أثار قرار محكمة الجنايات المختصة في مصر رفع أسماء (716) شخصاً من قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين دفعة واحدة بعد أن شهد هذا الملف جموداً طيلة السنوات الماضية، تساؤلات عديدة حول دوافع اتخاذه في هذا التوقيت، تحديداً مع الكشف عن الأسماء التي شملها القرار، وتضمنت قيادات بارزة بتنظيم الإخوان الذي تصنفه مصر إرهابياً، وفي ظل متغيرات عديدة داخلية وخارجية تشي بوجود تحولات في التعامل المصري مع ملف الحريات العامة.
وجاء بيان إصدار القرار بأنه يأتي "تأكيداً لحرص الرئيس عبد الفتاح على أبنائه، وفتح صفحة جديدة لهم، للانخراط في المجتمع صالحين يحافظون على بلدهم ويعيشون في أمان على أرضها، وأن الفرصة قائمة أمام كل متهم، وباب الأمل مفتوح للعودة إلى الصواب والابتعاد عن طريق السوء للاستفادة من التوجيه الرئاسي بمراجعة مواقف المتهمين بصفة مستمرة".
مصادر حكومية مطلعة كشفت لـ"عربي بوست" الأسباب الحقيقية وراء هذه الخطوة في هذا التوقيت بالذات، وعلاقة صندوق النقد الدولي.
البعد الاقتصادي حاضر في القرارات الأخيرة
أوضح مصدر حكومي مسؤول تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، أن القاهرة تلقت مطالبات بضرورة تسوية ملف المدرجين على قوائم الإرهاب ممن لم يثبت تورطهم في أعمال عنف، وكذلك تسوية ملف المحبوسين بوجه عام، وذلك خلال النقاشات التي أجراها صندوق النقد الدولي مع الحكومة المصرية نهاية العام الماضي قبل التوصل إلى اتفاق بشأن الحصول على قرض جديد.
وأضاف المصدر المطلع على المباحثات أن تدخل الصندوق في هذه النقطة يأتي من منطلق اقتصادي بحت لأن "وجود أوضاع مضطربة على المستوى الأمني والسياسي لا يساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية".
وذكر المصدر أن الصندوق ربط قدرة الحكومة المصرية على التسويق لجذب الاستثمارات الأجنبية باتخاذ إجراءات مهمة على المستوى الحقوقي وإذابة الشوائب التي تعيق مسألة فتح المجال العام، مؤكداً أن المفاوضات الأخيرة التي جرت الأسبوع الماضي بين الحكومة وبعثة صندوق النقد تطرقت مرة أخرى إلى تحسين المناخ السياسي بما يساعد على جذب الاستثمارات، وبما يسرع وتيرة تنفيذ برنامج الطروحات، وأن: "القاهرة وجدت أن الفرصة مواتية لاتخاذ مثل هذه الخطوات التي تمكنها من ضرب عدة عصافير بحجر واحد"، على حد تعبيره.
وتابع قائلاً: "الخطوة لاقت أصداءً إيجابية في الخارج، وعبرت عن انفتاح الحكومة على جميع التوجهات التي تثبت رغبتها في التعايش السلمي والابتعاد عن حالة العداء التي بلغت ذروتها قبل عشر سنوات، وأخذت في التراجع إلى أن غابت المهددات السابقة".
وأشار إلى أن القاهرة تهدف بذلك إلى إثبات أنها تجاوزت مرحلة خطر الإرهاب وأضحت في وضعية تسمح لها بجذب رؤوس الأموال الأجنبية في مشروعات عديدة، وليس مجرد جذب للأموال الساخنة التي يمكن خسارتها بقرار واحد وترتب عليها خسائر اقتصادية فادحة في السابق.
وأوضح أن تضمُّن القائمة لبعض الأسماء ذات الخلفية الاقتصادية المهمة، مثل:
• وليد عصفور، صاحب مصنع كريستال عصفور.
• رائد الأعمال عمر الشنيطي وأخيه مصطفى الشنيطي.
