بدأت تداعيات الحرب بين إسرائيل وإيران، التي دخلت يومها السادس الأربعاء 18 يونيو/حزيران 2025، تُلقي بظلالها مبكراً على مصر، وكانت البداية مع قرار إسرائيل وقف إمداداتها من الغاز، وهو ما ترك أزمة كبيرة في القاهرة التي تعتمد على ما يقرب من نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي على الشحنات القادمة من تل أبيب.
وتزامن ذلك أيضاً مع بدء تأثير هروب الأموال الساخنة على سعر الجنيه، الذي تراجع خلال الأيام الماضية، وتجلّت تأثيرات الحرب بين إسرائيل وإيران على مصر أيضاً في قرار المسؤولين تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير الذي دعت إليه القاهرة عدداً كبيراً من قادة دول العالم، وكان مقرراً افتتاحه مطلع يوليو/تموز المقبل.
تداعيات الحرب بين إسرائيل وإيران على الاقتصاد المصري دفعت رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى تشكيل "لجنة أزمات" برئاسته، ضمّت في عضويتها محافظ البنك المركزي، ووزراء، وممثلين عن وزارة الدفاع، والداخلية، وجهاز المخابرات العامة، وهيئة الرقابة الإدارية، بهدف بحث تداعيات الأحداث الأخيرة وتأثيراتها على مختلف القطاعات.
تداعيات الحرب بين إسرائيل وإيران على مصر
قال مصدر حكومي مطلع إن اللجنة هدفها الاستعداد المبكر لأي مشكلات قد تطرأ على مستوى توفير السلع الاستراتيجية، أو تأخر إمدادات الطاقة، أو تأثر سلاسل الإمداد حال استمرت الحرب بين إسرائيل وإيران لفترة طويلة، مشيراً إلى أن القرار جاء بعدما واجه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي انتقادات لحديثه السابق بشأن عدم قدرة الحكومة على التنبؤ بما قد يحدث في المستقبل، وبالتالي فإن التحرك رسالة للداخل بشكل أكبر مفادها أن الحكومة تستعد لمواجهة أي طارئ.
وقال المتحدث، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إن الحرب بين إسرائيل وإيران من المتوقع أن تترك تداعيات صعبة على الاقتصاد المصري في حال امتدت الحرب الإسرائيلية الإيرانية ودخلت على خطها أطراف أخرى.
وأوضح مصدر "عربي بوست" أن التأثر السريع الذي حدث على سعر الصرف بعد أن صعد الدولار بقوة، سببه خروج جزئي للمستثمرين الأجانب من أذون وسندات الخزانة بالعملة المحلية، وسط ضبابية الأوضاع بالمنطقة، وتسعى الحكومة حالياً لأن تؤثر على قرارات سحب الأموال بخفض قيمة الجنيه، غير أن ذلك ليس من المتوقع أن يؤثر على مجمل قرارات المودعين.
ويأتي النفط في مقدمة السلع التي تتأثر بالاضطرابات الجيوسياسية، وتخشى الحكومة المصرية من ارتفاع أسعار النفط عالمياً (ارتفع النفط بحوالي 7% دفعة واحدة)، مما يؤدي إلى زيادة فاتورة الواردات لمصر من الطاقة، وارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل محلياً، وسط توقعات عالمية بمواصلة ارتفاع سعر النفط.
ويشير المصدر إلى أن هناك حالة ارتباك بسبب القفزات اليومية في سعر النفط مع تطورات أوضاع الحرب، وقال إن ارتفاع أسعار النفط الدولية سوف يضغط على الموازنة العامة التي تحدد متوسط سعر البرميل عند 74 دولاراً، في حين أن المؤشرات قد تجعله يتجاوز 80 دولاراً للبرميل وأكثر في حال إطالة أمد الحرب، وهو ما يضغط على ميزان المدفوعات.
وأوضح مصدر "عربي بوست" أن قطاع السياحة سيكون ضمن المتأثرين أيضاً، مشيراً إلى أن اتخاذ خطوة إرجاء افتتاح المتحف المصري الكبير بعث برسائل سلبية لشركات السياحة العالمية مفادها أن المنطقة تعاني عدم استقرار.
