دفعت الزيادات في أسعار الوقود في مصر، العديد من المصريين إلى التخلي عن سياراتهم والاعتماد على وسائل النقل العمومية، وهو ما تترجمه أرقام بيع السيارات الجديدة وحالة الركود التي يعانيها تجار بيع السيارات المستعملة.
وكشفت بيانات حديثة، عن تراجع مبيعات السيارات في السوق المصرية بنسبة 5% على أساس شهري في سبتمبر/أيلول، لتصل إلى 9.5 ألف وحدة، مقابل 10 آلاف وحدة في أغسطس/آب الماضي.
ووفق البيانات الصادرة عن مجلس معلومات سوق السيارات المصري "أميك"، فإن هذا الانخفاض يعد الثاني على التوالي في مبيعات السيارات الشهرية، ما يشير إلى التباطؤ بعد أربعة أشهر من النمو بين أبريل/نيسان ويوليو/تموز.
وانخفضت مبيعات السيارات بنسبة 43% على أساس شهري في مارس/آذار الماضي، حينما بيعت 4200 وحدة فقط، وهو أدنى مستوى لمبيعات السيارات منذ بداية تتبع "إنتربرايز" لمبيعات السيارات في البلاد في يناير/كانون الثاني 2019.
تراجع معدلات بيع السيارات وزيادة مبيعات الحافلات
وكشف مصدر مطلع بشعبة السيارات، أن ركود حركة بيع السيارات سوف يظهر على نحو أكبر خلال الأرقام التي يسجلها معلومات سوق السيارات المصري "أميك" عن شهر أكتوبر، والتي من المفترض أن يتم الإعلان عنها بداية الشهر المقبل.
وقال المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" إن قرار الحكومة المصرية بزيادة أسعار الوقود للمرة الثالثة هذا العام، قاد مباشرة لحالة ركود هي الأكبر على مدار الأشهر الماضية.
وأشار إلى أن معارض بيع السيارات الجديدة كانت تتوقع انتعاشا خلال الأشهر الحالية مع تنبؤات بتخفيض سعر الجنيه مرة أخرى خلال الأشهر المقبلة، غير أن الواقع لا يشير إلى أن السوق قد تأثر بمثل هذه الأخبار التي كانت تنعكس مباشرة على حركة البيع.
وأوضح أن معدلات بيع السيارات داخل معارض السيارات المستعملة تراجعت بنسبة قد تصل إلى 70% هذا العام مقارنة بالعام الماضي، رغم أن هناك استقرارا في سعر الصرف منذ الربع الأول من هذا العام.
وكانت التوقعات تشير أيضا إلى إمكانية تحريك السوق على نحو أكبر بعد التعويم الأخير، لكن ذلك لم يحدث في ظل تراجع القدرة الشرائية وتوقف المواطنين عن بيع سياراتهم القديمة، وإن كان البعض لا يستخدمها، كما أن الاتجاه لشراء سيارات مستعملة تراجع بشدة مع زيادة تكاليف صيانة السيارات وارتفاع أسعار الوقود.
وذكر المتحدث أن عدد السيارات المباعة حتى بداية أكتوبر 2023 يمكن تقديره بـ 75 ألف سيارة مقارنة بـ 90 ألف سيارة العام الماضي، في حين أن العام 2021 شهد بيع 150 ألف سيارة، فيما بلغت معدلات بيع السيارات بنحو 350 ألف سيارة في العام 2019، وقبلها وصلت إلى 500 ألف سيارة في العام الواحد.
مشيراً إلى أن ذلك يعبر عن تحولات في قرارات المصريين نحو استخدام السيارات الخاصة في ظل ارتفاع الكثافة السكانية، ومع زيادة أعداد الوافدين الذين يكون لديهم القدرة على شراء السيارات أيضا.
وأوضح أن زيادة أسعار البنزين ليست وحدها السبب بل أيضا تراجع قيمة الجنيه وارتفاع أسعار السيارات ووقف استيرادها في أوقات عديدة، وكذلك قرار الحكومة الأخير بوقف استيراد سيارات ذوي الهمم.
غير أن ما يشير لتحول سلوكيات المصريين أنه في الوقت الذي تراجعت فيه معدلات بيع السيارات الملاكي للمواطنين خلال الأشهر الماضية، زادت مبيعات الحافلات بنسبة بنسبة 20.4% على أساس شهري إلى 727 مركبة، خلال أغسطس/ آب 2023.
طفرة في مشاريع تأجير السيارات
أفادت وكالة فوكاس تو موف "F2M" الأمريكية المتخصصة في أبحاث أسواق السيارات، بتراجع حاد في حركة البيع والشراء بالسوق المصري خلال النصف الأول من عام 2024 الجاري.