• علي طلبة، مؤسس راديو شاك.
• عبد الوهاب عبد الغفار، رئيس مجلس إدارة شركة رنين.
• يحيى حامد، وزير الاستثمار الأسبق.
• يوسف ندا، أحد أبرز رجال الأعمال المصريين والحاصل على الجنسية الإيطالية.
كل ذلك – بحسب رأيه – يمنح إشارات على أن البعد الاقتصادي حاضر في القرارات الأخيرة، وأن القاهرة تبعث رسالة تهدف إلى التأكيد على أن استثمارات هؤلاء ستعمل بلا أي قيود مالية.
وأكد المصدر أن فتح الباب أمام عودة هؤلاء مرة أخرى إلى الاقتصاد، رغم كون الحكومة المصرية تعتبرهم إرهابيين وبمثابة أعداء سياسيين لها، يشجع رؤوس الأموال الأجنبية على التوافد، بخاصة أن مشروعات البنية التحتية والحصول على شهادات اعتماد من البنك الدولي وصندوق النقد بتماسك الاقتصاد لم تؤدِّ إلى جذب الأموال بالوتيرة المتوقعة.
وأضاف أن البلاد تعيش في حالة استقرار على المستوى السياسي منذ سنوات، ولم تشهد مؤخراً مظاهرات أو أحداث عنف، وبالتالي أضحى صانع القرار على قناعة بأن حلحلة المشكلات مع من يقبعون في السجون أو من فروا هاربين للخارج يعد أمراً ضرورياً في الوقت الحالي.
وتضمنت القائمة أيضاً عدداً من قيادات تنظيم الإخوان البارزين، بينهم الداعية وجدي غنيم، والإعلامي هيثم أبو خليل، والقيادي أمير بسام، وجهاد عصام الحداد، والصحفي إبراهيم الدراوي، والخبير الاقتصادي والداعية الراحل يوسف القرضاوي، والسيد عسكر، والسيد نزيلي، ومسعود السبحي، ورجل الأعمال علي فهمي طلبة.
وأكدت النيابة العامة في بيان لها أن قرار المحكمة جاء في إطار توجه الدولة بمراجعة موقف المدرجين على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، وكلفت النيابة العامة الجهات الأمنية بإجراء التحريات للوقوف على مدى استمرار نشاط كافة المدرجين على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، تمهيداً لرفع كل من يثبت توقف نشاطه الإرهابي من تلك القوائم.
ونفاذاً لذلك، أسفرت تحريات الجهات الأمنية عن توقف عدد (716) شخصاً من المدرجين على تلك القوائم عن أنشطتهم غير المشروعة ضد الدولة ومؤسساتها؛ ومن ثم قام النائب العام بعرض الأمر على محكمة الجنايات منعقدة في غرفة المشورة التي أجابت النيابة العامة إلى طلبها برفع أسماء الأشخاص المشار إليهم من تلك القوائم. وتنوه النيابة العامة بأنه جارٍ مراجعة موقف باقي المدرجين على تلك القوائم، وذلك تمهيداً لرفع من يثبت توقف نشاطه.
وكشفت حيثيات قرار محكمة الجنايات عن إجراء الأمن الوطني تحريات تكميلية بشأن 808 أشخاص من المدرجين سابقاً في نفس القضية التي تحمل رقم 620 لسنة 2018 حصر أمن الدولة العليا، وعلى رأسهم نجم منتخب مصر السابق محمد أبو تريكة المقيم حالياً في قطر.
تعود هذه القضية للساحة من جديد بعدما ألغت محكمة النقض في أيار/ مايو الماضي إدراج جميع المتهمين فيها على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين.
إشارات ورسائل لقوى إقليمية
في المقابل، كشف مصدر مسؤول ثانٍ بالحكومة المصرية أن الدولة المصرية واجهت ضغوطاً حقوقية عديدة خلال الأشهر الماضية لتسوية ملف قوائم الإرهاب وإتاحة الفرصة لمن لديهم رغبة في الانخراط مجدداً في العمل السياسي العام بعيداً عن استخدام العنف.