كما أن التعامل مع دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط دائماً ما يبقى ككتلة واحدة بالنسبة لوجهات السفر بالنسبة للأوروبيين، وبالتالي رغم ابتعاد مصر عن الأحداث، فقد لا تتجاوز ما حققته العام الماضي من أرقام تتعلق بجذب 16 مليون سائح، وتحقيق عوائد تصل إلى 15 مليار دولار، في حين كان من المأمول أن يصل ذلك إلى 18 مليار دولار، بحثاً عن سدّ عجز الموازنة.

وشدد المصدر الحكومي على أن الأثر الأكبر يحمل بُعداً اقتصادياً وسياسياً في الوقت ذاته، "لأن ارتفاع أسعار النفط سوف يدفع لجنة التسعير التلقائي التي تنعقد كل ثلاثة أشهر لزيادة أسعار الوقود، في حين أن الحكومة قدمت وعوداً بعدم زيادة أسعار البنزين والسولار حتى نهاية هذا العام".
ويضيف المتحدث أن الوضع ذاته ينطبق على أزمة تخفيف أحمال الكهرباء في ظل تراجع إمدادات الغاز الطبيعي، وقال: "تم التنبيه على المحافظات بتشديد متابعة تفعيل قرارات ترشيد استهلاك الكهرباء، وسيكون خيار العودة لتخفيف الأحمال مطروحاً خلال الفترة المقبلة إذا لم تصل الكميات المتفق عليها لتزويد محطات الكهرباء".
وذكر المصدر أن سيناريو اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية قابل للتكرار، بعد أن تسببت هذه الحرب في أزمة اقتصادية طاحنة في العام التالي لها، مشيراً إلى أن الحكومة في السابق استطاعت أن تمتص الأزمات وتحافظ على ردة الفعل الشعبي في إطار "السخط المكتوم".
لكن يؤكد المتحدث أن ذلك ليس مضموناً في حال فقد الجنيه مزيداً من قيمته، وفي حال أقدمت الحكومة على رفع أسعار البنزين مرة أخرى هذا العام، وإذا ما وصلنا إلى قطع الكهرباء لعدة ساعات على مدار اليوم، في وقت امتحانات الثانوية العامة التي بدأت للتو هذا الأسبوع، ومن المقرر أن تنتهي قبل منتصف الشهر المقبل.
سيناريوهات مختلفة للتعامل مع شح الغاز الطبيعي
تعتمد مصر بشكل متزايد على الغاز الإسرائيلي منذ أن بدأ إنتاجها في الانخفاض في عام 2022، ويمثل الغاز الإسرائيلي ما بين 40 إلى 60% من إجمالي الإمدادات المستوردة إلى مصر، وحوالي 15 إلى 20% من استهلاكها، وفقاً لبيانات مبادرة بيانات المنظمات المشتركة (JODI).
فيما أوقفت الحكومة المصرية السبت 14 يونيو/حزيران 2025، ضخّ المازوت والسولار للمصانع التي تستخدمه كوقود في صناعات الأغذية والإسمنت لمدة 14 يوماً، بهدف توفير نحو 8 آلاف طن مازوت يومياً لسدّ احتياجات محطات الكهرباء، لحين توفير الشحنات المستوردة.
وقال مصدر مطلع بوزارة البترول، إن اجتماعات مكثفة انعقدت خلال الساعات الماضية على مستوى رئيس الوزراء ووزيري البترول والكهرباء، إلى جانب وزير المالية، للبحث عن سيناريوهات مختلفة للتعامل مع شح واردات الغاز الطبيعي.
وكان أول هذه القرارات، يقول المصدر، وقف إمداد الغاز لمصانع الأسمدة بشكل مؤقت، وتوجيه هذه الكميات إلى محطات الكهرباء لكي لا يتم قطع التيار الكهربائي، والاتجاه نحو التعاقد مع شحنات سولار ومازوت من الخارج وبكميات كبيرة تكون كافية لتغطية الاستهلاك حتى النصف الأول من العام المقبل.
