خفض توريد الغاز الإسرائيلي لمصر يشلّ مصانع الأسمدة ويمهّد لقطع الكهرباء عن المنازل صيفاً.. مصادر: الحكومة تبحث عن حلول وتكثّف التنقيب عن الغاز المحلي

عربي بوست
تم النشر: 2025/05/27 الساعة 17:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/05/27 الساعة 17:35 بتوقيت غرينتش
بإمكان صواريخ حزب الله بلوغ حقول الغاز الإسرائيلية ووقف إنتاجها/ رويترز

تربّعت مشكلات نقص إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى مصر على رأس اهتمامات جهات حكومية وشعبية أيضاً، بعد إعلان إسرائيل خفض كميات الغاز التي توردها إلى مصر بنسبة تقارب 60%، تحت ذريعة عمل صيانة لخطوط الإمداد تستمر أسبوعين، دون وعود قاطعة بالعودة إلى المعدلات السابقة.

وتطالب تل أبيب القاهرة بزيادة سعر التوريد بنسبة تصل إلى 25%، بالرغم من انخفاض أسعار الوقود عالمياً، وهو ما يضع الحكومة المصرية أمام خيارات صعبة مع بدء دخول فصل الصيف.

هدف سياسي بمبررات اقتصادية

يقول مصدر حكومي مطّلع لـ"عربي بوست" إن مصر تعاني عجزاً في احتياجاتها اليومية من الغاز الطبيعي، خاصةً في وقت الصيف الذي يصل فيه استخدام مشتقات الوقود إلى ذروته.

وأضاف أن هذا الوقت الذي اختارت فيه إسرائيل صيانة أنابيب النفط التي تنقل الغاز إلى مصر، وطالبت في الوقت ذاته بزيادة الأسعار، ما يشير إلى أن الهدف سياسي ولكن بمبررات اقتصادية تبدو للبعض أنها منطقية.

وأكد المتحدث أن الإنتاج المصري المحلي لا يتجاوز يومياً 4 مليارات قدم مكعب، في حين أن الاستهلاك في شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز يصل إلى 8 مليارات قدم مكعب، أي أن القاهرة تواجه عجزاً قيمته 50%، قبل أن تقرر إسرائيل تخفيض وارداتها، ما سيزيد العجز لأكثر من 60% يومياً.

وأشار إلى أن مصر لديها خطة لاستيراد الغاز المسال لتعويض احتياجاتها اليومية، وتستورد يومياً 2.5 مليار متر مكعب من شحنات الغاز من الخارج، سواء كان ذلك من قطر أو إسرائيل أو اليونان.

وحسب المتحدث، فإن الاتفاق الأخير مع تركيا ينص على ضخ حوالي 500 مليون طن يومياً لتعويض الغاز الإسرائيلي بشكل سريع، لاستعانة القاهرة بسفينة غاز عملاقة من أسطول أنقرة، لكنها ستكون بحاجة إلى سفن أخرى يمكن الاتفاق عليها مع روسيا خلال الفترة المقبلة لضخ الغاز في الأنابيب المصرية.

وأكد أن الجزء الأكبر من الغاز المستورد يأتي من سوق الشحن الفوري، وبعد أن يصل الغاز القطري ستكون الوجهة الأولى نحو الدوحة باعتبارها الأقرب، إلى جانب إسرائيل في حال استمر التعاون، وهو أمر متوقع خلال الأشهر المقبلة.

وكشف المصدر ذاته أن القاهرة خلال أشهر الصيف سوف تضاعف من معدلات الاستعانة بالمازوت في تشغيل محطات الكهرباء، وذلك لتعويض جزء من العجز، مع الاتجاه لتخفيف الأحمال الصناعية.

مشيراً إلى أن هناك خطوة أخيرة ستلجأ إليها الحكومة، وهي تخفيف الأحمال عن الكهرباء المنزلية، بالرغم من تحذيرات بأنها خطوة استفزازية للمواطنين، وأن هناك وعوداً حكومية سابقة بعدم العودة لتخفيف الأحمال هذا الصيف.

ولفت إلى أن القاهرة تسعى لتأمين إمدادات الغاز دون أن تتأثر بشكل سلبي بمواقف إسرائيل، والاتجاه سيكون على نحو أكبر إلى الدول الصديقة التي لديها شراكات اقتصادية قوية معها، وتأتي في المقدمة تركيا وقطر.