وأكد المصدر أن جميع الصفقات التي عقدتها القاهرة مع جهات دولية بشأن إنقاذ تعثرها الاقتصادي كانت تتضمن ما يشبه النصائح التي لم تصل إلى حد الطلب الصريح، لتفكك هذا الملف، خاصة بعد أن فرضت الدولة سيطرتها على الأوضاع الداخلية بشكل كبير.
وأشار إلى أن الدولة المصرية أرادت التخفيف عن كاهلها عبر التأكيد على أنها لم تعد تخشى قوة تنظيم الإخوان، وأن الانطباع الخارجي بأن الجماعة تشكل "بعبعاً" للنظام المصري في الداخل غير صحيح. وأكد أن الدولة ترى أنها يمكن أن تبقى أكثر انفتاحاً دون أن يسبب ذلك مشكلات أمنية أو سياسية لها، بينما تنتظر ردود الأفعال التي قد تأتي من الداخل وترفض تمرير ملف المصالحة مع الجماعة، للتأكيد على أن ذلك يعبر عن موقف شعبي وليس نابعا من جانبها.
وذكر أن الرسالة المصرية تتمثل في أن "هناك عناصر من تنظيم الإخوان عادوا لأحضان الدولة وتقبلتهم"،
وتهدف إلى إرسال إشارات لقوى إقليمية تنظر إليها القاهرة باعتبارها عدواً، مثل إثيوبيا وإسرائيل، بأنها مستعدة لأي مواجهة مستقبلية حال اقتضت الضرورة ذلك، دون أن تكون لديها هواجس من عدم تماسك الجبهة الداخلية. كما أن الانفتاح على بعض قادة الجماعة يشير إلى أن الدولة تنتظر منهم مزيداً من المراجعات التي تضمن انغماسهم بشكل طبيعي في المجتمع، على حد قوله.
وشكك المصدر المطلع في إمكانية أن تكون الأسماء المدرجة في القائمة التي جرى الإعلان عنها قد خضعت لمراجعات أمنية دقيقة، مؤكداً أن الهدف هو المغزى والتوقيت، الذي يشير إلى أن الدولة لا تخشى أحداً، وأنه في حال لم يجد المشمولون بالحكم، حال جرى الإفراج عنهم، الترحيب اللائق من المجتمع، فإن ذلك سوف يعزز عزلتهم. كما تهدف مصر إلى التأكيد على أن جميع المساعي الخارجية التي ضغطت على القاهرة لتسوية الملف خلال السنوات الماضية لم تأت بمردود إيجابي، وأن القرار نابع عن قناعة تامة بأنه آن الأوان لإعادة فتح صفحة جديدة تعزز الاستقرار الداخلي وتشجع على جذب الاستثمار.
وأكد أن تجربة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في فتح الباب أمام عودة من أسماهم في ذلك الحين بـ"التائبين" إلى العمل العام حققت نجاحاً من وجهة نظر النظام المصري الحالي. ففي ذلك الحين، قام بعض القيادات بإجراء مراجعات وإرسال خطابات مباشرة للرئيس المصري الراحل. وأشار إلى أن القرارات الأخيرة لا تعني وجود مصالحة مع تنظيم الإخوان، ولكنها قد تستوعب الأشخاص التائبين، على أن يتم التعامل معهم كأفراد وليس كأعضاء ضمن جماعة أو فصيل سياسي.
اقتراب المراجعة الشاملة أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان
وفقاً لقانون الكيانات الإرهابية الذي أصدره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2015، فإن كل من يتم إدراجه على قوائم الكيانات الإرهابية يتعرض لـ:
1. تجميد الأموال وحظر التصرف في الممتلكات الخاصة.
2. المنع من السفر وترقب الوصول.
3. حظر النشاط والتجميد بالنسبة للكيانات الاعتبارية وحظر التمويل داخلياً وخارجياً.
