مررت الحكومة المصرية بشكل مبدئي قانون لجوء الأجانب الذي أثار جدلاً حقوقياً وشعبياً واسعاً خلال الفترة الماضية، ولم تُعر الحكومة أي اهتمام بالانتقادات التي وجهها المؤيدون للحكومة قبل المعارضين لها، وفق ما كشفته مصادر مطلعة.
المصادر التي تحدثت لـ"عربي بوست" أوضحت أن سرعة تمرير قانون لجوء الأجانب يعود لرغبة القاهرة في تنفيذ تعهداتها للجهات والمنظمات الدولية وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي الذي قدم دعماً مالياً لمصر بمليارات الدولارات قبل عدة أشهر.
وأضاف المتحدث الذي فضل عدم ذكر اسمه أن الاتحاد الأوروبي ظل يؤكد بين الحين والآخر على أنه ماضٍ في دعم مصر لاستقبال اللاجئين بما لا يتسبب في أزمة لجوء لدى دول الاتحاد التي تعاني من توالي وصول مراكب الهجرة غير الشرعية إلى شواطئها.
ومنذ أيام وافق مجلس النواب المصري من حيث المبدأ على مشروع القانون المقدم من الحكومة بإصدار قانون لجوء الأجانب، وهو يهدف لوضع تنظيم قانوني لأوضاع اللاجئين وحقوقهم والتزاماتهم المختلفة في إطار الحقوق والالتزامات التي قررتها الاتفاقيات الدولية التي انضمت مصر إليها.
ويقضي القانون بإنشاء اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين، وتتبع رئيس مجلس الوزراء، وتكون هي الجهة المعنية بشؤون اللاجئين، وعلى الأخص الفصل في طلبات اللجوء، والتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وضمان تقديم كافة أوجه الدعم والرعاية والخدمات للاجئين.
فيما يُقدم طلب اللجوء إلى اللجنة المختصة من طالب اللجوء أو من يمثله قانوناً، وتفصل اللجنة في الطلب خلال ستة أشهر لمن دخل إلى البلاد بطريق مشروع، وخلال سنة بحد أقصى لمن دخل البلاد بطريق غير مشروع.
بقاء اللاجئين "إلى ما لا نهاية"
يقول مصدر حكومي مطلع على المحادثات التي جرت مع الاتحاد الأوروبي، إن الدولة المصرية استجابت للاتحاد الأوروبي الذي دشن شراكته الاستراتيجية مع مصر على أساس تحسين أوضاع اللاجئين في مقابل تقديم مساعدات اقتصادية ومشروعات استثمارية ضخمة جرى التفاهم عليها في شهر مارس الماضي.
وأضاف مصدر "عربي بوست" أن الهدف هو دمج اللاجئين بشكل كامل في المجتمع، ويتوقف ذلك على آلية تطبيق القانون خلال الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن القاهرة دشنت شراكتها مع الاتحاد الأوروبي منذ العام 2015 على أسس تتعلق بتأمين حدودها للحد من الهجرة غير الشرعية، ويستمر ذلك حتى الآن.
حسب المصدر فإن القاهرة تنتظر خلال الشهر المقبل ضخ أكثر من مليار دولار من إجمالي قيمة المساعدات التي تصل إلى 7.4 مليار يورو، وبينها أموال مخصصة لضبط مسألة الهجرة غير الشرعية وأخرى ترتبط بتحسين أوضاع اللاجئين على الأراضي المصرية.
فيما أشار المتحدث لـ"عربي بوست" إلى أن الانتقادات الحقوقية التي جرى توجيهها بشأن قانون لجوء الأجانب لن يتم التوقف أمامها كثيراً، وأن المستهدف هو وجود آلية تضمن عدم دفع اللاجئين للهجرة خارج البلاد بما يسهل وصولهم إلى شواطئ أوروبا.
وذكر المصدر أن تمرير القانون في الوقت الحالي لا ينفصل كذلك عن قرب وصول ما يقرب من 800 مليون دولار من البنك الدولي نظير استضافة مصر لأعداد كبيرة من اللاجئين، وذلك قبل منتصف العام المقبل.
ويأتي ذلك في إطار التعاون بين مصر والهيئات والمنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة عبر مفوضية اللاجئين، التي تطالب منذ ما يقرب من 20 عاماً لأن تكون هناك جهة حكومية مصرية تتولى مسألة رصد أعداد اللاجئين وإتاحة الخدمات التي يحتاجونها.
وأشار المتحدث إلى أن اللجنة المزمع تشكيلها سوف تواجه عقبات جمة على مستوى تحديد أعداد اللاجئين وتقنين أوضاعهم ويتطلب ذلك مزيداً من المساعدات اللوجيستية التي تسهل عملها، وأن القانون يمهد لبقاء اللاجئين إلى ما لا نهاية على الأراضي المصرية بعد أن فتح المجال أمام إمكانية حصولهم على الجنسية المصرية.