وكشفت الوكالة الأمريكية في أحدث تقرير لها، بتوقف المبيعات الإجمالية خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري عند 33,785 وحدة، بانخفاض بنسبة 27.3% على أساس سنوي.
وقالت F2M إن سوق السيارات المصري، الذي كان قبل سنوات قليلة واحداً من أكبر وأهم أسواق القارة الأفريقية، لا يزال يعاني بسبب تراجع القدرة الشرائية وتباطؤ عمليات الاستيراد منذ أكثر من عامين.
مشيرة إلى أن الصدمات العالمية المتعددة تسببت في أزمة صرف أجنبي وتضخم تاريخي، ما فاقم الأزمة الاقتصادية على الصعيد المحلي، وانعكست سلباً على سوق تجارة السيارات.
وبحسب تاجر سيارات، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، فقد كان يبيع في الشهر عدد سيارات يتراوح ما بين 10 إلى 15 سيارة، لكن الآن يبيع سيارة أو اثنتين على الأكثر.
وقال المتحدث إن اتجاه المصريين لبيع سياراتهم القديمة انخفض بشكل كبير، والجميع ينتظر تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح في حال حدث تعويم في سعر العملة المحلية.
وأضاف أن ما يشير إلى اتجاه كثير من المصريين للاستغناء عن سياراتهم الطفرة التي حدثت أخيراً في مشاريع تأجير السيارات، وهو سوق أخذ في التوسع، ويكون الإيجار إما يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً وفي بعض الأحيان يصل إلى عام نظير مقابل شهري.
لافتاً إلى أن تكاليف الترخيص والصيانة تجعل الكثيرين يبحثون عن حلول أخرى بحيث يستقل السيارة في وقت حاجته فقط.
مواطنون يستقلون سيارات غير آمنة لتوفير النفقات
واضطر مواطنون كثر للتخلي عن سياراتهم بعد فشلهم في تدبير نفقاتها، ومنهم محمود حسن، وهو موظف بإحدى الشركات الحكومية، إذ يشير إلى أنه أضحى بعد الزيادة الأخيرة في أسعار البنزين يقوم بـ"تفويل" سيارته بقيمة 800 جنيه في الأسبوع الواحد للذهاب إلى عمله.
وقال المتحدث إنه بحاجة إلى ما يقرب من 3500 جنيه للوقود فقط، وكان يعتمد على توفير بضعة جنيهات حيث يقوم بتوصيل أبنائه إلى المدرسة، لكنه وجد أن ميزانية السيارة مع حاجتها إلى صيانة مستمرة، وكذلك تجديد رخصتها كل عام تصل إلى ما يقرب من 6000 جنيه كل شهر.
وأوضح أن هذا الرقم صعب تحمله، وقام بالاشتراك لأبنائه في سيارة تكفي لاستيعاب ثمانية ركاب وتٌعرف باسم "تُمناية"، غير أن سائقها يكدس داخلها 15 طالب وطالبة نظير مبلغ مالي زهيد.
وقال إنه اضطر للاشتراك في إحدى خدمات النقل الذكي التي توفر شاحنات للانتقال من محل سكنه إلى مكان عمله والعودة مرة أخرى من خلالها أو عبر استقلال وسائل المواصلات العامة.
مشيراً إلى أنه يوفر ما يقرب من 2500 جنيه في تلك الحالة، لكن في مقابل ذلك فإن أبناءه يستقلون سيارات غير آمنة، وهو يضطر للذهاب إلى أقرب محطة تقف بها الحافلة، وقد تتأخر في بعض الأحيان.
وأشار إلى أن سيارته أضحت تقتصر على الذهاب لقضاء المشاوير العائلية، ويمكن أن يستخدمها مرة واحدة في الأسبوع أو لا يستخدمها من الأساس، لافتاً إلى أنه قد يتجه لبيعها في المستقبل القريب لقناعته بأنها أصبحت عبئاً عليه، ويرى إمكانية الاستفادة بثمنها في ظل صعوبات الأوضاع المعيشية التي يعانيها.
وأعلنت الحكومة المصرية زيادة في أسعار الوقود تتراوح قيمتها ما بين 7% إلى 17% في 18 أكتوبر الماضي، وفي المقابل تشير إحصائيات شركة النقل الذكي "اندرايف" عن أن حجم الطلب على رحلات وخدمات الشركة يتجاوز المليون رحلة يومياً، وأن قطاع النقل الذكي في مصر ينمو بمعدل يفوق الـ 7% سنوياً.