كما يخضع الشخص المدرج على قوائم الكيانات الإرهابية لسحب جواز سفره أو إلغائه، أو يُمْنَع من تجديده، سواء كان مقيماً بالداخل أو الخارج. بالإضافة إلى ذلك، يفقد الشخص صفة "حسن السيرة والسلوك" اللازمة لتولي المناصب العامة والنيابية.
وينص القانون على أن نشر قرار الإدراج في الجريدة الرسمية يؤدي إلى:
• حل الكيان الإرهابي ووقف أنشطته.
• غلق الأماكن المخصصة له.
• حظر اجتماعاته ومشاركة الأفراد في أي منها بأي شكل.
• حظر تمويل أو جمع الأموال أو الأشياء لصالح هذا الكيان بشكل مباشر أو غير مباشر.
• تجميد الممتلكات والأصول المملوكة له أو لأعضائه.
• حظر الانضمام للكيان أو الدعوة إليه أو الترويج له.
في عام 2018، أدرجت محكمة الجنايات نحو 1527 شخصاً وقيادياً في جماعة الإخوان على قوائم الكيانات الإرهابية. وفي عام 2020، قررت السلطات إدراج عدد آخر من قيادات وعناصر الجماعة وجماعات أخرى في قوائم الكيانات الإرهابية.
وقال رئيس هيئة الاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، في تصريحات إعلامية إن القرار "يعكس مناخاً عاماً أكثر إيجابية في الملف الحقوقي، ويمثل أيضاً تفاعلاً مع مبادئ الحوار الوطني الذي بدأ في الدفع بقضايا حقوق الإنسان منذ نحو عامين"على حد تعبيره.
وأشار رشوان إلى أن القرار القضائي، "رغم استقلاله، يعكس إرادة سياسية حقيقية لإحداث تغيير في قضايا الحريات وحقوق الإنسان". كما أوضح أن القرار يأتي في إطار توجه الدولة لمراجعة موقف المدرجين على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين.
وكشف مصدر حقوقي مطلع وعلى صلة بدوائر الحكم أن توقيت اتخاذ القرار مرتبط بقرب المراجعة الدورية الشاملة أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان، المزمع انعقادها في شهر يناير/ كانون الثاني 2025.
وتسعى مصر إلى القيام بهذه المراجعة استجابةً لأحد التوصيات التي قبلتها بشكل جزئي قبل أربع سنوات، والمتعلقة بإعادة النظر في قوائم الإرهاب.
وأشارت المصادر إلى أن القائمة الحالية تضم في أغلبها العديد من الشباب الذين أجروا مراجعات فكرية أثناء تواجدهم في السجون طيلة السنوات الماضية، وتحاول الدولة المصرية كسب هؤلاء بدلاً من أن يكونوا وقوداً يمكن استخدامهم ضدها.
وشدد المصدر على أن قانون الإرهاب من بين مجموعة من القوانين التي تلقت مصر بسببها مطالبات عديدة بتعديلها وإعادة النظر فيها، إلى جانب قانون الحبس الاحتياطي وقوانين العقوبات وغيرها من القوانين السالبة للحريات.
وأشار إلى أنه لن يتمتع بالآثار الإيجابية المترتبة على رفع الاسم من القائمة من هم مدرجون على قائمة الإرهابيين على ذمة قضايا أخرى، سواء بمناسبة إجراء التحقيقات أو بموجب صدور حكم قضائي بات بالإدانة.
وأوضح المصدر أن إدراج بعض الأسماء على قوائم الإرهاب أثار انتقادات حقوقية، على اعتبار أن هذا الإجراء يمثل "تعسفاً لقمع المعارضة".
وأضاف أن هذه الانتقادات اشتدت خصوصاً بعد إدراج عدد من الحقوقيين والمعارضين على قوائم الإرهاب خلال السنوات الماضية، ومن بينهم الناشط علاء عبد الفتاح، والمحامي الحقوقي محمد الباقر، والبرلماني السابق زياد العليمي.