وفي حال واجهت الحكومة المصرية صعوبات في هذين السيناريوهين، فإن البديل سيكون العودة إلى تخفيف الأحمال، وقد يحدث ذلك في شهر يوليو/تموز المقبل، تزامناً مع انتهاء امتحانات الثانوية العامة، وحال استمرت الحرب إلى ذلك الحين.
وأشار المصدر ذاته، الذي تحدث إلى "عربي بوست" مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، إلى أن وقف إمدادات مصانع الأسمدة ومصانع البتروكيمياويات لمدة ثلاثة أيام، من الممكن مدّها إلى ثلاثة أيام أخرى حتى بداية الأسبوع المقبل، يُوفر يومياً ما يقرب من 500 مليون قدم مكعب، إلى جانب الضغط بشكل أكبر على محطات الكهرباء للعمل بالمازوت.
هذا الوضع يعرّض محطات الكهرباء للأعطال، وتكون بحاجة إلى صيانات سريعة جرى الاتفاق عليها مع وزارة الكهرباء، وذلك لفترة مؤقتة قد تمتد لمدة شهر أيضاً، وهناك تعويل على عودة حقول الغاز الإسرائيلية لإمداد مصر بنصف الكميات خلال الأسبوع المقبل.
وأشار المصدر إلى أن بعض مصانع الأسمنت خفضت من إنتاجها بشكل وصل إلى 80%، بينما أوقف بعضها الإنتاج بشكل كامل، فيما تلقت منذ بداية هذا الأسبوع إشعارات بخفض كميات الغاز المُورّدة إليها بشكل كامل، بعد أن تلقت قبل أسبوعين إشارات أخرى بخفض الكميات بنسبة 50%.
وأوضح المتحدث أن وزارتي البترول والكهرباء في مصر تعملان على إدارة توزيع الغاز بين المصانع والمحطات لضمان استمرارية الكهرباء والقطاع الصناعي، إلى جانب إعادة التفاوض مع شركات الأسمدة لتقييد الإنتاج الصناعي بصورة مؤقتة.
هذا الوضع دفع عدداً من الشركات العاملة في صناعة الأسمنت لرفع سعر الطن بنسب تراوحت بين 100 و300 جنيه، على جميع الأنواع، اعتباراً من يوم الخميس 19 يونيو/حزيران 2025، حسب الرسائل التي وجهتها الشركات للتجار والموزعين المعتمدين.
ولفت المصدر ذاته إلى أن الحكومة سوف تضاعف معدلات الدعم التي تقدمها لصغار المزارعين لكي تساعدهم على تجاوز توقف إمدادات الأسمدة المجانية إليهم، تحديداً صغار المزارعين، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن هذا الدعم من الصعب أن يصل إلى جميع المزارعين، وسيكون نتيجة ذلك مزيداً من ارتفاع أسعار الخضروات والفاكهة.
كما أشار المصدر المطلع بوزارة البترول إلى أن الحكومة سوف تتجه لتشديد مراقبتها الأمنية للتأكد من غلق المحلات في التوقيت الصيفي المحدد، وعدم السماح لها بأن تظل مستمرة في العمل لساعات طويلة بعد منتصف الليل، أملاً في توفير الكهرباء، وهناك توجيهات على مستوى مركزي من المحافظين بشأن التوعية بترشيد استهلاك الكهرباء.
وساهم وقف ضخّ المازوت والسولار للمصانع في زيادة الكميات المورّدة لمحطات الكهرباء لتصل إلى 38 ألف طن مازوت، مقابل 30 ألف طن مازوت خلال الأسبوع الماضي قبل وقف ضخّ الغاز الإسرائيلي، بحسب المسؤول الحكومي الذي أشار إلى أن محطات الكهرباء تحتاج حالياً أكثر من 40 ألف طن مازوت يومياً.