كما أن الحقوق التي منحها لهم قانون لجوء الأجانب في العمل وحق الاستناد إلى قوانين الأحوال الشخصية في بلدانهم، يوضح المصدر الحكومي، تؤكد على أن مسألة عودة جزء كبير منهم إلى بلادهم أضحت مستحيلة.
وأكد أن الحكومة تضع في اعتبارها التأثيرات الأمنية لوجود الملايين من جنسيات مختلفة على أراضيها، وأضحت على قناعة بأنه في حال صدور القانون أو عدم صدوره فإنها لن تستطيع دفعهم لمغادرتها، وقد يساعد القانون أولاً في التعرّف على أعداد اللاجئين، ومن ثم التعامل معهم وفقاً لمقتضيات الأوضاع الأمنية والسياسية في مصر مستقبلاً.
قانون لجوء الأجانب يحظر العمل السياسي
وبالنسبة للانتقادات الموجهة إلى مصر بشأن حظر ممارسة أي نشاط سياسي وتشديد القبضة الأمنية عليهم، شدد المصدر ذاته على أن كل هذه المواد موجودة بالأساس في قانون العقوبات وليست مستجدة.
واستطرد أن الجاليات الأجنبية في مصر لديها قدر كبير من المسؤولية التي تجعلها تحافظ على الأمن العام وتدرك بأن الأجهزة الأمنية لديها القدرة على ضبط الأمور وعدم السماح بخروجها عن سياقها، وأن ترحيل أعداد كبيرة من السوريين قبل عشر سنوات حينما شاركوا في احتجاجات سياسية كان بمثابة إنذار مصري قوي بعدم الانخراط في السياسة.
ونص مشروع القانون على إسقاط وصف اللاجئ ويتم إبعاد الشخص فورًا عن البلاد إذا كان قد اكتسب ذلك بناء على غش، أو احتيال، أو إغفال أي بيانات أو معلومات أساسية، أو إذا ثبت ارتكابه لأي من المحظورات المنصوص عليها في القانون.
ومن المحظورات المنصوص عليها في القانون، ارتكاب أي عمل من شأنه المساس بالأمن القومي أو النظام العام أو يتعارض مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي أو جامعة الدول العربية، أو أي منظمة تكون مصر طرفًا فيها، أو أي عمل عدائي ضد دولته الأصلية أو أي دولة أخرى، أو مباشرته في مصر لأي عمل سياسي أو حزبي أو أي عمل داخل النقابات، أو التأسيس أو الانضمام أو المشاركة بأي صورة في أي من الأحزاب.
ويشير مصدر حكومي على صلة بملف اللاجئين إلى أن قانون لجوء الأجانب رغم العوار الذي يصاحب عددًا من مواده إلا أنه يصدر لأول مرة بعد ما يقرب من 70 عامًا على توقيع القاهرة لاتفاقية اللاجئين، وبعد مطالب عديدة لمفوضية شؤون اللاجئين في البلاد، كما أنه يأتي استجابة للدستور المصري الذي يتيح لها أن تمنح حق اللجوء السياسي لكل أجنبي تعرض للاضطهاد لأسباب مختلفة.
وأشار إلى أن مصر أصبحت الآن صاحبة الحق في تحديد صفة اللاجئ ومنح الأوراق التي تتيح له التواجد بأمان داخل البلاد مع تزايد الحملات الأمنية التي تستهدف ترحيل المخالفين لنظام الإقامة.
كما أن مصر، يقول المصدر، وجدت نفسها مرغمة لإصدار القانون لأن قانون اللجوء الذي صدر قبل عدة أشهر وأجبر الذين دخلوا بطرق غير شرعية على دفع مبلغ 1000 دولار لتقنين أوضاعه لم يلق قبولاً ووجدت أنه من المستحيل الارتكان عليه في ظل مخاطر أمنية نتيجة استمرار الحرب في قطاع غزة والسودان.
رفض القاهرة الضغط بورقة حقوق الإنسان
يشدد مصدر "عربي بوست" على أن الأهم بالنسبة للاجئين هو التمتع بالحقوق الاجتماعية والصحة والتعليم ولا تعد السياسة ذات أولوية بالنسبة لكثير منهم، خاصة أنهم هربوا من حروب كانت ستقضي على حياتهم.
كما أن تقديم الحماية للاجئين يتيح إمكانية استجابتهم لشروط الدولة المضيفة، ومصر في الوقت الحالي تواجه أزمات اقتصادية متفاقمة بحاجة لتهدئة الأوضاع في الداخل.
وذكر المصدر أن مصر حصلت على ضوء أخضر من جانب الاتحاد الأوروبي والجهات الدولية التي ضغطت عليها لتمرير القانون، بأن مسألة الضغط بورقة حقوق الإنسان "لا محل لها في ظل استضافة القاهرة كل هذا الكم من اللاجئين".