وحسب المتحدث، هناك مجالات تعاون مشترك أخرى يمكن أن تضمن استمرار تدفق الغاز دون مقايضة أو ضغوط، لكن يمكن أن يتحقق ذلك مع بدء العام الجديد، وتبقى المشكلة في أشهر الصيف الذي يبدأ في مصر بشكل رسمي في 21 يونيو/حزيران المقبل.

وذكر المصدر ذاته أن القاهرة سوف تتأثر اقتصادياً هذا الصيف لأسباب مختلفة، بينها تخفيف معدلات وصول الغاز إلى القطاع الصناعي، وهو يحتاج تقريباً إلى ربع كميات الغاز التي يتم ضخها في الأنابيب المصرية يومياً.

ويقول المتحدث إن التأثير سيكون بمعدل 30%، فيما سوف تتأثر مصانع الأسمدة التي تحصل على ما يقرب من 800 مليون قدم مكعب يومياً بشكل كبير، قد يصل إلى 100% خلال أسبوعين، والعودة لضخ كميات تصل إلى 60% على أقصى تقدير خلال الشهرين المقبلين.

وطالب وزير الكهرباء المصري، محمود عصمت، خلال اجتماع مع مسؤولي شركات الكهرباء، الخميس الماضي، بالانتهاء من الصيانات الدورية لوحدات الكهرباء خلال الشهر الجاري، على أن تكون جميعها جاهزة للدخول على الشبكة في أي وقت لضمان استقرار واستدامة التيار الكهربائي.

وأكد أن أحد أهم الأهداف التي يجري العمل عليها "مرتبط بتحقيق التشغيل الاقتصادي لمحطات التوليد وتطبيق برامج الصيانة بتوقيتات محددة وجداول زمنية معلنة ومتفق عليها مع مركز التحكم القومي، لضمان الاستقرار للشبكة الكهربائية الموحدة وخفض استخدام الوقود".

وجاءت تصريحات وزير الكهرباء بعد أيام من اجتماع مماثل مع رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، تحدث فيه عن "توفير البنك المركزي الموارد الدولارية اللازمة لاستيراد الوقود، من أجل انتظام التيار الكهربائي خلال أشهر الصيف".

وعلّقت الحكومة المصرية إمدادات الغاز الطبيعي لمصانع الأسمدة بنسبة 100% لمدة أسبوعين، بسبب أعمال صيانة دورية في خطوط تصدير الغاز من إسرائيل، وسط مخاوف من تعطيل إنتاج الأسمدة وإمداداتها للسوق المحلية، وما يترتب عليه من نقص حاد في الأسمدة بالسوق المحلية.

عقود طويلة الأجل لتفويت الفرصة على إسرائيل

من جهته، قال مسؤول في قطاع الطاقة إن خفض توريد الغاز الإسرائيلي لمصر يضغط مباشرة على قدرة الدولة المصرية على توفير العملة الصعبة التي تواجه متاعب عديدة في تأمينها، ما قاد إلى تثبيت سعر الجنيه أمام الدولار خلال الفترة الماضية.

وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن ذلك سيكون بمثابة ضغط اقتصادي مباشر، لأن مصر سيكون عليها إبرام اتفاقيات سريعة مع أطراف مختلفة للحصول على إمداد يصل إلى مليار قدم مكعب يومياً من الغاز في ظل زيادة الاستهلاك خلال أشهر الصيف، وفي حال لم يتحقق ذلك فإن تخفيف أحمال الكهرباء سيكون أمراً منطقياً وبديلاً طبيعياً بدلاً من الضغط على الجنيه ودفعه للهبوط أمام الدولار.

وأوضح المصدر ذاته أن القاهرة تغامر بتوقيع عقود طويلة الأجل لتفويت الفرصة على إسرائيل، وتدرك خطورة التطورات الجارية حالياً في قطاع غزة ومدى إمكانية وصول التصعيد مع دولة الاحتلال إلى مستويات غير مسبوقة منذ توقيع اتفاقية السلام.

وقال إن توجهات القاهرة الحالية تبقى مضطرة إليها، وهي ضرورية مع دول حليفة لها في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن الاتفاق مع قطر يمنح القاهرة فترة سداد طويلة الأجل، لكن المشكلة أنه سيكون بحاجة إلى مزيد من الوقت لوصوله بكميات كافية، فضلاً عن كيفية تدبير السيولة الدولارية لتأمين هذه العقود مع تأزم الوضع الاقتصادي.