المأزق الاقتصادي ليس بسبب الحرب فقط
صرّح وزير البترول المصري كريم بدوي بأن الوزارة تعاقدت بالفعل على شحنات غاز، كما خزّنت كميات من المازوت، ويُجرى حالياً العمل على تشغيل سفن لنقل الغاز، مشيراً إلى أن مصر تسلّمت 3 سفن لنقل الغاز، لكن واحدة منها فقط بدأت في ضخّ الغاز إلى الشبكة القومية، في حين يتم تجهيز الوحدتين الأخريين وتوصيلهما بالموانئ.
وحسب بيان للوزارة، فقد وقّعت مصر هذا الأسبوع اتفاقيات عدة مع شركات طاقة وتجارة لشراء ما لا يقل عن 150 شحنة من الغاز الطبيعي المسال، في أكبر عملية استيراد تقوم بها على الإطلاق، والتي ستتجاوز تكلفتها 8 مليارات دولار وفق الأسعار الحالية.
لكن بحسب مسؤول سابق بوزارة الاقتصاد، فإن مصر تعاني بشكل مستمر من مأزق اقتصادي ليس فقط بسبب الحروب، ولكن بفعل القرارات الخاطئة، والتي يجب أن تراعي أن المنطقة بأكملها في وضع مضطرب.
وبالتالي، فإن التنبؤ بالأزمات والتعامل معها بشكل مبكر يجب أن يكون حاضراً، "ويمكن القول بأن ذلك حدث بقدر ما قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية الإيرانية حينما اتجهت الحكومة لتفعيل نظام التخزين الاستراتيجي للسلع، وكذلك استبقت الأحداث وأبرمت العديد من اتفاقيات توريد الغاز المسال"، يقول المسؤول السابق بوزارة الاقتصاد.

وأشار المصدر في حديثه لـ"عربي بوست" إلى أن ارتفاع أسعار الدولار بشكل متسارع وصولاً لما يقرب من 51 جنيهاً للدولار الواحد بعد أن كان عند حدود 49 جنيهاً، يُشي بأن الهبوط سريع، وقد يترتب عليه مزيد من التراجع في قيمة الجنيه خلال الفترة المقبلة.
وقال المتحدث إنه بعد أن كانت المؤشرات تشير إلى إمكانية استرداد الجنيه عافيته، فإن العكس ما حدث، وقد يصل إلى 55 جنيهاً خلال فترة وجيزة إذا ما استمرت الحرب، وخرجت الأموال الساخنة التي تُقدَّر بـ25 مليار دولار، وأوضح أن مصر لم تكن ترتبط بما يدور في محيطها من أحداث خلال فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، لكن ذلك تبدّل الآن بفعل السياسات الاقتصادية الحالية.
وذكر أن اتفاقيات الغاز الموقعة مع قطر أيضاً مهددة في حال تأثرت الدوحة سلباً جراء استهداف إسرائيل محطات الغاز الإيرانية القطرية، وهو ما يشكل مخاوف متصاعدة أمام القاهرة، التي تسعى حالياً لإبرام صفقات بأسعار مختلفة مع دول أخرى لضمان تدفق الغاز، كما تحاول جاهدة أن تسدد مستحقات شركات النفط العالمية لكي تتمكن من التنقيب عن الغاز داخل مجالها البحري.
وأوضح أن المخاوف المصرية تتزايد من صعوبات على مستوى خطوط إمداد السلع والخدمات، سواء التي ترتبط بمستلزمات الإنتاج المحلي، أو القدرة على التصدير بشكل سلس، في ظل مخاوف من انتقال الصراع إلى البحر الأحمر.
إذ إن اتساع رقعة الحرب بين إسرائيل وإيران سوف يؤدي إلى ارتفاع تكاليف النقل والتأمين، ويزيد معدلات التضخم المرتفعة بالأساس، وسيكون لذلك تأثيرات أخرى على مستوى قرارات ضخّ استثمارات أجنبية كانت تعوّل عليها بديلاً لتراجع عوائد قناة السويس مع اتجاه المصانع الصينية والخليجية للعمل في مصر.