التطبيع وفتح السفارات وملفا السودان وسوريا.. مصادر تكشف تفاصيل لقاء بزشكيان والسيسي في القاهرة

عربي بوست
تم النشر: 2024/12/24 الساعة 11:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/12/24 الساعة 11:11 بتوقيت غرينتش
السيسي وبزشكيان- عربي بوست

قالت مصادر إيرانية ومصرية تحدثت لـ"عربي بوست" إن زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى مصر وحضوره قمة مجموعة الثماني، وما تبعها من لقاء مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وضعت تصورًا كاملاً للتطبيع بين البلدين، خاصةً بعد مناقشة جملة من الملفات بين الرئيسين.

وقالت المصادر إن فتح السفارة المصرية في إيران وكذلك السفارة الإيرانية في القاهرة استحوذ على نقاش الرئيسين المصري والإيراني، وإن الطرف الإيراني يتجهز الآن لحسم الاسم الأخير الذي سوف يكون سفيرًا له لدى القاهرة على أن يتم إرساله إلى مصر ليُعتمد كمرشح إيراني لها.

ملف التطبيع

مصادر إيرانية، وفي حديثها لـ"عربي بوست"، قالت إن بزشكيان ناقش مع السيسي أربعة ملفات، كان الملف الأول منها يتعلق بالتطبيع الكامل بين البلدين. وهذا الملف يتضمن تطبيعًا اقتصاديًا وتطبيعًا سياسيًا في المرحلة الأولى، وقد ناقش بزشكيان مسارات تقوية العلاقات الاقتصادية مع الطرف المصري، بما في ذلك البحث عن مسار استثمار مشترك مثل النفط، والبتروكيماويات، والحديد والصلب، وبعض الصناعات الأخرى.

كذلك، قالت المصادر إن ملف النفط مهم للجانب المصري وكذلك للجانب الإيراني، ومن الممكن أن يكون العراق الوسيط بين الطرفين لتطوير هذه الصناعة بين القاهرة وطهران.

هذا الملف، قال عنه مصدر مصري في وزارة الخارجية المصرية، كان قد رافق وفد بزشكيان في زيارته إلى القاهرة، وعلى اطلاع بملف التطبيع بين مصر وإيران، إن القاهرة حريصة على التطبيع، وإن مصر وسّطت سلطنة عمان منذ البداية كي تمرر رسالة إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي بأنها تريد التطبيع، وبالتالي لم يعد لدى القاهرة "الملاحظات الجوهرية" أو الاشتراطات الكبيرة حول مسار التطبيع مع إيران خلال الفترة الماضية.

كذلك، أشار المصدر المصري، الذي كان متواجدًا طيلة الوقت مع الوفد الإيراني، إلى أنه تناقش مع مهدي سنائي، النائب السياسي للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، حول خطط إيران تجاه مصر حال الذهاب إلى تطبيع كامل بين البلدين، وما إذا كانت إيران راغبة في الدخول إلى السوق الاقتصادية المصرية بكل قوة أم لا.

وأوضح أن سنائي نقل له حرص القيادة الإيرانية، المتمثلة في خامنئي وكذلك في الرئاسة، على الاستثمار في السوق المصري بقوة، وأن إيران لديها خطة اقتصادية "فعّالة" تستطيع من خلالها توطيد أواصر التبادل الاقتصادي الكبير بين البلدين.

فتح السفارات


في سياق متصل، قال المصدر المصري إن الجانب الإيراني طرح ملف فتح سفارة مصرية في طهران، وكذلك سفارة إيرانية في القاهرة، بشكل رسمي، على أن يتم ذلك خلال ستة أشهر من الآن.

كشف المصدر المصري أن إيران أبلغت القاهرة وبشكل واضح أنها طبّعت علاقاتها مع السعودية، وأعادت فتح السفارة الإيرانية هناك. وهي خطوة لم تكن متوقعة على الإطلاق بالنظر إلى الخصومة السياسية والعسكرية الكبيرة بين البلدين، وبالتالي، فلم يعد أمام المصريين "حجج" تعيق التطبيع مع طهران.