وشدد على أن إسرائيل اتجهت إلى خفض واردات الغاز لمصر خلال الأشهر الماضية، وأن قرارها الأخير بمثابة مقدمة فقط في ظل مطالب اليمين المتطرف بوقف تصدير الغاز لمصر والأردن، وهناك قناعة بأنها لا تستفيد بشكل كلي، وستعمل على إسالة الغاز من جانبها وتصديره إلى أوروبا.

وأشار المتحدث في تصريحه لـ"عربي بوست" إلى أن القاهرة تعوّل على ضغوط يمكن أن تقوم بها دول الاتحاد الأوروبي لضمان وصول الغاز الإسرائيلي بنفس الكميات السابقة إليها.

وتورد إسرائيل إلى مصر يومياً نحو مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وكان من المقرر خفض الكمية إلى 800 مليون قدم مكعب، غير أن مصادر حكومية أشارت إلى أنها خفّضت ما يقرب من 60% من الكميات، أي أنها ستورد على الأكثر 500 مليون قدم مكعب، كما تطالب إسرائيل برفع سعر التوريد بنسبة 25% ليصل إلى نحو 9.4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، ما يزيد الضغط على التكلفة الكلية للطاقة في مصر.

وبحسب المسؤول ذاته، فإن القاهرة كانت تعوّل على تسريع اكتشاف حقول جديدة للغاز في منطقة شرق المتوسط والبحر الأحمر، لكن ذلك يواجه عدة مشكلات في الوقت الحالي خشية من تراجع إمدادات الغاز من الحقول المصرية، مثلما حدث في حقل ظهر.

وبالتالي، فإن البديل هو إبرام اتفاقيات توريد خارجية، سواء كان ذلك عبر استئجار سفن تغويز لفترات طويلة، مثلما هو الوضع في الاتفاق المبرم مع تركيا وروسيا، أو الاتجاه لاستيراد شحنات غاز مسال بشكل مباشر وخلال فترات طويلة، مثلما هو الحال بالنسبة للاتفاق المبرم أخيراً مع قطر.

وانخفض إنتاج مصر من الغاز الطبيعي إلى 3.69 مليارات متر مكعب في يناير/كانون الثاني الماضي، مقابل 4.65 مليارات في الشهر نفسه من العام الماضي، في وقت تصاعد فيه الطلب المحلي عليه بوتيرة سريعة، ما أجبر القاهرة على إيقاف أي تصدير للغاز وتوجيهه لتغطية الاستهلاك المحلي، وسط الاعتماد على تخفيف الأحمال عبر قطع التيار الكهربائي عن المواطنين.

تحركات مصرية وصفقات لإنقاذ الموقف

تحرّكت القاهرة في اتجاهات مختلفة خلال الأيام والأسابيع الماضية، وأبرمت مؤخراً اتفاقيات طويلة الأجل مع قطر لتأمين احتياجاتها المتزايدة من الغاز، إذ عقد وزير البترول المصري، كريم بدوي، مفاوضات في الدوحة الأسبوع الماضي لتنفيذ مشروعات مشتركة للغاز الطبيعي، دون تحديد طبيعتها ولا القيم المالية والاستثمارية المحتملة لها، لكنها من المتوقع أن تشمل توقيع صفقات لتوريد الغاز تستمر حتى العام 2030.

كما زار الوزير المصري العاصمة التركية أنقرة، حيث وقّع اتفاقية للاستعانة بالسفينة التركية "بوتاش" خلال يونيو/حزيران المقبل، لتزويد السوق بإمدادات تصل إلى 500 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز، سعياً لتعزيز قدرات توليد الكهرباء خلال الصيف المقبل.

وأفادت وسائل إعلام روسية بأن مصر وروسيا تدرسان إنشاء محطات للغاز الطبيعي المسال في مصر، وصرّح وزير الصناعة والتجارة الروسي، أنطون عليخانوف، بأن اللجنة الروسية المصرية المعنية بالتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني ناقشت خلال اجتماع سبل التعاون المشترك في قطاع النفط والغاز، بما في ذلك إنشاء محطات للغاز الطبيعي المسال في مصر.

وكان الباحث في الجغرافيا السياسية والأسواق في مجال الطاقة، فرانشيسكو ساسي، قد أفرد لملف الطاقة المصري حديثاً موسعاً عبر موقع "إكس"، مؤكداً في 19 أبريل/نيسان الماضي أن "أمن الطاقة في مصر يستمر في التدهور بوتيرة مقلقة".

