مجموعة الصداقة المغربية الفرنسية في قبضة اليمين المتطرف.. لماذا يثير ذلك قلق الرباط وما تداعياته؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/12/20 الساعة 10:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/12/20 الساعة 19:24 بتوقيت غرينتش
العاهل المغربي والرئيس الفرنسي في الرباط/ الأناضول

يتداول اسم المغرب حالياً بكثرة داخل أروقة الجمعية الوطنية الفرنسية، بسبب الصراع بين مختلف الفرقاء السياسيين في البرلمان الفرنسي من أجل نيل رئاسة مجموعة الصداقة المغربية الفرنسية، التي تعد ذات أهمية قصوى بالمؤسسة التشريعية.

يأتي ذلك في ظل مشهد سياسي فرنسي موسوم بالانقسام والفوضى، وبينما يسارع رئيس الحكومة المعيّن، فرانسوا بايرو، الزمن لتشكيل الحكومة وتدارك تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية، يواصل البرلمان الفرنسي خوض معارك النفوذ والظفر بالمناصب.

إذ قررت رئاسة البرلمان خلال اجتماع الأربعاء 18 ديسمبر/كانون الأول 2024 الدعوة إلى عقد جلسة جديدة بين ممثلي الأحزاب السياسية لمحاولة التوصل إلى تفاهم حول هذا الموضوع، وذلك بعد أن أظهر تصويت استشاري رجح كفة اليمين المتطرف لتولي المنصب.

من خلال هذا التقرير سنتطرق إلى كواليس الصراع بين الأحزاب في الجمعية الوطنية لرئاسة مجموعة الصداقة المغربية الفرنسية، ولماذا يسعى كل طرف لذلك؟ ولماذا يثير ترؤس اليمين المتطرف للمجموعة مخاوف بشأن مستقبل العلاقات بين باريس والرباط؟

أهمية مجموعة الصداقة المغربية الفرنسية

بدأ السباق نحو المجموعة في 9 ديسمبر/كانون الأول 2024، حين اجتمع عدد من النواب في لجنة الشؤون الأوروبية بقصر "بوردون" لمناقشة تعيين رئيس لها، وجرت العادة أن يترأس مجموعة الصداقة المغربية الفرنسية شخصيات محسوبة على الوسط أو اليسار.

لكن خلال الاجتماع تفجرت مفاجآت كان أبطالها النواب ماثيو لوفيفر (من حزب "النهضة")، وبياتريس بيلامي (من حزب "أفق")، ومارك فيزنو (من حزب "موديم")، عندما ضموا أصواتهم إلى زملائهم في حزب التجمع الوطني لدعم ترشيحه للمنصب المهم.

هذه التحالفات غير الطبيعية جعلت الحزب اليميني المتطرف المرشح الأوفر حظاً. وقد فُسّر هذا الدعم بطرق مختلفة؛ إذ يرى البعض فيه تطبيعاً تدريجياً مع معسكر لوبان داخل الجمعية الوطنية، بينما انتقد آخرون ما وصفوها بـ"المناورة السياسية التي لا تأخذ بعين الاعتبار التبعات الدولية".

وتستمد المجموعة أهميتها من السياق السياسي الحالي، إذ عقب عودة الدفء إلى العلاقات بين الرباط وباريس، يُرتقب أن يتم إعادة تفعيل المنتدى البرلماني الفرنسي-المغربي، كما أعلنت رئيسة الجمعية، يايل براون-بيفيه، خلال زيارتها إلى المغرب بين 11 و13 ديسمبر.

هذا المنتدى، الذي كان في حالة شلل منذ عام 2019 بسبب جائحة كورونا وتدهور العلاقات بين البلدين، يوصف بأنه "مكان مميز للتشاور والتعاون" بين برلمانيي البلدين. وسيكون من بين أعضائه النائب الذي سيترأس مجموعة فرنسا-المغرب.