كذلك، أشار المصدر المصري إلى أن ثمة لقاءات سوف تتم خلال الأسابيع المقبلة بين لجان في الخارجية المصرية ولجان في الخارجية الإيرانية، وذلك لبحث كافة النقاط العالقة في مسار التطبيع، على أن تُعرض خلاصة هذه اللقاءات على القيادة المصرية لتحديد مسار التطبيع بشكل نهائي وتوقيته، وكذلك توقيت فتح سفارة مصر في طهران وسفارة طهران في القاهرة.

في سياق متصل، تقول المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست" إن طهران تنظر إلى مصر باعتبارها لاعبًا سياسيًا وعسكريًا كبيرًا في منطقة الشرق الأوسط، وأن التنسيق مع القاهرة قد يكون مفيدًا لإيران في بعض ملفاتها الخارجية.

وأشارت المصادر إلى أن إيران لم يعد لها النفوذ ذاته في المنطقة كما كان قبل "خسارة سوريا" ورحيل بشار الأسد. وبناءً عليه، فإن على إيران تقبل تغيّرات المشهد الإقليمي الجديدة والعمل على "كسب مصر بجانبها في الملفات الإقليمية".

كذلك، قالت المصادر الإيرانية إن إيران ترغب من وراء التطبيع مع مصر أن "تفسح لنفسها مجالًا في الملفات الاقتصادية"، وأن تعمل على تقوية التعاون الاقتصادي بين البلدين، خاصةً وأن إيران تواجه عقوبات اقتصادية ضخمة، وفتح الباب للتعاون الاقتصادي مع مصر سوف يقلل من حجم الضغط الكبير الواقع على طهران من جانب أطراف غربية وكذلك أمريكا.

تقول مصادر إيرانية أخرى إن "إيران مجبرة على تحسين علاقاتها مع أطراف فاعلة في الإقليم مثل مصر"، مشيرةً إلى أن مصر لجأت إلى تقوية علاقاتها وتحالفاتها مع كل من الصين وروسيا، وذلك للهروب من أي ضغوط غربية أو إقليمية على مسارها السياسي أو الاقتصادي. ومن ثم، فإن تطبيع إيران لعلاقاتها مع مصر يجب أن يكون في نفس المسار.

أسماء مرشحة للسفارة الإيرانية


في سياق متصل، قال عباس خامه يار، الدبلوماسي الإيراني السابق والمستشار الثقافي لسفارة إيران في كل من قطر ولبنان والكويت، إن إيران ومصر يقتربان من فتح السفارات بينهما خلال الفترة القليلة المقبلة.

وقال في تصريحات خاصة إن هناك أسماء جرى النقاش حولها في إيران لتولي منصب السفير الإيراني في مصر، ومنها على سبيل المثال محمد سلطاني، القائم بالأعمال حاليًا في مصر، وكذلك سفير إيران في كل من لندن وروسيا. وتعد هذه من الأسماء التي جرى النقاش حولها ليتم ترشيحها لتكون سفيرًا لإيران في مصر.

وأوضح في الوقت نفسه أنه في حال فتح سفارات البلدين، سوف ينتهي ملف القطيعة بين مصر وإيران إلى غير رجعة، في ظل "موافقة" القائد الأعلى للثورة الإيرانية على التطبيع الشامل والكامل مع مصر، على ألا تتراجع خطوات التطبيع مرة أخرى.

ملف سوريا


أما القضية الثانية التي تم مناقشتها بين بزشكيان والسيسي فهي ملف سوريا؛ إذ تعوّل إيران على التحالف مع القاهرة. وترى المصادر أن القاهرة وطهران يتشاركان القلق حول مصير سوريا، ومن ثم فإن إيران تريد أن تصل إلى تفاهم مع مصر حول ما يريده الطرفان من الملف السوري، وأن يكون كل طرف لسان حال الطرف الآخر في التعامل مع هذا الملف الحساس.