في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أكد وزير خارجية إسبانيا، خوسيه مانويل ألباريس، في مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية المصري، الدكتور بدر عبد العاطي، التزام أوروبا بمساعدة مصر في التعامل مع أزمة اللاجئين.
ووفق منظمات حقوقية فإن قانون لجوء الأجانب تم تقديمه دون إشراك الشركاء الدوليين أو منظمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال حماية اللاجئين، والتي تتولى عبء إدارة آلية تحديد موقف اللجوء، وتقديم المساعدات لمجتمعات اللاجئين منذ عقود، بالتعاون مع- أو نيابة عن الدولة في بعض الأحيان.
كما أن قانون لجوء الأجانب، يوضح مصدر "عربي بوست"، يعكس غياب معايير واضحة لاختيار وتدريب الموظفين في اللجنة المزمع تشكيلها للإشراف على عملية اللجوء، وكذلك المعايير التي تستند إليها اللجنة في إصدار قراراتها.
وأضاف بيان وقعت عليه 15 منظمة حقوقية أنه تجاهل للنص على فترة انتقالية تتناسب مع حجم المهمة، وتجاهل وجود منظومة قانونية قائمة، ولم يتضمن أي إشارة إلى إجراءات لتنظيم الانتقال السلس إلى المنظومة الجديدة، مفترضا فيما يبدو أنها عملية لحظية تتم بشكل تلقائي فور صدور القانون.
وأكدت المنظمات الحقوقية أن تشكيل بنية قانونية لتسجيل ملتمسي اللجوء وتحديد صفة اللجوء وإدارة البيانات وحمايتها عملية بالغة التعقيد قانونيا ولوجستيا، وتحتاج إلى فترة إعداد وتأهيل طويلة، وإلى تعاون لصيق مع الجهات التي اضطلعت بهذه المهمة لفترة تقترب من خمس عقود.
صراعات سياسية ومذهبية وقوانين غير مصرية
في المقابل يوضح محلل سياسي قريب من الحكومة المصرية، إن القانون بدلاً من أن يحدد مدة مؤقتة للاجئ تضمن عودته مرة أخرى إلى بلاده عقب انتهاء الصراعات السياسية والحروب فتح له الباب أمام الإقامة بشكل دائم على الأراضي المصرية.
هذا الأمر يقول المحلل السياسي "ستكون لديه انعكاسات وخيمة على تكاثر أعداد المقيمين في مصر في ظل معاناة الدولة المصرية من الانفجار السكاني، كما أن وجود ثقافات مختلفة جاءت اضطرارًا وليس اختيارًا يفتح الباب أمام صراعات سياسية ومذهبية عديدة بخاصة وأن القانون أتاح حرية الاعتقاد للاجئين".
وأشار إلى أن إتاحة مسألة سريان قانون الأحوال الشخصية المعمول به في بلده الأم على قضاياه داخل مصر يشير إلى أنه أضحى من حقه إعمال قوانين غير مصرية على الأراضي المصرية وهذا الأمر لا يحدث في أي دولة في العالم.
وأضاف المتحدث أن إتاحة فترة زمنية تصل إلى سنة لتوفيق أوضاع من دخلوا البلاد بصورة غير شرعية يشير إلى أن هناك إقامة ممتدة لمئات الآلاف ممن دخلوا البلاد بصورة غير شرعية، كما أن إتاحة حرية الاعتقاد تفتح الباب مستقبلاً أمام صراعات مذهبية غابت عن مصر طيلة العقود الماضية.
ويشير قانون لجوء الأجانب إلى أن اللاجئ يتمتع فور اكتسابه هذا الوصف بالعديد من الحقوق، منها: الحق في الحصول على وثيقة سفر تصدرها وزارة الداخلية بعد موافقة اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين، وحظر تسليمه إلى الدولة التي يحمل جنسيتها أو دولة إقامته المعتادة.
كما يتمتع بحريته في الاعتقاد الديني، ويكون لأصحاب الأديان السماوية منهم الحق في ممارسة الشعائر الدينية بدور العبادة المخصصة لذلك، وخضوعه في مسائل الأحوال الشخصية بما في ذلك الزواج وآثاره، والميراث، والوقف، لقانون بلد موطنه أو إقامته إذا لم يكن له موطن، وذلك بما لا يتعارض مع النظام العام.
وفي 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، قالت المسؤولة بمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في مصر، كريستين بشاي، إن مئات السودانيين الفارين يصلون إلى مصر يوميًا، يضاف إلى أكثر من 1.2 مليون سوداني، لجأوا إلى البلد المجاور، وفق الأرقام الحكومية المصرية.
وبحسب بيانات حكومية وصلت أعداد اللاجئين في مصر لأكثر من 9 ملايين من نحو 133 دولة يمثلون نسبة 8.7% من حجم سكان البلاد، فيما أشار رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي قبل عدة أشهر إلى أن الدولة المصرية تتكلف 10 مليارات دولار سنويًا تكلفة استقبال هؤلاء اللاجئين.