البرلمان الفرنسي (أرشيفية) /الأناضول
البرلمان الفرنسي (أرشيفية) /الأناضول

سابقة تهدد علاقات البلدين

اليوم، تبدو فرضية بلوغ اليمين المتطرف رأس واحدة من أهم جمعيات الصداقة في الجمعية الوطنية راجحة أكثر من أي وقت مضى، بعد تصويت غالبية مفاوضي المجموعات الحزبية الأحد عشر في الجمعية لصالح منح رئاسة مجموعة الصداقة المغربية الفرنسية للتجمع الوطني.

إذا تم ذلك، سيشكل الأمر سابقة منذ إنشاء المجموعة في عام 1952. علماً أن المحاولة لم تكن الأولى للحزب؛ ففي عام 2022، سعى التجمع الوطني للهيمنة على المجموعة قبل أن تُجهض محاولته من قبل حركة "النهضة" وحلفائها. لكنه رغم ذلك تمكن من الظفر بمنصبي نائبين للرئاسة.

بعد قرار حل الجمعية الوطنية في 9 يونيو/حزيران 2024، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، بات الحزب اليميني المتطرف أكبر مجموعة نيابية في الجمعية، مما عزز حظوظه وقوى موقعه لقيادة مجموعة الصداقة المغربية الفرنسية.

ويعتقد المقربون من مارين لوبان أنه لم يعد من المفترض أن تكون "حكراً على اليسار أو اليمين"، خصوصاً مع شغور رئاسة هذه الهيئة البرلمانية بعد رحيل النائب عن حزب الخضر، كريم بن الشيخ، ممثل الفرنسيين بمنطقة المغرب العربي وأفريقيا الغربية.

نعيمة موتشو، النائبة عن حزب "أفق" ذات الأصول المغربية ونائبة رئيس مجموعة الصداقة المغربية الفرنسية، أعربت عن "دهشتها" من اختيار محتمل "يربك التزاماتنا ويضعف مصداقيتنا"، وفق ما صرحت به لوسائل إعلام فرنسية.

وفقاً للدكتور عبد الرزاق خالدي، أستاذ علم الاجتماع وتحليل الخطاب بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، فإن رئاسة التجمع الوطني لمجموعة الصداقة المغربية الفرنسية تعكس التحولات العميقة التي عرفها المشهد السياسي الداخلي في فرنسا، وعلى رأسها صعود الأحزاب القومية على حساب الأحزاب التقليدية.

وفق تصريح خالدي لـ"عربي بوست"، فإن هذه الخطوة قد تؤدي إلى توتر محتمل في العلاقات الثنائية بين البلدين بسبب تاريخ الحزب ومواقفه الشعبوية تجاه عدد من القضايا، أبرزها الهجرة والإسلام، لكنه استدرك موضحاً أنها أيضاً فرصة للمغرب لإعادة بناء علاقاته على أسس براغماتية تراعي المصالح المشتركة.

وخلص المحلل السياسي المغربي إلى أن تأثير الأمر في النهاية رهين بقدرة الطرفين على تجاوز الخلافات الأيديولوجية والتركيز على الملفات الاستراتيجية مثل الأمن والهجرة والتبادل التجاري والثقافي والأكاديمي.

قلق وترقب في الرباط

أنباء احتمال تولي حزب التجمع الوطني رئاسة مجموعة الصداقة المغربية الفرنسية في الجمعية الوطنية خلفت صدى قوياً في الرباط وأثارت قلقاً ومخاوف لدى عدد من المسؤولين المغاربة.

حيث يخشى بعضهم من أن يؤدي ذلك إلى تدهور العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة في ظل مواقف حزب التجمع الوطني المتشددة بشأن قضايا الهجرة، مثل تقليص منح التأشيرات وتقليص سياسة "لم شمل الأسرة" للمهاجرين.

كما أن تصريحات أعضاء حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف السابقين حول قضايا مثل أزمة التأشيرات وسياستهم المتشددة في التعامل مع الهجرة قد تثير مزيداً من التوترات مع المملكة المغربية.

