون في الحرب.

ويشير إلى أن تداعيات أي حرب على لبنان ستكون كبيرة، سواء استُكملت الحرب، أو توقفت. ففي حال تواصلت الحرب، فإن التداعيات ستكون عسكرية ومدمرة، لأن حزب الله قد يُستدرج إلى الحرب التي ستطال كل المنطقة، وعندها سيكون لبنان عرضة لمزيد من حرب إسرائيلية عنيفة.

بالمقابل، لا يمكن إغفال تداعيات سقوط نظام بشار الأسد على واقع حزب الله، وخاصة أن طريق الإمداد من طهران إلى بيروت عبر سوريا جرى إقفاله مع صعود الإدارة السورية الجديدة، في ظل عمليات الانتشار العسكري السوري على طول الحدود السورية – اللبنانية، والسيطرة شبه الكاملة على معظم المعابر غير الشرعية من الجانب السوري. كذلك، عزز الجيش اللبناني وجوده على الحدود مع سوريا، ووسّع انتشاره في القرى جنوب الليطاني، وبدأ عمليات تمشيط واسعة النطاق.

اتصالات إقليمية ودولية لتجنب الصراع

وعلى ضوء السيناريوهات المحتملة من انخراط حزب الله من عدمه، تتكثف الاتصالات الدبلوماسية والدولية مع لبنان، لمنع انزلاقه في أي حرب طاحنة في المنطقة، وبدا ذلك من الاتصالات التي تلقاها رئيس الجمهورية جوزيف عون من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدس، إضافة إلى الاجتماعات الأمنية والعسكرية التي أُجريت بين أركان الدولة اللبنانية.

ووفق مصادر حكومية لبنانية لـ"عربي بوست"، فإن كل الرسائل الواردة من دول المنطقة تهدف لتحييد لبنان عن الحرب التي أشعلتها إسرائيل في المنطقة، ولإيصال رسائل مباشرة إلى حزب الله بعدم الإقدام على أي عمل عسكري، ستكون له ارتدادات سيئة على لبنان. 

ورغم تأكيد حزب الله أنه لن يذهب في اتجاهات حربية مع إسرائيل، فإنه بقي يتلقى اتصالات من أطراف إقليمية ودولية، كفرنسا وتركيا ومصر، إضافة إلى مسؤولين أمميين.

ويؤكد المصدر أن رسائل أميركية وصلت إلى حزب الله عبر جهات رسمية لبنانية أكدت أن دخول الحزب في أية معركة إسناد ستكلف لبنان تداعيات خطرة للغاية، وأن الجانب الأميركي قدم للبنان ضمانات حول عدم إقدام إسرائيل على القيام بأي تحركات عسكرية على الحدود مع لبنان أو استهداف في العمق اللبناني.

فصائل أخرى؟

كذلك، لا تُخفي الأطراف الداخلية والخارجية إمكانية حصول خروقات عسكرية قد تجري عبر فصائل فلسطينية أو لبنانية، وتخشى جهات رسمية لبنانية من قيام فصيل فلسطيني أو لبناني آخر بإطلاق رشقات صاروخية باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما حصل منتصف شهر مارس/آذار الماضي، وأدى إلى ردة فعل إسرائيلية عنيفة استهدفت خلالها مناطق في العمق اللبناني.

ووفق ما أشارت إليه وسائل إعلام لبنانية، فإن الرئاسة اللبنانية كلّفت المديرية العامة للأمن العام بإجراء اتصالات واجتماعات مع فصائل فلسطينية كحماس والجهاد، إضافة إلى الجماعة الإسلامية في لبنان، وتشير إلى أن الدولة اللبنانية هذه المرة لن تتهاون مع أي طرف يستخدم الحرب الإقليمية لتسجيل مواقف على حساب الأمن اللبناني.

زيارة الموفد الأميركي: تحذيرات ومطالبات وعروض

في إطار متصل، وصل إلى لبنان المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، الذي بات يتولى بشكل مؤقت إدارة الملف اللبناني، إلى حين مباشرة السفير الأميركي المعين حديثاً، ميشال عيسى، مهامه رسمياً في بيروت. وتمثل هذه الزيارة محطة مفصلية في سياق الضغط الأميركي المتصاعد لتقليص نفوذ حزب الله في لبنان، وسط اشتداد المواجهة الإقليمية بين إسرائيل وإيران.