ولفت إلى أن "شيفرون" الأمريكية، آخر شركة عالمية كبرى تدير امتيازاً بحرياً في البحر الأحمر، تنسحب من المنطقة، ملمحاً إلى أن الشركة مُنحت العديد من التراخيص عام 2019، على أمل اكتشاف النفط والغاز.

وأوضح أن "شيفرون"، و"ودسايد إنرجي" الأسترالية، وشركة "ثروة للبترول" المصرية، كانت تُدير القطاع (رقم 1 في البحر الأحمر)، بينما تدير "شل" البريطانية و"مبادلة" الإماراتية تراخيص وامتيازات أخرى بالمنطقة.

وألمح إلى أن آمال القاهرة كانت كبيرة في استكشاف وتطوير موارد نفط وغاز جديدة "لتلبية الاحتياجات المحلية، والنمو السكاني، والتعثر الاقتصادي، وتصدير كميات كافية من النفط والغاز لدعم مالية الدولة، وتحفيز احتياطيات النقد الأجنبي".

مصدر أمني: استخدام الغاز كوسيلة ضغط لن يُضعف القاهرة

وقال خبير أمني مصري لـ"عربي بوست" إن الغاز الطبيعي يُعد من أبرز ملفات التعاون مع القاهرة، وشهد حالة من الاستقرار منذ العام 2005 وحتى العام 2012، حينما كانت مصر تُورّد الغاز لإسرائيل قبل أن يتوقف بعد اندلاع الثورة.

وبدأت مصر استيراد الغاز من إسرائيل للمرة الأولى في 2020، في صفقة قيمتها 15 مليار دولار بين شركتي "نوبل إنرجي" (التي استحوذت عليها "شيفرون" في 2020) و"ديليك دريلينغ".

ويشير المصدر إلى أن الملف يرتبط مباشرة بالتطورات الأمنية في مصر أو إسرائيل، وهناك حالة من عدم الارتياح الشعبي من الجانبين، لكن على المستوى الرسمي هناك حرص على أن يمضي هذا التعاون وفق أطر اتفاقية السلام، قبل أن يأتي اليمين المتطرف الذي لديه رغبة في انتهاك الاتفاقية.

وأكد المصدر ذاته أن مصر تعرضت لضغوط عديدة للقبول بخطط تهجير أهالي قطاع غزة، غير أن الموقف الرافض يأتي ضمن تبعاته تقليص إمدادات الغاز الإسرائيلي لمصر لنِسب تفوق نصف الكميات المورّدة حالياً.

مشيراً إلى أنه رغم رغبة القاهرة في العودة إلى المعدلات السابقة، فإن هناك إجراءات أخرى للضغط المقابل عبر وقف التنسيق في ملفات أخرى، خاصة مع تراجع التمثيل الدبلوماسي، وقد يكون الأمر على مستوى تعزيز التعاون مع قوى إقليمية أخرى لا ترغب الولايات المتحدة بأن يكون لديها موطئ قدم في المنطقة.

وأشار إلى أن استخدام الغاز كوسيلة ضغط لن يُضعف القاهرة، وتدرك تل أبيب أنها وسيلة غير مجدية، لكن توجهها الأخير يمكن أن يأتي في إطار التعامل مع الرغبة الداخلية هناك، في ظل مخاوف من تأثر الاستهلاك المحلي والتعامل مع مصر كدولة عدو وليس صديقاً.

وفي يونيو/حزيران من العام الماضي، وافقت إسرائيل على تصدير مزيد من الغاز الطبيعي من حقولها البحرية، وقال شركاؤها في مشروع حقل ليفياثان الضخم إنهم يعتزمون استثمار ما يصل إلى 500 مليون دولار لتوسيع الطاقة الإنتاجية للحقل.

ولدى مصر خط أنابيب شرق المتوسط، وهو خط لنقل الغاز الطبيعي المصري من العريش بمصر إلى عسقلان بإسرائيل، عبر المياه الإقليمية المصرية ثم الإسرائيلية في البحر المتوسط، بطول 100 كيلومتر، ويُستخدم حالياً في تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر، وتحصل مصر على جزء من وارداتها من الغاز الإسرائيلي عبر الأردن، وذلك من خلال خط الغاز العربي.

تحميل المزيد