هذه الخطوة، إن تمت، قد تؤدي وفق مراقبين إلى تغييرات في استراتيجيات التعاون البرلماني بين فرنسا والمغرب، خصوصاً إذا ما تم استغلال المنصب لتعزيز الأجندة السياسية لليمين المتطرف على حساب المصالح الدبلوماسية الثنائية.

في هذا السياق، علم "عربي بوست" أن مسؤولين حكوميين وبرلمانيين مغاربة يشعرون بنوع من الحرج إزاء كيفية التعامل مع الوضع الجديد المحتمل، فيما يدعو بعضهم إلى تجميد ظرفي للتعامل مع المجموعة، خشية أن يؤدي هذا التحول في رئاستها إلى بعث الأزمة بين البلدين من جديد.

وحسب أستاذ العلوم السياسية وعضو حزب البيئة الفرنسي، حسني عبيدي، فإن رئاسة مجموعة الصداقة "فرنسا-المغرب" من قبل الجبهة الوطنية سيؤدي إلى تعطيل عملية تعزيز العلاقات بين البلدين وإلحاق الضرر بها، خاصة وأنها بالكاد أصلحت.

في المقابل، استبعد مسؤولون آخرون داخل مجلس النواب المغربي في حديثهم لـ"عربي بوست" أن يكون لهذا التطور المرجح أي تداعيات سلبية على العلاقة بين البلدين، مؤكدين أنها مؤطرة بضوابط عامة ومنهجية واضحة للجانبين، اعتباراً لأن الرباط تشتغل مع دولة ذات سيادة وترفض هي الأخرى التدخل في شؤونها الداخلية.

الدبلوماسيون يترقبون

من جهة أخرى، يسود أيضاً قلق في صفوف الدبلوماسيين المغاربة العاملين في فرنسا. ذلك أن تولي حزب يميني متطرف رئاسة مجموعة الصداقة يمكن أن يؤثر سلباً على عملهم في تعزيز العلاقات بين البلدين، خاصة وأن العلاقة البرلمانية بين المغرب وفرنسا لها دور كبير في تمتين الروابط الثنائية، سيما في المجالات الاقتصادية والثقافية.

كما أن المجموعة طالما كانت تعتبر قناة هامة للحوار الدبلوماسي والسياسي بين البلدين. الأمر ذاته بالنسبة للمجتمع المدني، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والجمعيات المعنية بحقوق المهاجرين، فغياب طرف ملائم للتحاور معه ينذر بتغييب دور هذه الأداة المهمة في تقريب وجهات النظر والمساهمة في صون ودية العلاقات.

إذ أن مختلف الفاعلين سواء من اليمين أو اليسار مجمعون اليوم على أن الحفاظ على العلاقات المغربية الفرنسية وصونها من أي اهتزاز هما صمام أمان لجودة وسلامة علاقات فرنسا مع منظومة الجنوب بأكملها.

وذلك بفضل تمكن المملكة من تأمين نقطة ارتكاز جوهرية في علاقاتها بفرنسا، لا على صعيد المسافة التي تقف عليها إزاء الفرقاء الفرنسيين، ولا فيما يخص التقدير الفرنسي للشراكة مع المغرب، وهذه النقطة تتمثل في الالتزام الثنائي بالاحترام المتبادل والندية والصدق في الشراكة.

من جهة أخرى، فإن المغرب لطالما دبر علاقاته مع فرنسا في لحظات الوفاق والخلاف بمنطق الحرص على تمتين الروابط مع الدول والمؤسسات عبر احترام الاتفاقات والتفاهمات وتحصينها وتقوية الروابط مع الشعوب والثقافات.

من بين المواضيع الخلافية التي قد تكون مطروحة للنقاش مع اليمين الأوروبي والفرنسي تحديداً، ملف الهجرة. لكنه أرجح أن "بوسع المغرب تدبيره بفضل خلق ظروف حوار هادئ وبنّاء".

زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان وجوردان بارديلا رئيس حزب التجمع الوطني/ رويترز
زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان وجوردان بارديلا رئيس حزب التجمع الوطني/ رويترز

خطوة براغماتية من اليمين المتطرف

سعي التجمع الوطني لتحقيق هذا المكسب الهام يدخل ضمن إطار استراتيجيته الرامية إلى تعزيز صورة الحزب على الساحة الدولية، خاصة وأنه يأتي قبل نحو سنتين فقط من الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة عام 2027.

إذ يرى مختصون أن المغرب قد يكون له دور مهم في حسابات مارين لوبان، من خلال الدفع باتجاه التطبيع مع رؤية التجمع الوطني بشأن قضايا الهجرة وتفعيل قرارات إبعاد الأجانب المخالفين (OQTF)، فضلاً عن أهمية الجالية المغربية في فرنسا التي تعد ورقة لتلميع صورة الحزب.

هذه الشروط تنعدم في العلاقة مع الجزائر أو تونس، حيث لم يطمح الحزب المتطرف سابقاً إلى رئاسة مجموعتي الصداقة مع البلدين المغاربيين.

انقسامات وتبادل للاتهامات في البرلمان

بعد فشل أولى الجولات بين القوى السياسية للتوصل إلى اتفاق، قرر مكتب الجمعية الوطنية، في اجتماعه الأخير، الأربعاء 18 ديسمبر، الدعوة إلى عقد جلسة جديدة بين ممثلي الأحزاب السياسية لمحاولة التوصل إلى تفاهم حول هذا الموضوع.

في كل دورة تشريعية، يتم توزيع رئاسة نحو 150 مجموعة صداقة بين النواب، وفقاً لتمثيلية الأحزاب في البرلمان. ولكن هذا العام، وبعد اجتماعين، فشلت القوى السياسية في الاتفاق على 19 دولة، ما دفع نائبة الرئيس نادج أبومانغولي إلى طلب تدخل المكتب لاتخاذ القرار.

بدلاً من اتخاذ القرار مباشرة، اقترحت أبومانغولي عقد اجتماع جديد لإعطاء الفرصة للأحزاب للتوصل إلى اتفاق، وهو ما قبله المكتب بالإجماع، دون تحديد موعد الاجتماع بعد. وتعتبر هذه المفاوضات أكثر تعقيداً هذا العام بسبب التعددية الكبيرة في البرلمان الجديد.

وبعد تصويت استشاري، لم يحصل "فرنسا الأبية" والخضر على رئاسة مجموعات الصداقة مع أي من الدول التي كانت ضمن أولوياتهما، مما دفعهما إلى إنهاء المفاوضات وطلب تدخل المكتب. أحزاب اليسار اتهمت معسكر ماكرون والتجمع الوطني بالتنسيق لتوزيع المناصب بينهما، وهو ما نفاه الطرفان.

نتيجة هذا التصويت الاستشاري غير الملزم، منحت رئاسة مجموعة الصداقة "فرنسا-المغرب" للجبهة الوطنية، ما أثار استياء الخضر الذين كانوا يعتبرون هذه المجموعة أولوية.

كما تم منح رئاسة مجموعات أخرى مثل "فرنسا-السنغال"، "فرنسا-لبنان"، و"فرنسا-الولايات المتحدة" لحزب "إلى الأمام من أجل الجمهورية"، وهو ما جعل حركة "فرنسا الأبية" تشعر بالتهميش والإقصاء في عملية التوزيع.

إذا استمر هذا الانسداد، قد يلجأ مكتب الجمعية إلى حل تقني من خلال منح تناوب المجموعات البرلمانية على رئاسة مجموعات الصداقة المعنية، مع اعتبار معيار قوة تمثيليتها في المجلس، ما سيمنح التجمع الوطني أولوية ترؤس مجموعة فرنسا-المغرب، متبوعة بأحزاب الأغلبية الرئاسية.

تحميل المزيد