وأشار باراك، خلال لقائه رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون، إلى "رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مساعدة لبنان على تجاوز الظرف والتحديات التي يواجهها"، وأكد أن "إذا تدخّل حزب الله في الحرب فسيكون قراراً سيئاً".

ويشير المصدر الحكومي اللبناني لـ"عربي بوست" إلى أن باراك لم يأتِ إلى بيروت حاملاً عرضاً مرناً أو تفاوضياً مفتوحاً، بل عرض شروطاً أميركية واضحة وصارمة، تقوم على ثلاث ركائز أساسية:

أولاً: الانتقال من السلاح إلى السياسة، حيث طالب بطرح واضح لمسألة تفكيك البنية العسكرية لحزب الله، باعتبار أن إنهاء حالة السلاح خارج الدولة بات أولوية ملحة في الحسابات الأميركية والإسرائيلية. وتأتي في لحظة إقليمية حساسة قد تشهد تحولات كبرى في المشهد السياسي بعد الحرب الإسرائيلية – الإيرانية.

ثانياً: إنهاء حالة الاشتباك مع إسرائيل، حيث شدد على ضرورة ضمان الاستقرار جنوب لبنان، وتثبيت قواعد الاشتباك الحالية أو الذهاب نحو تسوية أشمل تفضي إلى تجنيب لبنان أي مواجهة مفتوحة على خلفية الصراع الإيراني – الإسرائيلي. ويتعامل باراك مع لبنان كجبهة ينبغي تحييدها بأي ثمن، ولو تطلب الأمر توافقات دولية – إقليمية مع حزب الله نفسه.

ثالثاً: الإصلاحات المالية والاقتصادية كمدخل لمحاصرة حزب الله مالياً، حيث يربط باراك أي دعم مالي أو سياسي للبنان بجملة من الإصلاحات، في مقدمتها وقف اقتصاد "الكاش" وضبط حركة الأموال والتحويلات. لذا، طالب باتجاه تشريعات مصرفية وضريبية أكثر تشدداً، بالتوازي مع دور رقابي متزايد للمصارف والبنك المركزي.

وتكشف هذه الشروط عن مقاربة جديدة من قبل إدارة تتجاوز مجرد العقوبات إلى صياغة تفاهمات جديدة تتطلب تغييراً فعلياً في المعادلة اللبنانية. كما تعكس إدراكاً أميركياً بأن ساحة لبنان ستكون حاسمة في رسم ملامح ما بعد الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، إن اندلعت فعلاً.

مواكبة المسار السوري: سحب ذريعة شبعا

ووفق المصادر نفسها، فقد أكد توماس باراك، الموفد الأميركي، خلال لقائه رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، أهمية أن يُجرى حل قضية ملكية مزارع شبعا المختلف عليها بين لبنان وسوريا وإسرائيل، لسحب ذريعة حزب الله بامتلاك سلاحه إلى الآن.

وأشار باراك إلى أهمية مواكبة تطور النموذج السوري في ما يتصل بترتيبات ما بعد الصراع، عبر حصر السلاح في يد الدولة، وإنهاء حالة الاشتباك مع إسرائيل، والسير نحو اتفاق أمني – سياسي لترسيم الحدود وضبطها بالتعاون مع اللجنة الدولية لمراقبة وقف إطلاق النار والأمم المتحدة. ويشمل ذلك حلاً نهائياً للصراع الجغرافي على مزارع شبعا، التي تُعد حتى الآن الذريعة الرئيسية التي يستند إليها حزب الله في تبرير احتفاظه بسلاحه.

وحذر من أن فشل المبادرات في هذا الإطار سيفتح الباب على ضغوط كبيرة ستمارس على الدولة اللبنانية من قبل الإدارة الأميركية ودول المنطقة، سواء عبر أدوات سياسية واقتصادية، أو من خلال استمرار إسرائيل في تنفيذ ضربات عسكرية قد تتوسع.

علامات:
تحميل المزيد