وترى المصادر الإيرانية أن "الشرق الأوسط الآن يُعاد تشكيله من جديد، ولكن هذه المرة بدون أي وجود إيراني. وبالتالي، يتحتم على إيران الوصول إلى تفاهم مع القاهرة لكي تقوّي جبهتها الخارجية في مواجهة النفوذ الغربي."

في حين أشار المصدر المصري، في حديثه لـ"عربي بوست" بخصوص ملف سوريا، إلى أن التفاهم حول ملف سوريا ليس الملف الوحيد الذي ترغب إيران في تنسيقه مع القاهرة. لكن الوفد الإيراني طرح ملفات أخرى للحديث عنها والمضي في إنجازها بالتنسيق مع مصر، ومنها ملف السودان العالق حاليًا، حيث لا ترغب إيران في التدخل بقوة في الملف السوداني إلا بتنسيق كامل مع مصر.

ملف السودان

قالت المصادر الإيرانية إن الملف الثالث يتعلق بالسودان، حيث ترغب السودان في أن يكون لها وجود عسكري على البحر الأحمر، وكذلك تسعى إلى دعم نظام عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني. لكن في الوقت نفسه، لا تريد إيران "اللعب في ملف السودان دون تنسيق مع القاهرة."

في هذا الملف، أوضح المصدر المصري أن مصر تسعى إلى إيجاد أرضية مشتركة مع إيران تُساعد على إنهاء الحرب الدائرة في السودان، وأنها ترغب في وقف محاولات قوات الدعم السريع لتدمير السودان. يتم ذلك من خلال تنسيق الجهود الإقليمية سواء مع إيران أو تركيا في الملف السوداني.

كما أشار المصدر المصري إلى أن القاهرة وعدت بمناقشة رغبة الجانب السوداني بخصوص التواجد على البحر الأحمر، وما إذا كانت هناك أهمية لوجود إيران أم لا، على أن يتم التنسيق بينهما في هذا الملف قريبًا.

دور تركيا في سوريا


إضافةً إلى ذلك، أشارت المصادر الإيرانية إلى أن الملف الرابع الذي تم مناقشته بين بزشكيان والسيسي هو الدور التركي في سوريا في الفترة المقبلة. حيث ناقش بزشكيان مخاوف إيران بشأن نفوذ تركيا في سوريا مع الجانب المصري.

من جانبه، قال المصدر المصري إنه، رغم التطبيع الذي حدث في الشهور الماضية بين مصر وتركيا، إلا أن هناك خلافات قائمة بين الطرفين في الملف السوري، خاصة بعد انحياز أنقرة إلى أحمد الشرع، قائد العمليات العسكرية في سوريا وقائد هيئة تحرير الشام، التي أطاحت ببشار الأسد من حكم سوريا.

في المقابل، تتفق إيران، وفقًا للمصادر الإيرانية، مع مصر في الخلاف حول دور تركيا في سوريا، خاصة أن إيران قد فقدت نفوذها هناك بعد رحيل بشار الأسد لصالح تركيا. وترى إيران أن هذا يُمثل مساحة من التفاهم الممكن بين القاهرة وطهران، حيث يمكن تنسيق مواقفهما السياسية في الفترة المقبلة في ظل رفضهما المشترك للتطورات التي حدثت في سوريا.

وفي سياق متصل، قال مسعود فكري، الأكاديمي والسياسي الإيراني، في تصريحات لـ"عربي بوست"، إن زيارة بزشكيان إلى القاهرة سوف تثمر عن خطوات خلال الأسابيع المقبلة لإنجاز ملف التطبيع بشكل كامل، خاصة أن البلدين قد أنهيا النقاش حول كافة الملفات العالقة بينهما.

وأوضح كذلك أن إيران أبدت رغبتها في ضخ استثمارات اقتصادية في مصر من خلال الاتفاق على الاستثمار في قناة السويس، وكذلك في صناعات الحديد والصلب، فضلاً عن فتح السوق الإيراني أمام المنتجات الغذائية المصرية.

وقال إن إيران "باتت معزولة" في المنطقة بعد انحسار نفوذها إثر فرار بشار الأسد من سوريا، وخروجها عسكرياً وحتى سياسياً من هناك. وبالتالي، باتت مصر الدولة العربية الأكبر هي الملاذ لإيران لإعادة تقديم نفسها من جديد باعتبارها حريصة على التقارب مع العالم العربي السني بهدوء وبصورة مغايرة عما كانت عليه في السنوات الماضية.

كذلك، ووفقاً لكلام مسعود فكري لـ"عربي بوست"، فإن إيران تريد أن تتحالف مع مصر في مواجهة النفوذ التركي، الذي تتوقع إيران له استمراراً كبيراً وطويلاً في المنطقة في المستقبل. وهذا يفرض على إيران إعادة التموضع مرة أخرى في المنطقة بمسارات جديدة، حتى لا يصاب الدور والنفوذ الإيرانيين في المنطقة بالانحسار، ومن ثم بالانهيار الكامل.

وأوضح أيضًا أن ما بين مصر وإيران من مشتركات يمكن أن يُبنى عليه لإنشاء تحالف قوي وطويل الأمد. ولذلك، كان بزشكيان حريصًا في زيارته للقاهرة على التأكيد على حرص النظام الإيراني على الانتقال من مرحلة العلاقات الباردة والمجمدة مع مصر إلى مرحلة الانفتاح الدبلوماسي الكامل، ومن ثم التفاهم في باقي الملفات الأخرى بين البلدين.

تحركات سابقة


بالإضافة إلى ما ساقه مسعود فكري، فقد قالت مصادر إيرانية إن إيران ومصر قطعا شوطًا كبيرًا في مسار التطبيع بينهما طيلة العام الماضي. وأشارت إلى أنه مع بداية حكومة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، تبنت الحكومة مسار "الدبلوماسية الإقليمية" و"تحسين العلاقات مع الحكومات العربية". لذلك، أصبح تحسين العلاقات مع مصر إحدى القضايا المهمة التي تفاعلت معها الدبلوماسية الإيرانية، وهو المسار الذي ارتبط بمتابعات وزيارات كبيرة خلال الحكومة الرابعة عشرة.

وأضافت أن خطوات حكومة إبراهيم رئيسي لتطبيع العلاقات مع مصر بدأت في عام 2022، بلقاء بين وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وإجراء محادثات غير رسمية معه على هامش الاجتماع الإقليمي "دعم العراق".

بعدها حدث تواصل بين عبد اللهيان والسيسي في اتصال هاتفي على هامش مؤتمر بغداد 2 الذي تم عقده في الاردن، اذ اجرى عبد اللهيان، اتصالا هاتفيا مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، انذاك ، على هامش مؤتمر "بغداد 2" في الأردن. ثم تلى ذلك اتصال بين إبراهيم رئيسي الرئيس الايراني الراحل  والسيسي على هامش الاجتماع المشترك لمنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية في الرياض وقد اتفقا في الاتصال على اتخاذ خطوات ملموسة نحو الحل النهائي للقضايا بين البلدين.

تلا ذلك مشاركة رسمية من وزير الخارجية المصري سامح شكري في عزاء الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي بعد تحطم طائرته في مدينة أذربيجان الشرقية ، ليعقب ذلك تهنئة من السيسي لمسعود بزشكيان بالفوز في الانتخابات الرئاسية ، فضلا عن مشاركة وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي في حفل تنصيب مسعود بزشكيان رئيسا لايران.

كذلك زيارة عباس عراقجي وزير خارجية إيران الى مصر ولقائه بالمسؤولين المصريين وعلى رأسهم السيسي ، ثم لقاء كل من السيسي وبزشكيان على هامش القمة السادسة عشرة لدول البريكس في كازان بروسيا.

تحميل المزيد